هكذا تركناك خلف ظهورنا!!
لم تنمحني الحياة فرصة؛ كي ألتفت إلى تلك المعاناة التي تعتصر قلباً مكلوماً!!
يطوي سهاده طي وسادته كل ليلة، ممزوجاً بدموع الأسى والحرمان!!
يخفق بأنَّات مكبوتة . . يتمنى أن يجد من يسمع زفراتها!! لعله يمسح عنه ألم المعاناة!!
إنه قلب فتاة طاهرة . . تنطلق من قسماتها نسائم الفجر . . تستشعر في عينيها الكثير والكثير من
الكلمات!!
بل الكثير والكثير من الآلام والآمال التي انحصرت كلها بين طيَّات وسادتها!!
فهي تخاطبها كل ليلة!!
نعم , , بل . . وتناشدها مزيداً من الأحلام والآمال . . لعلها تخفف عنها ألم الحرمان!!
يخفق قلبها بين الحين والآخر . . رباه . . هل لتلك الآلام من آجال؟!
فتمسح على قلبها يد من الرحمات حانية!!
تبعث بأشواقها إلى أعراس الجنة . . حيث الولدان المخلدون . . بوجوه كاللؤلؤ المنثور!!
يحملون لها بين أيديهم صحائف من ذهب وأكواب!!
فتهبُّ على قلبها المكلوم رياح البهجة والسرور؛ فتبدل دموع حزنها بدموع فرح وحبور!!
تطوي ضحكاتها مجدداً بين طيَّات وسادتها . . وكأنها تسألها كتمان سر تلك الضحكات!!
وهكذا تمضي بها الأيام . . تطوي بوحدتها ليلة وارء ليلة!!
واحدة بالآمال وأخرى بالآلام!!
تتذكر بين الحين والآخر حلم طفولتها . . ذلك الذي استلبته منها يدٌ غاشمة عابثة!! وهي في الشهر الخامس من ولادتها!! حينما امتدت إليها لتطعيمها؛ فأصابتها بشلل تامٍ في قدمها اليمنى!!
فمضت بها سنون العمر . . تكبر فيها . . وتكبر معها إعاقتها!!
حتى تضاعفت في ظهرها الآلام . . فقرروا إجراء عملية لتخفيفها . . فنجحت في تخفيف آلام ظهرها . .
ولكنها أصابتها بشلل تام في كلتا قدميها!!
توافد الناس على بنت العشرين عاماً؛ ليواسونها في مُصابها!!
فوجدوا وجهاً مضيئاً . . يشع بنور الإيمان . . وقلباً طاهراً . . مُفعماً بالرضا بقضاء الله وقدره . .
فواستهم هي بكلماتها النورانية، لتخفف عنهم وطأة جزعهم . . وشفقتهم عليها!!
صارت بصبرها مضرب الأمثال . . بل صارت قمةً تتصاغرُ القمم إذا قورنت بهامتها!!
تجرفها عاطفة الأمومة حيناً . . فتتمنى وليداً يتقلب بين أحضانها . . وتحمله بيديها!!
فتبعث بآمالها بعيداً . . لعلَّها تجد زوجاً حنوناً يستوعب ألم الرغبة مع الحرمان!!
لكن سرعان ما تطوي خجلها بين جنبيها . . خوفاً من أن تكشف النظرات سرَّ رغبتها!!
فتنظر إلى السماء راجية في رحمة الله . . لعله يحقيق لها أمنيتها!!
تختبئ أمها؛ لترقبها من بعيد، وعينها تذرف من الدمع ما لو رأته لزاد من حسرتها!!
رباه . . هذه فتاتي التي أرجو من الله أن يسوق لها يوماً . . من يمنح لها ولو جزءً يسيراً من سعادتها!!
*************************************************
هذه قصة حقيقة وقفت عليها بنفسي، وأملي أن يفرج الله كربتها . . ولكن هلَّا التفتنا لمعانة أمثالها من المعاقين والمعاقات . . الذين تركناهم بالفعل خلف ظهورنا، واستمتعنا بما أنعم الله علينا من جميع الحواس!! فلعل الله أن يرسم بأيدينا البسمة على شفاههم من جديد؟! فهل من مجيب؟!
تعليق