نـــجــــم الــــعــــرب
سليم شاب عربي طموح ، كأقرانه له أحلام بها يبوح ، متعدد المواهب في دراسته نجوح ، حُلمه الذي يسعى لتحقيقه مسرورا ، أن يصبح مطربا مشهورا ، ويجمع الناس حوله جمهورا ، وقد علا المنصَّة وحدَهُ منظورا ، فلقد قرر المشاركة من فَوره ، في برنامج إثرَ عَرضِه ، يجمع المواهب في مثل سِـنـِّه ، شعاره :’’ نجم العرب من مدينتكم اقترب ’’ شعار لكل القلوب سلب ، فلا تعجب فكم من نجوم قد أنجب ...
أيام قليلة بقيت على التباري ، يحفظ الأغاني بالسر والجهار، يدندن مزعجا سكان الدار... أمه تشجعه على الإقدام ، والوالد باركه بابتسام ، يسمعونه أطيب الكلام ، ويعدونه ليوم ليس كالأيام ....
اليوم بدأت التصفيات ، وقد اندهش سليم لكثرة الأصوات ، مئات من أقرانه يبادلونه نفس الصفات ، تجمعوا وتحلقوا في مجموعات ، يغنون ويرقصون فتيانا وفتيات ... بعد انتظار طويل وسآمة ، دخل صاحبنا مرفوع الهامة ، محييا لجنة اللجنة بصرامة : اسمي يا أصحاب المعالي سليم ، وسأطربكم بأغنية لعبد الحليم ، ثم طفق يغني مبهرا لجنة التحكيم ، فالرضا بادٍ من تلكم التقاسيم ... تكونت اللجنة من ثلاثة أشخاص ، مطربان ومختص في الصوت أيما اختصاص ، خبراء ليس لخداعهم مناص ، وبعد تشاور وتَمْتَمَاتٍ حان الخلاص ، فقالوا : هنيئا أنت من الأوائل ، فصاح فرحا وقد سالت من عيونه السوائل ، فهذا جزاء كل طموح متفائل ، وحصل على فرصة تصادف القلائل .
قبل أن يظهر سليم على الشاشة والمسرح ، وقبل أن يعلوه وبصوته يصدح ، مراحل يقطعها إن أراد ينجح ، يقص شعره ويسرح على الموضة ، ويلبس تصاميم للتو معروضة ، ويُعَـلـَّم مشية تصير عليه مفروضة ، ويُلقن ألا يناقش الخبراء ، وأن يحترم أصحابه والزملاء ، وأن ينحنيَ للجمهور بعد الغناء ، وأن يكون لبلده خير السفراء ...
وأخيرا سليم على المسرح والجمهور يصفق بحرارة ، كأنها قطرات وابل ينحدر بغزارة ، أضواء ملونة تشابكت تولد إثارة ، ثم صمت الجميع لترنم أوتار الغثارة ، يغني بإحساس مهيج بديع ، مبرهنا على احتراف و تألق سريع ، أبهج الحضور فاستحق التشجيع ... توالت الحلقات وسليم يحظا بالإعجاب ، يهزم المنافسين ويسحق الأتراب ، صار قدوة للجيل وعَـلَـما للشباب ...
إني كلما تذكرت حال سليم وأمثاله ، ونظرت إلى أمانيه وأحلامه ، تـَكـَدَّر صَفوي وعجبت لإسلامه ، وناديتُ من أعماق فؤادي صائحا ، يا شباب الإسلام أريدكم جيلا صالحا ، يا شباب أمتي إلى متى سأظل نائحا ؟ متى فجرنا في الأفق يظهر لائحا ؟ لماذا وقعتم فيما وقعتم فيه !!؟ هل العدو أضلكم بأمانيه ؟ فرضيتم بالضلال والـتـِّيه ، أم لأن الأخ قصَّر في نُصح أخيه ؟ فبقي وحيدا لا حبيبَ يُناجيه ولا إلى الخير يهديه !؟؟
كأني أسمع ذاك الشاب البعيد ، قد غضب مني الغضب الشديد ، يناظرني ويجادلني بلغة صلابتها الحديد : أنت لا تحس بالسهام التي تُرمى ، ولا بالجراح التي تدمى ، فأنت بعيد عن ذلك المرمى ، أعَرَضْتم الدين فأبَيْنَاهُ يوما ؟ من زعم أنّا رضينا بالضلال قـَسما ؟ رُمِينا بسهم وما أزَلتُم السَّهم ، نحن نحب الله والقرآن ، ونكره الغناء والألحان ، لم يعرض علينا البديل طيلة الأزمان ، فلو ذقنا كما ذقتم لاستمسكنا بالأسنان ، ألم تكونوا مثلنا في السُبات راقدين ؟ فَمَنَّ الله عليكم ولم تكونوا شاكرين ، كم انتظرنا أن تكونوا الموقظين المنقذين ، عجبا لكم كيف تلوموننا يا إخوة الدّين المُفرِّطين !!!
صدقتَ يا صاحب الحظ العاثر ، وزدت ألما جرحيَ الغائر ، فخشيت أن أكون المتآمر الغادر ، أعَنتُ سطوة الساحر الفاجر ، من ينصركم إن لم أكن أنا الناصر ؟ كل إخوانكم في غفلةٍ سادر ، من يساندكم بنخوة الثائر ؟ ما ضنكم بعدو حاقد فاجر ؟ متربص متسلط متآمر كافر ؟ يَسْـقِـيكم من سَكرةٍ على إغوائكم صابر ، حتى أخرج الملحد والمتشكك الحائر ، وقضى على كل عفيف متدين طاهر ، وأغلق الطريق أمام كل صدوق للهدى سائر ، ألبسوكم ثوب المذلة بلونه الزاهر ، وعلموكم أن الطرب رقي بصوته الهادر ، فمن يُعيد حياتكم مستعينا بربنا القادر؟؟؟
وكأن صوتا نشازا يقول مستغربا : ضخمتَ الأمور مفزعا مرهبا ، وما العيب أن يكون الشاب مطربا ؟ وكأن الغناء أسقط القدس الجريح ، أو سبب انحطاطا لو زدتَ في التصريح ، بالفن ترتقي الشعوب ـ أقصد الفن الصحيح ـ ما أسهل تحريم الحلال وعَصْفـَهُ كالريح ، لما التغريد خارج السرب دَيْدَنُكم ؟ لما الألوان ضباب في نظرتكم ؟ أنتم في ضـِفـَّة ٍ ومَلعون من ليس على ضفتكم !!!
عذرا أيها المعترض كم أنت جاهل ، هذا كلام مهزوم اسْـتـَمْرَأ الباطل ، كيف تزعم أن أمَّة ترقى بالمهازل !!؟ ما يفيد مزمار أمام الجَحَافِل !؟ ما يفيد كـَمَانٌ عندما تحل النوازل ؟ غـَنـَّيْـنا سِنينا وهدمنا الدين بالمعاول ، الأمم في رُقِيِّ وشعبنا للردى نازل ، هذا ليس فنَّا بل عَـفـَناً في أدنى المنازل .
أفق ـ بالله عليك ـ يا شباب أمَّتنا ، أنت الأمل في فـك محنتنا ، أنت المرجو لنشر سنتنا ، فبموتكم معلوم أن قد متنا ، انتفض وانفض عنك الغبار ، وأنـِرْ ظلامنا كشعلة نار ، أسكت الخائنين وجاهد الكفار ، امسحْ عنا جميعا بقايا العار ، قل لهم تعاكس التيار : عدتُ للإسلام عزيزا يا أمتي ، ورفعت لواء الدين كما رفعتُ هـِمَّـتي ، وعـقلتُ بعد طول تيهٍ قِـبلتي ، كنت بعيدا ألتمسُ المخرجَ على الدرب أسير ، أنا المسكين في سجن الهوى أسير ، ضوضاء تملأ سمعي وأصوات تكسير ، أضواءٌ خاطفة ٌ وأفلامٌ فاضحة وعيش عسير ، ماذا لو مِتُّ في الظلماء وحدي ؟ ورافقني عذابي وساكـَنـَنِي لـَحْدِي ، فلقيتُ ربي فحينها لا اعتذار يُجْدي ، فقررت عازما المضي والركوب ، والفرار حينا والبعد والهروب ، بأي طريقة وبأي أسلوب ، قررت أن أتوب ثم أتوب ، لعلي أنعتق من أسلاك الذنوب . لا أريد تصفيقا ولا تصفيرا ولا تلميعا ، ولا ضجة ولا بهرجة ولا تمييعا ، ولا أوسمة ولا أحزمة ولا تشجيعا ، يكفيني رضا الإله عـنـِّي ، ونفع ديني طول سِـنـِّي ، فلست أريد أنا أنادى يا مغني .
ما أحلى الحياة وسط المساجد ، بين راكع ساجد ، هم المفلحون حقا والأماجد ، السعادة تملأ الوجوه والضياء ، تلاوة القرآن دأبهم بغير رياء ، هجروا المجون وأصوات الغناء ، يا أهل المساجد أنتم النجوم حقا ، كلامكم لا كذب فيه يعلن الصدق ، أحرزتم المعالي و حزتم السبق ، أنا المسلم وهذه هويتي ، و أنا العربي فخور بنسبتي ، وأنا أخوكم وكلكم إخوتي ...
هذه آلام خرجت ولا أبالي ، كـَتـَمْـتـُها داخلي أياما وليالي ، مزجتها وطرزتها ورصعتها بخيالي ، لعلها تهدي تائها بين التلال ، ولعلها ترضى ذا العظمة والجلال ، وتكون زادا إذا ما شاب دعا لي ، إن أبعدته عن الغناء مستنقع الأوحال .
كـتـبـه : أبـو الولـيـد الصـفـريـوي
تعليق