لا حياء و لا خجل ولا قلب وجل
تتلون تلك الوجوه و تتصبغ ..
بـ ألوانٍ تُـفتح و تُـقتم ..
و تتحدث تلك الألسنةُ و توزع ..
صوراً في العقل تستودع ..
فـ تثور النفس و تمضي في دروب الشك و الريبة ..
و يبقى الخوف من العيب ..
فـ تلك قدم تتلوث بـ الوحل ..
و تسرع الخطى لـ تُخفي خطواتها و تسترها ..
من عين ذاك الصاحب ..
و من لسان ذاك الجار ..
و من شمس هذا النهار ..
و ما درى أن لـ نفسهِ ملكٌ حارس ..
و عينه هي أول شاهد ..
و لسانهُ هو أول ناطق ..
بل ربما علم و سمع ..
و لكن هواه أبى إلا التواكل و التناسي ..
وعدم الخوف و التعامي ..
فـ قضت على شعيرات التشاعر و الاستشعار لديه ..
فـ لم يستشعر هذا العلم و هذة النعم ..
علمٌ .. يمنعهُ عن الوقوع في مستنقعات الجهل ..
و أوحلة العقول الراكدة ..
علمٌ .. يرسمُ بهِ طريقه النوراني البين ..
فـ يتجاوز به كل صعبٍ وهين ..
و نِـعمٌ .. منغمس فيها الجسد ..
و محلقة فيها الروح ..
و متناسيها العقل ..
نِـعمٌ .. لو عدها و دونها و من ثم
نظر لها لـ دهش من امتلاء السطور و تزاحم الحروف ..
و كل ذلك رغم خطئه و جرم إثمه ..
لكنهُ أهون مما نرى الآن ..
و مما هو عليه واقع الحال ..
فـ هذا .. و أن أذنب ..
فـ حرارة الذنب تأكل صدره ..
و تشغل فكره ..
و تُـخجل نفسه ..
فـ يحاول أن يداريها عن الأعين و الألسن ..
و تشغل نفسهُ ذنوبه و خطاياه ..
لكن المجاهر .. المظاهر ..
لكن المجاهر .. المظاهر ..
المعلن للعصيان و النكران ..
القائل هلموا هـ أنا أعصي مولاي ..
هـ أنا لا استحي منه و لا منكم ..
هـ أنا ذا افعل و افعل و أنتم تنظرون إليَّ و أنتم صامتون ..
بعضكم يرمقني بـ نظرات الإعجاب و التمني ..
و لولا الخجل و العادات لـ فعل فعلي ..
و بعضكم تتحسر نفسهُ و ينعقد لسانهُ خجلاً من قول الحق ..
و النصح المهذب ..
لا تتجاوب أحاسيسه القلبية تجاه هذا المنكر
و لا تأخذه الغيرة على دينه ..
فـ خطابي لـ هؤلاء الأربعة ..
أقول للعاصي فـي الخفاء ..
أ استصغرت عين الله و هي تنظر إليك .. ؟
أو ما نظرت للظلام الذي أخفاك عن أعين الناس
إلا عن عين الملك الجبار ..
أو ما استرعى خيالك شبح الموت قادماً و واقفاً أمام يديك ..؟
أما نمت على فراشك و سألت نفسك متى سـ تنام في القبر ..؟
و كيف هي نومتك بـ داخله ..
و التراب حولك .. لا هواء و لا غطاء ..؟
أتظن أن كل هذا لن يكن ..
أم لعلك تظن أنه بعيد الأمد .. ؟
أتظن أن شبابك و قوتك هي أقوى من موت الفجئة .. ؟
أم لعل الهوى و صاحبهُ ..
أخبراك أن لا تعجل و تفكر فيه ..
فـ ما هو إلا هم سـ يقض مضجعك ..
و يدمي فؤادك ..
و لكن فكر في يومك و في غدك و مستقبلك ..
و اقض حياتك و استمتع بها ..
و أنا أقول لك ..
لا تتعب قلبك و فؤادك و فكرك و تشغله بـ كل هذا ..
بل فقط توقف لـ دقائق و ردد قوله تعالى ..
{ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ }
أما أنت يا مجاهر .. فـ قف قليلاً و تمهل ..
و أنظر خلفك ثم أنظر و أنظر ..
أنظر كم واحدٍ سار على خطاك ..
كم واحد كان غافلاً فـ زدته غفلة ..
كم تائبٍ نادمٌ يحاول الثبات على درب الإستقامة
فـ عصفت رياحك على سفينته فـ أغرقتها ..
أوما تصورت ذنوبهم و هي تسحبك لـ جهنم
لـ ترميك في سعيرها و تحترق من لظاها ..
أو ما تصورت خطاياك و هي تتكوم فوقك كـ الجبال ..
و تسلسك بـ الحديد و الأغلال ..
أتتحمل نفسك وزرها حتى تزيدها أوزاراً ..
أ تتحمل ثقل نفسك حتى تحمل ثقل غيرك ..؟
أما وقفت و نظرت إلى كلام ربنا سبحانه و تعالى
و هو يخبرك عن حالك في يوم المعاد لو لم تتب ..
{ لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ }
أما أنت يا معجب ..
أما وجدت لك من الإعجاب مهرب ..
و فررت حيث التبضع ..
لـ خيرِ و أدوم دار ..
أما بحثت عن أصحاب النفوس المؤمنة ..
و البصيرة المتقدة ..
و القلوب الحانية ..
و العقول الحازمة ..
أما كففت النظر عن أصحاب الخطايا ..
حتى لا تزني عينك بـ النظر للمنكر ..
ثم تستعذبهُ نفسك و تألفه ..
فـ تزل القدم و تهوى في برك المعاصي و تتلوث ..
و تتخبط يمنة و يسرة و تبكي ندامةً و حسرة ..
أما علمت أن إعجابك بهم قد يقودك للموت على حالهم ..
على خطيئة لا تقوى على حملها كتفاك ..
فـ كف عن أعجابك و لا تغرنك المظاهر الخادعة ..
و تذكر قوله تعالى ..
{ فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ }
أما الساكت و المتجبن عن النصح و الإنكار ..
أما علم أن هذا التخاذل لن يقيه النار ..
أما علم أن العلم الذي أتاه إياه الله ملزماً أن يبلغه ..
أن يوصله .. لعله أن يهدي به ..
و يوقف صاحب إثم عن خطيئته ..
أو يخلص دينهُ .. و يقصي ما عليه ..
أم علم أنهُ لو استنكر منكراً ..
لـ أنكره صاحب المنكر و تركه ..
أم علم أن الله فضلنا عن بقية الأمم ..
و جعلنا محبين متناصحين ..
نأمر بـ المعروف و نحث عليه ..
و ننهى على المنكر و نقضي عليه ..
{ كنتم خير امة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله }
قال صلى الله عليه و سلم
" الحياء شعبة من الإيمان "
" الحياء لا يأتي إلا بخير "
يقول سلمان الفارسيّ رضيَ الله ..
إنّ الله إذا أرادَ بعبدٍ شرا نزع منه الحياء ..
فلم تقلّه إلا مقيتاً ممقتاً ..
فإذا كان مقيتا ممقتا نُزعت منه الرحمة ..
فلم تلقه إلا فظّاً غليظاً ..
فإذا كان كذلك نزعت منه الأمانة ..
فلم تلقة إلا خائناً مخوناً ..
فإذا كان كذلك نزعت ربقه الإسلام من عنقه ..
فكان لعيناً ملعناً ..
يعيش المرء ما استحيا بخير ** ** ويبقى العود مابقي اللحاء
فلا والله مافي العيش خير ** ** ولا الدنيا اذا ذهب الحياء
ورب قبيحة ما حال بيني** ** وبين ركوبها إلا الحياء
فكان هو الدواء لها ولكن ** ** إذا ذهب الحياء فلا دواء
تعليق