ليست دروشة.. ولكنها طاعة الوقت!!
كتبه / سعيد عبد العظيم
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه .. أما بعد :-
فما قضيت الحاجات وما نيلت الطلبات وما فرجت الكربات بمثل طاعة الله قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) (الطلاق: 2،3) وقال : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) (الطلاق: 4) فلو كادتك السموات السبع ومن فيهن والأراضين السبع ومن فيهن وكنت على تقوى لله لجعل الله لك من بينهن فرجا ومخرجا (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل:128).
من الذي دعاه فلم يجبه ؟! ومن الذي سأله فلم يعطه ؟! ومن الذي استجاره فلم يجره ؟! ومن الذي استعاذه فلم يعذه ؟! ومن الذي توكل عليه فلم يكفه ؟!
قال إبراهيم عليه السلام "حسبي الله ونعم الوكيل" فكانت النار برداً وسلاماً عليه، وقالها المسلمون يوم حمراء الأسد (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ) (آل عمران 174) وقال نبي الله أيوب : (ربِّ إنّي قد مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (ص 41) فكان كشف ضره من تحت قدمه، قيل له(ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) (ص 42) وكان نبي الله موسى ضاوياً خاوي البطن لم يذق طعاماً منذ ثلاث ليال فتوجه إلى ربه بعد أن سقى للفتاتين وقال: (فَقَالَ رَبّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْت إِلَيَّ مِنْ خَيْر فَقِير) (القصص 24)، (فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِــــــــي عَلَى اسْتِحْيَـــــــاء)(القصص 25) .
وكان هذا الزواج الموفق ، ولما قالت له بنو إسرائيل :(إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) (الشعراء 61) فالهلكة محققه قال:(كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الشعراء 62) ما كاد يقولها إلا وأُمر)أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ((الشعراء 63) .
هذا هو فعل الله بأوليائه ، يجبر كسرهم ويرحم ضعفهم ويقيل عثراتهم ، ترك نبي الله إبراهيم هاجر وولده الوحيد إسماعيل بهذا المكان القفر ، ولما تباعد رفع اكف الضراعة يقول (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (إبراهيم:37) صار البيت مهوى الأفئدة ، وأتى الناس من كل أوب سحيق وفج عميق (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ) (الحج: 27 ) .
وهمس نبي الله زكريا فقال (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا)(مريم 5:6 ) ، فرزق يحيى ، ذرية بعضها من بعض .
فهل يتصور طبيب أو أصحاب اللوثة المادية أن يُرزق الإنسان بالولد في مثل هذه الظروف ببركة الدعاء، ونادى يونس - عليه السلام - وهو في ظلمات ثلاث؛ ظلمة البحر والحوت والليل قال(أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الأنبياء : 87) قال سبحانه (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ) (الأنبياء : 88) ولم يكن له خاصة بل كانت للمؤمنين عامة .
فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، فأنتم ترون أنفسكم في فترة عصيبة وفى أزمة عنيفة ومشاكل طاحنة , وإذا كان الأمر كذلك فلا ملجأ ولا منجا من الله إلا إليه ولا عاصم من أمر الله إلا من رحم ، خذ بالأسباب واعقلها وتوكل ، وأحكم السفينة فإن البحر عميق ، واستكثر الزاد فإن السفر طويل , وخفف ظهرك فإن العقبة كئود ، وأخلص العمل فإن الناقد بصير.
تراها مرحلة فارقة وفتنة شديدة , فلا تعص ربك وترجو رحمته ، تعرف على الطريق ، فما عنده سبحانه من نصر وعز وتوفيق وخير وبركة وسعة رزق لا يُنال إلا بطاعتنا له ، فقد كنا أذل قوم فأعزنا الله بهذا الدين ، فمهما نطلب العز في غيره أذلنا الله.
وكان عمر- رضى الله عنه- يقول :"إني لا أعد للحادث الذي يحدث سوى طاعة الله ، هذا هو الذي بلغنا به ما بلغنا".
وأنت تقول: كل خير في أتباع من سلف ، وكل شر في ابتداع من خلف ،
فاتق الله الذي لا بد لك من لقاه ، ولا منتهى لك دونه وهو يملك الدنيا والآخرة ، واتق الله فإنه من اتقاه وقاه ، ومن أٌقرضه جزاه ومن شكره زاده .
إن الدعاء هو سلاح المؤمن ومن أعظم الأسباب التي تخرج بها من أزمتك ، والعمل بطاعة الوقت سبيل النجاة والخروج من الفتن.
لما أُخذت سارة من نبي الله إبراهيم قام يصلى فردت إليه وأخدمها النمروذ هاجر،
فأين من يصوم النهار ويقوم الليل ؟ وأين من يقول" الله ربى والإسلام ديني ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيى"؟ قولوا :" لا اله إلا الله تفلحوا واعبدوا الله ما لكم من اله غيره" .
أين من يتلوا القران ويحافظ على الأذكار ويحرص على تكبيرة الإحرام مع الإمام ؟ أين من يرد الحقوق لأصحابها ويذكر الخلق بتوحيد الله جل وعلا ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويصل الدنيا بالآخرة والأرض بالسماء والعلم بالعمل ؟ ....
أنت بحاجه لاستغفارة أو تسبيحة فقد تكون بها نجاتك غداً وسعادتك اليوم .
قال تعالى (لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ اللّهَ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (النمل 46) "وقال (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ )(الأنعام 43) .
وكان البعض يقول لربما كانت الركعة التي أتناول بها كتابي بيميني غداً لم أركعها بعد ، لربما كانت الكلمة التي تثقل ميزاني غداً لم أقلها بعد ، لربما كان اليوم الذي تكون به نجاتي غداً لم أصمه بعد ، كانت شهوتهم فيما يثقل الميزان ويرضى الرحمن يقال للواحد ما تشتهى، يقول : ليلة شديدة البرد أحيي ما بين طرفيها .
ويقول الثاني :أشتهى صيام الهواجر وقيام ساعات الشتاء الطويلة.
ويقول الثالث : أشتهى مزاحمة العلماء في حلق الذكر.
ويبكى الرابع حال وفاته ويقول :- ما غبرت قدمي في سبيل الله ، وهو الذي عاش مجاهداً .
هكذا حُببت إليهم الطاعات ولم يحقروا من المعروف شيئاً ، قال القرطبي : نزلت بالمهدية ليلاً فلدغني عقرب فتفكرت في نفسي فوجت أنى نسيت أن أقول:أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق. كانوا أصحاب بصيرة نفاذة ، كانوا يستعينون على فتح الحصون بلا حول ولا قوة إلا بالله ويستبشرون ، بمحمد بن واسع إذا رفع أصبعه في الفتح وكان مجاب الدعوة.
فلما ترسخت معاني الإيمان واليقين أكرمهم سبحانه بأنواع الكرامات ، فكانت مريم تأتيها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف وهى المتعبدة ببيت المقدس .
وأخذ "سفينة" مولى النبي- صلى الله عليه وسلم- بأذن الأسد ونحاه عن الطريق.
وكان سعد بن أبى وقاص وسعيد بن زيد وغيرهم كثير من مجابي الدعوة.. .
إن الأخذ بأسباب إجابة الدعوة أيسر بكثير من التذلل للخلق وتعليق القلوب بهم من دون الله ،
قيل لعلى بن أبى طالب :كم ما بين السماء والأرض ؟ قال دعوة مستجابة ، وقال أحدهم :إني لأعلم متى يٌستجاب لي ، قيل له ومتى يستجاب لك ؟ قال : إذا فُتح لي في الدعاء ، قال تعالى
(وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّار عَنِيد) (إبراهيم 15)
وقال الآخر :لا يمنع أحدكم من الدعاء لما يعلمه من نفسه ، فإن الله أجاب دعاء شر الخلق ، أجاب إبليس لما قال (قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ، قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ، إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) [الحجر: 36 - 39].
إن الأبواب ما زالت مفتوحة أمامكم فإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ، وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده , والبدار البدار إلى التوبة عساها ترد النقمة فإن البر لا يبلى والذنب لايُنسى والديان لا ينام ، اعمل ما شئت كما تدين تدان.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تعليق