إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مصر ثورة مضادة لإبعاد الجيش وعزل الإسلاميين...

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مصر ثورة مضادة لإبعاد الجيش وعزل الإسلاميين...


    تعيش مصر معركة من نوع خاص؛ حيث ترفض أقلية كارهة للإسلام بناء النظام السياسي الجديد عبر الصندوق الانتخابي والاحتكام لرأي الشعب، وتسعى قوى علمانية وطائفية وليبرالية لتشكيل سلطة جديدة بعيداً عن الجيش وبعيداً عن أغلبية الشعب المصري، وتقوم هذه القوى المناوئة المدعومة بالإعلام والمال بمحاولات لفرض أجندة تغريبية قائمة على تغيير هوية مصر الإسلامية، وحذف المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.
    يعرف قادة ورموز اللوبي العَلماني الطائفي أن معركتهم لن تؤتي أُكُلَها إذا سارت الأمور بشكل طبيعي؛ كما جاءت في الخطوات التي وضعها المجلس العسكري الحاكم، والتي أقرها الشعب المصري في الاستفتاء على التعديلات الدستورية في 19 مارس الماضي، ولكن ما تهدف إليه الحملة الضارية التي يشنها اللوبي العَلماني الطائفي، هي خضوع الجيش للابتزاز والضغوط لتأجيل الانتخابات، ثم إبعاد الجيش من السلطة وتشكيل مجلس رئاسي مدني، يستطيعون من خلاله القفز على السلطة والاستعانة بقوى خارجية لثبيت الوضع لصالحهم، ولصالح هذه القوى الخارجية.
    يرفع اللوبي العَلماني شعار «الدستور أولاً» (أي: قبل الانتخابات البرلمانية)، كما يرفعون شعار «الدولة المدنية» ضد ما يسمونه «الدولة الدينية» ويساندهم الإعلام الذي تربَّى في عهد مبارك على ما يسمى محاربة «الإرهاب» وتنضم إليهم الأحزاب العَلمانية. كل هؤلاء يجمعهم خوف مفتعَل من سيطرة الإسلاميين على البرلمان القادم.



    والغريب أن هذه القوى التي تدَّعي الليبرالية هي التي تقف اليوم ضد «الديمقراطية» وترفض الانتخابات، وتريد إطالة أمد الفترة المؤقتة وتمديد زمن الفراغ السياسي الذي تعيشه مصر وهو الذي أدى إلى شيوع كثير من ظواهر الفوضى في مجالات شتى.



    وأكثر من هذا فإن هذه القوى التي تدَّعي الليبرالية لا تريد مشاركة الشعب في تشكيل النظام السياسي الجديد، ولا تريد احترام إرادة الشعب الذي اختار 78% منه إجراء الانتخابات البرلمانية أولاً، وأن يقوم مَنْ انتخبهم الشعب باختيار لجنة تأسيسية لوضع الدستور الذي يعبِّر عن أغلبية الشعب المصري المسلم، وتصرُّ هذه القوى المناوئة على إهدار نتائج الاستفتاء الشعبي وأن تقوم مجموعة مختارة من الكارهين للإسلام بوضع دستور لمصر «مدنية» لا «دينية» حسب توهمهم.



    إن المتابع للشأن المصري لا يمكن أن يصف الوضع الجاري إلا بأنه محاولة للانقلاب على 25 يناير وتفكيك الإجماع الذي بسببه نجحت الثورة، ويريد هؤلاء الانقلابيون إعادة الوضع على الساحة المصرية إلى المربع الأول قبل الثورة؛ حيث يتعارك المصريون، ويعادي بعضهم بعضاً، وتعود قوى سياسية وشخصيات متأمركة معروفة بميولها المتغربة والممولة من الخارج بافتعال معارك مع الإسلاميين لخدمة الحلف (الأمريكي الصهيوني): تارة باسم الإرهاب كما في التسعينيات من القرن الماضي، وتارة ضد الإخوان في العقد الماضي، والآن تشن الحرب على السلفيين. وما هي إلا مسميات لكن الهدف الذي يريدون القضاء عليه هو الإسلام.



    وكما نعلم فإن الرئيس المخلوع حاول أن يُنسي المصريين أن «إسرائيل» هي العدو وأشعل حسني مبارك الصراعات بين النخبة التي صنعها وبين الإسلام، وزَرَع الفتن الطائفية لإشغال الشعب المصري عن معارضة حكمه، وانتهت هذه اللعبة في الثورة عندما تناسى المصريون هذه الصراعات التي كان الإسلاميون هم ضحاياها في كل الأحوال، وبسبب هذا التوافق والتعالي على الخلافات والحد منها: حققت الثورة أهدافها، لكن يبدو أن النخبة التي ترعرت في ظل مبارك هي هي التي تفتعل المعارك الجديدة للالتفاف على الثورة.



    لقد استطاع اللوبي العَلماني الطائفي - بسبب سيطرته على الإعلام - إحداث حالة من البلبلة التي توحي أن البلاد مقبلة على الفوضى؛ خاصة تهديداتهم المستمرة بأنهم لن يسمحوا بالانتخابات إلا بعد صدور دستور جديد علماني، لكن في إطار هذه المعركة خسروا الشارع المصري ولم يفلحوا في كسب عقول المصريين. فالهجوم على نتائج الاستفتاء الشعبي الذي يعد الأول في مصر من حيث المشاركةُ والوعيُ أظهر هذه النخبة معادية للشعب، والأكثر من ذلك فإن الهجوم العلماني ضد الجيش والإسلاميين اتسع ليشمل الشعب المصري الذي اتهموه بأنه ساذج وتارة أخرى بأنه لا يفهم.



    ولا يستحي اللوبي العَلماني الطائفي من القول بأن سبب رفضه إجراء الانتخابات أن الشعب سيختار الإسلاميين. وهذا يجعلهم يرفضون الانتخابات في كل الأحوال، حتى لو دخلت البلاد في الفوضى، بل إن أحد زعمائهم (محمد حسنين هيكل) طالبَ المشير حسين طنطاوي بالبقاء رئيساً لمصر. وللعلم فإن تبرير رفض الانتخابات بالإسلاميين سيفوزون بها هو التبرير نفسه الذي كان يردده الرئيس المخلوع وابنه جمال، والذي بسببه كانت الدولة تقوم بتزوير الانتخابات.



    إن الذين يتهمون الشعب بالسذاجة وعدم النضج يمارسون الديكتاتورية في أوضح صورها، وهؤلاء الذين يشككون في قدرة الشعب المصري على الاختيار إنما هم مجموعة من المستبدين الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على الشعب. فالشعب المصري هو الذي ثار في 25 يناير، وهو الذي قدم الشهداء في ميدان التحرير وفي الإسكندرية والسويس والمنصورة والإسماعيلية ومحافظات مصرية الأخرى، والشعب المصري هو الذي كان يبيت في الميادين حتى رحل الطاغية، وهو أكثر نضجاً من هؤلاء الذين يريدون تخريب الثورة وإشعال النيران لحرق كل شيء جميل في مصر.



    والسؤال الذي تفرضه هذه الهجمة العَلمانية: هل من الممكن أن تتغير هوية مصر؟ وهل يستطيع هؤلاء الانقلابيون أن ينجحوا في تحقيق أهدافهم؟

    يمكن القول: إن هذا الهجوم العلماني يسير عكس عجلة التاريخ، ولن يؤدي لوقف مسار التغيير الذي بدأ بالثورة؛ وذلك للأسباب التالية:
    الجيش أعلن تمسكه بالهوية الإسلامية لمصر منذ اليوم الأول؛ عندما اختار المفكر الاسلامي الشهير المستشار طارق البشري رئيساً للجنة التعديلات الدستورية، واختار معه صبحي صالح وهو محامٍ ينتمي للإخوان في اللجنة؛ وذلك لطمئنة الأغلبية المسلمة من الشعب المصري 95% بأن الهوية الإسلامية للدولة أمر لا نقاش حوله. بل أكد المجلس العسكري في ما بعد أن الهوية الإسلامية والمادة الثانية المتعلقة بالشريعة فوق دستورية. كما نص الإعلان الدستوري الذي أعلنه الجيش على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع وأبقى على المادة التي يفتعل العلمانيون والنصارى حولها الجدل.



    الشعب المصري لن يتخلى عن إسلامه، ولن تفلح الحملات الإعلامية في تخويف المصريين من الدين، وخير مثال على ذلك ما حدث في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، فلم يستجب المصريون للتحريض الذي شنه اللوبي العلماني الطائفي، وفشل البث الفضائي والإعلام المقروء في حشد الشعب المصري لرفض التعديلات الدستورية، وكانت النتيجة بالموافقة صادمة لهذا اللوبي المحارب لدين الأمة. ومن هنا، فإن أي دستور يحتاج إلى موافقة الشعب لإقراره، وبالتأكيد أي محاولة لصياغة دستور يجرد مصر من إسلامها فلن يقبله الشعب وسيكون مصيره الفشل.
    الهجوم على الإسلاميين لإقصائهم، وعلى الجيش لإبعاده عن السلطة: سيجعل تحالف الاثنين معاً هو الخيار المتاح والأقرب للتحقق. فالجيش القابض على السلطة لكونه المؤسسة الوحيدة المتماسكة الباقية بعد انهيار النظام، يحتاج إلى ظهير شعبي يسانده لفرض الاستقرار، والإسلاميون هم القوة الشعبية الكبرى في المجتمع. وفي المقابل فإن الحرب الشرسة ضد الإسلاميين والمؤسسة العسكرية أسقطت كل رموز الحلف العلماني الطائفي على المستوي الشعبي وأحرقت كل تكويناته وشخصياته. وسقطت أحزاب قبل تأسيسها بشكل رسمي مثل حزب (المصريون الأحرار) الذي أسسه رجل الأعمال المسيحي نجيب ساويرس، وهو ما اضطره لنشر إعلانات في الصحف يؤكد فيها أنه ليس ضد الشريعة، وأن أغلبية أعضائه مسلمون.



    الانقلابيون ليس لديهم امتدادات شعبية مؤثرة ويعتمدون في مجملهم على قوتهم الإعلامية وبعض فلول النظام السابق الذين لهم مواقف عدائية من الإسلام، ويستعينون بالدعم المالي الأمريكي والغربي، وبعض الشخصيات التي أرسلتها الولايات المتحدة وهبطت على الثورة بـ «الباراشوت»، بالإضافة إلى الكنيسة الأرثوذكسية التي تضغط بكل قوتها لـ «تفشيل» المجلس العسكري لاستدعاء الخارج ظناً منها أنه يحقق لها مصالحها. والحقيقة أن كل هؤلاء المتحالفين لا يستطيعون التأثير على أغلبية الشعب المصري (المسلم). وفي أي مواجهة حقيقية عبر صندوق الانتخابات سيندحر الانقلابيون ولن يكسبوا شيئاً.
    لا يمكن النظر إلى ما يحدث في مصر على أنه شأن داخلي؛ فأمريكا تدير المعركة داخل مصر منذ اليوم الأول للثورة، وهناك غرفة عمليات تتابع بشكل يومي ما يحدث وتدير الصراع لاحتواء الثورة وتسعى لإعادة الإمساك بزمام الأمور في أكبر بلد عربي. فمصر ليست مجرد دولة عادية؛ وإنما هي دولة محورية يترتب على تغيير نظام الحكم فيها انقلابات إستراتيجية بالمنطقة كلها.
    إن تشكيل نظام حكم مستقل عن الغرب في مصر سينهي الهيمنة الغربية على المنطقة، وسيفرض أوضاعاً جديدة في العقد الجاري الذي يشهد تحولات كبرى. والمتابع للتحرك الأمريكي تجاه مصر يلحظ التدفق المالي باسم دعم الديمقراطية لتمويل صحف وفضائيات، ولتأسيس أحزاب وائتلافات وجمعيات ومنتديات؛ تبدو من بعيد أنها مدارس مختلفة، لكن مع قليل من التركيز نراها تتجمع وتصطف في جبهة واحدة، تضرب في اتجاه محدد وهو منع الشعب من ممارسة حقه في اختيار حكومته وتأسيس نظام حكم مستقل عبر الصندوق الانتخابي، والضغط على الجيش ليبتعد عن السلطة وتسليمها للعلمانيين.



    إن هذا لا يعني عدم وجود بعض المخلصين يسيرون مع الحلف العَلماني الطائفي متأثرين بآلة الإعلام الضخمة والطَّرْق المتواصل على الآذان، لكن مع الوقت تتكشف الحقائق ويحدث التمايز.

    وفي النهاية ستسفر المعركة عن بروز تيارين واضحين:
    الأول: تيار وطني إسلامي، يتكون من الجيش والإسلاميين وقوى وطنية رافضة للهيمنة الغربية.
    والثاني: تيار موالٍ للغرب يضم الكارهين للإسلام وأقليات طائفية متعصبة.
    وسينتصر التيار الأول - بإذن الله - وسيتلاشى التيار الثاني ويدخل الجحور.

يعمل...
X