كتبه/ وائل سرحان
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد خاض السلفيون بداية مطمئنة للعملية السياسية -رغم تحفظي على اعتبار صناديق الاقتراع هي العملية السياسية- بطعم جديد، ونكهة متميزة لم نعهدها مِن قبْل في العملية الانتخابية.
لقد تناثرت على الشفاه السلفية بكثرة كلمات مثل: نخوضها بالإسلام، من أجل الإسلام، ومثل: استعن بالله مع الأخذ بالأسباب، فالفوز منة من الله، خذ بالأسباب ولا تنس مسببها، لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة، اتق الله وغص بصرك، اشتغل بالذكر، أين الاستغفار؟ أعني على نفسك بكثرة السجود، (إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) (يونس:81).
لقد رأيت أصابع السبابة مرفوعة إلى السماء، ومِن خلفها سمعت: اللهم انصر دينك وكتابك، وسنة نبيك، وعبادك الصالحين، اللهم ائذن لشرعك أن يحكم الأرض وأن يسود، وغير ذلك كثير مما سمعته وشاهدته.
ولقد اختفت كلمات مثل: هي دي السياسة، المهم من يفوز في النهاية، هي دي قواعد اللعبة السياسية، وغير ذلك..
وأصبحت الساحة السياسية عند السلفيين مجالاً رحبًا للدعوة إلى الله؛ فهذا يدعو ذاك ألا يخاف من الإسلام، وأن شرع الله مصلحة كله، وأهمية البذل والتضحية من أجل الدين، وأخرى تدعو فتاة للعمل بالشريعة فبها ستكون السعادة، وثالثة تدعو أخرى بقولها: ستكونين بحجابك أجمل، وتذكير بأيام المسلمين الأولى من عز وتمكين لما ساد القرآن وهيمنت السنة، وانتشر هدي السلف الصالحين.
والتزم السلفيون بأخلاقيات الإسلام في معاملاتهم خاصة مع المخالفين لهم، واتقوا الله فيمن لم يتقِ الله فيهم، ولم يعاملوا بمثل ما عوملوا به من سياسات ميكافيلية همها فقط حصد الأصوات دون التزام بالأخلاق الإسلامية أو العهود والمواثيق المبرمة.
وكان تواصي السلفيين فيما بينهم: أن الفوز يكون بتقوى الله، فهو محض منة من الله، والفوز بغير ذلك سراب خادع.
فتجريح في الأشخاص وتشويه للجماعات وتقبيح للفكر، واتهام بالتخلف والرجعية ودعاوى تكفير الآخر، وكل ذلك وغيره.. قابلوه بصدر رحب، وكان كل جهدهم في أن يعلم هؤلاء حقيقة دعوتهم، وأن تتبين لهم الصورة الصحيحة المضيئة للإسلام والشريعة الإسلامية.
وتمزيق للافتات وإشاعات بتنازلات وكذب، وغير ذلك.. قابلوه بالصبر الجميل ملتزمين متواصين بقول الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) (يونس:81).
خاض السلفيون هذه البداية وتميزوا في الحملة الانتخابية، ورغم أن هذه هي البداية إلا أن حملتهم الانتخابية أعجبت وأذهلت من ظن أنه خاض السياسة لعقود، فقد ابتكروا ومارسوها بمهارة، قلدهم فيها غيرهم فعجبوا أنى لهم ذلك، وهذه أول حملة انتخابية يقودها السلفيون؟!
تكلم جمهور السلفيين أثناء حملتهم مع فئات وطبقات المجتمع المختلفة بلطف، وابتسامة ومزحة، وتكلموا مع وسائل الإعلام، بيَّنوا محاسن الإسلام ومزايا التشريع ولم يخجلوا من تمسكهم بالسنة وهدي السلف، لم يتنازلوا بحجة تخطي المرحلة أو عدم مصادمة مشاعر الجمهور أو بحجة خسارة الأصوات، أو بأنه ليس كل ما يعرف يقال، كيف وقد سئلوا فلا بد من البيان، المهم طريقة ووسيلة ذلك البيان؟!
خاض السلفيون سياسة بنكهة الصدق، سياسة جديدة على قواعد اللعبة، رغم أن منافسيهم كانت آثار السياسة القديمة بادية في سلوكهم وحملتهم ودعايتهم، لقد تشربوا قواعد لعبة السياسة القديمة ولم يتخلصوا منها، ووقرت في أذهانهم، فهم لم يعرفوا غيرها، وذهلوا عن الواقع الجديد ومنافس جديد، يحبهم ويعمل من أجل المشروع الإسلامي، وأن الذرائع القديمة لم يعد لها مكان الآن لو كان لها مكان من ذي قبل.
لقد ذابت دعاوى عدم الخبرة السياسية للسلفيين هباءً تذروه الرياح، ويا للعجب أن يخدع سلفيون بهذه الشبهة! والأعجب أن تنطلي هذه الشبهة على أفاضل اشتهروا بين طلبة العم بحرصهم ودفاعهم عن المنهج والعقيدة!
لقد قارن هؤلاء الأفاضل بين الخبرة والديانة، ولم ينتبهوا أن المقارنة الحقيقية هي بين السياسة والعقيدة، أو بين المنهج وزعم المصلحة، أو بين السياسة الشرعية والسياسة الميكافيلية التي أشربها من شارك فيها قديمًا، وأثبت الواقع أنهم لم ينسوها ومارسوها ومازالوا ضد الاتجاهات الإسلامية الأخرى.
فالآن هل سيؤيد هؤلاء السلفيون مَنْ كذب وغش، وخان العهود والمواثيق في سبيل صناديق الاقتراع، وخالف الشرع المحكم بزعم مصلحة المسلمين؟!
وهل هذه هي الخبرة السياسية التي ينشدها هؤلاء السلفيون في الفترة القادمة فلا داعي -بناء على ذلك- من محاولة فرض نوع جديد من السياسة النظيفة الصادقة، والتي تحافظ على المنهج والعقيدة، هذه السياسة التي لا تتلاعب بعقول الجماهير ولا تعرف التلون ولا التنازلات؟!
وهل سيؤيد هؤلاء السلفيون مجددًا من أدمن التنازل عن ثوابت العقيدة، وقدمها قديمًا قربانًا لصناديق الاقتراع عديمة الجدوى، وقدمها لها حديثًا دون ضغط أو مبرر؟! فهل ترشيح الكافر لولاية المسلمين وكذلك المرأة للولاية العامة دون ضرورة تهدد المشروع الإسلامي هي الخبرة السياسية؟!
وهل الخبرة السياسية هي دعم المرشح الذي لا ينتمي للتيار الإسلامي -ولم يعهد عليه الاشتغال بالسياسة من قبل لا فكرًا ولا سلوكًا ولا عملاً- ضد المرشح الذي ينتمي للتيار الإسلامي الذي على الأقل لديه علم بالشرع ويستوي مع الآخر فيما غير ذلك؟! وكل ذلك لمصلحة التحالف الذي تحالفوه مع غير الاتجاهات الإسلامية!
أم هو التنازل المعهود عن الثوابت وتعمد جعل العقيدة مقابل السياسة؟! ناهيك عن المنهج من الأساس، والإصرار على بعض المخالفات التي لم يعد لها مبرر لو كان لها مبرر في السابق.
لقد حافظ السلفيون على المنهج والعقيدة قديمًا في ظل سطوة الباطل، وحافظوا عليه حديثًا في ظل الحرب الإعلامية الشعواء، واتهمهم هؤلاء الذين يزعمون الخبرة السياسية بأنهم ليس لديهم القدرة على التعامل مع وسائل الإعلام، ولا يفهمون قواعد اللعبة السياسية!
لقد هاجت وسائل الإعلام وماجت حول ما تمسك به السلفيون من كفر الكافر، وعدم ولاية المرأة، وحرمة التماثيل، وغير ذلك.. واعتبرها السلفيون فرصة لإظهار ما كاد أن ينطمس من هذه القضايا؛ بسبب الإعلام الفاسد أو أحبار السوء، فلقد كان بعض هذه القضايا من المعلوم من الدين بالضرورة، لكن بسبب الإعلام والضغوط، وتنازلات بعض الإسلاميين؛ أصبحت محل شك لدى عامة الناس أو عامة المثقفين!
لقد اهتبل السلفيون الفرصة لإظهارها من جديد مع علمهم التام بالفخ المنصوب إليهم، لكنها الموازنة المنضبطة بين العقيدة والسياسة، بين المنهج وقواعد اللعبة، إنه فهم المنهج والثبات عليه، وفقه الواقع والتعامل معه.
وأنا أسأل من فضَّل الخبرة المزعومة على المنهج والعقيدة: ألم يكن على قوائم أصحاب هذه الخبرة المدعاة مَن لا يحق له الولاية إجماعًا، ولا بد أن يظهر كفره وألا يضحى بعقيدة الولاء مِن أجله؟!
وهذا الثبات على المنهج والعقيدة الذي حدثتك عنه آنفًا موجود أفقيًا ورأسيًا عند السلفيين، إنه موجود في العمق، ولدى الجيل الصغير منهم، لقد ناقشني من أسبوع واحد أحد الطلبة الصغار -صغير السن- لا يزال في مرحلة الثانوية العامة، ناقشني في نشيد حزب النور، ولما بدأ سؤاله توقعت أنه سيسألني عن حل وحرمة الأناشيد أو الأغاني، لكنه فاجأني بسؤاله: ألا تتعارض بعض العبارات التي وردت في النشيد مع عقيدة الولاء والبراء؟! قال: إنه تغليب للوطنية على الأخوة الإيمانية، وبادرني: هل هذا من السياسة الشرعية أم من التنازلات السياسية؟!
عندها حمدت الله -تعالى-؛ ففهم المنهج والثبات عليه راسخ لدى فتيان الدعوة السلفية، إنه الجيل الجديد الذي سوف يتناول السياسة، لكن بمفهوم السلفيين لها، أعني بالمفهوم الإسلامي لها، لا بمفهوم أصحاب الخبرة بالسياسة الميكافيلية.
لقد حقق السلفيون نجاحًا مطمئنًا في المرحلة الأولى من الانتخابات رغم أنها البداية، ورغم أنها بداية في ظروف حرجة غير عادية، ولا أعني بهذا النجاح نجاح صناديق الاقتراع فقط، إنما أعني قدرتهم على خوض هذه العملية السياسية لأول مرة باقتدار ونزاهة وأخلاق إسلامية، وبحفاظ على العقيدة والمنهج والثوابت الإسلامية.
لقد حققوا نسبة مُرضية لهم رغم حملات التشويه المسعورة من الآلة الإعلامية الضخمة المغرضة، ومِن أبناء الصف الإسلامي، بل من بعض أبناء الصف السلفي، بل ومن شيوخه -والوقائع موثقة أكثر من أن تذكر هنا-! لكنه فضل الله ومنَّته.
فهل يفتقد السلفيون الخبرة السياسية؟!
وهل سيؤيد بعض الأفاضل أصحاب الخبرة السياسية المزعومة؟!
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد خاض السلفيون بداية مطمئنة للعملية السياسية -رغم تحفظي على اعتبار صناديق الاقتراع هي العملية السياسية- بطعم جديد، ونكهة متميزة لم نعهدها مِن قبْل في العملية الانتخابية.
لقد تناثرت على الشفاه السلفية بكثرة كلمات مثل: نخوضها بالإسلام، من أجل الإسلام، ومثل: استعن بالله مع الأخذ بالأسباب، فالفوز منة من الله، خذ بالأسباب ولا تنس مسببها، لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة، اتق الله وغص بصرك، اشتغل بالذكر، أين الاستغفار؟ أعني على نفسك بكثرة السجود، (إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) (يونس:81).
لقد رأيت أصابع السبابة مرفوعة إلى السماء، ومِن خلفها سمعت: اللهم انصر دينك وكتابك، وسنة نبيك، وعبادك الصالحين، اللهم ائذن لشرعك أن يحكم الأرض وأن يسود، وغير ذلك كثير مما سمعته وشاهدته.
ولقد اختفت كلمات مثل: هي دي السياسة، المهم من يفوز في النهاية، هي دي قواعد اللعبة السياسية، وغير ذلك..
وأصبحت الساحة السياسية عند السلفيين مجالاً رحبًا للدعوة إلى الله؛ فهذا يدعو ذاك ألا يخاف من الإسلام، وأن شرع الله مصلحة كله، وأهمية البذل والتضحية من أجل الدين، وأخرى تدعو فتاة للعمل بالشريعة فبها ستكون السعادة، وثالثة تدعو أخرى بقولها: ستكونين بحجابك أجمل، وتذكير بأيام المسلمين الأولى من عز وتمكين لما ساد القرآن وهيمنت السنة، وانتشر هدي السلف الصالحين.
والتزم السلفيون بأخلاقيات الإسلام في معاملاتهم خاصة مع المخالفين لهم، واتقوا الله فيمن لم يتقِ الله فيهم، ولم يعاملوا بمثل ما عوملوا به من سياسات ميكافيلية همها فقط حصد الأصوات دون التزام بالأخلاق الإسلامية أو العهود والمواثيق المبرمة.
وكان تواصي السلفيين فيما بينهم: أن الفوز يكون بتقوى الله، فهو محض منة من الله، والفوز بغير ذلك سراب خادع.
فتجريح في الأشخاص وتشويه للجماعات وتقبيح للفكر، واتهام بالتخلف والرجعية ودعاوى تكفير الآخر، وكل ذلك وغيره.. قابلوه بصدر رحب، وكان كل جهدهم في أن يعلم هؤلاء حقيقة دعوتهم، وأن تتبين لهم الصورة الصحيحة المضيئة للإسلام والشريعة الإسلامية.
وتمزيق للافتات وإشاعات بتنازلات وكذب، وغير ذلك.. قابلوه بالصبر الجميل ملتزمين متواصين بقول الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) (يونس:81).
خاض السلفيون هذه البداية وتميزوا في الحملة الانتخابية، ورغم أن هذه هي البداية إلا أن حملتهم الانتخابية أعجبت وأذهلت من ظن أنه خاض السياسة لعقود، فقد ابتكروا ومارسوها بمهارة، قلدهم فيها غيرهم فعجبوا أنى لهم ذلك، وهذه أول حملة انتخابية يقودها السلفيون؟!
تكلم جمهور السلفيين أثناء حملتهم مع فئات وطبقات المجتمع المختلفة بلطف، وابتسامة ومزحة، وتكلموا مع وسائل الإعلام، بيَّنوا محاسن الإسلام ومزايا التشريع ولم يخجلوا من تمسكهم بالسنة وهدي السلف، لم يتنازلوا بحجة تخطي المرحلة أو عدم مصادمة مشاعر الجمهور أو بحجة خسارة الأصوات، أو بأنه ليس كل ما يعرف يقال، كيف وقد سئلوا فلا بد من البيان، المهم طريقة ووسيلة ذلك البيان؟!
خاض السلفيون سياسة بنكهة الصدق، سياسة جديدة على قواعد اللعبة، رغم أن منافسيهم كانت آثار السياسة القديمة بادية في سلوكهم وحملتهم ودعايتهم، لقد تشربوا قواعد لعبة السياسة القديمة ولم يتخلصوا منها، ووقرت في أذهانهم، فهم لم يعرفوا غيرها، وذهلوا عن الواقع الجديد ومنافس جديد، يحبهم ويعمل من أجل المشروع الإسلامي، وأن الذرائع القديمة لم يعد لها مكان الآن لو كان لها مكان من ذي قبل.
لقد ذابت دعاوى عدم الخبرة السياسية للسلفيين هباءً تذروه الرياح، ويا للعجب أن يخدع سلفيون بهذه الشبهة! والأعجب أن تنطلي هذه الشبهة على أفاضل اشتهروا بين طلبة العم بحرصهم ودفاعهم عن المنهج والعقيدة!
لقد قارن هؤلاء الأفاضل بين الخبرة والديانة، ولم ينتبهوا أن المقارنة الحقيقية هي بين السياسة والعقيدة، أو بين المنهج وزعم المصلحة، أو بين السياسة الشرعية والسياسة الميكافيلية التي أشربها من شارك فيها قديمًا، وأثبت الواقع أنهم لم ينسوها ومارسوها ومازالوا ضد الاتجاهات الإسلامية الأخرى.
فالآن هل سيؤيد هؤلاء السلفيون مَنْ كذب وغش، وخان العهود والمواثيق في سبيل صناديق الاقتراع، وخالف الشرع المحكم بزعم مصلحة المسلمين؟!
وهل هذه هي الخبرة السياسية التي ينشدها هؤلاء السلفيون في الفترة القادمة فلا داعي -بناء على ذلك- من محاولة فرض نوع جديد من السياسة النظيفة الصادقة، والتي تحافظ على المنهج والعقيدة، هذه السياسة التي لا تتلاعب بعقول الجماهير ولا تعرف التلون ولا التنازلات؟!
وهل سيؤيد هؤلاء السلفيون مجددًا من أدمن التنازل عن ثوابت العقيدة، وقدمها قديمًا قربانًا لصناديق الاقتراع عديمة الجدوى، وقدمها لها حديثًا دون ضغط أو مبرر؟! فهل ترشيح الكافر لولاية المسلمين وكذلك المرأة للولاية العامة دون ضرورة تهدد المشروع الإسلامي هي الخبرة السياسية؟!
وهل الخبرة السياسية هي دعم المرشح الذي لا ينتمي للتيار الإسلامي -ولم يعهد عليه الاشتغال بالسياسة من قبل لا فكرًا ولا سلوكًا ولا عملاً- ضد المرشح الذي ينتمي للتيار الإسلامي الذي على الأقل لديه علم بالشرع ويستوي مع الآخر فيما غير ذلك؟! وكل ذلك لمصلحة التحالف الذي تحالفوه مع غير الاتجاهات الإسلامية!
أم هو التنازل المعهود عن الثوابت وتعمد جعل العقيدة مقابل السياسة؟! ناهيك عن المنهج من الأساس، والإصرار على بعض المخالفات التي لم يعد لها مبرر لو كان لها مبرر في السابق.
لقد حافظ السلفيون على المنهج والعقيدة قديمًا في ظل سطوة الباطل، وحافظوا عليه حديثًا في ظل الحرب الإعلامية الشعواء، واتهمهم هؤلاء الذين يزعمون الخبرة السياسية بأنهم ليس لديهم القدرة على التعامل مع وسائل الإعلام، ولا يفهمون قواعد اللعبة السياسية!
لقد هاجت وسائل الإعلام وماجت حول ما تمسك به السلفيون من كفر الكافر، وعدم ولاية المرأة، وحرمة التماثيل، وغير ذلك.. واعتبرها السلفيون فرصة لإظهار ما كاد أن ينطمس من هذه القضايا؛ بسبب الإعلام الفاسد أو أحبار السوء، فلقد كان بعض هذه القضايا من المعلوم من الدين بالضرورة، لكن بسبب الإعلام والضغوط، وتنازلات بعض الإسلاميين؛ أصبحت محل شك لدى عامة الناس أو عامة المثقفين!
لقد اهتبل السلفيون الفرصة لإظهارها من جديد مع علمهم التام بالفخ المنصوب إليهم، لكنها الموازنة المنضبطة بين العقيدة والسياسة، بين المنهج وقواعد اللعبة، إنه فهم المنهج والثبات عليه، وفقه الواقع والتعامل معه.
وأنا أسأل من فضَّل الخبرة المزعومة على المنهج والعقيدة: ألم يكن على قوائم أصحاب هذه الخبرة المدعاة مَن لا يحق له الولاية إجماعًا، ولا بد أن يظهر كفره وألا يضحى بعقيدة الولاء مِن أجله؟!
وهذا الثبات على المنهج والعقيدة الذي حدثتك عنه آنفًا موجود أفقيًا ورأسيًا عند السلفيين، إنه موجود في العمق، ولدى الجيل الصغير منهم، لقد ناقشني من أسبوع واحد أحد الطلبة الصغار -صغير السن- لا يزال في مرحلة الثانوية العامة، ناقشني في نشيد حزب النور، ولما بدأ سؤاله توقعت أنه سيسألني عن حل وحرمة الأناشيد أو الأغاني، لكنه فاجأني بسؤاله: ألا تتعارض بعض العبارات التي وردت في النشيد مع عقيدة الولاء والبراء؟! قال: إنه تغليب للوطنية على الأخوة الإيمانية، وبادرني: هل هذا من السياسة الشرعية أم من التنازلات السياسية؟!
عندها حمدت الله -تعالى-؛ ففهم المنهج والثبات عليه راسخ لدى فتيان الدعوة السلفية، إنه الجيل الجديد الذي سوف يتناول السياسة، لكن بمفهوم السلفيين لها، أعني بالمفهوم الإسلامي لها، لا بمفهوم أصحاب الخبرة بالسياسة الميكافيلية.
لقد حقق السلفيون نجاحًا مطمئنًا في المرحلة الأولى من الانتخابات رغم أنها البداية، ورغم أنها بداية في ظروف حرجة غير عادية، ولا أعني بهذا النجاح نجاح صناديق الاقتراع فقط، إنما أعني قدرتهم على خوض هذه العملية السياسية لأول مرة باقتدار ونزاهة وأخلاق إسلامية، وبحفاظ على العقيدة والمنهج والثوابت الإسلامية.
لقد حققوا نسبة مُرضية لهم رغم حملات التشويه المسعورة من الآلة الإعلامية الضخمة المغرضة، ومِن أبناء الصف الإسلامي، بل من بعض أبناء الصف السلفي، بل ومن شيوخه -والوقائع موثقة أكثر من أن تذكر هنا-! لكنه فضل الله ومنَّته.
فهل يفتقد السلفيون الخبرة السياسية؟!
وهل سيؤيد بعض الأفاضل أصحاب الخبرة السياسية المزعومة؟!
تعليق