إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عبد في قاعة الإمتحان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عبد في قاعة الإمتحان

    عبد في قاعة الإمتحان
    الكاتب: صالح عبد السيد
    كان المكان شبه مزدحم بالناس حيث وقف بعضهم بالخارج يتناولون أطراف الحديث، والكل تبدو عليهم علامات البهجة والسرور، اقتربتُ من المكان محاولاً أن أجد ثغرة للدخول، كان الأمر شبه صعب ولكن مع المحاولة تمكنتُ من المرور، بدأت أسألُ الناس عند مروري إلى الداخل؛ ما الأمر؟ قالوا لي؛ انه سقط على رأسه، قلتُ ؛ من هو؟ قالوا؛ عبد، قلتُ؛ كلنا عبيد، ولكن ما اسمه؟ سخر مني بعضهم، ونظر إليَّ الآخرون باستغراب وتقدم إليّ آخر وقال لي؛ سقط قبل قليل وتسأل عن اسمه؟! قلتُ؛ لعلي أخطأت فالموقف ليس موقف سؤال عن اسم.

    بل كان علىَّ أن اسأل عن حاله أولا، ولكن كيف اسأل عن حاله والكل هنا مسرورون بسقوطه وكأنهم كانوا يتمنون له ذلك؟!

    لم اعد قادراً على التفاهم مع هؤلاء الناس، وبدأت أحاول أن استحلى الأمر بنفسي، دخلتُ فسمعت صوتاً كأنه صراخ متألم.. نظرت إلى مصدر الصوت فإذا به عبد كأنه سقط من علو، رفع من الأرض، أزيل شئ من بطنه، وأُحضرت له قطعة من القماش ولفَّ فيها جسده، وترك رأسه مكشوفاً، قلت؛ لعلهم يريدون علاج الرأس لان السقوط كان على الرأس، ولكني تيقنت فيما بعد أن قطعة القماش تلك إنما وضعوه فيها لتسهيل نقله لان السقوط كان تأثيره شاملاً لجميع الجسم، الأيدي والأرجل شبه مشلولة... العيون غير قادرة على الرؤية والتمييز، الفم غير قادر على تناول الأطعمة الصلبة لخلوه من الأسنان، اللسان عاجز عن النطق بالكلام.

    مرَّ بذاكرتي خروج الواقفين بالباب لدرجة إن بعضهم يتفوه بعبارات التهنئة لبعض، ومرَّ أيضا عندما سألتهم عن اسمه فقالوا ؛ لي سقط قبل قليل وتسأل عن اسمه؟! فتيقنتُ انهم يرونه لأول مرة ولم يسبق لهم رؤيته، وبعد سقوطه كان عاجزاً عن النطق فلعل هذا هو السبب الذي جعلهم يسخرون منى.

    وقطعت عليّ شريط ذاكرتي مائدة الطعام، لم انتبه لمصدر مجيئها لأني كنتُ غارقاً في التفكير ولكن قلت بيقين المؤمن؛ {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها}، وأيا ما كان مصدر هذا الرزق فهو سبب من الأسباب واللَّه هو الرزاق ذو القوة المتين، ولكنني قلت؛ لعله لا يستطيع تناول الطعام لان جسمه شبه عاطل؟

    ولكن تساؤلي ما لبث أن زال عندما رأيتُ أن تلك المائدة لم تحو سوى لترات من الحليب تناول منها بعض الشيء، وكان هذا هو طعامه طيلة فترة نومه، ولكن يبدو أن حالته تحسنت شيئاً ما بعدما أزيلت عنه قطعة القماش التي كانت تربط جسمه، بدأ يحرك يديه قليلاً وكذلك رجليه، ولعله يستطيع الجلوس والوقوف إذا كان يسنده أحد.. بدأت حالتهُ تسير إلى الافضل، يستطيع أن يجلس بمفرده ولعله يستطيع الوقوف أيضا، يحاول مستنداً بيديه على الارض، يسير قليلاً على الأرض، يحاول الوقوف ولكنه لم يستطع، بدأ يترك وحده ولكن يسير بمساعدة يديه لان الأرجل لا تزال ضعيفة، حاول مراراً، ومع المحاولة يأتي التغيير إلى الأحسن، فالآن يقف وحده ويحاول المسير فيسقط وفي المحاولة الأخرى يسير بتبعثر، ثم يتمكن من المشي والجري بعد عدة محاولات، عاد إلى حالته الطبيعية يتكلم ويرى ويمشي.

    وبعد أيام من سقوطه عرف اسمه، وبعد أن عاد إلى الحالة الطبيعية اخذ الناس ينادونه بذلك الاسم ووقف تعاملهم معه عند هذا الحد، لأنه لا يزال في راحة طبية حتى يتأكدوا من سلامته ويتيقنوا انه شفى تماماً، وخاصة من ناحية القوى العقلية لان السقوط كان على الرأس، فلعلّه قد أحدث خللاً داخلياً لم يطلعوا عليه والوقت كفيلٌ بإظهار ذلك.


    * * *

    مرت فترة كافية أيقنوا بعدها بشفائه كلياً وآن لهم أن يعرفوا حقيقة أمره فسألوه عن نفسه فقال؛ أنا عبدٌ لسيد لديه غيري من العبيد الكثير.. فبعثنا لأداء امتحانه، ووعدنا بان من نجح فسيعتقه ويجعله من المقربين، وأوضح لنا أسباب النجاح وحذرنا من سبل الفشل والرسوب، وبعد أن عرفوا حقيقة أمره دخل إلى قاعة العبيد لأداء الامتحان.. أحس بالحزن عندما رأى أن كثيراً من أصحابه قد اكمل وخرج ومنهم من كتب عدة صفحات، وهو لم يبدأ بعد وقد ضاع من وقت الامتحان الكثير وفي نفس الوقت فهو لم يحضر معه ورقة ولا حتى قلماً.. أظلمت الدنيا في وجهه وكاد أن بيأس ويترك الامتحان.. ولكن بعض المشرفين افهموه انه سيكون له وقت خاص به ولن يحسب عليه ما مر من الوقت وان الوقت سيكون كافياً لإجابة الأسئلة، واخبروه أيضا بان من اكمل قبله لن يؤثر على نتيجته لان مالكهم قال لهم؛ من نجح سأعتقه واجعله من المقربين، ولم يقل لهم؛ من اكمل أولا، ومن ناحية أوراق الإجابة والقلم؛ اخبره المشرف بان الامتحان سيكون في مادتين ولكل منهما كاتب، فسُرّ العبد وعلت وجهه علامات البهجة والسرور فتقدم إلى كرسي بين كاتبين.

    وجلس وأعطيت أوراق الإجابة للمختصين بكتابة الإجابة وأعطيت ورقة الامتحان للعبد، اخذ يستوضح الورقة ويحاول قراءتها ثم وضعها أمامه ووضع يديه على طاولته ووضع رأسه على يديه وغاب عن القاعة والامتحان، فأما الجالس عن يمينه من الكاتبين فقد وضع قلمه على أوراق الإجابة واخذ ينظر إلى العبد لعلّه يفيق، وأما الآخر فشرع في الكتابة منذ اللحظة الأولى لنوم العبد، وفجأة، دخل المشرف وعندما نظر إلى العبد النائم أسرع إليه ونهره قائلاً ؛ أتنام في قاعة الامتحان وما عساك أن تقول لمالكك وأوراقك لا تزال بيضاء؟! وهل هذه الأوراق البيضاء هي التي ستعتقك وتقربك؟!

    هنالك أظلمت القاعة في وجه العبد من جديد، وعلم انه قد فرّط في استغلال الوقت وخاصة عندما رأى الجالس على شماله قد كتب الكثير، وقال؛ لو أنى بدأتُ في الكتابة من أول الوقت لما كانت أوراقي بيضاء، أظلمت القاعة في عينيه، نظر إلى القاعة من جديد وكأنه يراها لأول مرة، تأمل زواياها وما فيها، ثم نظر إلى أعلى وذرفت عيناه الدموع، ثم جلس يكفكف دموعه، جاء إليه المشرف من جديد وقال له؛ انه يمكنك تدارك ما فاتك ولكن لا تضيع الوقت من جديد.

    فقال متحسراً على ما فات؛ افعل إن شاء اللّه، وفي نفس الوقت اخذ الجالس على شماله الأوراق التي كتبها في فترة نوم العبد وسلّمها للجالس على اليمين، وبدأ العبد في الإجابة ولكنه لم يمر من الوقت إلا القليل حتى جاء مبعوث الملك ليخبره بانتهاء الوقت المحدد لأداء الامتحان.

    أُخرج العبد من القاعة وألبس ثياباً خاصة غير ثياب القاعة، وحمل إلى أسفل حيث وضع في مكان خاص يتسع لشخص واحد ووضعت معه أوراق الإجابة..

    سألت بعض الناس؛ ما نتيجته هل نجح؟ قالوا؛ نتمنى له ذلك.. فلقد ذهب إلى الملك، وستعلم النتائج عندما يأذن الملك بذلك، ولكننا على يقين بان الملك عادل ولا يظلمُ أحدا شيئاً.

    [عن مجلة الفجر]






    عن عقبة بن الحصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم الدجال) رواه أحمد.

    عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يبرح هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصبة من المسلمين حتي تقوم الساعة)
    رواه مسلم.


  • #2
    رد: عبد في قاعة الإمتحان

    مشوقه فعلا
    جزاكم الله خيرا

    تعليق


    • #3
      رد: عبد في قاعة الإمتحان

      المشاركة الأصلية بواسطة مهندس احمد مشاهدة المشاركة
      مشوقه فعلا
      جزاكم الله خيرا

      وجزاكم أخي الكريم
      بارك الله فيكم
      عن عقبة بن الحصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم الدجال) رواه أحمد.

      عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يبرح هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصبة من المسلمين حتي تقوم الساعة)
      رواه مسلم.

      تعليق


      • #4
        رد: عبد في قاعة الإمتحان

        نفع الله بكم أخانا الحبيب
        جزاكم الله خيرا
        د.ناصر العمر |
        إذا اقشعرَّ جلدك ولان قلبك وأنت تسمع آيات الوعد والوعيد؟! عندئذٍ تكون متدبّراً للقرآن ومنتفعاً به، ويكون حجةً لك لا حجةً عليك !. ولكي تلمس أثر القرآن في نفسك، انظر: هل ارتفع إيمانك؟.. هل بكيت؟.. هل خشعت؟.. هل تصدقتَ؟..فكل آية لها دلالاتها وآثارها .

        تعليق

        يعمل...
        X