الحلقة الثانية من: (أسطورة الشهوة) ـ ـ ـ ـ خطورة القضية
الشهوة من أهم وأخطر الغرائز التي خلقها الله تبارك وتعالى ولذا حذر منها في كتابه الكريم في معرض التوبة والتحذير في سورة هي من أعظم السور مناسبة لهذا التحذير وهي سورة النساء وذلك لاختصاصها بكثير من أمورهن، قال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ) [النساء 27]
فبعد أن بين الله وهدى تاب وعفا ثم وضح أن الشهوات والذين يتبعونها تميل بأصحابها ميلاً عظيماُ عن طريق الحق والصراط المستقيم (قال السدي: هم اليهود والنصارى، وقال بعضهم: هم المجوس لأنهم يُحلّون نكاح الأخوات وبنات الأخ والأخت، وقال مجاهد: هم الزناة يريدون أن تميلوا عن الحق فتزنون كما يزنون، وقيل: هم جميع أهل الباطل) [أنظر البغوي في تفسير الآية 27 من سورة النساء]
ثم قال عز من قائل: (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) [النساء 28] ، فالله تبارك وتعالى قد علم ضعف ابن آدم عن هذه الغريزة إذ هو جعلها مركوزة في فطرته وجبلته لذا فهو يعلم مدى الضغط الذي تمثله عليه والعبء الذي يثقل كاهله ، قال تعالى : "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"
فتجلت رحمته لترفع وتخفف هذا العبء الثقيل عن كاهل المؤمنين خاصة ولولا هذا ما استطاع الإنسان ذلك فقد خلق ضعيفاً، قال بعض أهل العلم : أي ضعيف عنهن، وهذا التأويل من المفسرين إنما هو لمناسبة السورة وهي سورة النساء إذ هي في معرض الحديث عن الشهوات وهي شهوة النساء.
و الله هنا وفي هذا المقام قد بين لنا سنن الذين من قبلنا ممن يتبعون الشهوات في أمر دينهم كبني إسرائيل لئلا نميل ميلهم بالوقوع في الزنا وهو نتاج اتباع الشهوات، وهو ما حذر منه سيد ولد آدم ـ فقال : [ إن الدنيا خضرة حلوة وإن الله عز وجل مستخلفكم فيها ؛ لينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ][مسلم في الرقاق 55/17 ، السلسلة الصحيحة911]
فشهوة الجنس في غير محلها هي البديل الوحيد والعكسي للعبادة قال تعالى: [فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا] [مريم 19]
و الفوضى الجنسية هي نقطة التحول الحقيقية للمجتمع ـ أي مجتمع ـ من الإسلام إلى الجاهلية، وكذلك هي العقبة الأساسية لعودة المجتمعات من الجاهلية إلى الإسلام مرة أخرى ، ولذلك كانت جاهلية النساء هي إحدى الجاهليات الأربع المذكورة والمذمومة أيضاً في القرآن الكريم.
وقد أطلق لفظ الجاهلية في ثلاثة منها على أصول المخالفات لعقيدة التوحيد ، قال عز وجل: (يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ) [آل عمران 154] فهذه جاهلية ظن السوء بأسماء الله وصفاته قال ابن القيم في الآية: فُسر هذا الظن بأنه سبحانه لا ينصر رسوله، وأن أمره سيضمحل، وفُسر بأن ما أصابه لم يكن بقدر الله وحكمته، ففسر بإنكار الحكمة، وإنكار القدر، وإنكار أن يتم أمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأن يُظهره الله على الدين كله.
وفي الجاهلية الثانية يقول تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ )[المائدة 50] وهي جاهلية بأحقية الله وحده بالحكم والتشريع والطاعة والانقياد.
ويقول تبارك اسمه في الجاهلية الثالثة: (إِذْ جَعَـلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ َحَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ) [الفتح 26] وهذه جاهلية الولاء لغير الله ورسوله والمؤمنين وهي الحمية لإخوانهم في الكفر وما ينشأ عنها من الأنفة المانعة من قبول الحق.
ثم تأتي الجاهلية الرابعة وهي ـ وياللعجب ـ جاهلية التبرج أو إن شئت قلت جاهلية النساء وفيها يقول ربنا تبارك وتعالى: ( وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ) [الاحزاب 33]
ولذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم:[ما تركت فتنة أضر على رجال أمتي من نسائها][مسلم في الرقاق 54/17 من حديث أسامة ابن زيد وسعيد ابن زيد مرفوعاً]
وقد تكون الشهوة أحياناً أقوى في النفس من حب الدنيا وكراهية الموت كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن اليهودي واليهودية الذين زنيا و أتي بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما، قال ابن عمر: فرجما عند البلاط، فرأيت اليهودي أجنأ عليها)[البخاري]، فحتى وهو في هذه الحالة كان يحاول حمايتها ، ولم يشغله ما هو فيه عن ذلك!!
والنتيجة المباشرة لتحكم الشهوة أنها تستغرق الكيان الإنساني كله بحيث تصل لأعمق نقطة فيه، ويتمثل ذلك في أشنع صورة حين يصل هذا الاستغراق إلى نتيجته النهائية في حال جريمة الزنا بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "العين تزني وزناها النظر، واليد تزني وزناها اللمس والقدم تزني وزناها المشي والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه"[البخاري (الاستئذان 26/11، ومسلم 205/16من حديث ابن عباس].
ولذلك كان علاج الزنا هو هدم بنيان هذا الكيان بالكلية لاستحواذ المعصية عليه كله وتغلغلها حتى أبعد نقطة في أعماقه وأغواره.
ونحن بعلاجنا لهذه القضية إنما نحاول أن نستبق الجاهلية في تقديم المفهوم الصحيح، وبمعنى آخر نحاول استرداد التفسير السليم المنبثق من الوحي المعصوم بدلاً من التفسير الجاهلي لها كتفسيرات فرويد وغيرها والتي تعتبر الإنسان حيواناً جنسياً في أفضل أحواله؟!.
ونحن بذلك نستبدل ـ أيضاً ـ ما يروج له هذه الأيام مما يسمى بالتربية الجنسية بالتربية الإسلامية والتهذيب الرباني للغرائز وبالتالي يتضح الفرق بينهما ، إذ أن التربية الإسلامية تعتمد على إضفاء الستر على البدن جداً بينما تكشف الغطاء عن العقل وفي المقابل تعتمد التربية الجنسية الجاهلية على العكس تماماً بحيث ترتكز على تعرية البدن و إسكار العقل ، ولعل العلاقة العكسية بين العري أو الستر من جهة والتفتح والانغلاق من جهة أخرى واضحة وضوح الشمس.
و أعظم دليل على هذا هو ما تزخر به كتبنا الفقهية الثرية من أحكام النكاح وآداب العلاقات الزوجية والعزل والحيض ومس الذكر والختان وآداب قضاء الحاجة وغيرها كثير جداً يحتاج إلى بحث منفصل وحده إذ لا تتسع له هذه العجالة.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
وترقبوا بقية الموضوع قريباً إن شاء الله على حلقات متتابعة
رابط الحلقة الأولى من أسطورة الشهوة
http://www.way2allah.com/forums/showthread.php?t=18765
الشهوة من أهم وأخطر الغرائز التي خلقها الله تبارك وتعالى ولذا حذر منها في كتابه الكريم في معرض التوبة والتحذير في سورة هي من أعظم السور مناسبة لهذا التحذير وهي سورة النساء وذلك لاختصاصها بكثير من أمورهن، قال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ) [النساء 27]
فبعد أن بين الله وهدى تاب وعفا ثم وضح أن الشهوات والذين يتبعونها تميل بأصحابها ميلاً عظيماُ عن طريق الحق والصراط المستقيم (قال السدي: هم اليهود والنصارى، وقال بعضهم: هم المجوس لأنهم يُحلّون نكاح الأخوات وبنات الأخ والأخت، وقال مجاهد: هم الزناة يريدون أن تميلوا عن الحق فتزنون كما يزنون، وقيل: هم جميع أهل الباطل) [أنظر البغوي في تفسير الآية 27 من سورة النساء]
ثم قال عز من قائل: (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) [النساء 28] ، فالله تبارك وتعالى قد علم ضعف ابن آدم عن هذه الغريزة إذ هو جعلها مركوزة في فطرته وجبلته لذا فهو يعلم مدى الضغط الذي تمثله عليه والعبء الذي يثقل كاهله ، قال تعالى : "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"
فتجلت رحمته لترفع وتخفف هذا العبء الثقيل عن كاهل المؤمنين خاصة ولولا هذا ما استطاع الإنسان ذلك فقد خلق ضعيفاً، قال بعض أهل العلم : أي ضعيف عنهن، وهذا التأويل من المفسرين إنما هو لمناسبة السورة وهي سورة النساء إذ هي في معرض الحديث عن الشهوات وهي شهوة النساء.
و الله هنا وفي هذا المقام قد بين لنا سنن الذين من قبلنا ممن يتبعون الشهوات في أمر دينهم كبني إسرائيل لئلا نميل ميلهم بالوقوع في الزنا وهو نتاج اتباع الشهوات، وهو ما حذر منه سيد ولد آدم ـ فقال : [ إن الدنيا خضرة حلوة وإن الله عز وجل مستخلفكم فيها ؛ لينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ][مسلم في الرقاق 55/17 ، السلسلة الصحيحة911]
فشهوة الجنس في غير محلها هي البديل الوحيد والعكسي للعبادة قال تعالى: [فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا] [مريم 19]
و الفوضى الجنسية هي نقطة التحول الحقيقية للمجتمع ـ أي مجتمع ـ من الإسلام إلى الجاهلية، وكذلك هي العقبة الأساسية لعودة المجتمعات من الجاهلية إلى الإسلام مرة أخرى ، ولذلك كانت جاهلية النساء هي إحدى الجاهليات الأربع المذكورة والمذمومة أيضاً في القرآن الكريم.
وقد أطلق لفظ الجاهلية في ثلاثة منها على أصول المخالفات لعقيدة التوحيد ، قال عز وجل: (يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ) [آل عمران 154] فهذه جاهلية ظن السوء بأسماء الله وصفاته قال ابن القيم في الآية: فُسر هذا الظن بأنه سبحانه لا ينصر رسوله، وأن أمره سيضمحل، وفُسر بأن ما أصابه لم يكن بقدر الله وحكمته، ففسر بإنكار الحكمة، وإنكار القدر، وإنكار أن يتم أمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأن يُظهره الله على الدين كله.
وفي الجاهلية الثانية يقول تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ )[المائدة 50] وهي جاهلية بأحقية الله وحده بالحكم والتشريع والطاعة والانقياد.
ويقول تبارك اسمه في الجاهلية الثالثة: (إِذْ جَعَـلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ َحَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ) [الفتح 26] وهذه جاهلية الولاء لغير الله ورسوله والمؤمنين وهي الحمية لإخوانهم في الكفر وما ينشأ عنها من الأنفة المانعة من قبول الحق.
ثم تأتي الجاهلية الرابعة وهي ـ وياللعجب ـ جاهلية التبرج أو إن شئت قلت جاهلية النساء وفيها يقول ربنا تبارك وتعالى: ( وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ) [الاحزاب 33]
ولذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم:[ما تركت فتنة أضر على رجال أمتي من نسائها][مسلم في الرقاق 54/17 من حديث أسامة ابن زيد وسعيد ابن زيد مرفوعاً]
وقد تكون الشهوة أحياناً أقوى في النفس من حب الدنيا وكراهية الموت كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن اليهودي واليهودية الذين زنيا و أتي بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما، قال ابن عمر: فرجما عند البلاط، فرأيت اليهودي أجنأ عليها)[البخاري]، فحتى وهو في هذه الحالة كان يحاول حمايتها ، ولم يشغله ما هو فيه عن ذلك!!
والنتيجة المباشرة لتحكم الشهوة أنها تستغرق الكيان الإنساني كله بحيث تصل لأعمق نقطة فيه، ويتمثل ذلك في أشنع صورة حين يصل هذا الاستغراق إلى نتيجته النهائية في حال جريمة الزنا بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "العين تزني وزناها النظر، واليد تزني وزناها اللمس والقدم تزني وزناها المشي والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه"[البخاري (الاستئذان 26/11، ومسلم 205/16من حديث ابن عباس].
ولذلك كان علاج الزنا هو هدم بنيان هذا الكيان بالكلية لاستحواذ المعصية عليه كله وتغلغلها حتى أبعد نقطة في أعماقه وأغواره.
ونحن بعلاجنا لهذه القضية إنما نحاول أن نستبق الجاهلية في تقديم المفهوم الصحيح، وبمعنى آخر نحاول استرداد التفسير السليم المنبثق من الوحي المعصوم بدلاً من التفسير الجاهلي لها كتفسيرات فرويد وغيرها والتي تعتبر الإنسان حيواناً جنسياً في أفضل أحواله؟!.
ونحن بذلك نستبدل ـ أيضاً ـ ما يروج له هذه الأيام مما يسمى بالتربية الجنسية بالتربية الإسلامية والتهذيب الرباني للغرائز وبالتالي يتضح الفرق بينهما ، إذ أن التربية الإسلامية تعتمد على إضفاء الستر على البدن جداً بينما تكشف الغطاء عن العقل وفي المقابل تعتمد التربية الجنسية الجاهلية على العكس تماماً بحيث ترتكز على تعرية البدن و إسكار العقل ، ولعل العلاقة العكسية بين العري أو الستر من جهة والتفتح والانغلاق من جهة أخرى واضحة وضوح الشمس.
و أعظم دليل على هذا هو ما تزخر به كتبنا الفقهية الثرية من أحكام النكاح وآداب العلاقات الزوجية والعزل والحيض ومس الذكر والختان وآداب قضاء الحاجة وغيرها كثير جداً يحتاج إلى بحث منفصل وحده إذ لا تتسع له هذه العجالة.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
وترقبوا بقية الموضوع قريباً إن شاء الله على حلقات متتابعة
رابط الحلقة الأولى من أسطورة الشهوة
http://www.way2allah.com/forums/showthread.php?t=18765
تعليق