كيف نعمق أواصر الأخوة ؟
إخوتاه ..
لا بد من نية صالحة – كما تعاهدنا – ننوي أن نحقق هذا المعنى العظيم معنى الأمة في حياتنا ، نريد توثيق عروة الأخوة ، نريد إحياء روح الأخوة ، نريد أن نكون بالفعل متحابين حتى تقوم للإسلام أمة ، وعلى الدرب خطوات ، فأول ذلك :
أولاً : حسن الظن وقبول الظاهر .
الظن ـ إخوتاه ـ من أكبر العقبات التي تحول بين ترابط المسلمين فيما بينهم فإياك وإياه .
يقول الله جل وعلا : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ " [الحجرات /12]
قال علماؤنا : إن الغيبة من الكبائر ، وهي من أعظم المحرمات عند الله ، وغيبة المسلم تنشأ عن التجسس عادة ، وسبب التجسس الظن فهي مراتب بعضها فوق بعض .
مثلاً : بعض الناس يمضي في طريقه فإذا به يرى من يختبئ وراء الجدار ، فتستشرف نفسه الدخول فيما لا يعنيه ، فيعود ويتلصص لينظر ماذا يصنع هذا الرجل فربما يرى ما يسوء ، أو ما قد يعجز عن تفسيره فيقع في الغيبة.هكذا سد الباب من البداية فمن حسن إسلام المراء تركه ما لا يعنيه ، وإن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم ، لذلك كان الأصل في الإسلام أن تحسنَ الظن بأخيك ، وتُسيء الظن بنفسك ، وهذا عكس ما هو حاصل في هذه الأيام ، فتجد من يحسن الظن بنفسه إلى أٌقصى درجة وكأنه المعصوم ، ويسيء الظن بإخوانه لأقل شاردة أو واردة ، لأجل هذا دبت الفرقة ، وعمت البغضاء والشحناء بين إخوة الإسلام.
إخوتاه ..
أحسنوا الظن بإخوانكم ، فنفسك الأمارة بالسوء هي التي توقعك في هذه المهالك ، ترى من يستأذن أخاه ليتكلم على انفراد بشخص ما لأي سبب كان ، فتبدأ الوساوس والهواجس تلعب دورها فيتخيل أنه يتكلم عنه وأنه يقع فيه أو .. أو .. الخ ، فيحاول أن يتجسس ، ويسأل غيره عما يدور بين الرجلين ، وشيئاً فشيئاً يبدأ في اغتيابه.
إخوتاه ..
سوء الظن لا يحل استعماله في الدين ، فلا تدع المحكم من المنقول والصريح لما تشابه عندك ، هذا – تالله – شأن كل مبطل ، الأحرى بك أن تكون وقافاً عند الشبهات ، تتقي الوقوع فيها " فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه "
عليك أن تؤول كلام أخيك على مدلوله الخير إذا كان اللفظ يحتمله ، فإن النفس الطيبة لا تبصر إلا ما كان طيباً ، والنفس الخبيثة هي التي تقف عند كل خبيث لا تكاد تبصر غيره.
إخوتاه
الإسلام دين الجمال والكمال ، وقد حرص على صيانة عرض المسلم غاية الصيانة من الظن المجرد عن الدليل ، الظن الذي لم ينبنِ على أصل وتحقيق نظر ؛ لذلك أمرنا الله بالتثبت .
قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ " [الحجرات /6] وفي القراءة الأخرى "فَتَثَبَّتُوا" . قديماً كنت لا أفهم هذه الآية على وجهها ، فأقول : إذا جاءني عدلٌ فأخبرني بشيء ما عن أخٍ لي فليس هو بداخل في هذه الآية ، فقال لي بعض مشايخنا : لا إن الله سمى النمام فاسقاً ، فكل من جاءك بنبأ يترتب عليه إفساد ذات البين فهو فاسق ، سماه الله فاسقاً ابتداءً فوجب التثبت والتبين في كل ما حمله من أخبار ، لما سوف ينتج عن هذا من إفساد بين المسلم وأخيه.
إخوتاه
سوء الظن – في علم التربية – مثل الحامض الذي يُذيب ما يوضع فيه، فسوء الظن كذلك يذيب الحب من القلوب .
انظر لهذه الصورة المشرقة من حياة سلفنا الصالح ، شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ لما عانى الأمَرّين بسبب مخالفته للأعراف والعادات والتقاليد التي تصطدم مع تعاليم الشرع ؛ لذلك كانت الدنيا تقوم عليه ولا تقعد ؛ لمجرد مخالفته لأعراف الناس حينئذٍ في مسألة من المسائل .
الشاهد أنَّ بعض الناس تحايل على شيخ الإسلام ، واستعدى عليه السلطان فسجنه في قلعة دمشق ، وعرف شيخ الإسلام أنَّ فلاناً كان السبب وراء ذلك ، فأرسل إليه تلاميذُه رسالة يطلبون منه الرأي في كيفية التصرف معه.انظر كيف كان رد شيخ الإسلام حتى تتعلم كيف كانت أخلاق هؤلاء الأكابر.قال لهم : وأول ما أبدأ به من هذا الأصل ما يتعلق بي ، فتعلمون ـ رضى الله عنكم – أنِّي لا أحب أن يؤذى أحد من عموم المسلمين فضلاً عن أصحابنا.
( يعلمنا هنا درساً غالياً ، إنه يسمى الرجل الذي وشيء به صاحباً ، فهو عنده شيخ داعِ إلى الله ، فلا يرضى أن يؤذيه أحد ، كيف وهو لا يرضى أن يؤذى أحد العامة حتى هؤلاء الذين يقعون في عرضه ، فكيف بالعلماء والدعاة ) .
ثم يقول : لا أحب أن يؤذى أحد من عموم المسلمين بشيء لا باطناً ولا ظاهراً ، ولا عندي عتب على أحد منهم ، ولا لوم أصلاً ، بل لهم عندي من الكرامة والإجلال والمحبة والتعظيم أضعاف أضعاف ما كان كلٌ بحسبه ، ولا يخلو أن يكون الرجل إما أن يكون مجتهداً مصيباً ، أو مخطئاً أو مذنباً ، فالأول مشكور مأجور ، والثاني : مع أجره على الاجتهاد فمعفو عنه مغفور له ، والثالث : يغفر الله لنا وله ولسائر المسلمين ، قال : فنطوي بساط الكلام المخالف لهذا الأصل .
آهٍ .. أي رجل كان شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ يقول : علينا أن نترك الكلام الذي يتعارض مع هذا الرجل كأنْ يقال : فلان قصَّر ، فلان ما عمل شيئاً لنصرة الشيخ ، فلان أوذي الشيخ بسببه ، فلان وراء هذه القضية ونحو هذا من الكلمات التي يُذم فيها بعض الأصحاب والإخوان ، فهو لا يسامح من يؤذيهم في هذا الباب ، فمثل هذا يعود على قائله بالملام إلا أن يكون له من حسنة ماحية والله يغفر له إن شاء.
هذه الروح الجميلة لو سرت فينا لقامت أمة الإسلام من جديد ، فلا تجد ضغينة ، ولا تباغض ، ولا تعارك .
إخوتاه
اتقوا الله في الدعاة والعلماء ، إن شرذمة من الناس تحب أن تشيع الضغائن في قلوب الدعاة والعلماء بعضهم من بعض .حدث مرة أن اختلف أحد الدعاة مع أخيه فتدخلت لحل الخلاف ، والمشكلة كانت يسيرة ، لكن أحد الأخوة أخذ يقول : لا يا شيخ ، لا يمكن أن تقبل ، هذا دين .. كيف .. ؟!!
مثل هذا يريد أن يشعلها ناراً ، يا أخي فلتقل خيراً أو لتصمت ، وهذه مصيبة النقل في عصرنا – فاللهم إليك المشتكى –
إخوتاه
قبل أن ننتقل إلى سبب آخر لتعميق أواصر الأخوة ، أحب أن نقف مع كلمات جليلة لشيخ الإسلام.
يقول : فسبحان الناشر على الخاطئين جناح ستره ، والكاشف الضر الذي بيده عاقبته، والمجيب الدعاء برحمته التي بالتوفيق أنطقت ، والمنعم قبل الاستحقاق بنعمته سبحانه.
سبحانه كم سيئةٍ قد أخفاها حلمه حتى دخلت في عفوه ، وكم حسنةٍ ضاعفها فضله حتى عظمت عليها مجازاته ، ورحم الله عبداً وقف على سهو أو خطأ من أخيه فأصلحه عاذراً لا عازلاً ، ومنيلا لا نائلاً ، فليس المرء بعيداً عن الخطأ إلا من وقى الله سبحانه وعصم فلا إله إلا الله ، ولا معبود بحق سواه نسأل الله – عز وجل – أن يؤلف بين قلوب المسلمين
ولعل هذه الكلمات خير تلخيص لمسألة " حسن الظن " فأسأل الله تعالى أن يرزقنا حسن الظن بالمسلمين ، وأن يمنَّ علينا بفضله فلا ترى أعيننا إلا خيراً .
يتبع ان شاء الله
السبب الثاني لتعميق أواصر الأخوة
الإغضاء وعدم الاستقصاء .
السبب الثاني لتعميق أواصر الأخوة
الإغضاء وعدم الاستقصاء .
تعليق