اخواني الأحبة
سؤال يُطرح على الساحة الإعلامية وكذا يُردد في قواميس السياسة الدولية:هل أنت متشدد أم معتدل طبعاً على الطريقة الأمريكية – أو الغربية - ؟!!
العقلاء وحدهم يدركون أنَّ قبل الجواب لا بد مِن شيئين مهمين،
الأول: تحديد معنى التشدد والاعتدال
والثاني: لابد من وجود المقياس الحقيقي والمعيار الذي نحتكم إليه في تمييز المتشدد عن المعتدل؟
استمتعت بقراءة افتتاحية "البيان" المجلة الشهيرة لشهر شوال، وقد تناولت المجلة حرب الأفكار الجديدة التي تبشر بها "الآلات" الأمريكية!!
ومِن بين تلك الآلات التي يعتمد عليها مؤسسة "راند" المعروفة،
فتقرير (راند) لعام 2007م انتهى للدعوة إلى مواجهة كل المؤمنين بمرجعية الشريعة الإسلامية، مِن «معتدلين» أو «متشددين».
ومؤسسة راند وغيرها مِن (مراكز التفكير) في الغرب لا تقدم مجرد أراء نظرية في المجال الفكري فقط، بل تصنع دراسات تشبه الخطط العملية، أو خرائط طريق لصانعي القرار، وأبرز مثال على ذلك: أنَّ مؤسسة (القرن الأمريكي) قدمت لإدارة بيل كلينتون (الديمقراطية) خطة للهجوم على العراق عام 1997م، على أنها مقدمة للسيطرة الأمريكية على منابع النفط في الشرق الأوسط، باعتبار ذلك ضمانة لاستمرار أمريكا سيدةً للعالم في (القرن الأمريكي الجديد)، ولكن إدارة بوش (الجمهورية) تبنت ذلك المشروع، ونفذت تلك الخطة!
والمتأمل في مجريات (حرب الأفكار) في جولتها الأخيرة يلاحظ أنَّ وكلاء أمريكا يتحاورون مع الإسلاميين بالخطوط والخطط نفسها التي رسمتها تقارير (راند)؛ ليتم فرز هؤلاء الإسلاميين إلى «معتدلين» و «متشددين»، ولتبدأ بعد ذلك السلسلة التقليدية في تشويه مشروع هؤلاء «المتشددين» ثم إقصائهم ثم إلغائهم.
أُس القضية أنَّ معايير الغرب تأخذ بسياسة "الكيل بمكيالين"، فهي تهتم بالمصالح التي تتفق ورؤيتهم وإلا فهم لا يقيمون وزن ذرة لأي دولة أو شخص .. ففي "حمى" المظاهرات العربية كانت فرنسا تدعم "زين العابدين" لكنهم تخلوا عنه ورفضوا استقباله لأن "كارته" قد احترق وصلاحيته تلاشت وانتهت!
فهذا إذا كان مع "العملاء" فكيف بغيرهم؟!!
على العموم تعالوا تأملوا في "المعيار الأمريكي" ولو شئت قل الغربي عموماً في تمييز ومعرفة: المتشدد مِن المعتدل؟؟
وَلْنتأمَّل مثلاً: تلك الدراسة التي قدمتها مؤسسة راند عن «الإسلام المعتدل»، والتي تضمنت 11 سؤالاً «يُختَبَر» بها الشخص أو الكيان، ليُعرَف هل يمكن تصنيفه ضمن المعتدلين الذين ينبغي دعمهم "بكل شيء" وتقريبهم للاستفادة منهم، أم أنه مِن تيار المتشددين الواجبُ نبذهم وحصارهم وإقصاؤهم بل ويمكن قمعهم؟ وَلْنتأمَّل في الوقت نفسه؛ كيف يدير الإعلام العَلماني العربي الحوار مع الإسلاميين على اختلاف توجهاتهم على أساس الأحد عشر سؤالاً هذه، التي تصوغ معايير الاعتدال بالمقاييس الغربية والأمريكية، بفحواها أو بنصها.
وهذه الاسئلة هي:
1 - هل توافق على أنَّ الديمقراطية بصيغتها الغربية القائمة على فصل الدين عن الدولة، هي الصيغة المثلى للحكم؟
2 - هل توافق على أنَّ الديمقراطية تعني قيام دولة مدنية، (يعني علمانية)؟
3 - هل تُسلِّم بأنَّ الفرق بين المسلم المعتدل والمسلم غير المعتدل هو موقفه مِن تطبيق الشريعة؟
4 - هل تعتبر الواقع (الحر) للمرأة الغربية المعاصرة هو الوضع الأمثل أم لا؟
5 - هل توافق على «نبذ العنف» - يعني الجهاد - وهل دعمته مِن قَبْل أو دافعت عنه؟
6 - هل تقبل القيم الليبرالية الداعمة إلى الحرية المطلقة للإنسان، والاقتصاد الحر، (يعني الربوي)؟
7 - هل توافق على استثناءات في حرية الإنسان؟
8 - هل تؤمن بحق الإنسان في تغيير دينه؟
9 - هل تعتقد بوجوب تطبيق العقوبات الجنائية في الشريعة الإسلامية وبتعدد مصادر التشريع؟
10 - هل ترضى بتولي الأقليات الدينية غير المسلمة بمناصب عليا في الدولة؟
11 - هل تؤمن بحرية بناء المعابد لغير المسلمين في بلاد الإسلام؟
إذا تأملنا في هذه الأسئلة فسنكتشف للوهلة الأُولَى أنها الأسئلة نفسها التي لا يمل أصحاب البرامج الحوارية في الوسائل الإعلامية العربية مِن طرحها بصيَغ مختلفة على الإسلاميين أصحاب التأثير الجماهيري، أو هؤلاء الذين يرشحون أنفسهم لمناصب سياسية مؤثرة في بلدانهم، كالمناصب النيابية أو الرئاسية، وللأسف الشديد فإنَّ كثيراً ممن يخضعون لهذا (الاستجواب) يرسبون في الاختبار حتى قبل أنْ تُطرح عليهم تلك الأسئلة المكرورة،
فتجد بعضهم يقدم بعض التنازلات حتى لا يوصم بالمتشدد!!
وكذا وجود هجوم شرس على عالِم معين بسبب رأي قاله، وفي المقابل رمي بمبادئ حرية الرأي والتعبير عرض الحائط.
أخيراً..
هذه هي أسألتهم لمعرفة الفروقات العشرة!! بين المتشدد الذي بات في نظر الإعلام العربي مثالاً على التخلف والعيش في الزمن الماضي وبين المعتدل الذي يُنظر له على أنه "فاتح البلدان والحضارات" .. فهو معتدل حتى وإنْ أنكر عذاب القبر وحَرَّم الحجاب، وعطل الحدود وسَبَّ الصحابة وكَفَر بالسنة النبوية خاصة الجانب القولي؟
والسلام عليك ورحمة الله
علي بطيح العمري
تعليق