[ كلمـــات فــــي الأزمــــات ]
لفضيلة الشيخ العالم / خالد بن عبد الرحمن الحسينان حفظه الله
نقرأ فيه...
الإيمان الصادق
التعلق بالله تعالى وحدة
الإيمان بالقضاء والقدر
الصبر خير معين
التعرف على الله في الرخاء
تقوى الله تعالى
الحذر من اليأس والقنوط
استشعار رحمة الله تعالى بعبده
من أسباب الطمأنينة
الدعاء بظهر الغيب للمسلمين المضطهدين
للتحميل
pdf
http://archive.org/download/kalm-zbir/kalm.pdf
word
http://archive.org/download/kalm-zbir/kalm.doc
إن من أقوى أسباب الثبات و العزم والشجاعة والصبر في مواجهة الأحداث والمصائب هو الإيمان بالله تعالى والعمل الصالح والإقبال عليه وكثرة الدعاء والتضرع والانكسار والافتقار بين يديه.
قال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}.
قال الشيخ السعدي: يخاطب تعالى جميع الناس، ويخبرهم بحالهم ووصفهم، وأنهم فقراء إلى اللّه من جميع الوجوه: فقراء في إيجادهم، فلولا إيجاده إياهم، لم يوجدوا.
فقراء في إعدادهم بالقوى والأعضاء والجوارح، التي لولا إعداده إياهم لما استعدوا لأي عمل كان.
فقراء في إمدادهم بالأقوات والأرزاق والنعم الظاهرة والباطنة، فلولا فضله وإحسانه وتيسيره الأمور، لما حصل لهم من الرزق والنعم شيء.
فقراء في صرف النقم عنهم، ودفع المكاره، وإزالة الكروب والشدائد. فلولا دفعه عنهم، وتفريجه لكرباتهم، وإزالته لعسرهم، لاستمرت عليهم المكاره والشدائد.
فقراء إليه في تربيتهم بأنواع التربية، وأجناس التدبير.
فقراء إليه، في تألههم له، وحبهم له، وتعبدهم، وإخلاص العبادة له تعالى، فلو لم يوفقهم لذلك، لهلكوا، وفسدت أرواحهم، وقلوبهم وأحوالهم.
فقراء إليه، في تعليمهم ما لا يعلمون، وعملهم بما يصلحهم، فلولا تعليمه، لم يتعلموا، ولولا توفيقه، لم يصلحوا.
فهم فقراء بالذات إليه، بكل معنى، وبكل اعتبار، سواء شعروا ببعض أنواع الفقر أم لم يشعروا، ولكن الموفق منهم، الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من أمور دينه ودنياه، ويتضرع له، ويسأله أن لا يكله إلى نفسه طرفة عين، وأن يعينه على جميع أموره، ويستصحب هذا المعنى في كل وقت، فهذا أحرى بالإعانة التامة من ربه وإلهه، الذي هو أرحم به من الوالدة بولدها.
وهذه بعض الأسباب والوسائل التي تعين المسلم على تحمل المصائب والشدائد وتزيده قوة وثباتاًً وطمأنينة وسكينة:
1- الإيمان الصادق:
الإيمان الصادق هو الذي ظهرت على جوارح صاحبه الأعمال الصالحة المصدقة لإيمانه ، المترجمة لما في قلبه من الصدق والإخلاص واليقين.
إن الإيمان الصادق: متى استقر في القلب ظهرت آثاره في السلوك وتعامله مع غيره.
الإيمان الصادق: هو قول باللسان، اعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح والأركان.
الإيمان الصادق: هو الالتزام بدين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كما شرع الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} .
قال الشيخ السعدي رحمة الله : هذا إخبار ووعد وبشارة من الله، للذين آمنوا، أن الله يدافع عنهم كل مكروه، ويدفع عنهم كل شر بسبب إيمانهم
من شر الكفار.
وشر وسوسة الشيطان.
وشرور أنفسهم.
وسيئات أعمالهم.
ويحمل عنهم عند نزول المكاره، ما لا يتحملون، فيخفف عنهم غاية التخفيف.
كل مؤمن له من هذه المدافعة والفضيلة بحسب إيمانه، فمستقل ومستكثر. انتهى
وذلك الإيمان الصادق الراسخ هو الذي جعل أهل الإيمان ينطقون بالتسليم لأمر الله ويزدادون تصديقاً لخبره، واستيقانا بوعده كما قال تعالى : {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب/22]
2- التعلق بالله تعالى وحدة:
إن سعادتنا وفلاحنا ونجاحنا في الدنيا والآخرة هو على حسب تعلقنا بربنا سبحانه وتعالى ، فكلما ازداد العبد تعلقاً بالله تعالى في جميع الأحوال والظروف ازداد فلاحا وسعادة ونجاحا.
قال تعالى { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ } .
قال الشيخ السعدي رحمه الله:{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } أي: أليس من كرمه وجوده، وعنايته بعبده، الذي قام بعبوديته، وامتثل أمره واجتنب نهيه، خصوصا أكمل الخلق عبودية لربه، وهو محمد صلى اللّه عليه وسلم، فإن اللّه تعالى سيكفيه في أمر دينه ودنياه، ويدفع عنه من ناوأه بسوء.
{ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } من الأصنام والأنداد أن تنالك بسوء، وهذا من غيهم وضلالهم.
{ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ } لأنه تعالى الذي بيده الهداية والإضلال، وهو الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. { أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ } له العزة الكاملة التي قهر بها كل شيء، وبعزته يكفي عبده ويدفع عنه مكرهم. { ذِي انْتِقَامٍ } ممن عصاه، فاحذروا موجبات نقمته.
3- الإيمان بالقضاء والقدر:
إن من أعظم ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر هو الطمأنينة والسكينة والراحة النفسية قال تعالى { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }.
قال صلى الله عليه وسلم (واعلَمْ أنَّ ما أخطَأَكَ لم يَكُن لِيُصِيبَكَ ، وما أصابَكَ لم يَكُن ليُخطِئَكَ) قال الحافظ بن رجب الحنبلي فهاتان درجتان للمؤمن بالقضاء والقدر في المصائب :
إحداهما : أنْ يرضى بذلك ، وهذه درجةٌ عاليةٌ رفيعة جداً ، قال الله عز وجل:{ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} قال علقمة : هي المصيبة تصيبُ الرَّجلَ ، فيعلم أنَّها من عند الله ، فيسلِّمُ لها ويرضى .
وخرَّج الترمذي من حديث أنس ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : (( إنَّ الله إذا أحبَّ قوماً ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط.
وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه : (( أسأَلكَ الرِّضا بعد القضاء )) وممَّا يدعو المؤمن إلى الرِّضا بالقضاء تحقيقُ إيمانه بمعنى قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (( لا يقضي الله للمؤمن قضاءً إلا كان خيراً له : إنْ أصابته سرَّاء شكر ، كان خيراً له ، وإنْ أصابته ضرَّاء صبر ، كان خيراً له ، وليس ذلك إلا للمؤمن )).
قال أبو الدرداء : إنَّ الله إذا قضى قضاءً أحبَّ أنْ يُرضى به فمن وصل إلى هذه الدرجة ، كان عيشُه كلُّه في نعيمٍ وسرورٍ.
والدرجة الثانية : أنْ يصبرَ على البلاء ، وهذه لمن لم يستطع الرِّضا بالقضاء ، فالرِّضا فضلٌ مندوبٌ إليه مستحب ، والصبرُ واجبٌ على المؤمن حتمٌ ، وفي الصَّبر خيرٌ كثيرٌ ، فإنَّ الله أمرَ به ، ووعدَ عليه جزيلَ الأجر . قال الله - عز وجل :{ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } وقال : { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}
والفرق بين الرضا والصبر : أنَّ الصَّبر : كفُّ النَّفس وحبسُها عن التسخط مع وجود الألم ، وتمنِّي زوال ذلك ، وكفُّ الجوارح عن العمل بمقتضى الجزع ، والرضا : انشراح الصدر وسعته بالقضاء ، وترك تمنِّي زوال ذلك المؤلم ، وإنْ وجدَ الإحساسُ بالألم ، لكن الرضا يخفِّفُه لما يباشر القلبَ من رَوح اليقين والمعرفة ، وإذا قوي الرِّضا ، فقد يزيل الإحساس بالألم بالكلية كما سبق .
4- الصبر خير معين :
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) قال ابن كثير: الإرشاد إلى الاستعانة بالصبر والصلاة، فإن العبد إما أن يكون في نعمة فيشكر عليها، أو في نقمة فيصبر عليها؛ كما جاء في الحديث: "عجبًا للمؤمن. لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرًا له: إن أصابته سراء، فشكر، كان خيرًا له؛ وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرًا له".
وبين تعالى أن أجود ما يستعان به على تحمل المصائب الصبر والصلاة، وفي الحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَه(أي: إِذا نزل به مُهِمّ أَو أَصابَه غمٌّ) صلى. انتهى
فهل أنت يا أخي المسلم نزلت بك مصيبة أو مشكلة سواء كانت اجتماعية أو مالية أو نفسية تفزع إلى الصلاة؟
و قوله صلى الله عليه وسلم : (( واعلم أنَّ النَّصر مع الصَّبر )) هذا موافق لقول الله عز وجل:{ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} وقوله تعالى : { فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } . وقال عمرُ لأشياخ من بني عبس : بم قاتلتُمُ الناس ؟ قالوا : بالصبر ، لم نلق قوماً إلا صبرنا لهم كما صبروا لنا . وقال بعض السَّلف : كلنا يكره الموت وألم الجراح ، ولكن نتفاضل بالصَّبر .
5- التعرف على الله في الرخاء :
قوله صلى الله عليه وسلم : (( تعرَّف إلى الله في الرَّخاء ، يعرفكَ في الشِّدَّةِ )) قال الحافظ بن رجب الحنبلي : أنَّ العبدَ إذا اتَّقى الله ، وحَفِظَ حدودَه ، وراعى حقوقه في حال رخائه ، فقد تعرَّف بذلك إلى الله ، وصار بينه وبينَ ربه معرفةٌ خاصة ، فعرفه ربَّه في الشدَّة ، ورعى له تَعَرُّفَهُ إليه في الرَّخاء ، فنجَّاه من الشدائد بهذه المعرفة، وهذه معرفة خاصة تقتضي قربَ العبدِ من ربِّه ، ومحبته له، وإجابته لدعائه .
فمعرفة العبد لربه نوعان :
أحدُهما : المعرفةُ العامة ، وهي معرفةُ الإقرار به والتَّصديق والإيمان ، وهذه عامةٌ للمؤمنين .
والثاني : معرفة خاصة تقتضي ميلَ القلب إلى الله بالكلية ، والانقطاع إليه ، والأُنس به ، والطمأنينة بذكره ، والحياء منه ، والهيبة له ، وهذه المعرفة الخاصة هي التي يدور حولها العارفون ، كما قال بعضهم : مساكينُ أهلُ الدُّنيا ، خرجوا منها وما ذاقوا أطيبَ ما فيها ، قيل له : وما هو ؟ قال : معرفةُ الله عز وجل.
وخرَّج الترمذيُّ من حديث أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : (( من سرَّه أنْ يستجيب الله له عندَ الشَّدائد ، فليُكثرِ الدُّعاءَ في الرَّخاء ))
6- تقوى الله تعالى:
تعريف التقوى : هي التحرز من عقوبة الله تعالى وعذابه ، بطاعته وإتباع أوامره ،واجتناب نواهيه.
قال الله تعالى { وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً } قال ابن عباس رضي الله عنه: يُنجيه من كُلِّ كَربٍ في الدنيا والآخرة.
وقوله تعالى: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا } قال ابن كثير:أي يسهل له أمره، وييسره عليه، ويجعل له فرجا قريبًا ومخرجًا عاجلا.
عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى رواه مسلم.
قال ابن رجب رحمة الله: فمن عامل الله بالتقوى والطاعة في حال رخائه عامله الله باللطف والإعانة في حال شدَّته
7- الحذر من اليأس والقنوط:
تعريف القنوط: استبعاد الفرج, وقطع الرجاء من رحمة اللهقال تعالى : { ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون } قال سيد قطب رحمة الله: وبرزت كلمة { الرحمة } وبرزت معها الحقيقة الكلية : أنه لا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون . الضالون عن طريق الله ، الذين لا يستروحون روحه ، ولا يحسون رحمته ، ولا يستشعرون رأفته وبره ورعايته . فأما القلب الندي بالإيمان ، المتصل بالرحمن ، فلا ييأس ولا يقنط مهما أحاطت به الشدائد ، ومهما ادلهمت حوله الخطوب ، ومهما غام الجو وتلبد ، وغاب وجه الأمل في ظلال الحاضر وثقل هذا الواقع الظاهر . . فإن رحمة الله قريب من قلوب المؤمنين المهتدين .
ومما يمنع المسلم من اليأس مهما حاصرته الخطوب ، وأحدقت به وبأمته المحن الأمور التالية :
1- الإيمان القوي بقضاء الله تعالى ، وأن ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، والإيمان بالقدر خيره وشره من أركان الإيمان ، وأصول العقيدة .
2- الثقة بوعد الله سبحانه ، وبنصره لمن أطاعه ، وبدفاعه عن الذين آمنوا ، وهو سبحانه لا يخلف الميعاد ، ولكنه يبتلي العباد قال جل وعلا { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } .
3- الوعيد الشديد على اليأس ، لكونه قنوطا من رحمة الله ، وسوء ظن بالله جل وعلا ، واستبعادا لوعد الله تعالى ونصره ، وهذا إنما يتصف به الضالون لا المؤمنون ، قال الله تعالى: { وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ }
8- استشعار رحمة الله تعالى بعبده:
قال تعالى:{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} قال سيد قطب رحمة الله: في كل أمر وفي كل وضع ، وفي كل حال . . ولا يصعب القياس على هذه الأمثال!
ومن رحمة الله أن تحس برحمة الله! فرحمة الله تضمك وتغمرك وتفيض عليك . ولكن شعورك بوجودها هو الرحمة .
ورجاؤك فيها وتطلعك إليها هو الرحمة .
وثقتك بها وتوقعها في كل أمر هو الرحمة .
العذاب هو العذاب في احتجابك عنها أو يأسك منها أو شكك فيها . وهو عذاب لا يصبه الله على مؤمن أبداً : { إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون }
ورحمة الله لا تعز على طالب في أي مكان ولا في أي حال .
وجدها إبراهيم عليه السلام في النار .
ووجدها يوسف عليه السلام في الجب كما وجدها في السجن .
ووجدها يونس عليه السلام في بطن الحوت في ظلمات ثلاث .
ووجدها موسى عليه السلام في اليم وهو طفل مجرد من كل قوة ومن كل حراسة ، كما وجدها في قصر فرعون وهو عدو له متربص به ويبحث عنه .
ووجدها أصحاب الكهف في الكهف حين افتقدوها في القصور والدور . فقال بعضهم لبعض : { فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته } ووجدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه في الغار والقوم يتعقبونهما ويقصون الآثار .
ووجدها كل من آوى إليها يأساً من كل ما سواها . منقطعاً عن كل شبهة في قوة ، وعن كل مظنة في رحمة ، قاصداً باب الله وحده دون الأبواب . انتهى بتصرف
دعاء الكرب والدعاء عند الأمور المهمة: ومن رحمة الله بنا أن شرع الله لنا بعض الأدعية والأذكار التي يقولها المسلم ويرددها عند الكرب وأوقات الشدة حتى تنزل عليه رحمة الله وتفرج عنه ما هو فيه من الضيق والتعب النفسي.
فلازم هذه الأذكار في كل وقت وفي كل حين في ليلك ونهارك حتى في سجودك ومن هذه الأذكار:
« اللهم إني عبدك , ابن عبدك , ابن أمتك , ناصيتي بيدك , ماض في حكمك , عدل في قضاؤك , أسألك بكل اسم هو لك , سميت به نفسك, أو أنزلته في كتابك, أو علمته أحدًا من خلقك, أو استأثرت به في علم الغيب عندك, أن تجعل القرآن ربيع قلبي, ونور صدري ، وجلاء حزني, وذهاب همي »
« اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن , والعجز والكسل , والبخل والجبن , وضلع الدين وغلبة الرجال »
« لا إله إلا الله العظيم الحليم , لا إله إلا الله رب العرش العظيم , لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم »
« اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين , وأصلح لي شأني كله , لا إله إلا أنت »
« لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين »
« الله ربي لا أشرك به شيئا »
عن أنس رضي الله عنه قال : كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار " رواة البخاري ومسلم
زاد مسلم في روايته قال : وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها ، فإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه.
التوكل على الله تعالى: حقيقة التوكل : أن يعتمد العبد على الله سبحانه وتعالى اعتمادًا صادقًا في أمور دينه ودنياه مع فعل الأسباب المأذون فيها.
فالتوكل : اعتقاد، واعتماد، وعمل.
أما الاعتقاد فهو : أن يعلم العبد أن الأمر كله لله، فإن ما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن . والله جل وعلا هو: النافع، الضار، المعطي، المانع.
ثم بعد هذا الاعتقاد يعتمد بقلبه على ربه سبحانه وتعالى، ويثق به غاية الوثوق
ثم بعد هذا يأتي الأمر الثالث وهو : أن يفعل الأسباب المأذون فيها شرعًا .
قال تعالى: { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } ومن يتوكل على الله فهو كافيه ما أهمَّه في جميع أموره. إن الله بالغ أمره، لا يفوته شيء، ولا يعجزه مطلوب، قد جعل الله لكل شيء أجلا ينتهي إليه، وتقديرًا لا يجاوزه.
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقالها محمد حين قالوا له : إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل.
{ ياأيها الذين آمنوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فاثبتوا واذكروا الله كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ واصبروا إِنَّ الله مَعَ الصابرين } قال في تتمة أضواء البيان : ذكر الله تعالى أربعة أسباب للطمأنينة .
الأولى : الثبات ، وقد دل عليها قوله تعالى : { إِنَّ الله يُحِبُّ الذين يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ }.
والثانية : ذكر الله كثيراً ، وقد دل عليها قوله تعالى : { أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب }.
والثالثة : طاعة الله ورسوله ، ويدل لها قوله تعالى : { فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا القتال رَأَيْتَ الذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ المغشي عَلَيْهِ مِنَ الموت فأولى لَهُمْ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ }.
والرابعة : عدم التنازع والاعتصام والألفة ، ويدل عليها قوله تعالى : { واعتصموا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ } ، حسن الظن بالله تعالى: قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لا يموتن أحد منكم إلا وهو حسن الظن بالله تعالى » رواه مسلم وقال ابن مسعود رضي الله عنه: والله الذي لا إله إلا هو ما أعطى عبد مؤمن قط شيئًا خير من حسن الظن بالله. والله الذي لا إله إلا هو لا يحسن عبد الظن إلا أعطاه الله ظنه، وذلك أن الخير في يديه.
وقال سفيان بن عيينة: لا يمنعن أحد من الدعاء ما يعلم من نفسه، فإن الله تعالى قد أجاب دعاء شر الخلق إبليس {قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ}قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ هم خير منهم وإن تقرب مني شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة) رواه مسلم
قال النووي في شرحه: قوله عز وجل : { أنا عند ظن عبدي بي } قال القاضي : قيل : معناه بالغفران له إذا استغفر ، والقبول إذا تاب ، والإجابة إذا دعا ، والكفاية إذا طلب الكفاية . وقيل : المراد به الرجاء وتأميل العفو ، وهذا أصح .
قوله تعالى : { وأنا معه حين يذكرني } أي معه بالرحمة والتوفيق والهداية والرعاية.
قضاء حوائج المسلمين: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله له كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)رواه مسلم.
قال النووي رحمه الله: فيه فضل قضاء حوائج المسلمين ونفعهم بما تيسر من علم أو مال أو معاونة أو إشارة بمصلحة أو نصيحة أو غير ذلك. ومعنى تنفيس الكربة إزالتها.
والجزاء من جنس العمل ,فكما أنك تحرص وتجتهد وتسعى لتفريج كربات المسلمين والتيسير عليهم وإعانتهم في جميع أمورهم الدينية والدنيوية, فالله سبحانه وتعالى يفرج عنك ,وييسر أمورك ويعينك على قضاء حوائجك الدينية والدنيوية برحمته وفضله وكرمه.
الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم : ومن وسائل تفريج الكربات وزوال الهموم والغموم الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الأمر قد غفل عنه كثير من المسلمين .
قال الإمام ابن القيم : من مواطن الصلاة عليه عند الهم والشدائد وطلب المغفرة لحديث الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال كان رسول الله إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه قال أبي قلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي فقال ما شئت قال قلت الربع قال ما شئت فإن زدت فهو خير لك قلت النصف قال ما شئت فإن زدت فهو خير لك قال قلت فالثلثين قال ما شئت فإن زدت فهو خير لك قال أجعل لك صلاتي كلها قال إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك رواه الترمذي من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل عن أبيه وقال حديث حسن .
وسئل شيخنا أبو العباس عن تفسير هذا الحديث فقال كان لأبي بن كعب دعاء يدعو به لنفسه فسأل النبي هل يجعل له منه ربعه صلاة عليه فقال إن زدت فهو خير لك فقال له النصف فقال إن زدت فهو خير لك إلى أن قال أجعل لك صلاتي كلها أي أجعل دعائي كله صلاة عليك قال إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك لأن من صلى على النبي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ومن صلى الله عليه كفاه همه وغفر له ذنبه هذا معنى كلامه رضي الله عنه انتهى .
وأخرجه أحمد والحاكم وصححه وفي رواية لأحمد عنه قال : قال رجل يا رسول الله أرأيت إن جعلت صلواتي كلها عليك ؟ قال : " إذا يكفيك الله تبارك وتعالى ما أهمك من دنياك وآخرتك " . قال المنذري : وإسناد هذه جيد انتهى
9- الدعاء بظهر الغيب للمسلمين المضطهدين:
من أسباب تفريج الكربات وزوال الهموم والغموم الدعاء للغير بتفريج كرباتهم وزوال همومهم .
فهل خصصت جزءً من دعائك لإخوانك المستضعفين والمأسورين والمشردين ...(أن يجعل الله لهم من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا...)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل رواه مسلم
قال النووي في شرحه: وفى هذا فضل الدعاء لأخيه المسلم بظهر الغيب ولو دعا لجماعة من المسلمين حصلت هذه الفضيلة ولو دعا لجملة المسلمين فالظاهر حصولها أيضا _ وكان بعض السلف: إذا أراد أن يدعو لنفسه يدعو لأخيه المسلم بتلك الدعوة لأنها تستجاب ويحصل له مثلها
من صدق الإيمان : الدعاء بظهر الغيب يدل دلالة واضحة على صدق الإيمان لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه فإذا دعوت لأخيك بظهر الغيب بدون وصية منه كان هذا دليلا على محبتك إياه وأنك تحب له من الخير ما تحب لنفسك قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}
ـ ملازمة الاستغفار: إن الكوارث والحوادث المؤذية لا تصيب المستغفر بإذن الله، قال جعفر الصادق : لو نزلت صاعقة من السماء لأصابت كل الناس إلا المستغفر.
مصداق ذلك في سورة الأنفال في قول الله تبارك وتعالى: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } .
ـ يقول ابن عباس : [ ذهب الأمان الأول -يعني: وجود النبي صلى الله عليه وسلم- وبقي الأمان الثاني إلى يوم القيامة وهو الاستغفار ]
ـ فإذا لزمت الاستغفار باستمرار فإنك بإذن الله عز وجل تمحو الذنوب، ولا يكون معك ذنب إن شاء الله.
ـ يقول بعض السلف : ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة هذا الاستغفار أمان من العذاب، وماحٍ للذنوب، ومبارك في الأولاد، وموسع في الأرزاق .
ـ الاستغفار عظيم: ( من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيقٍ مخرجاً ومن كل همٍ فرجاً ) هذا الحديث رواه أبو داود ، وفي سنده مقال لكنه يستشهد به، قال الله تعالى على لسان نوح عليه السلام : {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح:10-12] فالاستغفار كشف للبلايا والحوادث والأزمات، وسبب من أسباب السعة وتنزل البركات .
ـ الشكوى إلى الله لا إلى الخلق: لأن الشكوى إلى الله تشعرك بالقوة والسعادة، وأنك تأوي إلى ركن شديد.
ـ أما الشكوى إلى الناس والنظر إلى ما في أيدي الناس، فيشعرك بالضعف والذل والإهانة والتبعية.
ـ إن من أصول التوحيد أن تتعلق القلوب بخالقها في وقت الشدة والرخاء والخوف والأمن والمرض والصحة، بل وفي كل حال وزمان.
ـ و إن ما نراه اليوم من تعلق القلوب بالمخلوقين، وبالأسباب وحدها دون اللجأ إلى الله، لهو والله نذير خطر لتزعزع عقيدة التوحيد في النفوس.
ـ إن الشكوى إلى الله، والتضرع إلى الله، وإظهار الحاجة إليه، والاعتراف بالافتقار إليه، من أعظم عرى الإيمان وثوابت التوحيد، وبرهان ذلك الدعاء والإلحاح في السؤال، والثقة واليقين بالله في كل حال.
قال الله تعالى: { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ } .
أي: هل يجيب المضطرب الذي أقلقته الكروب وتعسر عليه المطلوب واضطر للخلاص مما هو فيه إلا الله وحده؟ ومن يكشف السوء أي: البلاء والشر والنقمة إلا الله وحده.
وختاماً اللهم أجعل لنا من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، اللهم أصلح شؤوننا، ويسر لنا أمورنا، وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
كتبة الفقير إلى عفو ربه ورحمته وكرمه
خالد الحسينان
لفضيلة الشيخ العالم / خالد بن عبد الرحمن الحسينان حفظه الله
نقرأ فيه...
الإيمان الصادق
التعلق بالله تعالى وحدة
الإيمان بالقضاء والقدر
الصبر خير معين
التعرف على الله في الرخاء
تقوى الله تعالى
الحذر من اليأس والقنوط
استشعار رحمة الله تعالى بعبده
من أسباب الطمأنينة
الدعاء بظهر الغيب للمسلمين المضطهدين
للتحميل
http://archive.org/download/kalm-zbir/kalm.pdf
word
http://archive.org/download/kalm-zbir/kalm.doc
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم ...
قال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}.
قال الشيخ السعدي: يخاطب تعالى جميع الناس، ويخبرهم بحالهم ووصفهم، وأنهم فقراء إلى اللّه من جميع الوجوه: فقراء في إيجادهم، فلولا إيجاده إياهم، لم يوجدوا.
فقراء في إعدادهم بالقوى والأعضاء والجوارح، التي لولا إعداده إياهم لما استعدوا لأي عمل كان.
فقراء في إمدادهم بالأقوات والأرزاق والنعم الظاهرة والباطنة، فلولا فضله وإحسانه وتيسيره الأمور، لما حصل لهم من الرزق والنعم شيء.
فقراء في صرف النقم عنهم، ودفع المكاره، وإزالة الكروب والشدائد. فلولا دفعه عنهم، وتفريجه لكرباتهم، وإزالته لعسرهم، لاستمرت عليهم المكاره والشدائد.
فقراء إليه في تربيتهم بأنواع التربية، وأجناس التدبير.
فقراء إليه، في تألههم له، وحبهم له، وتعبدهم، وإخلاص العبادة له تعالى، فلو لم يوفقهم لذلك، لهلكوا، وفسدت أرواحهم، وقلوبهم وأحوالهم.
فقراء إليه، في تعليمهم ما لا يعلمون، وعملهم بما يصلحهم، فلولا تعليمه، لم يتعلموا، ولولا توفيقه، لم يصلحوا.
فهم فقراء بالذات إليه، بكل معنى، وبكل اعتبار، سواء شعروا ببعض أنواع الفقر أم لم يشعروا، ولكن الموفق منهم، الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من أمور دينه ودنياه، ويتضرع له، ويسأله أن لا يكله إلى نفسه طرفة عين، وأن يعينه على جميع أموره، ويستصحب هذا المعنى في كل وقت، فهذا أحرى بالإعانة التامة من ربه وإلهه، الذي هو أرحم به من الوالدة بولدها.
إضاءات و إشارات
1- الإيمان الصادق:
الإيمان الصادق هو الذي ظهرت على جوارح صاحبه الأعمال الصالحة المصدقة لإيمانه ، المترجمة لما في قلبه من الصدق والإخلاص واليقين.
إن الإيمان الصادق: متى استقر في القلب ظهرت آثاره في السلوك وتعامله مع غيره.
الإيمان الصادق: هو قول باللسان، اعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح والأركان.
الإيمان الصادق: هو الالتزام بدين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كما شرع الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} .
قال الشيخ السعدي رحمة الله : هذا إخبار ووعد وبشارة من الله، للذين آمنوا، أن الله يدافع عنهم كل مكروه، ويدفع عنهم كل شر بسبب إيمانهم
من شر الكفار.
وشر وسوسة الشيطان.
وشرور أنفسهم.
وسيئات أعمالهم.
ويحمل عنهم عند نزول المكاره، ما لا يتحملون، فيخفف عنهم غاية التخفيف.
كل مؤمن له من هذه المدافعة والفضيلة بحسب إيمانه، فمستقل ومستكثر. انتهى
وذلك الإيمان الصادق الراسخ هو الذي جعل أهل الإيمان ينطقون بالتسليم لأمر الله ويزدادون تصديقاً لخبره، واستيقانا بوعده كما قال تعالى : {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب/22]
2- التعلق بالله تعالى وحدة:
إن سعادتنا وفلاحنا ونجاحنا في الدنيا والآخرة هو على حسب تعلقنا بربنا سبحانه وتعالى ، فكلما ازداد العبد تعلقاً بالله تعالى في جميع الأحوال والظروف ازداد فلاحا وسعادة ونجاحا.
قال تعالى { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ } .
قال الشيخ السعدي رحمه الله:{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } أي: أليس من كرمه وجوده، وعنايته بعبده، الذي قام بعبوديته، وامتثل أمره واجتنب نهيه، خصوصا أكمل الخلق عبودية لربه، وهو محمد صلى اللّه عليه وسلم، فإن اللّه تعالى سيكفيه في أمر دينه ودنياه، ويدفع عنه من ناوأه بسوء.
{ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } من الأصنام والأنداد أن تنالك بسوء، وهذا من غيهم وضلالهم.
{ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ } لأنه تعالى الذي بيده الهداية والإضلال، وهو الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. { أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ } له العزة الكاملة التي قهر بها كل شيء، وبعزته يكفي عبده ويدفع عنه مكرهم. { ذِي انْتِقَامٍ } ممن عصاه، فاحذروا موجبات نقمته.
3- الإيمان بالقضاء والقدر:
إن من أعظم ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر هو الطمأنينة والسكينة والراحة النفسية قال تعالى { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }.
قال صلى الله عليه وسلم (واعلَمْ أنَّ ما أخطَأَكَ لم يَكُن لِيُصِيبَكَ ، وما أصابَكَ لم يَكُن ليُخطِئَكَ) قال الحافظ بن رجب الحنبلي فهاتان درجتان للمؤمن بالقضاء والقدر في المصائب :
إحداهما : أنْ يرضى بذلك ، وهذه درجةٌ عاليةٌ رفيعة جداً ، قال الله عز وجل:{ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} قال علقمة : هي المصيبة تصيبُ الرَّجلَ ، فيعلم أنَّها من عند الله ، فيسلِّمُ لها ويرضى .
وخرَّج الترمذي من حديث أنس ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : (( إنَّ الله إذا أحبَّ قوماً ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط.
وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه : (( أسأَلكَ الرِّضا بعد القضاء )) وممَّا يدعو المؤمن إلى الرِّضا بالقضاء تحقيقُ إيمانه بمعنى قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (( لا يقضي الله للمؤمن قضاءً إلا كان خيراً له : إنْ أصابته سرَّاء شكر ، كان خيراً له ، وإنْ أصابته ضرَّاء صبر ، كان خيراً له ، وليس ذلك إلا للمؤمن )).
قال أبو الدرداء : إنَّ الله إذا قضى قضاءً أحبَّ أنْ يُرضى به فمن وصل إلى هذه الدرجة ، كان عيشُه كلُّه في نعيمٍ وسرورٍ.
والدرجة الثانية : أنْ يصبرَ على البلاء ، وهذه لمن لم يستطع الرِّضا بالقضاء ، فالرِّضا فضلٌ مندوبٌ إليه مستحب ، والصبرُ واجبٌ على المؤمن حتمٌ ، وفي الصَّبر خيرٌ كثيرٌ ، فإنَّ الله أمرَ به ، ووعدَ عليه جزيلَ الأجر . قال الله - عز وجل :{ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } وقال : { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}
والفرق بين الرضا والصبر : أنَّ الصَّبر : كفُّ النَّفس وحبسُها عن التسخط مع وجود الألم ، وتمنِّي زوال ذلك ، وكفُّ الجوارح عن العمل بمقتضى الجزع ، والرضا : انشراح الصدر وسعته بالقضاء ، وترك تمنِّي زوال ذلك المؤلم ، وإنْ وجدَ الإحساسُ بالألم ، لكن الرضا يخفِّفُه لما يباشر القلبَ من رَوح اليقين والمعرفة ، وإذا قوي الرِّضا ، فقد يزيل الإحساس بالألم بالكلية كما سبق .
4- الصبر خير معين :
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) قال ابن كثير: الإرشاد إلى الاستعانة بالصبر والصلاة، فإن العبد إما أن يكون في نعمة فيشكر عليها، أو في نقمة فيصبر عليها؛ كما جاء في الحديث: "عجبًا للمؤمن. لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرًا له: إن أصابته سراء، فشكر، كان خيرًا له؛ وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرًا له".
وبين تعالى أن أجود ما يستعان به على تحمل المصائب الصبر والصلاة، وفي الحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَه(أي: إِذا نزل به مُهِمّ أَو أَصابَه غمٌّ) صلى. انتهى
فهل أنت يا أخي المسلم نزلت بك مصيبة أو مشكلة سواء كانت اجتماعية أو مالية أو نفسية تفزع إلى الصلاة؟
و قوله صلى الله عليه وسلم : (( واعلم أنَّ النَّصر مع الصَّبر )) هذا موافق لقول الله عز وجل:{ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} وقوله تعالى : { فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } . وقال عمرُ لأشياخ من بني عبس : بم قاتلتُمُ الناس ؟ قالوا : بالصبر ، لم نلق قوماً إلا صبرنا لهم كما صبروا لنا . وقال بعض السَّلف : كلنا يكره الموت وألم الجراح ، ولكن نتفاضل بالصَّبر .
5- التعرف على الله في الرخاء :
قوله صلى الله عليه وسلم : (( تعرَّف إلى الله في الرَّخاء ، يعرفكَ في الشِّدَّةِ )) قال الحافظ بن رجب الحنبلي : أنَّ العبدَ إذا اتَّقى الله ، وحَفِظَ حدودَه ، وراعى حقوقه في حال رخائه ، فقد تعرَّف بذلك إلى الله ، وصار بينه وبينَ ربه معرفةٌ خاصة ، فعرفه ربَّه في الشدَّة ، ورعى له تَعَرُّفَهُ إليه في الرَّخاء ، فنجَّاه من الشدائد بهذه المعرفة، وهذه معرفة خاصة تقتضي قربَ العبدِ من ربِّه ، ومحبته له، وإجابته لدعائه .
فمعرفة العبد لربه نوعان :
أحدُهما : المعرفةُ العامة ، وهي معرفةُ الإقرار به والتَّصديق والإيمان ، وهذه عامةٌ للمؤمنين .
والثاني : معرفة خاصة تقتضي ميلَ القلب إلى الله بالكلية ، والانقطاع إليه ، والأُنس به ، والطمأنينة بذكره ، والحياء منه ، والهيبة له ، وهذه المعرفة الخاصة هي التي يدور حولها العارفون ، كما قال بعضهم : مساكينُ أهلُ الدُّنيا ، خرجوا منها وما ذاقوا أطيبَ ما فيها ، قيل له : وما هو ؟ قال : معرفةُ الله عز وجل.
وخرَّج الترمذيُّ من حديث أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : (( من سرَّه أنْ يستجيب الله له عندَ الشَّدائد ، فليُكثرِ الدُّعاءَ في الرَّخاء ))
6- تقوى الله تعالى:
تعريف التقوى : هي التحرز من عقوبة الله تعالى وعذابه ، بطاعته وإتباع أوامره ،واجتناب نواهيه.
قال الله تعالى { وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً } قال ابن عباس رضي الله عنه: يُنجيه من كُلِّ كَربٍ في الدنيا والآخرة.
وقوله تعالى: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا } قال ابن كثير:أي يسهل له أمره، وييسره عليه، ويجعل له فرجا قريبًا ومخرجًا عاجلا.
عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى رواه مسلم.
قال ابن رجب رحمة الله: فمن عامل الله بالتقوى والطاعة في حال رخائه عامله الله باللطف والإعانة في حال شدَّته
7- الحذر من اليأس والقنوط:
تعريف القنوط: استبعاد الفرج, وقطع الرجاء من رحمة اللهقال تعالى : { ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون } قال سيد قطب رحمة الله: وبرزت كلمة { الرحمة } وبرزت معها الحقيقة الكلية : أنه لا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون . الضالون عن طريق الله ، الذين لا يستروحون روحه ، ولا يحسون رحمته ، ولا يستشعرون رأفته وبره ورعايته . فأما القلب الندي بالإيمان ، المتصل بالرحمن ، فلا ييأس ولا يقنط مهما أحاطت به الشدائد ، ومهما ادلهمت حوله الخطوب ، ومهما غام الجو وتلبد ، وغاب وجه الأمل في ظلال الحاضر وثقل هذا الواقع الظاهر . . فإن رحمة الله قريب من قلوب المؤمنين المهتدين .
ومما يمنع المسلم من اليأس مهما حاصرته الخطوب ، وأحدقت به وبأمته المحن الأمور التالية :
1- الإيمان القوي بقضاء الله تعالى ، وأن ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، والإيمان بالقدر خيره وشره من أركان الإيمان ، وأصول العقيدة .
2- الثقة بوعد الله سبحانه ، وبنصره لمن أطاعه ، وبدفاعه عن الذين آمنوا ، وهو سبحانه لا يخلف الميعاد ، ولكنه يبتلي العباد قال جل وعلا { وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } .
3- الوعيد الشديد على اليأس ، لكونه قنوطا من رحمة الله ، وسوء ظن بالله جل وعلا ، واستبعادا لوعد الله تعالى ونصره ، وهذا إنما يتصف به الضالون لا المؤمنون ، قال الله تعالى: { وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ }
8- استشعار رحمة الله تعالى بعبده:
قال تعالى:{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} قال سيد قطب رحمة الله: في كل أمر وفي كل وضع ، وفي كل حال . . ولا يصعب القياس على هذه الأمثال!
ومن رحمة الله أن تحس برحمة الله! فرحمة الله تضمك وتغمرك وتفيض عليك . ولكن شعورك بوجودها هو الرحمة .
ورجاؤك فيها وتطلعك إليها هو الرحمة .
وثقتك بها وتوقعها في كل أمر هو الرحمة .
العذاب هو العذاب في احتجابك عنها أو يأسك منها أو شكك فيها . وهو عذاب لا يصبه الله على مؤمن أبداً : { إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون }
ورحمة الله لا تعز على طالب في أي مكان ولا في أي حال .
وجدها إبراهيم عليه السلام في النار .
ووجدها يوسف عليه السلام في الجب كما وجدها في السجن .
ووجدها يونس عليه السلام في بطن الحوت في ظلمات ثلاث .
ووجدها موسى عليه السلام في اليم وهو طفل مجرد من كل قوة ومن كل حراسة ، كما وجدها في قصر فرعون وهو عدو له متربص به ويبحث عنه .
ووجدها أصحاب الكهف في الكهف حين افتقدوها في القصور والدور . فقال بعضهم لبعض : { فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته } ووجدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه في الغار والقوم يتعقبونهما ويقصون الآثار .
ووجدها كل من آوى إليها يأساً من كل ما سواها . منقطعاً عن كل شبهة في قوة ، وعن كل مظنة في رحمة ، قاصداً باب الله وحده دون الأبواب . انتهى بتصرف
دعاء الكرب والدعاء عند الأمور المهمة: ومن رحمة الله بنا أن شرع الله لنا بعض الأدعية والأذكار التي يقولها المسلم ويرددها عند الكرب وأوقات الشدة حتى تنزل عليه رحمة الله وتفرج عنه ما هو فيه من الضيق والتعب النفسي.
فلازم هذه الأذكار في كل وقت وفي كل حين في ليلك ونهارك حتى في سجودك ومن هذه الأذكار:
« اللهم إني عبدك , ابن عبدك , ابن أمتك , ناصيتي بيدك , ماض في حكمك , عدل في قضاؤك , أسألك بكل اسم هو لك , سميت به نفسك, أو أنزلته في كتابك, أو علمته أحدًا من خلقك, أو استأثرت به في علم الغيب عندك, أن تجعل القرآن ربيع قلبي, ونور صدري ، وجلاء حزني, وذهاب همي »
« اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن , والعجز والكسل , والبخل والجبن , وضلع الدين وغلبة الرجال »
« لا إله إلا الله العظيم الحليم , لا إله إلا الله رب العرش العظيم , لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم »
« اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين , وأصلح لي شأني كله , لا إله إلا أنت »
« لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين »
« الله ربي لا أشرك به شيئا »
عن أنس رضي الله عنه قال : كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار " رواة البخاري ومسلم
زاد مسلم في روايته قال : وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها ، فإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه.
التوكل على الله تعالى: حقيقة التوكل : أن يعتمد العبد على الله سبحانه وتعالى اعتمادًا صادقًا في أمور دينه ودنياه مع فعل الأسباب المأذون فيها.
فالتوكل : اعتقاد، واعتماد، وعمل.
أما الاعتقاد فهو : أن يعلم العبد أن الأمر كله لله، فإن ما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن . والله جل وعلا هو: النافع، الضار، المعطي، المانع.
ثم بعد هذا الاعتقاد يعتمد بقلبه على ربه سبحانه وتعالى، ويثق به غاية الوثوق
ثم بعد هذا يأتي الأمر الثالث وهو : أن يفعل الأسباب المأذون فيها شرعًا .
قال تعالى: { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } ومن يتوكل على الله فهو كافيه ما أهمَّه في جميع أموره. إن الله بالغ أمره، لا يفوته شيء، ولا يعجزه مطلوب، قد جعل الله لكل شيء أجلا ينتهي إليه، وتقديرًا لا يجاوزه.
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقالها محمد حين قالوا له : إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل.
من أسباب الطمأنينة:
الأولى : الثبات ، وقد دل عليها قوله تعالى : { إِنَّ الله يُحِبُّ الذين يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ }.
والثانية : ذكر الله كثيراً ، وقد دل عليها قوله تعالى : { أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب }.
والثالثة : طاعة الله ورسوله ، ويدل لها قوله تعالى : { فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا القتال رَأَيْتَ الذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ المغشي عَلَيْهِ مِنَ الموت فأولى لَهُمْ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ }.
والرابعة : عدم التنازع والاعتصام والألفة ، ويدل عليها قوله تعالى : { واعتصموا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ } ، حسن الظن بالله تعالى: قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لا يموتن أحد منكم إلا وهو حسن الظن بالله تعالى » رواه مسلم وقال ابن مسعود رضي الله عنه: والله الذي لا إله إلا هو ما أعطى عبد مؤمن قط شيئًا خير من حسن الظن بالله. والله الذي لا إله إلا هو لا يحسن عبد الظن إلا أعطاه الله ظنه، وذلك أن الخير في يديه.
وقال سفيان بن عيينة: لا يمنعن أحد من الدعاء ما يعلم من نفسه، فإن الله تعالى قد أجاب دعاء شر الخلق إبليس {قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ}قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ هم خير منهم وإن تقرب مني شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة) رواه مسلم
قال النووي في شرحه: قوله عز وجل : { أنا عند ظن عبدي بي } قال القاضي : قيل : معناه بالغفران له إذا استغفر ، والقبول إذا تاب ، والإجابة إذا دعا ، والكفاية إذا طلب الكفاية . وقيل : المراد به الرجاء وتأميل العفو ، وهذا أصح .
قوله تعالى : { وأنا معه حين يذكرني } أي معه بالرحمة والتوفيق والهداية والرعاية.
قضاء حوائج المسلمين: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله له كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)رواه مسلم.
قال النووي رحمه الله: فيه فضل قضاء حوائج المسلمين ونفعهم بما تيسر من علم أو مال أو معاونة أو إشارة بمصلحة أو نصيحة أو غير ذلك. ومعنى تنفيس الكربة إزالتها.
والجزاء من جنس العمل ,فكما أنك تحرص وتجتهد وتسعى لتفريج كربات المسلمين والتيسير عليهم وإعانتهم في جميع أمورهم الدينية والدنيوية, فالله سبحانه وتعالى يفرج عنك ,وييسر أمورك ويعينك على قضاء حوائجك الدينية والدنيوية برحمته وفضله وكرمه.
الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم : ومن وسائل تفريج الكربات وزوال الهموم والغموم الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الأمر قد غفل عنه كثير من المسلمين .
قال الإمام ابن القيم : من مواطن الصلاة عليه عند الهم والشدائد وطلب المغفرة لحديث الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال كان رسول الله إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه قال أبي قلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي فقال ما شئت قال قلت الربع قال ما شئت فإن زدت فهو خير لك قلت النصف قال ما شئت فإن زدت فهو خير لك قال قلت فالثلثين قال ما شئت فإن زدت فهو خير لك قال أجعل لك صلاتي كلها قال إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك رواه الترمذي من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل عن أبيه وقال حديث حسن .
وسئل شيخنا أبو العباس عن تفسير هذا الحديث فقال كان لأبي بن كعب دعاء يدعو به لنفسه فسأل النبي هل يجعل له منه ربعه صلاة عليه فقال إن زدت فهو خير لك فقال له النصف فقال إن زدت فهو خير لك إلى أن قال أجعل لك صلاتي كلها أي أجعل دعائي كله صلاة عليك قال إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك لأن من صلى على النبي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ومن صلى الله عليه كفاه همه وغفر له ذنبه هذا معنى كلامه رضي الله عنه انتهى .
وأخرجه أحمد والحاكم وصححه وفي رواية لأحمد عنه قال : قال رجل يا رسول الله أرأيت إن جعلت صلواتي كلها عليك ؟ قال : " إذا يكفيك الله تبارك وتعالى ما أهمك من دنياك وآخرتك " . قال المنذري : وإسناد هذه جيد انتهى
9- الدعاء بظهر الغيب للمسلمين المضطهدين:
من أسباب تفريج الكربات وزوال الهموم والغموم الدعاء للغير بتفريج كرباتهم وزوال همومهم .
فهل خصصت جزءً من دعائك لإخوانك المستضعفين والمأسورين والمشردين ...(أن يجعل الله لهم من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا...)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل رواه مسلم
قال النووي في شرحه: وفى هذا فضل الدعاء لأخيه المسلم بظهر الغيب ولو دعا لجماعة من المسلمين حصلت هذه الفضيلة ولو دعا لجملة المسلمين فالظاهر حصولها أيضا _ وكان بعض السلف: إذا أراد أن يدعو لنفسه يدعو لأخيه المسلم بتلك الدعوة لأنها تستجاب ويحصل له مثلها
من صدق الإيمان : الدعاء بظهر الغيب يدل دلالة واضحة على صدق الإيمان لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه فإذا دعوت لأخيك بظهر الغيب بدون وصية منه كان هذا دليلا على محبتك إياه وأنك تحب له من الخير ما تحب لنفسك قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}
ـ ملازمة الاستغفار: إن الكوارث والحوادث المؤذية لا تصيب المستغفر بإذن الله، قال جعفر الصادق : لو نزلت صاعقة من السماء لأصابت كل الناس إلا المستغفر.
مصداق ذلك في سورة الأنفال في قول الله تبارك وتعالى: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } .
ـ يقول ابن عباس : [ ذهب الأمان الأول -يعني: وجود النبي صلى الله عليه وسلم- وبقي الأمان الثاني إلى يوم القيامة وهو الاستغفار ]
ـ فإذا لزمت الاستغفار باستمرار فإنك بإذن الله عز وجل تمحو الذنوب، ولا يكون معك ذنب إن شاء الله.
ـ يقول بعض السلف : ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة هذا الاستغفار أمان من العذاب، وماحٍ للذنوب، ومبارك في الأولاد، وموسع في الأرزاق .
ـ الاستغفار عظيم: ( من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيقٍ مخرجاً ومن كل همٍ فرجاً ) هذا الحديث رواه أبو داود ، وفي سنده مقال لكنه يستشهد به، قال الله تعالى على لسان نوح عليه السلام : {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح:10-12] فالاستغفار كشف للبلايا والحوادث والأزمات، وسبب من أسباب السعة وتنزل البركات .
ـ الشكوى إلى الله لا إلى الخلق: لأن الشكوى إلى الله تشعرك بالقوة والسعادة، وأنك تأوي إلى ركن شديد.
ـ أما الشكوى إلى الناس والنظر إلى ما في أيدي الناس، فيشعرك بالضعف والذل والإهانة والتبعية.
ـ إن من أصول التوحيد أن تتعلق القلوب بخالقها في وقت الشدة والرخاء والخوف والأمن والمرض والصحة، بل وفي كل حال وزمان.
ـ و إن ما نراه اليوم من تعلق القلوب بالمخلوقين، وبالأسباب وحدها دون اللجأ إلى الله، لهو والله نذير خطر لتزعزع عقيدة التوحيد في النفوس.
ـ إن الشكوى إلى الله، والتضرع إلى الله، وإظهار الحاجة إليه، والاعتراف بالافتقار إليه، من أعظم عرى الإيمان وثوابت التوحيد، وبرهان ذلك الدعاء والإلحاح في السؤال، والثقة واليقين بالله في كل حال.
قال الشاعر:
يا صاحب الهـم! إن الهم منفرج أبشر بخير فإن الفـارج الله
إذا بليت فثق بالله وارض به إن الذي يكشف البلوى هو الله
يا صاحب الهـم! إن الهم منفرج أبشر بخير فإن الفـارج الله
إذا بليت فثق بالله وارض به إن الذي يكشف البلوى هو الله
أي: هل يجيب المضطرب الذي أقلقته الكروب وتعسر عليه المطلوب واضطر للخلاص مما هو فيه إلا الله وحده؟ ومن يكشف السوء أي: البلاء والشر والنقمة إلا الله وحده.
وختاماً
كتبة الفقير إلى عفو ربه ورحمته وكرمه
خالد الحسينان
تعليق