الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد:
فقد تباينت آراء المحللين السياسيين في داخل مصر وخارجها في تقويم التظاهرات التي جرت أمام سفارة العدو الصهيوني في القاهرة، واختلفت التوجُّهات في تفسير ما جرى ودوافعه والجهة التي تقف خلفه، وبغضِّ النظر عن كل ما قيل، فإن ما حدث يحمل دلالات في غاية الأهمية، من أبرزها:
أولاً: أكدتْ هذه الأحداث القطعية الواضحة بين السياسات الحكومية العربية وتطلعات الشعوب؛ فالحكومات تتحدث عن الصلح وسلام الشجعان والشرق الأوسط الجديد والكبير، بينما الشارع العربي كله لا يزال يرفض الصلح مع الصهاينة، ويرفض مشاريع التطبيع والتواصل الثقافي، باستثناء قلة قليلة شاذة من السياسيين والإعلاميين والمثقفين المهرولين نحو تل أبيب، دون حياء أو اعتبار للرأي العام.
ثانياً:دولة العدو الصهيوني كانت مولوداً نشازاً، ولا زالت - على الرغم من مرور حوالي ستة عقود على تأسيسها - مرفوضة من البيئة المحيطة فيها، ولم تستطع اتفاقية (كامب ديفيد) أن تزيل الحواجز العقدية والتاريخية المستقرة في الوجدان العربي، ولم تسفر موجات التطبيع المتعاقبة في عالمنا العربي إلا عن رفض أولئك المطبعين، ونبذهم واتهامهم بالخيانة.
ثالثاً:تزامنت هذه الأحداث مع توتر العلاقات الصهيونية مع تركيا، وهذا يؤكد عقلية الاستعلاء والاستكبار والتعنت التي صبغت جميع السياسات الصهيونية؛ ومن ثَمَّ فإن مشاريع الخنوع والاستسلام التي يقدمها بعض العرب لن تجدي نفعاً مع سلسلة الأطماع اليهودية، وصدق المولى - جل وعلا -: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120].
رابعاً: الشعوب العربية تملك طاقات هائلة قادرة - بإذن الله تعالى - على تحرير المسجد الأقصى من الاحتلال الصهيوني؛ فهل ستسفر الثورات العربية عن حكومات تعبِّر عن تطلعات شعوبها، أم سيبقى هذا الشرخ هو سمة الواقع العربي؟
تعليق