طرق الوصول إلى الله متعددة والشاب الذي يبحث عن رضا الله تبارك وتعالى، على أن ينتبه إلى الطرق السريعة التي توصل إلى الله عز وجل سريعًا، وفي هذا المقال نوضح أهم هذه الطرق، لكي ينال الشاب محبة الله تبارك وتعالى.
الطريق الأول: صلاة الجماعة:
(صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) [رواه البخاري].
صلاة الجماعة مع عباد الله المؤمنين في بيت الرحمن، شعار المؤمنين الصادقين، فهناك يتنزل على القلوب نور السعادة والسكينة والطمأنينة، فإنه لما ذكر عز وجل أنه نور السماوات والأرض، أرشد بعدها عباده إلى البقعة التي يتركز فيها ذلك النور، فذكر أنه إنما يتنزل{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور: ٣٦ - ٣٨].
وتأمل في تلك الثمرات الزكية التي يجنيها من حافظ على صلاة الجماعة حينما يدمن السير إلى بيوت الله، ينبيك عن بعضها نبينا صلى الله عليه وسلم فيقول: (بشِّر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) [حديث صحيح] فكما آثروا الله على هوى أنفسهم، واستيقظوا من لذيذ المنام يلبون: "حي على الصلاة حي الفلاح"، في صلاة الفجر، يمشون إليها في جنح الظلام، جعل عز وجل جزاءهم من جنس أعمالهم، فجعل لهم نورًا تامًّا يوم القيامة، ينير لهم ظلمة الصـراط، ليعبروا عليه في سلام إلى دار السلام.
وما ظنك بزائر لمزور كريم مفضال، منعم منان، أفلا يكرم ذلك الزائر، ويحسن ضيافته؟ فالساعي إلى بيت الله عز وجل زائر لله في بيته، كما أنبأ النبي صلى الله عليه وسلم فقال (من توضأ في بيته فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد فهو زائر الله، وحق على المزور أن يكرم الزائر) [حسنه الألباني].
الواجب العملي:
1. حتى تقوم إلى الصلاة في أول وقتها؛ قم بضبط منبه الساعة على مواقيت الصلاة، أو اتفق مع أحد أصدقائك أن تُذكِّرا بعضكما البعض بأوقات الصلاة، ولا سيما صلاة الفجر.
2. قم بإعداد جدول تتابع فيه أداءك للصلاة، بمعنى إن قمت بالصلاة جماعة في المسجد؛ فضع علامة (صح)، إما إن فرطت في هذا الأجر الوفير ففاتتك صلاة الجماعة؛ فضع علامة (خطأ)، وفي نهاية كل أسبوع راجع هذا الجدول وحاسب نفسك، واقطع العهد مع الله أن يمتليء جدول الأسبوع القادم من علامات (صح).
3. اجعل لنفسك رفقة صالحة من أصدقائك وجيرانك تعينك على صلاة الجماعة.
الطريق الثاني: عبادة التفكر:
قال ابن عون: سُئلت أم الدرداء: (ما كان أفضل عبادة أبي الدرداء؟)، قالت: (التفكر والاعتبار) [صفة الصفوة، ابن الجوزي، (1/628)].
فوائد جمة لعبادة التفكر:
للتفكر في آلاء الله تعالى فوائد جمة لا تعد ولا تحصى، يقول جل في علاه واصفًا الذين يتفكرون في خلقه: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: ١٩١]، فتكون نتيجة التفكر أن يزرع اليقين في قلوبهم اليقين بعظمة الله، والخشية من هذا الرب الجليل سبحانه، فتنطق ألسنتهم بالدعاء: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران: ١٩١- ١٩٤]، ثم تكون الإجابة من الرب المنعم الكريم: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران: ١٩٥]، فهل أعظم من ذلك سعادة ونجاحًا؟! تَفكُّر يورث في القلب تعظيم الله وخشيته، وصدق الدعاء له سبحانه، وكريم العطايا والإجابة منه.
مجالات التفكر:
فمن رحمة الله وفضله ومنته علينا أن جعل لنا مجالاتٍ عديدة للتفكر، ومواطن كثيرة للتدبر، ومنها:
1. التفكر في آلاء الله لا في ذاته: وذاك مصداقًا لوصية النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (تفكروا في آلاء الله، ولا تفكروا في الله عز وجل) [حديث صحيح].
2. التفكر في آيات القرآن العظيم: قال سبحانه: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: 82].
3. التفكر في آيات الله في النفس والكون: فقد جعل الله من هذا الكون الفسيح كتابًا مفتوحًا، يورث التفكر فيه اليقين بعظمة الخالق، ويوثِّق الصلة بالله سبحانه وتعالى، ومن كان مع الله؛ فلا يضره من أمر الدنيا شيء.
وقال تعالى:{ وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: ٢٠ - ٢١]، فما أكثر ما أودع الله تعالى في نفس الإنسان من الآيات والمعجزات، التي يزداد قلب المؤمن بالتفكر فيها يقينًا ومحبة، وقربًا من خالقه.
يقول أهل العلم: إن الإهتزاز الذي يحدثه الصوت في الهواء ينتقل إلى الأذن التي تُنظِّم دخوله ليقرع طبلة الأذن، ثم ينتقل داخل منظومة معقدة من الأقنية والأنابيب، بعضها لولبي وبعضها نصف مستدير، وفي الأقنية اللولبية وحدها أربعة آلاف قوسٍ صغيرٍ متصلة بعصب السمع في المخ.
وتصور أخي الشاب، أن في الأذن وحدها مائة ألف خلية سمعية، تتصل بالأعصاب السمعية، التي تنتهي بأهداب دقيقة، دقة تجعل الألباب في حيرتها تتردد، فكيف رُكبِّت هذه الأقواس التي تعد بالآلاف؟ وكيف ينتظم كل هذا النظام المعقد في سنتيمترات قليلة في هذه الأذن الصغيرة؟!
الواجب العملي:
1. اجعل لنفسك ساعة كل أسبوع لتتفكر في خلق الله، كأن تخرج في رحلة خلوية تجعل فيها وقتًا للتدبر والتفكر.
2. اقرأ كتاب: العظمة في كل مكان، للدكتور هارون يحيى، لتتعرف على بعض آيات الله تعالى في الكون.
3. احرص على التدبر والتفكر أثناء تلاوتك لوردك اليومي من كتاب الله تعالى.
الطريق الثالث: حسن الخلق:
{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: ٤]، كلمةُ مدحٍ امتدح الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، وجعلها علامة عليه؛ فالمرء إن بحث عن مكارم الأخلاق فلن يجد خيرًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولولا أنه كان يتمتع بهذا الخلق الرباني البديع؛ ما استطاع أن يستميل إليه قلوب الناس حوله، فأحبوه حبًّا لم ير مثله في التاريخ، وإني لا أجد أصدق من تعبير القرآن حين يقول المولى عز وجل: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: ١٥٩].
حسن الخلق طريق للسعادة:
وحسن الخلق والإحسان إلى الناس من أهم وسائل السعادة والهناء، فكما يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: (ومن الأسباب التي تزيل الهم والغم والقلق، الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل، وأنواع المعروف، وكلها خير وإحسان، وبها يدفع الله عن البر والفاجر الهموم والغموم بحسبها، ولكن للمؤمن منها أكمل الحظ والنصيب، ويتميز بأن إحسانه صادر عن إخلاص واحتساب لثوابــه) [الوسائل المفيدة للحياة السعيدة، السعدي، ص(9)].
اجعل ميزان حسناتك ثقيلًا:
حسن الخلق أعظم ما يُثقِّل موازين الحسنات، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من شيءٍ أثقل في الميزان من حسن الخلق) [حديث صحيح] ولا يخفى كم من الحب الذي يعمر قلوب الناس تجاه هذا الإنسان صاحب الأخلاق العالية.
مظاهر حسن الخلق:
ومظاهر حسن الخلق متعددة، وصوره كثيرة، تطالعنا بها آياتٌ كريمة، وأحاديثٌ عظيمة؛ فمنها صفاء القلب والسلامة من الغل والحسد، ومنها الإخلاص والصدق والأمانة والوفاء والإحسان والعفو، ومنها البسمة في وجوه الآخرين، والمسلم عليه أن يعلم أن اكتساب الأخلاق الرفيعة أصعب من المواظبة على العبادات؛ لأن فيها مجاهدة للنفس كبيرة، وصبر على أذى الناس، ومقابلة السيئة بالإحسان، ولا يخفى كم يحتاج ذلك من مجاهدة وتزكية.
الواجب العملي:
1. أَظهِر الإحسان للخَلْق ما استطعت، وإن قوبلت بالإساءة، فإن فعلت فقد ملكت قلوبهم.
2. اكتب أهم الأخلاق القلبية واجعلها في لوحة في منزلك كي يتذكرها الجميع.
3. الكلام هو أكثر المواقف التي يظهر فيها حسن الخلق من عدمه؛ فأعر كلماتك أهمية، وانتقيها كما تنتقي أطايب الثمر.
3. اقرأ سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، واجعل تأسيك به دافعًا لك على التحلي بمكارم أخلاقه.
4. تذكر قول الغزالي رحمه الله (لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات، ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حسنوا أخلاقكم)، وكيف ينكر هذا في حق الآدمي وتغيير خلق البهيمة ممكن، إذ ينقل الصقر من الاستيحاش إلى الأنس، والكلب من شره الأكل إلى التأدب والإمساك، والفرس من الجماح إلى سلاسة الانقياد، وكل ذلك تغيير للأخلاق) [إحياء علوم الدين، الإمام الغزالي].
للأمانة الوعظية (^_^) هو منقول والكاتب هو محمد عبد الرازق
للأمانة الوعظية (^_^) هو منقول والكاتب هو محمد عبد الرازق
تعليق