الحدود في الإسلام
إن الشريعة الإسلامية مبنية على اليسر ورفع الحرج , وأحكامها قائمة على تحقيق المصالح ودرء المفاسد , ولم تكن العقوبة هي أول الحلول للقضاء على الجرائم والتقليل منها , وإنما أرشد الشارع إلى أسباب الوقاية من الوقوع في الجرائم , ومن ذلك :
1/ أداء ما شرعه الله تعالى من العبادات التي تصل العبد بربه : كالصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر , والزكاة التي تطهر المال من الآفات .
2/ المحافظة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وأن يسعى كل مسلم لتقويم الاعوجاج في نفسه , وفي غيره من أبناء أمته , فالمجتمع جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر .
3/ الحذر من الأسباب الموقعة في الجرائم : كالاعتداء على الآخرين والسب والشتم والنظر للأجنبيات , وتعاطي ما يضر بالأبدان , ونحو ذلك .
4/ إذا لم تنجح هذه الوسائل في ردع المتعدين حدود الله , إما لتقصيرهم في أداء ما افترض الله عليهم , أو لتهاونهم بمقارفة الذنوب والمعاصي التي نُهوا عنها , فقد شرع الله الحكيم عقوبات مناسبة كل المناسبة للجريمة التي ارتكبها المجرم , وتكون غالباً على العضو الذي حصلت به الجناية إلا إذا ترتب على ذلك أن تكون العقوبة أكثر من قدر الجناية .
تعريفها
الحدود : جمع حدٍّ , وهو في اللغة : المنع .
وفي الاصطلاح : عقوبة مقدرة شرعاً على معصية لأجل حق الله تعالى .
وسميت حدوداً , لأن من شأنها أن تمنع من ارتكاب الجرائم .
الحكمة من تشريعها
1/ زجر العاصي عن الرجوع إلى المعصية , ومنع غيره من الوقوع فيها .
2/ أنها كفارة للجريمة , وتطهير للعاصي , والله تعالى أكرم من أن يجمع على عبده بين عقاب الدنيا وعذاب الآخرة . ويدل على ذلك حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلمقال – وحوله عصابة من أصحابه - : (( بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً , ولا تسرقوا , ولا تزنوا , ولا تقتلوا أولادكم , ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم , ولا تعصوا في معروف , فمن وفى منكم فأجره على الله , ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له , ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه , وإن شاء عاقبه )) فبايعناه على ذلك . (متفق عليه)
3/ أمن الناس على أرواحهم , وأعراضهم , وأموالهم , كما هو المشاهد في المجتمعات التي تقيم حدود الله , فإنه يتحقق فيها من الأمن والاستقرار وطيب العيش مالا ينكره أحد , بخلاف المجتمعات التي عطلت حدود الله .
4/ حصول رضوان الله وثوابه في الآخرة ؛ لأن تطبيق الحدود طاعة وعبادة . قال تعالى : (( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُواْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) (سورة النور : آية 51)
شروط إقامة الحد
لا يجوز إقامة الحد على الجاني إلا إذا توفرت الشروط التالية :
1/ أن يكون مرتكب الجريمة مكلفاً ( بالغاً عاقلاً )
2/ أن يكون مختاراً , فلا حد على مُكْرَه .
3/ أن يكون عالماً بالتحريم .
فائدة : لا يشترط لإقامة الحد على الجاني علمه بالعقوبة ومقدارها .
من له إقامة الحد
إذا توفرت هذه الشروط في مرتكب الجريمة التي يترتب عليها الحد الشرعي فإن ولي الأمر أو نائبه يقيم الحد عليه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه من بعده كانوا يقيمونها , وقد وكل النبي صلى الله عليه وسلم من يقيم الحد نيابة عنه حيث قال : (( وَاغْدُ يا أُنَيْس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها )) وقيام أحد بتنفيذ الحد بدون إذن الولي الأمر تَعَدٍّ وافتياتٌ على حقه .
الشفاعة في الحدود
لا تجوز الشفاعة لإسقاط الحد بعد بلوغه ولي الأمر , ويحرم على ولي الأمر قبول الشفاعة ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (( من حالت شفاعته دون حدٍّ من حدود الله فقد ضادَّ الله في أمره )) . رواه أحمد وأبو داود .
وقال صلى الله عليه وسلم : (( تعافوا الحدود فيما بينكم , فما بلغني من حدٍّ فقد وجب )) رواه أبو داود والنسائي .
أنواع الحدود إجمالا
الجنايات التي تجب فيها الحدود هي : الزنا , واللواط , والقذف , وشرب الخمر , والسرقة , وقطع الطريق , وما عدا ذلك يجب فيه التعزير .
تعليق