عالم خفايا الأسرار!!
اعلم رحمك الله؛ أن قبول الناس لك، وابتهاجهم بلقائك، ورفعة منزلتك في نفوسهم، إنما تكمن وراءها أسبابٌ خفيّة، يقدر الله وحده معاييرها بدقة بالغة!!
فلا تتوهمن أبداً أن باستطاعة (مالك أو منصبك أو جاهك) منحك مثل هذا القبول الرباني!! وإنما أقصى ما يمكن أن يهبه لك (وبشكل عارض ومؤقت) هو الرضا الظاهري من أصحاب الابتسامات المزيفة، الراغبين في الحصول منك على المنافع الشخصية، أو المصالح المادية التي يظنون قدرتك عليها، فإذا ما تبين لهم زوال تلك القدرة عنك، قلبوا لك ظهر المجن، وأنكروا معرفتك بحال!!
أما المحبة الربانية التي جعل الله موضعها قلوب الخلق، دون رجاء منفعة دنيوية، أو مصالح مادية، فقد يكون من أسبابها الخفية؛ مسحة يدٍ حانية على رأس يتيم!! أو دمعة حارة في جوف الثلث الأخير من الليل، من قلبٍ يتقطع ندماً وحسرة على اقتراف المعاصي!! أو ابتسامة صادقة في وجه فقير منبوذ بالأسواق!! أو تقبيل رأس وأيادي الوالدين براً وعطفاً ورحمة وحناناً!! أو صدقة سرٍ آثر بها صاحبها إخوانه المسلمين، وهو يعاني الفقر والحاجة!! أو رد غيبة أخٍ مسلم، والذب عن عرضه دون الحاجة لإخباره؛ خشية الوقوع في النميمة!! أو طهارة قلبٍ من الغل والحقد والحسد!! أو الزهد فيما في أيدي الناس!! أو سلامة صدر للمسلمين، وقبول أعذارهم وإقالة عثراتهم!! أو السعي في قضاء حاجة الإخوان والفرح لفرحهم والحزن لحزنهم!! أو دعاء الوالدين لولدهم؛رضاً بما يصنع!!
وفي المقابل، قد يكون بغض الله للعبد، والذي يورثه بغض الناس لا محالة، بسبب نظرة سخرية لفقيرٍ أو مسكين!! أو تعنيفٍ لسائل أو محروم!! أو استعلاءٍ على معاق محزون!! أو القسوة على يتيم مكلوم!! أو استمراء النظر لمشاهد العهر والفجور!! أو عقوق الوالدين وإظهار التأففٍ أو النفور!! أو ظلم عامل أو أجير أو مكفول!! أو غيبة مسلمٍ أو سعي بالنميمة والفجور!! أو التكلم فيما لا يعني من الأمور!! أو التعرض لدعوة مظلوم مقهور!! أو موالاة ظالم، والتبرأ من أهل الجهاد والثغور!!
فأمعن النظر يا رعاك الله في خفايا الأسرار الكامنة وراء تيسير أمورك الحياتية أو تعثرها، فالأمر كله بيد الله وحده، ورُبَّ عملٍ قليلٍ تعظِّمه النية، ورُبَّ عملٍ عظيمٍ تحقِّره النيةَ!! فإياك أن تنخدع بمظاهر الدنيا الفانية، وتغفل عن الآخرة الباقية!!
فالمراقب الله . . والعاقبة منها المُعجل في الدنيا، ومنها المُضاعف أجراً أو عقاباً في الآخرة!! فاحذر السقطات الخفية في جميع خطواتك، واغتنم المثوبة كلما لاحت ببابك، فالأمر كله بيد الله وحده!! ومرد أعمالنا جميعاً، قد أحصيت بين يدي الله وحده!!
تعليق