( إظهار الشخصيات المندثرة ... مسئولية القيادة وأفراد الدعوة )
أما على مستوى القيادة ... لماذا لا تبحث القيادة عن النوابغ وأصحاب المهارات والخبرات في شتى المجالات ... وتحاول إظهارهم وتنمية مهاراتهم والاستفادة منهم ... أم أن هناك أمرا آخر ...
ـ وهو أن الدعوة اليوم لا تحتاج لمثل هذه الشخصيات فهي علمية ... وليس من شأن هذه الدعوة الانفتاح على العلم ولكن الانفتاح على الدعوة ـ كلام مضطرب ـ فإذا هي ليست منفتحة لا على العلم ولا حتى على الدعوة ...
ـ والأمر الآخر أن أفراد الدعوة محتكرين للدعوة ... بمعنى أن عشرة أفراد هم الذين يتولوا الخطابة والتدريس والتوجيه والتربية ... فقط ... أما ما عداهم فهو غير موثوق به ومشكوك فيه وغير مقدور عليه ... وما هكذا الإسلام ... وقد تأتي الفتنة ممن تعرفه وتثق به ...
ـ والآمر الآخر أن فَهم هؤلاء الأفراد لا يَقبل التجربة إلا في حدود ضيقة ... فلا بد أن يرى بنفسه الشخصية قبل أن يقدمها للناس ، وربما يمتحنها كأنه عالم بكل شيء..
وهذا فيه استراحة من جانب هؤلاء الأفراد ، وعجزهم عن الإحاطة بالشخصيات الجديدة ، وقصور فهمهم وعجزهم عن القيام بدورهم على أكمل حال ...
ـ في خِضَمّ ذلك ... تجدهم يُخرجون الأطفال والغلمان والصبيان فيصدرونهم للخطابة وإلقاء الكلمات وللإمامة ... وذلك لأنهم يستطيعون التحكم بهم ويسيسونهم على حسب فَهمهم ... ولكن ... من أين يأتي التجديد والقيادة تقدم للناس نفسها مرة أخرى ، ولكن ليس بذاتها وإنما بشخصية غير شخصيتها . وهل الإسلام يعرف هذا ؟
ـ بالله عليكم هل القرآن سورة واحدة منزّل من السماء تفسيرها فلا يعترض على هذا التفسير أحد من الناس ، وهل سنة النبي صلى الله عليه وسلم عشرة أحاديث ، قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد كل حديث : هذه الكلمة معناها كذا وهذه الكلمة معناها كذا وهذه الكلمة معناها كذا ... هل الإسلام بهذه الصورة فلا يفتح لأبنائه باب الاجتهاد والتفكير والاستنتاج والاستنباط ...
ـ إن صنع الدعوة لقوالب من البشر وتكييفها على فَهمها وإرادتها وعدم تقبلها الجديد الذي لم تعهده ... لهو أمر مؤسف للغاية ، وإلزام للشخص أن يعطي في أمر معين كان بوسعه أن يعطي في أمور كثيرة ، وكبت للطاقات .
ـ إن البشرَ ليسوا ملابس تلبسها القيادة فما كان على مقاسها أخذته وما على خلاف ذلك رفضته ...
ـ إن القيادة وأفراد الدعوة يقدمون الإسلام ويعرضونه ويروّجُون له بدعوتهم ، وليس يروّجون لشخصهم ولا يَهدفون لخدمة مصالحهم .
ـ إن في عصر السلف كان الواحد من العلماء يَخرج من بلدته ويَذهب إلى بلدة أخرى فيجتمع الناس عليه ، بل والعلماء كذلك ...
ـ أين نحن من قولنا ( يا سرورنا في بلدتنا عالم أو طالب علم ) ؟
ـ إذا سألَنا أحد الناس ممن أنت ؟ فنقول: من بلدة كذا . فيقول لنا : من بلدة العالم فلان وفلان وفلان ، والداعية فلان وفلان وفلان .
ـ لم السكوت على هذه الشخصيات وطمسها وإلقاء التراب عليها ؟
ـ لم الظهور وغيرنا أظهر ؟ ، لم التعالم وغيرنا أعلم ؟ ، ولم التصدر وغيرنا من المفترض الذي يتصدر ؟
ـ إن ما نُحضره في أسبوع ... هؤلاء الشخصيات المطموسة والمغيّبة عن الناس ... يستطيع أن يحضره بمجرد فتحه لكتاب معين ، هذا إذا لم يكن لديه معرفة مسبقة به من قبل ؟
ـ لم لا نتوقف قليلاً من تحضير الخطب والدروس والكلمات ... التي مللنا من تكرار المواضيع فيها ... ونقدم هؤلاء الأشخاص الذين يغيرون العادة ويرققون القلوب ويزيدونا من العلم ... لم لا نصدرهم ونصبر عليهم .
ـ كم من شخص يحضر لخطبة أو درس أو محاضرة أو لكلمة ... ثم إذا سألته بعد ذلك عن مسألة أو أمر معين .... قال لك : سأسأل لك في ذلك . ولم يفدك شيئا ... أما أهل الخبرة والمعرفة سريعا ما تجده يجيبك ويشفي صدرك ...
ـ إننا فرحنا بالمناصب واتخذناها عادة ... لدرجة أننا لم ننظر أهناك من هو أعلم منا فنستفيد منه العلم والخبرة ؟ ..
ـ إن خطورة تولي المناصب ... أن الإنسان لا يبحث عن الجديد ويدور في فلكه هو ... فإنه أصبح شيخاً له سامعيه ومريديه ، فكيف نعقّب عليه ؟
ـ واعلم أن هؤلاء الفضلاء من أهل العلم والدعوة والخبرة لا بد للمجتمع من أن يُقدمهم للناس ويعرّفهم بمنزلتهم ومكانتهم حتى يَعرفهم الناس ويُقبلوا عليهم ... فكم من عالم اشتهر بين الناس ذِكره بسبب كثرة أتباعه ومحبيه ، وكم من آخر لم يُعرف بين الناس لقلة أتباعه ومحبيه.
ـ وإذا كان أهل الدعوة والصحوة لا يقدمون نحو هذه الشخصيات فمن سيقدمهم إذن؟
ـ فهل الأطفال من البنين والبنات ، والشباب والشابات ، والرجال والنساء أهل القرآن والعلم والمعرفة يُقدّم لهم وينصح بالذهاب إليهم ... كما يُفعل مع الأطفال والشباب والرجال والنساء أهل الفسق والغناء والتمثيل مِن رفعهم وإظهارهم للمجتمع بصورة القدوة ... ؟
ـ لا تكونوا يا أصحاب القيادة وأتباع القيادة عوناً على اندثار مثل هؤلاء الشخصيات ... فهم أصحاب فكرة وتجديد للمجتمع ... ولا تغفلوا يا أصحاب الأعمال الدعوية بالسؤال عن هؤلاء الناس ومحاولة إظهارهم وتمكينهم من الناس وتمكين الناس منهم ، فإن الإسلام لا يزال بخير ما التف الناس حول العلماء وأهل الحق .
تعليق