السؤال: يا شيخ، هناك قنوات فضائية تنشر الدّيانة النصرانية وتهاجم الإسلام، وتأتي بالشبهات حول القرآن الكريم، وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسيرة الصحابة الكرام ش ، مثل قناة (الحياة)، وغيرها. فما حكم رؤيتها والاستماع إليها ولو من باب الفضول والاطلاع؟.
الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، وأشهد أن عيسى عبده ورسوله، وكَلِمَتُه ألقاها إلى مريم، وروح منه، صلى الله عليهما وعلى من اتبعهما بإحسان إلى يوم الدّين.
وبعد: فإنه لا يجوز للمسلم أن ينظر إلى القنوات التي تنشر الباطل والضلال سواء كانت شبهات أو شهوات مُحَرّمَة، لأن الشبهات خَطَّافَة، والقلوب ضعيفة، وقد قال الله تعالى: ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ) [النساء:140]، وقال تعالى : (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) [الأنعام: 68]، وعن جابر بن عبد الله م: أن عمر بن الخطّاب ا أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهلِ الكتاب، فقرأه على النبي صلى الله عليه و سلم فَغَضِبَ، فقال:«أمتهوّكون (أي: أمتحيّرون، ومتشكّكون) فيها يا ابن الخطّاب، والذي نفسي بيده، لقد جئتكم بها بيضاء نقيةً، لا تسألوهم عن شيء فيُخبروكم بحقٍّ فتُكذِّبُوا به، أو بباطل فتُصَدِّقُوا به، والذي نفسي بيده لو أنّ موسى كان حيًّا، ما وسعه إلا أن يتّبعني» [رواه الإمام أحمد في مسنده (15156)، والدّارمي (435)، وغيرهما، وهو حديث حسن، كما في كتاب إرواء الغليل للألباني (1589)]. وقال عبد الله بن مسعود ا:« لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، فإنهم لن يَهْدُوكُم وقد ضلُّوا...» [رواه عبد الرزاق في مصنّفه (6/111-112)].
فلا يجوز للمسلم أن يقرأ كتب الدّيانات الأخرى كالتوراة، والإنجيل، وغيرها، ولا أن يستمع إلى كلام أهلها، ولو من باب الاطلاع فقط، لأنهم ضالّون فكيف يَهدي الضالُّ والتائِهُ غَيرَه!؟. وتشتدّ الحرمة إذا كان أولائك الضالّون يهاجمون الإسلام، ويطعنون في آيات القرآن، وأحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام.
ثم إن الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه و سلم من عند الله واضح بيِّن، قد دلّت على صِدْقِهِ الأدلّة الكثيرة، والبراهين العديدة، فلماذا يشغل المسلم وقته بالاستماع إلى أهل الباطل. وليس في هذا الحكم هروبٌ من مواجهة أهل الباطل، وإنما هو حماية للضعفاء من مقاتلة ومواجهة من بأيديهم الأسلحة المدمّرة، وإلا فإنه يجوز في ديننا بل يجب على بعض علماء المسلمين المتخصّصين أن يواجِهُوا المنصِّرين وغيرهم من أهل الباطل، وهذا هو العدل: أن يتواجه المسلَّح مع المسلَّح، لِذا فإنِّي أوجّه كلمة إلى أهل الباطل وإلى أولائك المنصِّرين التائهين الحائرين فأقول:
1- إنْ كنتم أقوياء وعندكم العلم فتعالوا إلى علماء المسلمين وحاوروهم واجلسوا معهم، عند ذلك سترون الحقيقة، وتظهر لكم الحياة، لأن علماءنا يُظهرون الحق، ويفضحون باطلكم، لكنهم لا ينفون دين عيسى عليه السلام، كما تفعلون أنتم تريدون إبطال الإسلام، وتنكرون نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم بالكليّة، أمَّا أن تنشروا كلامكم على الضعفاء وعلى قليلي العلم، فليس ذلك من العدل والإنصاف، وأنتم تدَّعون نشر المحبّة والعدل والسلام في العالَم!!.
2- لماذا لا تقومون بنقد دين اليهود، وكتبهم؟ ولماذا لا تحاولون نشر دينكم بينهم؟ أمْ أنّ الذي يقلقكم هو دين الإسلام فقط؟.
3- أنتم تؤمنون بأنَّ الله تعالى أرسل رُسُلًا مثل نوح، إبراهيم، يونس، موسى، إلخ... فلماذا لا يكون محمدٌ رسولًا مثلهم؟. الجواب: إنكم لا تُحِبُّون محمدًا، ولا تؤمنون به لأنه عربي ولم يكن من بني إسرائيل مثل أغلب الأنبياء، فلماذا الحسد؟ ولماذا العنصرية؟ اتقوا الله يا أهل الكتاب وآمنوا بمحمد صلى الله عيه وسلم خيرًا لكم في الدنيا والآخرة، وأقول لكم كما قال ذلك القسّيس الذي أسلم جوابا لمن عارضه، قال: رَبِـحْــتُ مـحمـدًا ولـم أَخْـسَـرِ الـمـسيـح .
قال الله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران:64].
كتبه أبو سعيد بلعيد بن أحمد الجزائري 09 صفر 1430هـ الموافق لـ 04 فيفري 2009م.
تعليق