صرخة قبل فوات الزمان
إخوتاه
يا من يدعى إلى نجاته فلا يجيب ، يا من قد رضى أن يخسر ويخيب ، إن أمرك طريف وحالك عجيب ، اذكر في زمان راحتك ساعة الوجيب ، واستمع يوم ينادى المنادى من مكان قريب .
ويحك إن الحق حاضر ما يغيب ، تحصى عليك أعمال الطلوع وأفعال المغيب، ضاعت الرياضة في غير نجيب ، سيماك تدل وما يخفي المريب ، اسمع لا بد لغربان الفراق من نعيب .
أنساكن الغفلة ولغيرنا نعيب ، يا من سلعه كلها معيب ، اذكر يوم الفزع والتأنيب. " واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب " .
لا بد والله من فراق العيش الرطيب ، والتحاف البلي مكان الطيب ، واعجباً للذَّات بعد هذا كيف تطيب ، ويحك أحضر قلبك لوعظ الخطيب ، " واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب " .
تذكر من قد أصيب كيف نزل بهم يوم عصيب ، وانتبه لأحظ الحظ والنصيب، واحترز فعليك شهيد ورقيب ، إذا حل الموت حل التركيب ، وتقلب مقل القلوب في قلب التقليب .
ستخرج والله من هذا الوادي الرحيب ، ولا ينفعك البكاء والنحيب ، لا بد من يوم يتحير فيه الشبان والشيب ، ويذهل فيه الطفل للهول ويشيب ، يا من عمله كله رديء فليته قد شيب ، " واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب ".
كيف بك إذا أحضرت في حال كئيب ، وعليك ذنوب أكثر من رمل كثيب ، والمهيمن الطالب والعظيم الحسيب ، فحينئذٍ يبتعد عنك الأهل والنسيب ، النوح أولي بك يا مغرور من التشبيب ، أتؤمن أم عندك تكذيب ، أم تراك تصبر على التعذيب ، كأنك بدمع العين ومائها قد أذيب ، اقبل نصحي واقبل على التربية والتهذيب ، " واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب ".
يا مطالباً بأعماله ، يا مسئولاً عن أفعاله ، يا مكتوباً عليه جميع أٌقواله ، يا مناقشاً على كل أحواله ، نسيانك لهذا أمر عجيب ، أتسكن إلى العافية ، وتساكن العيشة الصافية ، وتظن أيمان الغرور واقية ، لا بد من سهم مصيب ، " واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب " .
لو أحسنت الخلاص أحسنت ، لو آمنت بالعرض لتجملت وتزينت ، يا من قد أنعجمت عليه الأمور لو سألت لتبينت ، ويحك أحضر قلبك إنما أنت في الدنيا غريب ، " واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب ".
إلى متى أنت مع أغراضك ، متي ينقضي زمان إعراضك ، يا زمن البلى متى زمن إنهاضك ، تالله لقد كع من أمراضك الطبيب ، " واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب ".
يا من عمله بالنفاق مغشوش ، تتزين للناس كما يزين المنقوش ، إنما ينظر إلى الباطن لا إلى النقوش ، إذا هممت بالمعاصي فاذكر يوم النعوش ، وكيف تحمل إلى قبر بالجندل مفروش ، من لك إذا جمع الإنس والجن والوحوش ، وقام العاصي من قبره حيران مدهوش ، وجيء بالجبار العظيم وهو مغلول مخشوش، فحينئذٍ يتضاءل المتكبر وتذل الرؤوس ، ويومئذ يبصر الأكمه ويسمع الأطروش، وينصب الصراط فكم واقع وكم مخدوش ، ليس بجادة يقطعها قصل ولا مرعوش ، ولا تقبل في ذلك اليوم فدية ولا تؤخذ الأروش ، والمتعوس حينئذٍ ليس بمنعوش ، وينقلب أهل النار في الأقذار والريح كالخشوش ، لحافهم جمر وكذلك الفروش ، " وتكون الجبال كالعهن المنفوش " .
يا من أركان إخلاصه واهية ، أما لك من عقلك ناهية ، إلى متى نفسك ساهية ، معجبة بالدنيا زاهية ، مفاخرة للإخوان مضاهية ، النار بين يديك وتكفي داهية " وما أدراك ما هيه نار حامية " .
تقوم من قبرك ضعيف الجأش ، وقد جأر قلبك في بدنك وجاش ، ووابل الدمع يسبق الرشاش ، أتدري ما يلاقي العطاش الظامئة " نار حامية " .
أين من عتا وتجبر ، أين من علا وتكبر ، أين من للدول بالظلم دبر ، ماذا أعد للحضرة السامية ، " نار حامية " .
لو رأيت العاصي وقد شقي ، يصيح في الموقف واقلقي ، اشتد عطشه وما سقي، وشرر النار إليه يرتقي ، فمن يتقي تلك الرامية ، " نار حامية " .
لو رأيته يقاسي حرها ويعاني ضرها ، جحيمها وقرها ، والله لا يدفع اليوم شرها ، إلا عين هامية " نار حامية " .
يفر الولد من أبيه ، والأخ من أخيه ، وكل قريب من ذويه ، أسمعت يا من معاصيه نامية ، " نار حامية " .
لهذا كان المتقون يقلقون ويخافون ربهم ويشفقون ، وكم جرت من عيون القوم عيون ، كانت جفونهم دائمة دامية ، من خوفهم من " نار حامية " .
أجارنا الله بكرمه منها ، ووفقنا لما ينجي عنها ، وجعلنا بفضله ممن قام بما يؤمر واجتنب ما عنه ينهى ، فكم له من نعم سامية " نار حامية " .
نُراعُ لذكرِ الموتِ ساعةَ ذكرهِ
وتعترضُ الدنيا فنلهو ونلعب
يسعى الفتى وخيولُ الموتُ تطلبُهُ
وإِن نوى وقفةً فالموتُ ما يقف
نحن بنو الموتى فما بالنُا
نعافُ ما لا بُدَّ من شُرْبهِ
http://www.youtube.com/watch?v=dbK9GQmcTM8
http://www.youtube.com/watch?v=dbK9GQmcTM8
تب أخي الحبيب قبل فوات الأوان
تعليق