كثير من الناس اليوم يطلقون ألفاظ المديح والثناء ويكيلونها لكل أحد، حتى لو لم يكن أهلاً لها، بل ربما كان منافقاً أو كافراً والعياذ بالله. وهذه المسألة تؤدي إلى مخاطر على الشخص المادح والممدوح، سواء كان الخطر اجتماعياً أو في دين الشخص وعلاقته بربه عز وجل؛ لذا فقد جاء الشرع بضبط هذه المسألة ووضع الشروط الحاكمة لها دون إفراط أو تفريط.
و يترتب على المدح فساد
فساد اجتماعي فان كيل الثناء والمدح لمن ليس له بأهل تؤدي إلى مخاطر كثيرة سواء على الصعيد الاجتماعي في قضايا الزواج مثلاً أو التعامل والوظائف، لأن الإنسان إذا مدح رجلاً فإنه يوثقه عند الآخرين، فقد يستخدمونه وهو ليس بأهل للاستخدام في هذا الجانب، و فساد الشخص نفسه
فقد يؤدي إلى إفساد قلب الرجل ونيته؛ لأن كيل ألفاظ الثناء والمدح مما يخرب الإخلاص ويجرحه تجريحاً، ولذلك كان لا بد من إلقاء الضوء على هذه المسألة بحسب ما جاء في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأحاديثه
عن همام قال جاء رجل فأثنى على عثمان في وجهه فأخذ المقداد بن الأسود ترابا فحثا في وجهه وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب * ( صحيح ) _ ابن ماجه 3742 : وأخرجه مسلم
توضيح لكيفية حثو التراب
هذا الفعل أيها الإخوة -حثو التراب في وجوه المداحين- من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لا بد عند تطبيق الأحاديث من مراعاة أحوال الحديث، فهذا لا يقول بأنه إذا جاءك رجل يمدحك الآن فإنك تأخذ التراب وترميه في وجهه مهما كان حاله،
كلا يا أخي! فلا بد من مراعاة حال المادح فقد يكون جاهلاً لأحكام المدح وما يترتب عليها،
ثم أنك إذا رأيت بأن حثو التراب في وجه هذا المادح قد يباعد فيما بينك وبينه، ويصده عن الإسلام، ويمنعه من التأثر فيك أو الاقتداء بك
فإن من الحكمة في هذه الحال عدم استعمال هذا، ليس تعطيلاً للحديث وإنما حكمة في الدعوة إلى الله، وترفقاً بالجاهل. وكذلك يا أخي المسلم!
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذا الحديث: (احثوا في وجوه المداحين) وأتى بصيغة المبالغة (المداحين) وهم الذين يكثرون المدح ويستعملونه بكثرة فيجعلونه صنيعهم ودأبهم الدائب.
قال ابن العربي رحمه الله: وصورة تطبيق هذا الحديث أن تأخذ كفاً من تراب وترمي به بين يديه، وليس في وجهه فتعمي به عينيه، كلا، وإنما ترميه أمامه، لماذا؟ فإنك تقول له: ما عسى أن يكون مقدار من خلق من هذا. لماذا قال عليه السلام التراب؟ من الحكم أيها الإخوة: أنك تأخذ التراب وترميه أمامه وتقول له: أنا خلقت من هذا التراب، فهل أنا أهل لهذا المديح وما خلقت إلا من الطين؟ وأنت كذلك ما خلقت إلا من هذا التراب فاربأ بنفسك عن هذه الآفات التي تعرضك إلى ما لا يُحمد عقباه، وتعرف المادح قدرك وقدره.
قال النووي رحمه الله: ومدح الإنسان قد يكون في غيبته وهو غير موجود، وفي وجهه، ففي الحالة الأولى إذا مُدح وهو غائب عن المجلس فإن هذا المدح لا يمنع منه إلا إذا دخل المدح في الكذب حتى ولو كان الممدوح غير موجود؛ لأنه يدخل في الكذب لا لكونه مدحاً. ويستحب كذلك أيها الإخوة: أن الإنسان إذا مدح ألا يبالغ حتى ولو كان الممدوح أهلاً لهذا المدح،
علل وآفات يسببها المدح للممدوح
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم خطورة المدح فقال: (إياكم والتمادح فإنه الذبح) فإنه في خطورته مثل الذبح، مدحك لأخيك في وجهه مثل أن تذبحه بالسكين. رواه ابن ماجة ، وهو في صحيح الجامع .
هذا المدح أيها الإخوة يسبب عللاً كثيرة وآفات كبيرة في دين المادح والممدوح، فلذلك سماه عليه الصلاة والسلام ذبحاً لأنه يميت القلب ويخرج الممدوح عن دينه، وفيه ذبح للممدوح أيضاً من جهة أنه يغره بأحواله ويغريه بالعجب والكبر، ويرى نفسه أهلاً للمدحة لا سيما إذا كان من أبناء الدنيا، ، لا تمدحه ولكن ادع له أدعية، مثلما قال عليه الصلاة والسلام: (من صنع لأخيه معروفاً فقال له: جزاك الله خيراً فقد أجزل في العطاء، أو فقد أجزل في الثناء) . الدعاء له لا بأس به،
وقد كان قضاة المسلمين إذا جاء رجل معروف بالإطراء والزيادة في المدح، وعادته الثناء على الناس بما ليسوا له بأهل كانوا يردون شهادته ولا يقبلونها.
إن كان أحدكم لا بد أن يمدح- فليقل: أحسب كذا وكذا إن كان يرى أنه كذلك) .ولا يعني أن يتساهل في المدح حتى ولو قال: أحسبه كذا لا بد أن يكون مصلياً حتى تقول: أحسبه من أهل الصلاة، أما إن كان غير مصلٍ فلا يجوز أن تقول له من أهل الصلاة حتى لو قلت قبلها أحسبه، لأنه ليس من أهل الصلاة، فيقول عليه الصلاة والسلام: (إن كان يرى أنه كذلك، والله حسيبه، ولا يزكي على الله أحداً) لذلك إن رأى إنسان أن يمدح إنساناً لحاجة شرعية أو مصلحة شرعية فليقل في مدحه: أحسبه والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحداً أن الرجل هذا من أهل كذا.
وبوب النووي رحمه الله تعالى على هذا الحديث باب: كراهة المدح في الوجه لمن خيف عليه مفسدة من إعجاب ونحوه وجوازه -يعني: بلا كراهة- لمن أُمن ذلك في حقه، وذلك لكمال تقواه ورسوخ عقله ومعرفته.......
كيفية الاعتدال في المدح
عندما نقول بالنهي عن المدح والتمادح والثناء فلا نعني الجفاف في معاملة الناس، وعدم الثناء على من يستحق الخير، وأنه إذا ورد أمامنا ذكر عالم أو رجل من المخلصين ألا نقول له كلمة مدح أو ثناء البتة، كلا
ولا يعني ذلك أيضاً أننا في حال الدعوة إلى الله لا نترفق بالناس، ونستثير كوامن الخير في أنفسهم بالثناء على ما فيهم من الخير، أنت كداعية عندما تريد أن تدعو إلى الناس لا تذهب إلى الرجل وتقول في وجهه: افعل كذا وكذا بدون مقدمات تستثير بها عاطفته وتفتح قلبه، فمثلاً تقول للرجل: أحسب أنك من أهل الخير.. هلا فعلت كذا وكذا، أحسب أنك من أهل طاعة الله لم لا تفعل كذا؟ أو تقول مثلاً لرجل وهو يصلي: يا أخي أنت من أهل الصلاة والحمد لله، وفيك خير كبير، وفيك إيمان ما دمت أنك من أهل الصلاة، لماذا لا تكمل هذا الإيمان بالإقلاع عن المعصية الفلانية والفلانية؟ وقد قال الشاعر:
ولم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام
هذا الأسلوب أيها الإخوة مطلوب، تشجيع طلبة العلم أثناء تعليمهم بقول المعلم للرجل: أحسنت مثلاً، والثناء عليه لا بأس بذلك، تشجيع الناس الذين يفعلون الخير بالكلمات الطيبة لا بأس بها، بشرط أن يؤمن بأنهم لن يأخذوا كلامك هذا ويفسد نياتهم ويتركون العمل، وذلك بأن تقتصد في المدح وتعطي كل رجل الألفاظ المناسبة لحاله بغير أن تخرجه عن الحد المشروع
منقول باختصار من
الشبكــــة الاســـلاميــة
لذا فلنتعاون على ان لا نمدح ونكتفي بالدعـــاء
تعليق