قال تعالى:"وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ".
أما قومنا فلا ينظرون إلى شرع الله هذه النظرة ولكنهم ينظرون إليه نظرة السخرية وقد فصلنا ذلك في خاطرة "غربة الدين وأهله" أو "خواطر ملتزم".
وثم الفارق بين نظرة الذين أوتوا العلم لمنهج الله عز وجل وبين نظرة الجهال والرعاع والذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم!!
القوم يعاملون أهل الإسلام معاملة خاصة وقد فصلنا في بعض جوانب ذلك فما يحلونه للناس يحرمونه على أهل الدين وإن كان أحله الله!!
فهم يرون أنه ليس من حقك _ما دمت ملتزما_ أن تتمتع بدنياك كغيرك أو أن تمرح وتروح عن نفسك أو أن تطلق الدعابات كبقية الناس وإن كنت منضبطا بضوابط الشرع فتراهم يقابلون ذلك بالنقد فيقولون: "ده شيخ مسخرة"!! أو "ايه يا عم الشيخ !! ما انت بتعرف تهزر أهو!!!" وكأنك إنسان مختلف عن بقية البشر أو كائن من كوكب آخر أو ذو طبيعة خاصة مختلفة عن العالم الإنسي فيستغربون منك أن تضحك أو أن تطلق دعابة أو أن تستطرد في حديث عن متعة من متع الدنيا التي أحلها الله!!
وعلى العكس من ذلك فإنهم إن رأوك واجما أو عابسا ولو لساعة وقد يكون ذلك لظرف ألم بك أو لهم يعتريك أو لحزن على أحوال الدين أو الدنيا أو لفكر شغل عقلك فإنهم كذلك يقابلون ذلك بالنقد فتراهم يقولون: "الجماعة السنيين دول على طول مكشرين ومبوزين وميعرفوش الضحك ولا الهزار وعالم معقدين".
وكذلك فإن القوم لا يتقبلون منك النقيضين!!
ويذكرني ذلك بقصة "جحا وابنه والحمار" حيث كان جحا يركب الحمار ويسير ابنه بجانبه على قدميه فرآهما الناس فقالوا: "شوف الراجل المفتري الظالم!! راكب الحمار وسايب العيل الصغير يمشي على الأرض".
فنزل جحا من على الحمار ومشى على قدميه وركب ابنه الحمار فقال الناس: "شوف الواد قليل الأدب عديم الرباية راكب الحمار وسايب ابوه يمشي على رجليه!!".
فنزل الابن وسار مع جحا بجانب الحمار فقالوا: "شوف العالم المتخلفين!! سايبين الحمار فاضي وماشيين جنبه".
فركب جحا وابنه الحمار معا فقال الناس: "شوف العالم الظلمة اللي معندهمش رحمة راكبين هما الاتنين على الحمار الغلبان".
فنزل جحا وابنه معا وحملا الحمار على أكتافهما فقال الناس: "شوف العالم الهبل المجانين شايلين الحمار بدل ما يركبوه!!".
وهكذا حال الناس معنا كحالهم مع جحا وابنه!!
ذهبت مرة إلى محل للأقمشة لأشتري قطعة قماش لتفصل قميصا فلما اخترت نوعا جيدا من القماش جميل المنظر قال لي أحد الناس: "بلاش ده..... انت شيخ...... متمشيش معاك الحاجات دي!!" مع أني شاب في الحادية والعشرين من عمري وليس في ذلك حرمة ولا كراهة ولكن المعاملة لنا _معشر المتسننين_ تكون مختلفة وكأنه من المفترض علينا ألا نتنعم بما أحله لنا الله وأن نتكلف وأن نعسرونضيق على أنفسنا وأن نحرم ما أحل الله لنا والله يقول: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ".
ويقول تعالى: "ولا تنس نصيبك من الدنيا".
وعلى العكس لو أنك لبست ثيابا أقل جودة من ثياب الناس ولو عن غير قصد لقالواعنك متخلف تعيش في زمن غير الزمن!!!
وثمت نظرية جحا وابنه وحمارهما !!!
وعند سيارة الإسعاف للتبرع بالدم تجدهم يتركون الكل وينادون عليك: "تبرع بالدم يا شيخ" فإذا اعتذرت لعذر أو لضعف أو لتعب تجدهم قد لا يتقبلون عذرك ويقولون لك: "اعمل خير يا شيخ....مش ده من الدين برضه!!؟؟" وكأنك أنت الوحيد المطالب بالالتزام بهذا الدين بينما كل الناس غير مطالبين بذلك فهؤلاء لا يتحدثون بالدين إلا معك ولا يطالبون أحدا بالالتزام به إلا أنت وذلك عندما يكون فيه مصلحة لهم أما إن كان الالتزام به في بعض المواقف يتعارض مع مصلحة لهم فإنهم يرفضون الدين في هذا الموضع ويمنعونك منه!!!
بينما تجد المرأة المتسولة _أو الرجل المتسول_ تترك كل من في الأتوبيس أو في الشارع وتمد يدها لك وتقول:"حاجة لله يا عم الشيخ" وتلح عليك بشتى العبارات والألفاظ والتوسلات ومن المفترض عندهم أن تعطيها _وإن كانت لا تستحق _وإن كنت تحتاج إلى المال لأنك على سفر أو غير ذلك_ وذلك لأنك "شيخ" "مربي دقنه" وكم أكره هاتين الكلمتين!!
أما الأولى فقد فصلت ذلك في المقال السابق "خواطر ملتزم" أو "غربة الدين وأهله" وأما الثانية فالصواب "لحية" وليس "دقن" وإعفاؤها فرض على المسلم كما هو معلوم ونقل بن حزم على حرمة حلقها الإجماع .
وإذا كنت في مجلس ما فتحدثوا عن الطعام مثلا فتحدثت معهم مثلا عن أكلة تحبها أو وليمة دعيت إليها ترى أحدهم يقول: "شفت ياعم الجماعة المشايخ دول كلهم بتوع فتة!!" أو تحدثوا عن الجمال فتحدثت معهم أو ذكرت بيت غزل للتشبيه يقولون "هما اللي مربيين دقونهم كده يموتوا في الحريم وكل واحد فيهم متجوز أربعة!!" مع أنك قد تكون تتحدث بضوابط شرعية وتجتنب الفحش والمنكر من القول والمؤمن ظريف مرهف الحس فياض المشاعر.......بينما لا ينكرون على غيرك إذا أفحش القول واغتاب وذكر مساويء الناس وأطلق بصره للنساء وذلك لأنه إنسان "عادي" "طبيعي" وأنت "شيخ"!!!
وكذلك لو أنهم تحدثوا وسكت أنت تراهم ينكرون عليك ويقولون: "الجماعة السنيين دول متعقدين من الدنيا واللي فيها ميفهموش حاجة إلا قال الله وقال الرسول....غير كده ميفهموش".
ولعلي أكمل فيما بعد إن شاء الله.
تعليق