الخليفة ديموقراطوس .. للكاتب عمرو عبد العزيز
لم يصدق نفسه .. لقد أصبح يحكم هذه الدولة العظيمة أخيراً ..
جلس على العرش في تهيب .. ثم تمالك نفسه ورفع يده معلناً لكل الموجودين أمامه دستوره وعهده :
- اننا سنحكم بالديموقراطية .. حرية العقيدة .. حرية الرأي .. الحكم للشعب والسيادة له .. حرية تشكيل الأحزاب والمعارضة وحكم الأغلبية .. التعايش السلمي .. حرية الفكر والابداع ..
أقسم أن أحترم كل هذا .. فالديمقراطية هي السبيل الوحيد للتقدم والازدهار ..
نظر الموجودون الى بعضهم البعض .. لقد بدأ عصر جديد .. عصر الديمقراطية ..
عصر الخليفة ديموقراطوس !
***
بعد أيام من استلام الحكم دخل عليه وفد ضخم ممثل لأكبر المدن في الجزيرة ، قال زعيمهم :
- يا خليفة .. نريد وقف الزكاة .. الناس ضجت من هذا الأمر .. و (الأغلبية) في مدينتنا ترفضه .
صمت الخليفة مفكراً ، انه أول اختبار حقيقي ، لكنه تذكر تعهده باحترام الديمقراطية ، فأقر ممثل هذه المدينة على ايقاف الزكاة نزولاً على رأي الأغلبية ..
دمدم شيوخ البلاط غاضبين ، واندفع أحدهم يذكر الخليفة بأن الزكاة فرض لا يجوز التهاون فيه ، لكن الخليفة غضب وذكره بعهد الديمقراطية .. سيحترم الأغلبية ..
اندفع رجل آخر من زعماء الوفد قائلاً :
- يا خليفة .. في مدينتنا يريدون حرية العقيدة .. هناك حركة ارتداد واسعة وأنت وعدتهم بحرية العقيدة .
هذه المرة زمجر الشيوخ وصمت الخليفة طويلاً .. ان الديمقراطية تفرض حرية العقيدة فعلاً .. انه القسم .. ومن ناحية أخرى فالأمر شديد الخطورة بالفعل .. ان حركة الارتداد واسعة جداً ..
زادت همهمة الشيوخ وغضبهم ، كادت تحدث مناوشات في القاعة بين زعماء الوفود والعلماء .. رفع الخليفة يده وهتف بقوة مطالباً الجميع بالصمت والانصات .. ثم أعلن القرار النهائي :
- مادام الرأي قد انقسم ، ولخطورة هذا الأمر .. فلنجري استفتاء في شبه الجزيرة كلها .. نعم للردة أم لا ..
تنحنح زعيم أحد الوفود وطلب الكلمة ، أذن الخليفة له فقال :
- يا خليفتنا .. هي ردة من وجهة نظرك لكنها عودة الى الأصول من وجهة نظر هؤلاء .. كلمة الردة ستهيج المشاعر ، والمرتدون لا يقبلونها .. اجعلها حرية العقيدة ثم أجر استفتاءً عليها كما تشاء .. لابد من احترام جميع الآراء والتوافق بينها ..
بدون تفكير أقره الخليفة .. سيتم الاستفتاء على حرية العقيدة ..
***
صباح الاستفتاء امتلأت الشوارع أمام اللجان بالعرب .. الكل قرر القيام بالتصويت .. انتشر مندوبو (حركة الحرية والسلام) أمام اللجان ينبهون الناس أن الاسلام يكفل حرية العقيدة .. لابد من احترام هذه القيم والتصويت بنعم لحرية العقيدة .. الكل تأثر .. الأغلبية قررت التصويت بنعم .. نعم لحرية العقيدة .. نعم لحرية الردة ..
خرجت نتيجة الاستفتاء مساءً .. لقد تفوقت (نعم) بنسبة 90 % !
ارتد أغلب العرب صباح اليوم التالي .. وكفل لهم الخليفة الحماية الدستورية والقانونية احتراماً للاستفتاء و الديمقراطية ..
طالب بعض الشيوخ بحرب المرتدين .. لكن اعلام الأغلبية المرتد وصفهم بالتعصب والتطرف والجنون ، بل حوكموا بالفعل بتهمة ازدراء الأديان .. وحكم عليه القضاة بالسجن لعشر سنوات ! صرخوا مطالبين بحرية الرأي .. لكن القاضي ذكرهم بأن أي رأي يخالف الديمقراطية لا تسامح معه ولا حرية !
نعم لحرية العقيدة .. نعم للديمقراطية .. نعم للخليفة ديموقراطوس .. لا وألف لا لدعاة الفتنة !
***
اقتربت الانتخابات البرلمانية التشريعية ..
يمكنك معرفة هذا بسهولة من صور المرشحين المنتشرة في كل مكان .. تذكر أن المنافسة شرسة وحزب الأغلبية سيشكل الحكومة ومنه سيكون رئيس الوزراء ..
زعيم أشد الأحزاب تنافساً وشعبية هو حزب مسيلمة بن حبيب . له شعبية قوية جداً بين الأغلبية والحق يقال .. يتنافس معه بقوة الآنسة (سجاح بنت الحارث) .. ربما تأخذ المركز الثاني ان بذلت مجهوداً أكبر .. لكن المفاجأة انهما دخلا ائتلافاً واحداً في قائمة موحدة امام قائمة (المستمسكين بالكتاب) الأصولي ..
في يوم الانتخابات التشريعية الديمقراطية امتلأت الشوارع حتى آخرها .. الكل قرر أن يحتفل بهذا العرس الديمقراطي السعيد .. الكل قرر المشاركة .. هذه أول انتخابات تشريعية في عهد الديمقراطية وسينبني عليها الكثير والكثير ..
نجح حزب (مسيلمة بن حبيب) نجاحاً هائلاً .. تم اعلان مسيلمة رئيساً للوزراء و (المدام) سجاح صاحبة المركز الثاني نائبة له .. استقبله الخليفة ديموقراطوس في قصره أمام آلات الاعلام .. كان ديموقراطوس سعيداً بهذا الانجاز الذي يؤكد وفاءه للديمقراطية .. وهلل العالم كله فرحاً بهذا الانجاز العظيم ، وتقاطرت عشرات الوفود من دول الفاتيكان وفارس و هندوستان معربة عن تقديرها لاختيار شخص توافقي عظيم كـ (مسيلمة) لرئاسة الوزراء ورئاسة السلطة التشريعية الحالية .. كل العالم دعم حزبه ودعم التجربة الديمقراطية وأشاد بالخليفة ديموقراطوس ..
***
نزل التشريع الأول بالغاء صلاة الجماعة .. هاج علماء الدين على (مسيلمة) .. خرجوا في مظاهرات غاضبة .. تركهم (مسيلمة) يعبرون عن رأيهم بالطرق السلمية ورفض لجؤهم للعنف .. أعلن بعضهم الجهاد ضده فاتجهت قوات الأمن لتقبض عليهم فوراً و تحولهم للمحاكمة بتهمة محاولة قلب نظام الحكم والردة عن الديمقراطية ..
بعد أيام استقرت الأمور .. أعلن الجميع احترام حكم الأغلبية .. أعلن حزب (المستمسكين بالكتاب) المعارض أنه سيستمر في محاولة الغاء التشريعات المخالفة عبر البرلمان حتى لو نزل ألف انتخابات .. لكنه لن يرتد عن الديمقراطية واحترام الصندوق أبداً ..
زاد الانتعاش الاقتصادي من مساعدات الدول الأجنبية لـ (مسيلمة) .. وأصبح أقوى رئيس وزراء .. حزبه الديمقراطي الحر زادت شعبيته كثيراً ..
في الانتخابات التالية أصبح حزب الأغلبية الساحقة .. وهتف الملايين لـ (مسيلمة) بطول العمر ..
***
أثناء جلوس مجموعة من جنود (حرس الحدود) لدولة الخليفة الديمقراطية ، نزل الصاروخ ليبيد الجميع !
هاجت القيادات العسكرية .. الخيانه أتت من دولة الفرس .. لابد من تأديبها يا خليفتنا ..
استدعى الخليفة رئيس الوزراء .. رفض (مسيلمة) هذا التهور وطالب بضبط النفس .. ثار العسكر عليه فاحتكم الى الخليفة (ديموقراطوس) .. فكر الخليفة قليلاً ثم أعلن القرار النهائي :
- سنجري استفتاء في الجزيرة كلها .. نعم لرد العدوان وتأديب الأعداء أم لا ..
طقطق (مسيلمة) بلسانه معترضاً .. قال له ان المعارضين لا يرونه اعتداء أصلاً .. فليكن الاستفتاء على الآتي : نعم للتعايش السلمي مع الدول المجاورة أم لا ..
فكر الخليفة قليلاً .. ثم أقره .. ان المعنيين قريبين وقد اختار المسمى التوافقي ..
***
صباح الاستفتاء نشطت الأحزاب كلها .. وقف شباب (حركة الحرية والسلام) أمام اللجان يحشدون النساء .. احذرن يا نساء .. سيأخذون أزواجكن وأولادكن لحروب وهمية وتجارب مرعبة مهلكة .. التعايش السلمي هو الحل وهو الاسلام ..
خرج الملايين ليقوموا بالتصويت .. البعض عرف أن المقصود من التصويت هو معرفة هل يتم اعلان الحرب أم لا والبعض ظنه مجرد تصويت على معنى شديد الرقي فقط مثل التعايش السلمي ..
في المساء خرجت النتيجة الساحقة .. 95 % يؤيدون التعايش السلمي .. انهزم العسكر ورضوا بالأمر الواقع الديموقراطي وحاولوا حل مشاكلهم مع أعداءهم بالطرق السلمية والمعاملات الدولية .. انهارت هيبة الدولة في الغرب لكن الشعب ظل سعيداً والخليفة ازداد حبوراً بتجربته الديمقراطية الفريدة .. بل وأجرى العسكر أول صفقة سلاح غربية من بلاد الفرس كي تتوثق الصلات بينهما ويتوقف الفرس عن الاعتداء !
***
بدأ الأمر بصحيفة (الغلمان والشيوخ) .. برئاسة تحرير الأستاذ (أبو نواس) ..
طالبت الصحيفة بنشر الحرية على أوسع نطاق .. التخفف من قيود الماضي الجنسية والانطلاق الليبرالي الذي تحميه الديمقراطية المتقبلة لكافة الآراء وتنوعها ..
ثار النقاش المجتمعي .. بدأت تظهر قصائد غزل بين رجال ورجال .. هرع (حزب المستمسكين) لتنظيم تظاهرات معترضة .. تبنى الخليفة رأيهم وقرر اغلاق الجريدة .. رفع (أبونواس) وأنصاره القضايا أمام المحكمة الديمقراطية الدستورية العليا .. لابد من الحرية الصحفية والديمقراطية .. لا ردة عن الديمقراطية ..
صدر الحكم بايقاف تنفيذ قرار الخليفة .. وتعويض صحيفة (الغلمان والشيوخ) عن الأضرار التي حدثت جراء الايقاف .. جاء في حيثيات الحكم أن الخليفة ملتزم بحرية الرأي .. حرية الفكر والفكر الآخر .. حرية الصحافة أمر مقدس فوق كل اعتبار .. و هو من مكتسبات الديمقراطية التي لا ردة عنها ولا انتكاس .. الديمقراطية فوق الخلفة وفوق الجميع ..
خرج آلاف الشواذ الى الشوارع فرحاً .. نظموا مسيرات سلمية مقابل مسيرات الرأي المطالب بوقفهم .. قامت الدولة بحماية كل المسيرات وأعلنت الحياد الديمقراطي بين كافة الآراء ..
مع نهاية الأسبوع قررت (بنت النعمان) انشاء جريدة خاصة للشاذات فقط .. وأعلنت عن ميزانية كبرى لتصوير أول فيلم يعرض قضايا الشواذ ومشاكلهم النفسية في اطار حرية التعبير المكفول بقوة القانون الديمقراطي !
***
ضج العالم من الشكوى .. الكل أصبح متضايق من وجود دولة الخليفة هذه .. انها تنشر الالحاد والشذوذ بلا توقف .. انها واحة الحرية لكل فكر مدمر ..
قرروا الانتهاء من هذا الأمر سريعاً .. بدأوا في تجهيز حملة عالمية كبرى باتحاد بين فارس والفاتيكان ودعم هندوستان .. انقسم شعب الخليفة (ديموقراطوس) بين مؤيد ومعارض للتدخل الاجنبي ! قام الخليفة باحترام كل الآراء ونظم جلسة برلمانية لعرض كل الموقف والاحتمالات ..
استقر الرأي على معرفة رأي العسكريين .. هذا جيل جديد تربى في أكناف السلاح الفارسي .. هدل قائد الجيش كتفيه وقلب يديه قائلاً في حسرة : ماذا بيدي لأفعله .. جيشي لم يحارب أبداً و سلاحي كله فارسي مصمم بحيث لا ينطلق ضد فارسي آخر .. فلنستسلم لحفظ الدماء !
أقرت الأغلبية هذا الرأي .. وطلبوا ضمانات غربية أن يقوم الغزاة باحترام الشعب وحفظ دماءه .. قام الغرب بتقديم التعهدات فوراً غير مصدق واجتاحت جيوشه الدولة سريعاً ..
***
وقف الخليفة (ديموقراطوس) أمام قصره يستقبل القائد العسكري الصليبي الفاتح (ريتشارد) وبجواره الحاكم المدني الفارسي الجديد (قوروش) .. سلمه مفاتيح دولته ودستورها الديمقراطي .. استلمه (قوروش) ساخراً ثم نظر لريتشارد نظرة متفق عليها ..
أخرج فجأة (ريتشارد) سيفه وأطار عنق ديموقراطوس وهو يضحك عالياً بينما قال (قوروش) وهو يشاهد الرأس تتدحرج فوق الأرضية :
- ان مفاتيح دولتك بالنسبة لنا كانت هذا الدستور الديمقراطي يا أحمق .. فلا تظن أننا سنحتفظ به ليستخدمه غيرنا ويفتح الدولة به .. من الآن الدستور دستورنا ..
دستور احترام رأي النخبة من أهل الفضل والعدل والدين فقط .. لا الغوغاء والشواذ !
أو ما كنتم تسمونه عندكم قديماً :
الشورى !
لم يصدق نفسه .. لقد أصبح يحكم هذه الدولة العظيمة أخيراً ..
جلس على العرش في تهيب .. ثم تمالك نفسه ورفع يده معلناً لكل الموجودين أمامه دستوره وعهده :
- اننا سنحكم بالديموقراطية .. حرية العقيدة .. حرية الرأي .. الحكم للشعب والسيادة له .. حرية تشكيل الأحزاب والمعارضة وحكم الأغلبية .. التعايش السلمي .. حرية الفكر والابداع ..
أقسم أن أحترم كل هذا .. فالديمقراطية هي السبيل الوحيد للتقدم والازدهار ..
نظر الموجودون الى بعضهم البعض .. لقد بدأ عصر جديد .. عصر الديمقراطية ..
عصر الخليفة ديموقراطوس !
***
بعد أيام من استلام الحكم دخل عليه وفد ضخم ممثل لأكبر المدن في الجزيرة ، قال زعيمهم :
- يا خليفة .. نريد وقف الزكاة .. الناس ضجت من هذا الأمر .. و (الأغلبية) في مدينتنا ترفضه .
صمت الخليفة مفكراً ، انه أول اختبار حقيقي ، لكنه تذكر تعهده باحترام الديمقراطية ، فأقر ممثل هذه المدينة على ايقاف الزكاة نزولاً على رأي الأغلبية ..
دمدم شيوخ البلاط غاضبين ، واندفع أحدهم يذكر الخليفة بأن الزكاة فرض لا يجوز التهاون فيه ، لكن الخليفة غضب وذكره بعهد الديمقراطية .. سيحترم الأغلبية ..
اندفع رجل آخر من زعماء الوفد قائلاً :
- يا خليفة .. في مدينتنا يريدون حرية العقيدة .. هناك حركة ارتداد واسعة وأنت وعدتهم بحرية العقيدة .
هذه المرة زمجر الشيوخ وصمت الخليفة طويلاً .. ان الديمقراطية تفرض حرية العقيدة فعلاً .. انه القسم .. ومن ناحية أخرى فالأمر شديد الخطورة بالفعل .. ان حركة الارتداد واسعة جداً ..
زادت همهمة الشيوخ وغضبهم ، كادت تحدث مناوشات في القاعة بين زعماء الوفود والعلماء .. رفع الخليفة يده وهتف بقوة مطالباً الجميع بالصمت والانصات .. ثم أعلن القرار النهائي :
- مادام الرأي قد انقسم ، ولخطورة هذا الأمر .. فلنجري استفتاء في شبه الجزيرة كلها .. نعم للردة أم لا ..
تنحنح زعيم أحد الوفود وطلب الكلمة ، أذن الخليفة له فقال :
- يا خليفتنا .. هي ردة من وجهة نظرك لكنها عودة الى الأصول من وجهة نظر هؤلاء .. كلمة الردة ستهيج المشاعر ، والمرتدون لا يقبلونها .. اجعلها حرية العقيدة ثم أجر استفتاءً عليها كما تشاء .. لابد من احترام جميع الآراء والتوافق بينها ..
بدون تفكير أقره الخليفة .. سيتم الاستفتاء على حرية العقيدة ..
***
صباح الاستفتاء امتلأت الشوارع أمام اللجان بالعرب .. الكل قرر القيام بالتصويت .. انتشر مندوبو (حركة الحرية والسلام) أمام اللجان ينبهون الناس أن الاسلام يكفل حرية العقيدة .. لابد من احترام هذه القيم والتصويت بنعم لحرية العقيدة .. الكل تأثر .. الأغلبية قررت التصويت بنعم .. نعم لحرية العقيدة .. نعم لحرية الردة ..
خرجت نتيجة الاستفتاء مساءً .. لقد تفوقت (نعم) بنسبة 90 % !
ارتد أغلب العرب صباح اليوم التالي .. وكفل لهم الخليفة الحماية الدستورية والقانونية احتراماً للاستفتاء و الديمقراطية ..
طالب بعض الشيوخ بحرب المرتدين .. لكن اعلام الأغلبية المرتد وصفهم بالتعصب والتطرف والجنون ، بل حوكموا بالفعل بتهمة ازدراء الأديان .. وحكم عليه القضاة بالسجن لعشر سنوات ! صرخوا مطالبين بحرية الرأي .. لكن القاضي ذكرهم بأن أي رأي يخالف الديمقراطية لا تسامح معه ولا حرية !
نعم لحرية العقيدة .. نعم للديمقراطية .. نعم للخليفة ديموقراطوس .. لا وألف لا لدعاة الفتنة !
***
اقتربت الانتخابات البرلمانية التشريعية ..
يمكنك معرفة هذا بسهولة من صور المرشحين المنتشرة في كل مكان .. تذكر أن المنافسة شرسة وحزب الأغلبية سيشكل الحكومة ومنه سيكون رئيس الوزراء ..
زعيم أشد الأحزاب تنافساً وشعبية هو حزب مسيلمة بن حبيب . له شعبية قوية جداً بين الأغلبية والحق يقال .. يتنافس معه بقوة الآنسة (سجاح بنت الحارث) .. ربما تأخذ المركز الثاني ان بذلت مجهوداً أكبر .. لكن المفاجأة انهما دخلا ائتلافاً واحداً في قائمة موحدة امام قائمة (المستمسكين بالكتاب) الأصولي ..
في يوم الانتخابات التشريعية الديمقراطية امتلأت الشوارع حتى آخرها .. الكل قرر أن يحتفل بهذا العرس الديمقراطي السعيد .. الكل قرر المشاركة .. هذه أول انتخابات تشريعية في عهد الديمقراطية وسينبني عليها الكثير والكثير ..
نجح حزب (مسيلمة بن حبيب) نجاحاً هائلاً .. تم اعلان مسيلمة رئيساً للوزراء و (المدام) سجاح صاحبة المركز الثاني نائبة له .. استقبله الخليفة ديموقراطوس في قصره أمام آلات الاعلام .. كان ديموقراطوس سعيداً بهذا الانجاز الذي يؤكد وفاءه للديمقراطية .. وهلل العالم كله فرحاً بهذا الانجاز العظيم ، وتقاطرت عشرات الوفود من دول الفاتيكان وفارس و هندوستان معربة عن تقديرها لاختيار شخص توافقي عظيم كـ (مسيلمة) لرئاسة الوزراء ورئاسة السلطة التشريعية الحالية .. كل العالم دعم حزبه ودعم التجربة الديمقراطية وأشاد بالخليفة ديموقراطوس ..
***
نزل التشريع الأول بالغاء صلاة الجماعة .. هاج علماء الدين على (مسيلمة) .. خرجوا في مظاهرات غاضبة .. تركهم (مسيلمة) يعبرون عن رأيهم بالطرق السلمية ورفض لجؤهم للعنف .. أعلن بعضهم الجهاد ضده فاتجهت قوات الأمن لتقبض عليهم فوراً و تحولهم للمحاكمة بتهمة محاولة قلب نظام الحكم والردة عن الديمقراطية ..
بعد أيام استقرت الأمور .. أعلن الجميع احترام حكم الأغلبية .. أعلن حزب (المستمسكين بالكتاب) المعارض أنه سيستمر في محاولة الغاء التشريعات المخالفة عبر البرلمان حتى لو نزل ألف انتخابات .. لكنه لن يرتد عن الديمقراطية واحترام الصندوق أبداً ..
زاد الانتعاش الاقتصادي من مساعدات الدول الأجنبية لـ (مسيلمة) .. وأصبح أقوى رئيس وزراء .. حزبه الديمقراطي الحر زادت شعبيته كثيراً ..
في الانتخابات التالية أصبح حزب الأغلبية الساحقة .. وهتف الملايين لـ (مسيلمة) بطول العمر ..
***
أثناء جلوس مجموعة من جنود (حرس الحدود) لدولة الخليفة الديمقراطية ، نزل الصاروخ ليبيد الجميع !
هاجت القيادات العسكرية .. الخيانه أتت من دولة الفرس .. لابد من تأديبها يا خليفتنا ..
استدعى الخليفة رئيس الوزراء .. رفض (مسيلمة) هذا التهور وطالب بضبط النفس .. ثار العسكر عليه فاحتكم الى الخليفة (ديموقراطوس) .. فكر الخليفة قليلاً ثم أعلن القرار النهائي :
- سنجري استفتاء في الجزيرة كلها .. نعم لرد العدوان وتأديب الأعداء أم لا ..
طقطق (مسيلمة) بلسانه معترضاً .. قال له ان المعارضين لا يرونه اعتداء أصلاً .. فليكن الاستفتاء على الآتي : نعم للتعايش السلمي مع الدول المجاورة أم لا ..
فكر الخليفة قليلاً .. ثم أقره .. ان المعنيين قريبين وقد اختار المسمى التوافقي ..
***
صباح الاستفتاء نشطت الأحزاب كلها .. وقف شباب (حركة الحرية والسلام) أمام اللجان يحشدون النساء .. احذرن يا نساء .. سيأخذون أزواجكن وأولادكن لحروب وهمية وتجارب مرعبة مهلكة .. التعايش السلمي هو الحل وهو الاسلام ..
خرج الملايين ليقوموا بالتصويت .. البعض عرف أن المقصود من التصويت هو معرفة هل يتم اعلان الحرب أم لا والبعض ظنه مجرد تصويت على معنى شديد الرقي فقط مثل التعايش السلمي ..
في المساء خرجت النتيجة الساحقة .. 95 % يؤيدون التعايش السلمي .. انهزم العسكر ورضوا بالأمر الواقع الديموقراطي وحاولوا حل مشاكلهم مع أعداءهم بالطرق السلمية والمعاملات الدولية .. انهارت هيبة الدولة في الغرب لكن الشعب ظل سعيداً والخليفة ازداد حبوراً بتجربته الديمقراطية الفريدة .. بل وأجرى العسكر أول صفقة سلاح غربية من بلاد الفرس كي تتوثق الصلات بينهما ويتوقف الفرس عن الاعتداء !
***
بدأ الأمر بصحيفة (الغلمان والشيوخ) .. برئاسة تحرير الأستاذ (أبو نواس) ..
طالبت الصحيفة بنشر الحرية على أوسع نطاق .. التخفف من قيود الماضي الجنسية والانطلاق الليبرالي الذي تحميه الديمقراطية المتقبلة لكافة الآراء وتنوعها ..
ثار النقاش المجتمعي .. بدأت تظهر قصائد غزل بين رجال ورجال .. هرع (حزب المستمسكين) لتنظيم تظاهرات معترضة .. تبنى الخليفة رأيهم وقرر اغلاق الجريدة .. رفع (أبونواس) وأنصاره القضايا أمام المحكمة الديمقراطية الدستورية العليا .. لابد من الحرية الصحفية والديمقراطية .. لا ردة عن الديمقراطية ..
صدر الحكم بايقاف تنفيذ قرار الخليفة .. وتعويض صحيفة (الغلمان والشيوخ) عن الأضرار التي حدثت جراء الايقاف .. جاء في حيثيات الحكم أن الخليفة ملتزم بحرية الرأي .. حرية الفكر والفكر الآخر .. حرية الصحافة أمر مقدس فوق كل اعتبار .. و هو من مكتسبات الديمقراطية التي لا ردة عنها ولا انتكاس .. الديمقراطية فوق الخلفة وفوق الجميع ..
خرج آلاف الشواذ الى الشوارع فرحاً .. نظموا مسيرات سلمية مقابل مسيرات الرأي المطالب بوقفهم .. قامت الدولة بحماية كل المسيرات وأعلنت الحياد الديمقراطي بين كافة الآراء ..
مع نهاية الأسبوع قررت (بنت النعمان) انشاء جريدة خاصة للشاذات فقط .. وأعلنت عن ميزانية كبرى لتصوير أول فيلم يعرض قضايا الشواذ ومشاكلهم النفسية في اطار حرية التعبير المكفول بقوة القانون الديمقراطي !
***
ضج العالم من الشكوى .. الكل أصبح متضايق من وجود دولة الخليفة هذه .. انها تنشر الالحاد والشذوذ بلا توقف .. انها واحة الحرية لكل فكر مدمر ..
قرروا الانتهاء من هذا الأمر سريعاً .. بدأوا في تجهيز حملة عالمية كبرى باتحاد بين فارس والفاتيكان ودعم هندوستان .. انقسم شعب الخليفة (ديموقراطوس) بين مؤيد ومعارض للتدخل الاجنبي ! قام الخليفة باحترام كل الآراء ونظم جلسة برلمانية لعرض كل الموقف والاحتمالات ..
استقر الرأي على معرفة رأي العسكريين .. هذا جيل جديد تربى في أكناف السلاح الفارسي .. هدل قائد الجيش كتفيه وقلب يديه قائلاً في حسرة : ماذا بيدي لأفعله .. جيشي لم يحارب أبداً و سلاحي كله فارسي مصمم بحيث لا ينطلق ضد فارسي آخر .. فلنستسلم لحفظ الدماء !
أقرت الأغلبية هذا الرأي .. وطلبوا ضمانات غربية أن يقوم الغزاة باحترام الشعب وحفظ دماءه .. قام الغرب بتقديم التعهدات فوراً غير مصدق واجتاحت جيوشه الدولة سريعاً ..
***
وقف الخليفة (ديموقراطوس) أمام قصره يستقبل القائد العسكري الصليبي الفاتح (ريتشارد) وبجواره الحاكم المدني الفارسي الجديد (قوروش) .. سلمه مفاتيح دولته ودستورها الديمقراطي .. استلمه (قوروش) ساخراً ثم نظر لريتشارد نظرة متفق عليها ..
أخرج فجأة (ريتشارد) سيفه وأطار عنق ديموقراطوس وهو يضحك عالياً بينما قال (قوروش) وهو يشاهد الرأس تتدحرج فوق الأرضية :
- ان مفاتيح دولتك بالنسبة لنا كانت هذا الدستور الديمقراطي يا أحمق .. فلا تظن أننا سنحتفظ به ليستخدمه غيرنا ويفتح الدولة به .. من الآن الدستور دستورنا ..
دستور احترام رأي النخبة من أهل الفضل والعدل والدين فقط .. لا الغوغاء والشواذ !
أو ما كنتم تسمونه عندكم قديماً :
الشورى !
تعليق