إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

يا جماعه بعتذر للجميع بس انا حاسس انى بضيــع

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • يا جماعه بعتذر للجميع بس انا حاسس انى بضيــع

    بسم الله الرحمن الرحيـــم ..

    الحمد لله والصلاه والسلام على رسول الله

    يا جماعه وبصراحه انا حاسس انى تايه .. واانا اصلا عشان ادخل واكتب الموضوع دى ضغطت على نفسي

    انا عايز اعتذر للجميــع الأول عشان بقالى فتره مش بدخل والله مش عارف اودى وشى منكم فيـن

    انا من فتره ولله الحمد تبت الى الله وبعدت عن كل المعاصى وبدأت اتعلم الشرعى واتعلقت بناس كتير هنا

    حبتهم في الله

    المهم وبعد فتره بدأت تجيلى وساوس في العقيده في كل حاجه

    انا هقول كل حاجه ومعرفش الكلام دى صح اقوله ولا لا

    بدأت أشك في وجود ربنا بدأت اشك في الاسلام في كل حاجه

    بس دى كان متزامن انى كنت بصلى كل الفروض في وقتها وبصلى قيام الليل

    وبقرأ قراءن فسمعت مقطع للشيخ محمد حسان ان الى يوصل لى كده يبقى دى محض الإيمان

    وعشان الشيطان مش عارف يدخله من باب الشهوات دخل من الشبهات

    المهم وفضلت فتره على كده

    وبدأت اتراجع شويه

    مبقتش اصلى قيام الليل

    بس الحمد لله محافظ على اغلب الفروض في وقتهااااا

    ودلوقتى رجعت شويه للمعاصى .. ومازالت الشبهات دى موجود في قلبي

    وشغلت تفكيرى

    ارجوكو ساعدونى

    عايز اقتنع انى صـــــح .....!!

    عايز ارجع تااااااااااااااانى للصــــــــــــــــــــح



  • #2
    رد: يا جماعه بعتذر للجميع بس انا حاسس انى بضيــع

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
    بداية أسأل الله ان يثبت قلبك على دينه
    ومعاى هدية بسيطة فيها كلام وافى وشرح جميل كتاب رائع
    اتمنى تقرأه ومعاك رابط التحميل
    حمل كتاب للكون إله للدكتور صبري الدمرداش
    قراءة في كتابي الله المنظور والمسطور

    تأليف
    د. صبري الدمرداش

    كتاب للكون للدكتور صبري الدرداش ...كتاب خطير يفوتكم قرائته
    التحميل

    archive

    أوadrive


    او من هنا

    http://www.mediafire.com/?lzl53fszr893nde
    بطاقة الكتاب
    العنوان: للكون إله .
    تأليف: د. صبري الدمرداش .
    دار النشر: مكتبة المنار .
    سنة الطبع: الطبعة الثانية (1427هـ- 2006م) .
    نوع التغليف: مجلد (674)

    زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
    كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
    في
    :

    جباال من الحسنات في انتظارك





    تعليق


    • #3
      رد: يا جماعه بعتذر للجميع بس انا حاسس انى بضيــع

      إلى الراغبين في دراسة عقيدة السلف في القضاء والقدر وكيف تكون علاجا

      شافيا لكل حائر ، وردا كافيا لكل شبهة .
      التعديل الأخير تم بواسطة مجاهد الشام; الساعة 11-05-2012, 11:12 AM. سبب آخر: حذف فونتز الألوان ..

      زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
      كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
      في
      :

      جباال من الحسنات في انتظارك





      تعليق


      • #4
        رد: يا جماعه بعتذر للجميع بس انا حاسس انى بضيــع

        مجموعة محاضرات
        للدكتور محمود عبد الرازق الرضواني
        يتابعها بنفسه مع طلاب العلم الرغبين في دراسة عقيدة السلف في القضاء والقدر
        أولا : بسم الله الرحمن الرحيم
        مراتب القدر - المحاضرة الأولى
        المرتبة الأولى العلم
        إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الذِي خَلقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلقَ مِنْهَا زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الذِي تَتَساءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَليْكُمْ رَقِيبًا) (النساء/1) (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (الحشر/18) (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلمُون) (آل عمران/102) ، أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
        اليوم نتحدث بإذن الله تعالى عن عقيدة أهل السنة والجماعة في الإيمان بالقضاء والقدر ومسؤولية الإنسان عن أفعاله ، فمن آثار الإيمان بتوحيد الربوبية إفراد الله بمراتب القضاء والقدر ، مراتب القضاء والقدر من أهم الموضوعات التي استحوذت على فكر الناس وعقيدتهم ، أسئلة كثيرة تدور بينهم ، هل الإنسان مسير في أفعاله مجبور ، أم أنه حر مخير مسئول ؟ هل أفعال العباد مقدرة مكتوبة قبل خلقهم ووجودهم ؟ وإذا كانت الأعمال مقدرة على العباد سلفا فما الفائدة من الاجتهاد والعمل ؟ وهل العمر يطول أو يقصر عند الأخذ بالأسباب مع كونه مكتوبا في أم الكتاب ؟ وهل المقتول مات بأجله ؟ وغير ذلك من التساؤلات التي كثر فيها النقاش ؟ واليوم نبدأ معكم الحديث في هذه المحاضرة عن مراتب القضاء والقدر .
        الإيمان بالقدر هو الركن السادس من أركان الإيمان ، فأركان الإيمان حصرها رسول الله صلي الله عليه وسلم في ستة أركان ، روى الإمام مسلم من حديث عبد الله بن عمر أنه قَال: حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ قَال بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُول اللهِ صَلى اللهم عَليْهِ وَسَلمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلعَ عَليْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لا يُرَى عَليْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلسَ إِلى النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلى فَخِذَيْهِ وَقَال يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ الإِسْلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صَلى اللهم عَليْهِ وَسَلمَ وَتُقِيمَ الصَّلاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ البَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِليْهِ سَبِيلا قَال صَدَقْتَ قَال فَعَجِبْنَا لهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ قَال فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ قَال أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ قَال صَدَقْتَ قَال فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ قَال أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ قَال فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ قَال مَا المَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلمَ مِنَ السَّائِل قَال فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا قَال أَنْ تَلدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا وَأَنْ تَرَى الحُفَاةَ العُرَاةَ العَالةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي البُنْيَانِ قَال ثُمَّ انْطَلقَ فَلبِثْتُ مَليًّا ثُمَّ قَال لي يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ قُلتُ اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلمُ قَال فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلمُكُمْ دِينَكُمْ) .
        فأركان الإِيمَانِ التي ذكرها رسول الله لجبريل وهو في صورة الأعرابي أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ، وقد صدقه جبريل على ذلك ، وهذه الأركان حملت في ترتيبها معنا مقصودا ، يراه أصحاب البصيرة مشهودا ، وبين الكلمات موجودا ، فتأخير الركن السادس كان أمرا مقصودا ، فالمعنى الموضوع بين أركان الإيمان ، أن تؤمن بالله الذي أنزل ملائكته بكتبه على رسله ليحذروا العباد من اليوم الآخر ، فإذا انتهى الناس بعد العرض والحساب ، واستقروا في الآخرة للثواب والعقاب ، عندها يتم قدر الله كما ورد في أم الكتاب ، قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ، وهذه حقيقة الإيمان بالقدر خيره وشره ، فمن حديث عمرو بن العاص رضى الله عنه الذي رواه الإمام مسلم في كتاب القدر أنه قَال: (سَمِعْتُ رَسُول اللهِ صلي الله عليه وسلم يَقُولُ:كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الخَلائِقِ قَبْل أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِخَمْسِينَ أَلفَ سَنَةٍ) .
        وروى الإمام مسلم من حديث جابر بن عبد الله أن سُرَاقَة بْنَ مَالكٍ قَال: يَا رَسُول اللهِ بَيِّنْ لنَا دِينَنَا كَأَنَّا خُلقْنَا الآنَ فِيمَا العَمَلُ اليَوْمَ أَفِيمَا جَفَّتْ بِهِ الأَقْلامُ وَجَرَتْ بِهِ المَقَادِيرُ أَمْ فِيمَا نَسْتَقْبِلُ قَال لا بَل فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الأَقْلامُ وَجَرَتْ بِهِ المَقَادِيرُ قَال فَفِيمَ العَمَلُ ؟ قَال: (فَقَال اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لعَمَلهِ) .
        وقبل أن نبد في تفصيل الموضوع لا بد من التنبيه على أن توحيد الربوبية هو أساس الفهم الصحيح لقضية الإيمان بالقضاء والقدر ، فالسلف يؤسسون فهمهم للقضاء والقدر على توحيد الربوبية ، وإفراد الله بالخلقية ، وما يلزم ذلك من صفات الله كالعلم والإدارة والقدرة ، فيستحيل عندهم حدوث شيء أو فعل بدون علمه أو قدرته سبحانه وتعالى ، فلا يخرج عن قدرته مقدور ، ولا ينفك عن حكمه مفطور ، ولا يعذب عن علمه معلوم ، يفعل ما يريد ، ويخضع لحكمه العبيد ، ولا يجرى في سلطانه إلا ما يشاء ، ولا يحصل في ملكه إلا ما سبق به القضاء ، ما علم أنه يكون من المخلوقات أراد أن يكون ، وما علم أنه لا يكون أراد ألا يكون ، فهو سبحانه وتعالى عالم بما كان وما هو كائن وما سيكون وما لو كان كيف يكون .
        فمن شروط صحة إيمان العبد أن يصدق بجميع أقدار الله تعالى خيرها وشرها ، أنها من الله تعالى ، سابقة في علمه جارية في خلقه بحكمه ، فلا حول لهم عن معصيته إلا بعصمته ، ولا قوة لهم على طاعته إلا برحمته ، ولا يستطعيون لأنفسهم ضرا ولا نفعا إلا بمشيئته .
        فتوحيد الربوبية هو إفراد الله بأفعاله ؟ أو إفراد الله بالخلق والتدبير ، فلا لا خالق إلا الله ، ولا مدبر للكون سواه ، فالرب في اللغة هو من أنشأ الشيء شيئا فشيئا إلى حد التمام ، وهو مبنى على التربية أو إصلاح شئون الآخرين ورعاية أمورهم ، وأول ركن في توحيد الربوبية إفراد الله بالخلق والتقدير والتكوين وإنشاء الشيء من العدم ، ومن ثم إفراده بلوازم ذلك من العلم والمشيئة والقدرة ، والملك والغنى والقوة والإحياء والإبقاء والهداية ، والرزق والإمداد والرعاية ، والإفناء والإماتة والإعادة ، والهيمنة والعزة والإحاطة ، وكل ما يلزم من صفات الذات وصفات الأفعال لتخليق الشيء وتصنيعه ، فالخالق هو الذي يستغنى بنفسه فلا يحتاج إلى غيره ، وأن يحتاج إليه كل من سواه .
        ومن اللوازم المترتبة على إفراد الله بالخلق ، إفراده بمراتب القضاء والقدر ، ما المقصود بمراتب القدر ؟ من المعلوم أن المُصَنِّعَ الذي يشيد البنيان لا بد أن يبدأ مشروعه أولا بفكرة في الأذهان ومعلومات مقننة بدقة وإتقان ، درسها جيدا وقام فيها بتقدير حساباته وضبط أموره وإمكانياته ، ثم يقوم بكتابة هذه المعلومات ويخط لها في بضع ورقات أنواعا من الرسومات التي يمكن أن يخاطب من خلالها مختلف الجهات ، ثم يتوقف الأمر بعد ذلك على مشيئته وإرادته في التفيذ وتوقيت الفعل إن توفرت لديه القدرة والإمكانيات ، ثم يبدأ في التنفيذ إلى أن ينتهي البنيان كما قدر له في الأذهان ، فهذه مراحل تصنيع الأشياء بين المخلوقات بحكم العقل والفطرة ، فلا بد لصناعة الشيء من العلم والكتابة والمشيئة ومباشرة التصنيع والفعل ، فالله سبحانه وله المثل الأعلى منفرد بمراتب القضاء والقدر ، وهى عند السلف المراحل التي يمر بها المخلوق من كونه معلومة في علم الله في الأزل إلى أن يصبح واقعا مخلوقا مشهودا ، وهى عندهم أربع مراتب تشمل كل صغيرة وكبيرة في الوجود ، قال ابن قيم الجوزية رحمه الله : مراتب القضاء والقدر التي من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقضاء والقدر أربع مراتب: المرتبة الأولى علم الرب سبحانه بالأشياء قبل كونها ، المرتبة الثانية كتابته لها قبل كونها ، المرتبة الثالثة مشيئته لها ، والرابعة خلقه لها .
        وسوف نتناول هذه المراتب بشيء من التفصيل لما لها من دور كبير في بيان حقيقة القضاء والقدر ، فالمرتبة الأولى من مراتب القدر هي العلم السابق علم التقدير وحساب المقادير ، تقدير كل شيء قبل تصنيعة وتكوينه ، وتنظيم أمور المخلوقات قبل إيجادها وإمدادها ، فهذا العلم هو التقدير الجامع التام وحساب النظام العام ، الذي يسير عليه الكون من بدايته إلى نهايته ، وهذا العلم اتفق عليه الرسل من أولهم إلى خاتمهم واتفق عليه جميع الصحابة ومن تبعهم من الأمة ، وخالفهم مجوس الأمة القدرية المعتزلة وكتابته السابقة تدل على علمه بها قبل كونها ، وقد قال تعالى:
        (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ وَهُوَ الذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِالليْل وَيَعْلمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ليُقْضَى أَجَلٌ مُسَمّىً ثُمَّ إِليْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (الأنعام:60) وفيها مراتب العلم .
        روى البخاري من حديث 1039 ابْنِ عُمَرَ قَال رَسُولُ اللهِ صَلى اللهم عَليْهِ وَسَلمَ مِفْتَاحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لا يَعْلمُهَا إِلا اللهُ لا يَعْلمُ أَحَدٌ مَا يَكُونُ فِي غَدٍ وَلا يَعْلمُ أَحَدٌ مَا يَكُونُ فِي الأَرْحَامِ وَلا تَعْلمُ نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ وَمَا يَدْرِي أَحَدٌ مَتَى يَجِيءُ المَطَرُ) .
        وقال تعالى: (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَليمٌ خَبِيرٌ) (لقمان:34) .
        وعند الإمام أحمد 15773 من حديث لقِيطِ بْنِ عَامِرٍ أنه خَرَجَ وَافِدًا إِلى رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فقال: يَا رَسُول اللهِ مَا عِنْدَكَ مِنْ عِلمِ الغَيْبِ ؟ فَضَحِكَ وَقَال: ضَنَّ رَبُّكَ عَزَّ وَجَل بِمَفَاتِيحِ خَمْسٍ مِنَ الغَيْبِ لا يَعْلمُهَا إِلا اللهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ قُلتُ وَمَا هِيَ قَال عِلمُ المَنِيَّةِ قَدْ عَلمَ مَنِيَّةَ أَحَدِكُمْ وَلا تَعْلمُونَهُ وَعِلمُ المَنِيِّ حِينَ يَكُونُ فِي الرَّحِمِ قَدْ عَلمَهُ وَلا تَعْلمُونَ وَعَلمَ مَا فِي غَدٍ وَمَا أَنْتَ طَاعِمٌ غَدًا وَلا تَعْلمُهُ وَعَلمَ اليَوْمَ الغَيْثَ يُشْرِفُ عَليْكُمْ آزِلينَ آدِلين - متعبين مثقلين بالذنوب - مُشْفِقِينَ فَيَظَلُّ يَضْحَكُ قَال لقِيطٌ لنْ نَعْدَمَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا وَعَلمَ يَوْمَ السَّاعَةِ .
        (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلمُهَا إِلا هُوَ) مفاتح في اللغة الفصيحة جمع مفتح ، ويقال مفتاح ويجمع مفاتيح ، والمفتح عبارة عن كل ما يحل غلقا محسوسا كالقفل الموضوع على البيت أو يحل غلقا معقولا كالفهم والنظر .
        و مَفَاتِحُ الغَيْبِ في الآية هي الأسرار التي بها يتم تكوين المخلوقات ، كما يتوصل بالمفتاح إلى خزانة متينة تحتوى أسرار المشرعات الكبرى والمقتنيات العظمى ، ولذلك قال بعضهم المفتاح مأخوذ من قول الناس افتح على كذا أي أعطني أو أعلمني ما أتوصل إليه به ، فالله تعالى عنده علم الغيب وبيده الطرق الموصلة إليه لا يملكها إلا هو ، فمن شاء إطلاعه عليها أطلعه ، ومن شاء حجبه عنها حجبه ، ولا يكون ذلك إلا لأنبيائه ورسله ، بدليل قوله تعالى:
        (وَمَا كَانَ اللهُ ليُطْلعَكُمْ عَلى الغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (آل عمران:179) .
        ومن هنا نعلم أن الكهان والعرافين والمنجمين كاذبون على رب العالمين ، في إدعائهم علم الغيب وإخبارهم عما يحدث للإنسان ، وذلك لأنهم لا يخلقون شيئا في الملك ، وليس لهم شركة مع الله في إنشاء الخلق ، وليس لهم شيء في تدبير الأمر .
        وفي صحيح مسلم عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلهُ عَنْ شَيْءٍ لمْ تُقْبَل لهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ ليْلةً) ، والعراف هو الحازر الذي يرجم بالغيب ، والمنجم الذي يدعى علم الغيب ، وهو الذي يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدعي معرفتها ، والكهانة ادعاء علم الغيب .
        فالله عز وجل عنده مفاتح الغيب يَعْلمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلمُهَا ، فذكر سقوط الورقة ولم يذكر إنشاءها ، لأن ذلك أبلغ في الدلالة على علم الله ، فالعلم الله له مراتب:
        1- علمه بالشيء قبل كونه وهو سر الله في خلقة ، ضن به ربنا سبحانه وتعالى ، لا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل وهو المقصود بالمرتبة الأولى من مراتب القدر ، وهو علم مفاتح الغيب وتقدير الأمور ، كما قال تعالى: (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَليمٌ خَبِيرٌ) (يعلم مابين أيديهم) (اللهُ يَعْلمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) (الرعد:8) (قُل لا يَعْلمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إِلا اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) (النمل:65) (قُل أَنْزَلهُ الذِي يَعْلمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) (الفرقان:6) .
        ومن حديث عَليٍّ بن أبى طالب رَضِي الله تعالى عَنْه الذي وراوه البخاري ومسلم أنه قَال: (كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الغَرْقَدِ فَأَتَانَا النَّبِيُّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلهُ وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ - العود الصغير - فَنَكَّسَ -أطرق برأسه إلى الأرض - فَجَعَل يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ - يعنى يضرب بها في الأرض ضربا خفيفا - ثُمَّ قَال: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلا كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ وَإِلا قَدْ كُتِبَ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً فَقَال رَجُلٌ يَا رَسُول اللهِ أَفَلا نَتَّكِلُ عَلى كِتَابِنَا وَنَدَعُ العَمَل ، فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْل السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلى عَمَل أَهْل السَّعَادَةِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْل الشَّقَاوَةِ فَسَيَصِيرُ إِلى عَمَل أَهْل الشَّقَاوَةِ ، قَال رسول الله ص: أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لعَمَل السَّعَادَةِ وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لعَمَل الشَّقَاوَةِ ثُمَّ قَرَأَ: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لليُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِل وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ للعُسْرَى) .
        2- علمه بالشيء وهو في اللوح بعد كتابته وقبل إنفاذ مشيئته ، فالله عز وجل كتب مقادير الخلائق في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم ، فالمخلوقات في اللوح عبارة عن كلمات ، وتنفيذ ما في اللوح من معلومات تضمنتها الكلمات ، مرهون بمشيئته في تحديد الأوقات المناسبة لأنواع الابتلاءات ، وكل ذلك عن علمه بما في اللوح من حسابات وتقديرات ، يقول تعالى: (أَلمْ تَعْلمْ أَنَّ اللهَ يَعْلمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلكَ عَلى اللهِ يَسِيرٌ) (الحج:70) ، وقال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْل أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلكَ عَلى اللهِ يَسِيرٌ ، لكَيْلا تَأْسَوْا عَلى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُل مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (الحديد:23) يقول ابن كثير في تفسيره: (يخبر سبحانه وتعالى عن قدره السابق في خلقه قبل أن يبرأ البرية أنه ما من مصيبة تحدث في الآفاق أو في النفوس إلا كتبها في اللوح المحفوظ ، وقوله: (مِنْ قَبْل أَنْ نَبْرَأَهَا) أي من قبل أن نخلق الخليقة ، وفي حديث مسلم: (قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء) وعند أبى داود وصححه الشيخ الألباني: (أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب قال: رب وماذا أكتب ؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة) ، فعلمه بالمكتوب في اللوح أحد مراتب العلم .
        3- علمه بالشيء حال كونه وتنفيذه ، وخلقه وتصنيعه ، كما قال تعالى: (اللهُ يَعْلمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَار ٍ عَالمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبِيرُ المُتَعَال) (وَإِذْ قَال رَبُّكَ للمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَليفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لكَ قَال إِنِّي أَعْلمُ مَا لا تَعْلمُونَ) (البقرة:30) (أَلمْ تَعْلمْ أَنَّ اللهَ يَعْلمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلكَ عَلى اللهِ يَسِيرٌ) (الحج:70) (يَعْلمُ مَا يَلجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الغَفُورُ) (سبأ:2) (هُوَ الذِي خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلى العَرْشِ يَعْلمُ مَا يَلجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (الحديد:4) (هُوَ أَعْلمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلمُ بِمَنِ اتَّقَى) (لنجم:32) .
        4- علمه بالشيء بعد كونه وتخليقه وإحاطته الشاملة والكاملة بعد تمامه وفنائه: فالله عز وجل لما قال: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ - للدلالة على الإحاطة بكل شيء من بدايته إلى نهايته - إِلا يَعْلمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ، وَهُوَ الذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِالليْل وَيَعْلمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ليُقْضَى أَجَلٌ مُسَمّىً ثُمَّ إِليْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (الأنعام:60) ولما قال (يَعْلمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) قال: (وَمَا خَلفَهُمْ) (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلماً) .
        (قَدْ عَلمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ) (قّ:4) (أَوَلا يَعْلمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلنُونَ) (البقرة:77) (وَهُوَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلمُ مَا تَكْسِبُونَ) (الأنعام:3) (أَلمْ يَعْلمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلامُ الغُيُوبِ) (التوبة:78) (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ ليَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلنُونَ إِنَّهُ عَليمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (هود:5) (أَلا إِنَّ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قَدْ يَعْلمُ مَا أَنْتُمْ عَليْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِليْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللهُ بِكُل شَيْءٍ عَليمٌ) (النور:64) (وَرَبُّكَ يَعْلمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلنُونَ) (القصص:69) (فَاعْلمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لذَنْبِكَ وَللمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَاللهُ يَعْلمُ مُتَقَلبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) (محمد:19) (أَلمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُل شَيْءٍ عَليمٌ) (المجادلة:7) (قُل إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلمْهُ اللهُ وَيَعْلمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران:29) (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (هود:6) ، فالله عز وجل علم ما كان وما هو كائن وما سيكون وما لو كان كيف يكون ، فهذه مراتب علم الله ، المرتبة الأولى من العلم هى المرتبة الأولى من مراتب القدر ، فعلى العبد أن يعلم أن الله قد سبق علمه في كل كائن من خلقه فقدر ذلك تقديرا محكما مبرما ليس فيه ناقض ولا معقب ولا مزيل ولا مغير .
        فالله عز وجل قد علم أن الأشياء تصير موجودة لأوقاتها على ما اقتضته حكمته البالغة ، فكانت كما علم فإن حصول المخلوقات على ما فيها من غرائب الحكم ، لا يتصور إلا من عالم قد سبق علمه على ايجادها ، كما قال تعالى: (أَلا يَعْلمُ مَنْ خَلقَ وَهُوَ اللطِيفُ الخَبِيرُ) (الملك:14) ، ربنا أمرت فعصينا ، ونهيت فلما انتهينا ، وما كان ذلك جزاء إحسانك إلينا ، أنت العليم بما أعلنا وما أخفينا ، والمحيط بما لم نأت وما أتينا ، (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَليْهِ وَسَلمُوا تَسْليما ً) (الأحزاب:56) فاللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .




        زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
        كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
        في
        :

        جباال من الحسنات في انتظارك





        تعليق


        • #5
          رد: يا جماعه بعتذر للجميع بس انا حاسس انى بضيــع

          بسم الله الرحمن الرحيم
          مراتب القدر - المحاضرة الثانية
          المرتبة الثانية الكتابة
          الحمد لله الذي أحاط بكل شيء علما ، من غير إغفال ولا نسيان ، من ذا يكيف ذاته أوصافه أفعاله ، وهو العظيم مكون الأكوان ، سبحانه ملكا على العرش استوى ، وحوى جميع الملك والسلطان ، وكلامه القرآن أنزل آيه ، وحيا على المبعوث من عدنان ، صلى عليه الله خير صلاته ، ما لاح في فلكيهما القمران ، هو جاء بالقرآن من عند الذي ، لا تعتريه نوائب الثقلان ، تنزيل رب العالمين ووحيه ، بشهادة الأحبار والرهبان .
          عبد الله إذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان ، فاستحي من نظر الإله وقل لها ، إن الذي خلق الظلام يراني ، كن طالبا للعلم واعمل صالحا ، فكلاهما في الحق مقترنان ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من أقر بأن الله منفرد بالقضاء وتقدير المقادير ، وتصريف الأحكام بأنواع التدبير ، هي المقادير تجري في أعنتها فاصبر فليس لها صبر على حال ، يوما تريك خسيس الأصل ترفعه إلى العلاء ويوما تخفض العالي ، أما بعد . .
          فقد تحدثنا في المحاضرة الماضية عن عقيدة أهل السنة والجماعة في الإيمان بمراتب القدر وعلمنا أن المقصود بمراتب القدر المراحل التي يمر بها المخلوق من كونه معلومة قدرت في علم الله في الأزل إلى أن يصبح واقعا مخلوقا مشهودا ، وهى عندهم أربع مراتب تشمل كل صغيرة وكبيرة في الوجود ، وقد ضربنا لمراتب القدر مثلا بأن أي مشروع من المشروعات العملاقة ، لا بد أن تبدأ بدراسة جدوى ، وترتيب الأفكار في الأذهان ، معلومات مدروسة بدقة وإتقان تقدر فيها الحسابات والإمكانيات ، ثم بعد ذلك تكتب هذه المعلومات في بضع ورقات ، وتوضع مختلف الرسومات التي يخاطب بها أصحاب المشرع مختلف الجهات ، ثم يتوقف الأمر بعد ذلك على مشيئة من تتوفر لديه الإمكانيات ، ثم يبدأ في التنفيذ إلى أن ينتهي المشرع وفق ما قدر له من حسابات .
          هذه مراحل تصنيع الأشياء بحكم العقل والبديهيات ، فلا بد لصناعة الشيء وتكوينه من العلم والكتابة والمشيئة ومباشرة التصنيع والفعل ، فالله سبحانه وله المثل الأعلى منفرد بمراتب القضاء والقدر ، وهى عند السلف كما ذكرنا المراحل التي يمر بها المخلوق من كونه معلومة مقدرة في علم الله في الأزل إلى أن يصبح واقعا مخلوقا مشهودا ، وهى عندهم أربع مراتب تشمل كل صغيرة وكبيرة في الوجود ، وقد تحدثنا في المحاضرة الماضية عن المرتبة الأولى من مراتب القدر ، وهى علم الله السابق ، علم التقدير وحساب المقادير ، تقدير كل شيء قبل تصنيعة وتكوينه ، وتنظيم أمور الخلق قبل إيجاده وإمداده ، واليوم نستكمل الموضوع ونتحدث عن المرتبة الثانية من مراتب القدر ، المرتبة المتعلقة باللوح المحفوظ ، مرتبة كتابة المعلومات ، وتدوينها بالقلم في كلمات ، فكل مخلوق مهما عظم شأنه أو دق حجمه ، كتب الله ما يخصه في اللوح المحفوظ ، كتب تفصيل خلقه وإيجاده ، وما يلزم لنشأته وإعداده وإمداده ، وجميع ما يرتبط بتكوينه وترتيب حياته ، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة ، كما قال الإمام الطحاوى رحمه الله: (ونؤمن باللوح والقلم ، وبجميع ما فيه قد رقم) .
          وروى أبو داود في سننه وصححه الشيخ الألباني من حديث (4692) عُبَادَةُ بنُ الصَّامِتِ أنه قال لابْنِهِ: (يَا بُنَيَّ إنَّكَ لنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الإيْمَانِ حَتَّى تَعْلمَ أنَّ مَا أصَابَكَ لمْ يَكُنْ ليُخْطِئَك َ ، وَما أخْطَأَكَ لمْ يَكُنْ ليُصِيبَكَ ، سَمِعْتُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إنَّ أوَّل مَا خَلقَ الله تَعَالى القَلمَ فقال له: اْكْتُبْ ، فقَال: رَبِّ وَمَاذَا أكْتُب ؟ قال: اْكْتُبْ مَقَادِيرَ كُل شَيْء حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ، يَا بُنَيَّ إنِّي سَمِعْتُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ مَاتَ عَلى غَيْرِ هذَا فَليْسَ مِنِّي) .
          وروى الترمذي (2181) من حديث عبد الوَاحِدِ بن سُليمٍ ، قال: قَدِمْتُ مَكَّةَ فَلقِيتُ عَطَاءَ بنَ أبي رَبَاحٍ فَقُلتُ لهُ: يَا أَبَا محمدٍ ، إِنَّ أَهْل البَصْرَةِ يَقُولُونَ في القَدَرِ ، قال: يَا بُنَيَّ ، أَتَقْرَأ القُرْآنَ ؟ قُلتُ: نَعَمْ ، قال: فَاقْرَأْ الزُّخْرُفَ قال: فَقَرَأْتُ: (حم وَالكِتَابِ المُبِينِ إِنَّا جَعَلنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لعَلكُمْ تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ في أُمِّ الكِتَابِ لدَيْنَا لعَليٌّ حَكِيمٌ) .
          قال: أَتَدْرِي مَا أُمُّ الكِتَاب ِ ؟ قُلتُ: الله وَرَسُولُهُ أَعْلمُ ، قال: فَإِنَّهُ كِتَابٌ كَتَبَهُ الله قَبْل أَنْ يَخْلُقَ السَّماءَ وَقَبْل أَنْ يَخْلُقَ الأَرْضَ ، فِيهِ أَنَّ فِرْعَوْنَ مِنْ أَهْل النَّارِ ، وَفِيهِ (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لهَبٍ وَتَبَّ) .
          قال عَطَاءٌ: فَلقِيتُ الوَليدَ بنَ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ صَاحِبَ رسول الله ، فَسَأَلتُهُ: مَا كَانَتْ وَصِيَّةُ أَبِيكَ عِنْدَ المَوْتِ ؟ قال: دَعَانِي فَقَال: يَا بُنَيَّ اتَّقِ الله ، وَاعْلمْ أَنَّكَ لنْ تَتَّقِىَ الله حَتَّى تُؤْمِنَ بِالله وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ كُلهِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ، فَإِنْ مُتَّ عَلى غَيْرِ هَذَا دَخَلتَ النَّارَ ، إِنِّي سَمِعْتُ رسول الله يقولُ: (إِنَّ أَوَّل مَا خَلقَ الله القَلمَ . فقال: اكْتُبْ ، قال: مَا أَكْتُبُ ؟ قال: اكْتُبْ القَدَرَ مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلى الأَبَد) .
          وعند أحمد في المسند (22327) أن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: (أَوْصَانِي أَبِي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى فَقَال: يَا بُنَيَّ أُوصِيكَ أَنْ تُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ فَإِنَّكَ إِنْ لمْ تُؤْمِنْ أَدْخَلكَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى النَّارَ ، قَال: وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَقُولُ أَوَّلُ مَا خَلقَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى القَلمُ ثُمَّ قَال لهُ اكْتُبْ قَال وَمَا أَكْتُبُ قَال فَاكْتُبْ مَا يَكُونُ وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ) .
          أخبرنا الله عز وجل أنه قبل وجود السماوات والأرض كان العرش والماء ، فقال تعالى: (وَهُوَ الذِي خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلى المَاءِ) ، وعند البخاري من حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (كَانَ اللهُ وَلمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلى المَاءِ ثُمَّ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْض وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُل شَيْءٍ) .
          ومن باب الفضول ربما يسأل سائل ويقول: وماذا قبل العرش والماء ؟ والجواب ، أن الله قد شاء أن يوقف علمنا بالمخلوقات عند معرفة العرش والماء ، فقال تعالى: (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ) ، وقال أيضا:
          (ومَا أُوتِيتُمْ مِنْ العِلمِ إِلا قَليلا) ، فالله أعلم بوجود مخلوقات قبل العرش والماء أم لا ، لكننا نعتقد أن وجودها أمر ممكن في قدرة الله تعالى ، لأنه أخبرنا أنه يخلق ما يشاء ويفعل ما يشاء ، (قال كَذَلكِ اللهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لهُ كُنْ فَيَكُونُ) ، وقال: (ذُو العَرْشِ المَجِيدُ فَعَّالٌ لمَا يُرِيدُ) ، فالله متصف بصفات الأفعال ، ومن لوازم الكمال أنه فعال لما يريد على الدوام أزلا وأبدا ، سواء كان ذلك قبل العرش والماء أو بعد العرش والماء ، لكن الله أوقف علمنا عند هذا الحد ، فقال تعالى: (وَلا يُحِيطُونَ بِه عِلما) .
          ثم خلق الله عز وجل بعد العرش والماء القلم واللوح ، روى الحاكم في المستدرك ، والطبراني في الكبير بسند صحيح (81611) من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (إن مما خلق الله لوحا محفوظا من درة بيضاء ، دفتاه من ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابه نور ينظر فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة ، ففي كل مرة منها يخلق ويرزق ، ويحيى ويميت ، ويعز ويذل ، ويفعل ما يشاء فذلك قوله تعالى: (كل يوم هو في شأن) .
          وقد اختلف العلماء هل القلم أول المخلوقات أو العرش ؟ والصحيح أن العرش قبل القلم ، لما ثبت في صحيح مسلم من عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ أنه قَال: (سَمِعْتُ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَقُولُ كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الخَلائِقِ قَبْل أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلفَ سَنَةٍ ، وَعَرْشُهُ عَلى المَاءِ) وفي رواية الترمذي 2156 (قَدَّرَ اللهُ المَقَادِيرَ قَبْل أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلفَ سَنَةٍ) .
          فهذا الحديث صريح في أن التقدير وقع بعد خلق العرش ، أما ما جاء في حديث عُبَادَة بنُ الصَّامِتِ رضي الله عنه: (إن أوَّل مَا خَلقَ الله تَعَالى القَلمَ فقال له: اْكْتُبْ ، فقَال: رَبِّ وَمَاذَا أكْتُب ؟ قال: اْكْتُبْ مَقَادِيرَ كُل شَيْء حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ) فعلى معنيين عند العلماء:
          الأول: أنه عند أول ما خلق القلم قال له اكتب ؟ فقَال: رَبِّ وَمَاذَا أكْتُب ؟ قال: اْكْتُبْ مَقَادِيرَ كُل شَيْء .
          المعنى الثاني: هو أول المخلوقات من هذا العالم بعد العرش والماء ، إذ أن الحديث صريح في أن العرش سابق على التقدير ، وأن التقدير مقارن لخلق القلم .
          والأقلام التي وردت في كتاب الله وفي سنة رسوله أنواع سوف نتحدث عنها بالتفصيل في أنواع التقدير والتدبير ، وعند البخاري من حديث 3342 ابْن عَبَّاسٍ وَأَبى حَيَّةَ الأَنْصَارِيَّ أنهما كَانَا يَقُولانِ إن النَّبِي صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قال ليلة المعراج: (ثُمَّ عُرِجَ بِي حَتَّى ظَهَرْتُ لمُسْتَوًى أَسْمَعُ صَرِيفَ الأَقْلامِ) حيث فَرَضَ اللهُ عَلي نبيه خَمْسِينَ صَلاةً ثم صارت خَمْسا في الفعل وخَمْسين في الأجر .
          وما دون في أم الكتاب لا يقبل المحو والتبديل أو التعديل والتغيير ، فكل ما كتب فيه واقع لا محالة ، كما قال تعالى: (قُل لنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللهُ لنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلى اللهِ فَليَتَوَكَّل المُؤْمِنُون َ) (التوبة:51) .
          ما السر في عدم التغيير والتبديل ؟ السر في عدم التغيير والتبديل ، أن الخلق والتصنيع والتكوين قائم علي ما دون فيه ، فالمخلوقات وسائر المصنوعات إلى قيام الساعة ، أحكم الله غاياتها وقضى في اللوح أسبابها ومعلولاتها ، فلا يتغير بنيان الخلق الذي حكم به الحق إلا بعد استكماله وتمامه ، ولا يتبدل سابق الحكم في سائر الملك إلا بقيامه وكماله ، وهذه مشيئة الله في خلقه ، وما قضاه وقدره في ملكه ، فالله عز وجل على عرشه في السماء يفعل ما يشاء ، وبيده أحكام التدبير والقضاء ، حكم بعدله أن يقوم الخلق على الابتلاء ، ثم يتحول العالم إلى دار الجزاء ، فالله عز وجل يخلق ما يشاء ، ولكن حكمة سبقت فيما تم به القضاء ، ولذلك ينبهنا الله في بعض المواطن إلى هذه الحقيقة ، وأنه سبحانه وتعالى قادر على أن يفعل ما يشاء ، لولا ما دون في الكتاب من أحكام القضاء:
          (لوْلا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) (لأنفال:68) (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلفُوا وَلوْلا كَلمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلفُونَ) (يونس:19) (وَلقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ فَاخْتُلفَ فِيهِ وَلوْلا كَلمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) (هود:110) (وَلوْلا كَلمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لكَانَ لزَاماً وَأَجَلٌ مُسَمّىً) (طه:129) (وَمَا تَفَرَّقُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلوْلا كَلمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمّىً لقُضِيَ بَيْنَهُمْ) (الشورى:14) (أَمْ لهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ وَلوْلا كَلمَةُ الفَصْل لقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالمِينَ لهُمْ عَذَابٌ أَليمٌ) (الشورى:21) .
          والعقلاء يعلمون أن العلماء من البشر ، لو اجتمعوا على وضع خطة محكمة لبناء مشروع عملاق أو أي مشروع من المشروعات ، درسوا فيها جميع الجوانب بمختلف المقاييس والدراسات ، وراعوا في خطتهم الموازنة بين السلبيات والإيجابيات ، ثم وضعوا تخطيطا محكما لا مجال فيه للإضافات ، ثم انتهوا إلى تقرير شامل دونوه في كتاب كامل أو مجموعة من الملفات ، ثم قدموا هذا المكتوب لإدرارة التنفيذ والمشروعات ، هل يصح بعد ذلك لعامل جاهل ينقصه العلم والفهم أن يعترض أو يغير أو يبدل في هذا المشروع الضخم ؟
          هل يصح أن يعبث فيه حسب هواه ، أو يغير في تخطيطه على وفق ما يراه ؟ فالله وله المثل الأعلى كتب مقادير كل شيء ورفعت الأقلام وجفت الصحف حتى يتم الخلق على ما قضى به الحق ، روى الترمذي وصححه الشيخ الألباني من حديث 2516 ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: (كُنْتُ خَلفَ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ يَوْمًا فَقَال يَا غُلامُ إِنِّي أُعَلمُكَ كَلمَاتٍ احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلتَ فَاسْأَل اللهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَاعْلمْ أَنَّ الأُمَّةَ لوِ اجْتَمَعَتْ عَلى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لكَ وَلوِ اجْتَمَعُوا عَلى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَليْكَ رُفِعَتِ الأَقْلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ) .
          وفي المسند 2800 (يَا غُلامُ أَوْ يَا غُليِّمُ أَلا أُعَلمُكَ كَلمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهِنَّ فَقُلتُ بَلى فَقَال احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ تَعَرَّفْ إِليْهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ وَإِذَا سَأَلتَ فَاسْأَل اللهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ قَدْ جَفَّ القَلمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ فَلوْ أَنَّ الخَلقَ كُلهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لمْ يَكْتُبْهُ اللهُ عَليْكَ لمْ يَقْدِرُوا عَليْهِ وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لمْ يَكْتُبْهُ اللهُ عَليْكَ لمْ يَقْدِرُوا عَليْهِ وَاعْلمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا) .
          فالمخلوقات ولله المثل الأعلى كمشروع عملاق كامل ، موضوع على تخطيط محكم شامل ، لا يصح العبث فيه من قبل أحمق جاهل ، روى الإمام مسلم من حديث جابر بن عبد الله أن سُرَاقَة بْنَ مَالكٍ قَال: يَا رَسُول اللهِ بَيِّنْ لنَا دِينَنَا كَأَنَّا خُلقْنَا الآنَ فِيمَا العَمَلُ اليَوْمَ أَفِيمَا جَفَّتْ بِهِ الأَقْلامُ وَجَرَتْ بِهِ المَقَادِيرُ أَمْ فِيمَا نَسْتَقْبِلُ قَال لا بَل فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الأَقْلامُ وَجَرَتْ بِهِ المَقَادِيرُ قَال فَفِيمَ العَمَلُ ؟ قَال: (فَقَال اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لعَمَلهِ) .
          روى البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال التَقَى آدَمُ وَمُوسَى فَقَال مُوسَى لآدَمَ آنْتَ الذِي أَشْقَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الجَنَّةِ قَال آدَمُ أَنْتَ مُوسَى الذِي اصْطَفَاكَ اللهُ بِرِسَالتِهِ وَاصْطَفَاكَ لنَفْسِهِ وَأَنْزَل عَليْكَ التَّوْرَاةَ قَال نَعَمْ قَال: أَتَلُومُنِي عَلى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللهُ عَليَّ قَبْل أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً) .
          ولا تعارض بين ذكر الأربعين وبين ما ثبت في صحيح مسلم من حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ أن رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال: (كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الخَلائِقِ قَبْل أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلفَ سَنَةٍ ، وَعَرْشُهُ عَلى المَاءِ) .
          وذلك كما ذكر العلماء أن ابتداء المدة وقت الكتابة في الألواح خَمْسِينَ أَلفَ سَنَةٍ ، وآخرها ابتداء خلق آدم ، وقال ابن الجوزي: المعلومات كلها قد أحاط بها علم الله القديم قبل وجود المخلوقات كلها ، ولكن كتابتها وقعت في أوقات متفاوتة ، وكذلك ما رواه الترمذي وصححه الشيخ الألباني 2882 من حديث النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قَال إِنَّ اللهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْل أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِأَلفَيْ عَامٍ أَنْزَل مِنْهُ آيَتَيْنِ خَتَمَ بِهِمَا سُورَةَ البَقَرَةِ وَلا يُقْرَأَانِ فِي دَارٍ ثَلاثَ ليَالٍ فَيَقْرَبُهَا شَيْطَانٌ .
          فالزمان السابق يختلف في مقداره عن الزمان اللاحق ، فضلا عن الزمان الذي يسبق خلق السماوات والأرض ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
          (فالذي جاء به القرآن والتوراة واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها مع أئمة أهل الكتاب ، أن هذا العالم خلقه الله وأحدثه من مادة كانت مخلوقة قبله كما أخبر في القرآن أنه استوى إلى السماء وهي دخان أي بخار فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها ، وقد كان قبل ذلك مخلوق غيره كالعرش والماء ، كما قال تعالى: (وَهُوَ الذِي خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلى المَاءِ) (هود/7) وخلق ذلك في مدة غير مقدار حركة الشمس والقمر ، كما أخبر أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، والشمس والقمر هما من السموات والأرض وحركتهما بعد خلقهما والزمان المقدر بحركتهما وهو الليل والنهار التابعان لحركتهما إنما حدث بعد خلقهما ، وقد أخبر الله أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، فتلك الأيام مدة وزمان مقدر بحركة أخرى غير حركة الشمس والقمر) .
          واللوح فوق العرش عند رب العرش لما ثبت عند البخاري 7554 من حديث أبى هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنْهم أن رَسُول اللهِ صَلى الله عَليْهِ وَسَلمَ قال: (إِنَّ اللهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْل أَنْ يَخْلُقَ الخَلقَ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي فَهُوَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ) ، ويقول تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ المَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُل شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) (يّس:12) فجمع الله في الآية بين كتابين اثنين ، اللوح المحفوظ وهو الكتاب السابق لأعمالهم قبل وجودهم وخلقهم ، والكتاب الحافظ لأعمالهم المقارن لأفعالهم ، وأخبر قبل ذلك أنه يحييهم بعد ما أماتهم ، يحييهم للبعث ويجازيهم بأعمالهم (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ المَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُل شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) .
          وقال أنس وابن عباس: نزلت هذه الآية في بني سلمة أرادوا أن ينتقلوا إلى قرب المسجد النبوي وكانت منازلهم بعيدة فلما نزلت قالوا بل نمكث مكاننا ، وروى مسلم من حديث (1469) جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، قَال: خَلتِ البِقَاعُ حَوْل المَسْجِدِ . فَأَرَادَ بَنُو سَلمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلى قُرْبِ المَسْجِدِ . فَبَلغَ ذلكَ رَسُول اللّهِ . فَقَال لهُمْ: (إِنَّهُ بَلغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ المَسْجِدِ) قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُول اللّهِ قَدْ أَرَدْنَا ذلك ، فَقَال: (يَا بَنِي سَلمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ)
          فقوله تعالى في سورة يس: (وَكُل شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) يعنى اللوح المحفوظ أو أم الكتاب أو الذكر الذي كتب فيه كل شيء ، وقوله أَحْصَيْنَاهُ يتضمن كتابة أعمال العباد قبل أن يعملوها ، والإحصاء في الكتاب يتضمن علمه بها ، وحفظه لها ، والإحاطة بعددها ، واثباتها في اللوح .
          ويقول تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (الأنعام:38) وقد قيل إن الكتاب في قوله مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ هو اللوح المحفوظ الذي كتب الله فيه كل شيء ، فإنه قال وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ، وهذا يدل على أنها أمم أمثالنا في الخلق والرزق والتدبير والتقدير ، وأنها لم تخلق سدى بل لها حكم وعلل مدونة فيما قضى ، قدر خلقها وأجلها واستوفي لها رزقها ، وما تصير إليه ، ثم ذكر عاقبتها ومصيرها بعد فنائها ، فقال: (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) فذكر مبدأها ونهايتها ، وذكر بين المبدأ والنهاية قوله: (مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) أي كلها قد كتبت وقدرت وأحصيت قبل أن توجد .
          وقال تعالى: (حم وَالكِتَابِ المُبِينِ إِنَّا جَعَلنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لعَلكُمْ تَعْقِلُون وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الكِتَابِ لدَيْنَا لعَليٌّ حَكِيمٌ) (الزخرف:4) أُمِّ الكِتَابِ هو اللوح المحفوظ كما قال ابن عباس ، وأم الكتاب أصل الكتاب وأم كل شيء أصله والقرآن كتبه الله في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض كما قال تعالى: (بَل هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لوْحٍ مَحْفُوظٍ) (البروج:22) يقول ابن القيم: (أجمع الصحابة والتابعون وجميع أهل السنة والحديث أن كل كائن إلى يوم القيامة فهو مكتوب في أم الكتاب) .
          فكتابة العلم هي المرتبة الثانية من مراتب القدر ، ولك أن تتصور لو أن البشر ، اجتمعوا على كتابة ما يخص إنسانا واحدا أو مخلوقا واحد ، من أمور العلم والتقدير التي تخص عدد خلاياه ، وعدد نبضات القلب على مدار الوقت الذي يعيشه في هذه الحياة ، وعدد ذرات الهواء في كل نفس أخرجته رئتاه ، وما عدد ذرات الدم الذي سيره الله في مجراه ، وما مقدار طعامه وشرابه ، ورزقه الذي سيناله في دنياه ، ثم عمله ومقدار الحسنات والسيئات التي قدمها لأخراه ، أو اسأل المتخصصين عن عدد الكلمات التي كتبوا بها تنوع الشفرة الوراثية في الأحماض النووية في كل خلية بشرية ، أو حيوانية أو نباتية ؟
          ستعلم أن البحر لو كان مِدَاداً لكَلمَاتِ رَبِّي لنَفِدَ البَحْرُ قَبْل أَنْ تَنْفَدَ كَلمَاتُ رَبِّي وَلوْ جِئْنَا بِمِثْلهِ مَدَداً ، (قُل لوْ كَانَ البَحْرُ مِدَاداً لكَلمَاتِ رَبِّي لنَفِدَ البَحْرُ قَبْل أَنْ تَنْفَدَ كَلمَاتُ رَبِّي وَلوْ جِئْنَا بِمِثْلهِ مَدَداً) (الكهف:109) (وَلوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلمَاتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (لقمان:27) فالكتاب الذي فوق العرش احتوى على الكلمات ، والكلمات احتوت على المعلومات ، وكل ذل ذلك مكتوب في اللوح قبل أن يخلق الله المخلوقات ، أو قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة .
          لكن هنا سؤال هام ؟ نحن علمنا أن المرتبة الأولى من مراتب القدر هي العلم والمرتبة الثانية هي الكتابة في اللوح ، والمرتبة الثالثة التي سنتحدث عنها هي المشيئة ، ثم المرتبة الرابعة وهي الخلق والتنفيذ ؟ السؤال لما ذا كتب الله المقادير ؟ ألا يكفي علم الله وتقديره السابق ؟ وهل الله ينسي حتى يتذكر بالكتابة في اللوح ؟
          والإجابة على ذلك أن الكتابة من لوازم كمال الحكمة ، ومن الأمور الضرورية لقيام الحجة ، وإذا كان الصانع الحكيم ، لا يصنع إلا ومخطط الصناعة بين يديه ، والمهندسون ينفذون ويشرفون عليه ، ثم بعد ذلك يطابقون المصنوع علي دليل التصنيع وقياس الرسومات ، ومراقبة الجودة تدقق في المواصفات وتطبيق القياسات ، ولا يمكن أبدا الاستغناء عن الكتابة في مثل هذه الضروريات ، أليست للخالق من باب أولي ، فكتابة مقادير المخلوقات من لوازم الحكمة والكمال ، ولا يحتاج إليها رب العزة والجلال ، كما أنه لا يحتاج إلي خلقه ولا يفتقر إليهم بأي حال ، وفي صحيح مسلم من حديث أبي ذر عن النبي عن رب العزة: (يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي ، وَلنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي ، يَا عِبَادِي لوْ أَنَّ أَوَّلكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ ، كَانُوا عَلى? أَتْقَى? قَلبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ ، مَا زَادَ ذ?لكَ فِي مُلكِي شَيْئاً ، يَا عِبَادِي لوْ أَنَّ أَوَّلكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ ، كَانُوا عَلى? أَفْجَرِ قَلبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، مَا نَقَصَ ذَلكَ مِنْ مُلكِي شَيْئاً ، يَا عِبَادِي لوْ أَنَّ أَوَّلكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي ، فَأَعْطَيْتُ كُل إِنْسَانٍ مَسْأَلتَهُ ، مَا نَقَصَ ذ?لكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ المِخْيَطُ إِذَا أُدْخِل البَحْرَ ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لكُمْ ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَليَحْمَدِ اللّهَ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذ?لكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ) .
          كما أن كتابة الأعمال والمقادير فيها قيام الحجة على الخلق ، فربما يوجد أحمق كفرعون أو غيره يشكك في حكمة ربه (قَال فَمَا بَالُ القُرُونِ الأُولى قَال عِلمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى الذِي جَعَل لكُمُ الأَرْضَ مَهْداً وَسَلكَ لكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنْزَل مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلكَ لآياتٍ لأُولي النُّهَى مِنْهَا خَلقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) (طه:55) ، والعبد يكون بين يدي الحق ويكذب ربه ويقسم علي أنه يقول الصدق: (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلفُونَ لهُ كَمَا يَحْلفُونَ لكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الكَاذِبُونَ) (المجادلة:18) (ثُمَّ لمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَل عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) (الأنعام:24) ، (هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَليْكُمْ بِالحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (الجاثـية:29) (وَكُل إِنْسَانٍ أَلزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لهُ يَوْمَ القِيَامَةِ كِتَاباً يَلقَاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفي بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَليْكَ حَسِيباً) (الإسراء:14) (وَوُضِعَ الكِتَابُ فَتَرَى المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلتَنَا مَال هَذَا الكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلمُ رَبُّكَ أَحَداً) (الكهف:49) (اليَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (يّس:65)
          فالكتابة هي المرتبة الثانية من مراتب القدر ، ومراتب القدر العلم والكتابة والمشيئة والخلق ، وقفنا عند الكتابة ونلتقي في المحاضرة القادمة بإذن الله مع المرتبة الثالثة مرتبة المشيئة وصلى الله على نبينا محمد وعلي آله وصحبه وسلم .

          زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
          كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
          في
          :

          جباال من الحسنات في انتظارك





          تعليق


          • #6
            رد: يا جماعه بعتذر للجميع بس انا حاسس انى بضيــع

            هل اكمل اخانا الكريم
            ويمكنك الرجوع اليه فى وقت لاحق وتقرأه على فترات ؟؟

            زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
            كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
            في
            :

            جباال من الحسنات في انتظارك





            تعليق


            • #7
              رد: يا جماعه بعتذر للجميع بس انا حاسس انى بضيــع

              ازيك يا حبيب قلبي :)
              يارب دايما بخير وسعادة ..
              شوف يا رائد ..
              بالنسبة لسؤالك عن الشبهات في قلبك ..
              فأبشر بإذن الله ..
              فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكوه نفس الشكوى
              و عايزك تركز في الحديث :
              (جاءه ناس من أصحابه فقالوا : يا رسول الله ! نجد في أنفسنا الشيء نعظم أن نتكلم به – أو الكلام به – ما نحب أن لنا ، وأنا تكلمنا به ، قال : أو قد وجدتموه ؟ قالوا : نعم ! قال : ذاك صريح الإيمان )صحيح أبي داود
              يعني الناس كانت بتلاقي كلام في صدورها صعب جدا تتلفظ به
              فبشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن ذلك من الإيمان و الدليل إنك متضايق من هذا الكلام و مش عاجبك

              و أيضا هذا الحديث :
              (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أحدنا يجد في نفسه ، يعرض بالشيء ، لأن يكون حممة أحب إليه من أن يتكلم به ، فقال : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة ) صحيح أبي داود
              و شوف استبشار النبي صلى الله عليه وسلم فأبشري يا حبيب .. الحمد لله إنه مجرد وسواس

              و من رحمة الله علينا أن أمتنا أمة النبي صلى الله عليه وسلم لا تؤاخد بما في صدورهم
              قال رسول الله صل الله عليه وسلم :
              "إنَّ الله تجاوز لي عن أمَّتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تكلم " صحيح البخاري

              و دي شوية حاجات ممكن تعملها عندما تأتيك هذه الأفكار :

              * قطع التفكير فيها وعدم الاسترسال فيها نهائيا وهذا الأمر في غاية الأهمية فلا بد من ضبط النفس عن الاستمرار في هذه الوساوس لأنّ الأضرار والعواقب المترتبة على التسليم لهذه الوساوس وخيمة .


              * الاستعاذة بالله من الشيطان كما قال تعالى " وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ " الأعراف/ 200 ،201 .
              وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
              ( يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقول من خلق ربك ؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته ) متفق عليه

              *يقرأ الانسان قول الله {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد : 3]
              - سألت ابن عباس ! فقلت : ما شيء أجده في صدري ؟ قال : ما هو ؟ قلت : والله ما أتكلم به ! قال : فقال لي : أشيء من شك ؟ قال : وضحك ، قال : ما نجا من ذلك أحد ، قال : حتى أنزل الله عز وجل { فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك } الآية ، قال : فقال لي : إذا وجدت في نفسك شيئا فقل : { هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم }

              * أن تقول : آمنت بالله ..
              فقد صح عن النبي انه قال "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال : هذا خلق الله الخلق ، فمن خلق الله ؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل : آمنت بالله" رواه مسلم .

              * عدم الكلام أو العمل بمقتضى الوسوسة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "إنَّ الله تجاوز لي عن أمَّتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تكلم " صحيح البخاري

              ولا تنسى الدعاء فهو سلاح جبار نغفل عنه كثيراً ..

              ادعي ربنا كتير بانه يثبتك ويبعد عنك هذه الوساوس ..

              ربنا يثبتك ويملا قلبك بنور الايمان ويصرف عنك كل شر وسوء يارب ..

              تطلب من ..دار النعيم للنشر والتوزيع
              ت : 01003418784
              وفريق نشر الهداية
              ت : 01111323838

              تعليق


              • #8
                رد: يا جماعه بعتذر للجميع بس انا حاسس انى بضيــع

                نسيت ان اذكر ان تأويل الصفات فى الكتاب للكون اله اشعرى
                لكن الكتاب اغلبه مفيد جدا ورائع

                زائرنا الكريم نحن معك بقلوبنا
                كلنا آذان صاغيه لشكواك ونرحب بك دائما
                في
                :

                جباال من الحسنات في انتظارك





                تعليق


                • #9
                  رد: يا جماعه بعتذر للجميع بس انا حاسس انى بضيــع

                  والله بارك الله فيكم ايها الاخوة وحرصكم على مساعدة اخيكم


                  نسأل الله ان يحفظة


                  تعليق


                  • #10
                    رد: يا جماعه بعتذر للجميع بس انا حاسس انى بضيــع



                    أسأل الله لي ولك الثبات اخي الحبيب

                    ونصيحة لي ولك

                    عليك بالصحبة الصالحة فانما يأكل الذئب من الغنم القاصية

                    أحبك في الله

                    تعليق

                    يعمل...
                    X