الحمدُ للهِ معزِّ الإسلامِ بنصره، ومُذلِّ الشركِ بقهره، ومصرِّف الأمور بأمره، ومستدرجِ الكافرين بمكره، الذي قدّر الأيام دولاً بعدله، وجعل العاقبةَ للمتقينَ بفضلِه، والصلاةُ والسلام على من أعلى اللهُ منارَ الإسلامِ بسيفِه.
أمتي... أمة السيف والقلم؛
ما بالك انكسر سيفك وانبطح قلمك؟ وقد كنت من قبل أبية فوق النجوم، فبت اليوم مسحوقة تحت أقدام الغزاة وسنابك خيل الغاصبين.
يا أمة الإسلام؛
حتى متى تخدعكم أبواق الغرب الناعقة وصداها العميل في بلادنا؟! وكيف تلقين السمع لساقطي العدالة؟! وأية عدالة بقيت عند من تضمخ برذائل الكفر وتسربل بلبوس المكر ووشّى فعاله بالغدر؟!
كيف تصدقين يا أمتي كذبهم المشين عن أبنائك الذين باعوا الآجل بالعاجل وقدموا أرواحهم دون سهام الكفر الطائشة ذباً عن أعراضك ودفاعاً عن دينك؟!
يا أمتي؛
أستغفر الله! وأمتي على فراش التخدير لم تزل...
بل يا أهل المروءات؛
متى تقومون قومة واحد، وعفاف المسلمات أمامكم ينتحر، ونطفة الإجرام على مرآكم تتهكم وتنتقل، وصعاليك الكفر لأعراضكم تنهش ثم تستتر؟!
يا أهل المروءات؛
حتى مَ تُقض المضاجع وتنهمر المدامع، وتهانون شر إهانة؛ فتحوقلون وتغمضون عيونكم وكأنها رمية من غير رامي؟!
ولكن يا حسرة على أهل المروءات...
دخلت على المروءة وهي تبكي *** فقلت علام تنتحب الفتاةُ
فقالت كيف لا أبكي وأهلي *** جميعاً دون خلق الله ماتوا
وبعد هذا العار قولي لي يا أمتي؛ متى تنفضين غبار الذل متى تكسرين قيود الخنوع.. متى تنزعين أغلال العبودية.. ثم متى تسرجين خيول العز؟!
يا أمتي عار نردد؛ أننا *** أبناء من سادوا وكانوا
والقدس غارقة يمزقها الأسى *** ويعيد رجع أنينها الجولان
حتّام ينخر في عزائمنا الهوى *** وتذيبنا الآهات والأحزان؟
وأما أنتم أيها المجاهدون الغرباء؛
فلا والله ما كانت الدعوات يوماً طريقاً مفروشة بالورود والرياحين، إن ثمن الدعوات باهض، وثمن نقل المبادئ إلى أرض الواقع كثير من الأشلاء والدماء، ولن يوقد سراج الفجر في هذه الظلماء إلا المجاهدون والشهداء.
حقاً ما أروعها من كلمة؛ "فزت ورب الكعبة".
فواهاً لريح الجنة ثم واها، ولكن أين من صدق الله فصدقه؟
وما ألطف لحن نبيكم صلى الله عليه وسلم، على وعثاء السفر ومشاق الطريق، يخاطب إصبعه الجريحة:
هل أنت إلا إصبع دميتِ *** وفي سبيل الله ما لقيتِ
نبيكم الذي جُرح وجهه، وكُسّرت رباعيته، وهُشمت على رأسه الكريمة بيضته.
إخوتي؛ يا من ترقرق ماء البشر في غرتكم، وتفتق نور الشرف من أسرّتكم؛
لله دركم... لله دركم؛ أي رباط فريد هذا الذي ربط قلوبكم.. فتألقت ابتسامتكم العذبة ترد الروح لميت القلب، وليهنكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، فاحذروا من داء السآمة، وإياكم وإيثار السلامة، فعقبى هذه الارتكاسة الندامة -عياذاً بالله–.
صدقوني إن قلت لكم؛ إنني لا أعرف مظلوماً تواطئ الناس اليوم على هضمه وزهدوا في حقه وإنصافه كالمجاهدين وجهادهم، ولكن لا عليكم، فللباطل جولة وللحق الدولة، والأمر صبر ساعة ثم حسن العاقبة، {وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُم} [محمد:35].
فأقدم ولا تقنع بعيش منغص *** فما فاز باللذات من ليس يقدم
لقد حار أعدائنا كيف يفتون في عضدكم فلم يروا أخيراً إلا التخويف بأسلحتهم المتطورة الفتاكة، وفات عُبّاد المادة أن القوة التي تستمد روحها من الله ماكانت لتفتتها زوابع الزمان، ولا تكنولوجيا الأمريكان.
قولوا لي يا أهل أذكار الصباح والمساء؛ ماذا تساوي قنابلهم النووية، وأسلحتهم الكيماوية وغازاتهم السامة أمام كلمة واحدة من أعجب الكلمات، كلمة –والله– يذوب أمامها عنفوان كل سلاح، ويضمحل من بهائها دهاء كل تربص وتدبير، وتتكسر على صدورها سهام تلويحات الكافرين، خفيفة على اللسان، نافعة للإنسان: (بسم الله الذي لايضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم)، ولا يعرف شأنها إلا من واظب عليها في الصباح والمساء، وهذه كلمة واحدة من مشكاة النبوة تحصنك أمام فاتك القنابل فكيف بمن لا يفتر عن أذكار الصباح والمساء.
فهؤلاء يظنوننا أننا إن أُصبنا سنقول: "لو أنا فعلنا كذا لكان كذا".
فهيّا يا شباب محمد بن عبد الله، أروهم تطبيقاً عملياً لا كلاماً، معنى قوله تعالى: {قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِم} [آل عمران:154]، واشرحوا لهم بلسان الحال وبينوا لهم بروائع الإقدام معنى حديث نبيكم: (واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك و ما أخطأك لم يكن ليصيبك)، ثم قولوا لهم: موتوا بغيظكم، فلن يصيبنا إلا ماكتب الله لنا، وإن الرصاصة التي كتب عليها اسمك لن تخطئك.
ثم تفكروا في أية غزوة كان عتاد المسلمين أعلى من المشركين، ثم تأملوا كيف كانت النتيجة في حُنين.
إني لأعجب من هؤلاء السطحيين ممن يقيس جهادنا بمقاييس الدنيا بالفلس والقرش، والعدد والعتاد، ثم يأتي ليبث أراجيفه فينمق أباطيله بلسان نصوح، عساها تلقى أُذناً مريضة أو قلماً مأجوراً، وما درى الجُهّال أن عقيدتنا منصورة من رب السماء.
فإن خوفوك بحثالاتهم فردد؛ {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَه وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ} [الزمر:36].
وإن انتفشوا أمامك فتذكر: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء} [الرعد:17].
وإن هالتك طاقاتهم التي بثتها صحفهم، من عدد وعتاد وإعلام وأقلام، فاسترخي أمام قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُون} [الأنفال:36].
وإن حلقت طائراتهم، تتبختر في طول السماء وعرضها، فخاطبها ومن فيها ومن صنعها ومن أرسلها، خاطبهم جميعاً: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [الرحمن:33]، فالله أعلى من طائراتكم وأشد بطشا.
وإن نازلتموهم وجهاً لوجه فَكَبُر عليكم عددهم فكبّروا عليهم قائلين: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّه} [البقرة:249].
وأخيراً؛ إن لاحت حبائل الشيطان بالتشكيك بيقين نصر الله، فقطّعها بقوله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة:21].
فهؤلاء ما عرفوا إسلامنا، فأروهم أيها الغرباء إسلامنا، ولا تخدعنكم العبارات المعسولة واللافتات الزائفة، أروهم أحفاد خالدٍ والمثنى وعَمْرٍ وموسى.
هذا يوم القادسية حين حمى الوطيس واستكلب الموت على الأبطال هتفت سلمى زوج سعد -وكان سعد قد تزوجها بعد موت زوجها المثنى- هتفت حين لم تجد المثنى يسوق الأجناد والفرسان للجلاد، هتفت قائلة: (وا مثناه... ولا مثنى اليوم للخيل... وا مثناه... ولا مثنى للمسلمين اليوم... القوم أقران ولا مثنى لهم).
ما زال يروي لنا التاريخ قصتهُ *** فكم حيث على شوق رويناهُ
وكم حديث على الحباب أطربنا *** وزادنا طرباً لما أعدناهُ
وقع الحوافر يا بغداد أغنية *** ثراك ينشدها والرمل أفواهُ
وحمحمات خيول الله تطربني *** الحرب دائرة والناصر اللهُ
صهيلها في دروب الحق يملكني *** فكم أذوب بها وجداً وأهواهُ
هذا المثنى يُروي الأرض من دمه *** والعين في رؤية الأحداث عيناهُ
لم يستعر مقلة أخرى ولا شفة *** أخرى ولم تصغ للتضليل أذناهُ
كيانك الضخم يا بغداد حصّنهُ *** سيف المثنى ونور الحق جلاهُ
النور فوق ذراع الشمس صبّحه *** والنور فوق ذراع البدر مساهُ
ورحم الله موسى بن نصير فاتح المغرب ومتمم فتح الأندلس، كيف كان ينتصر؟
حين سأله الخليفة: (ما الذي كنت تفزع إليه في مكان حربك من أمور عدوك؟)، قال موسى: (التوكل والدعاء إلى الله، كنت أنزل السهل وأستشعر الخوف والصبر، وأتحصن بالسيف والمغفر وأستعين بالله وأرغب إليه في النصر)، قال له الخليفة: (فأخبرني عن الروم؟)، قال: (أُسد في حصونهم، عقبان على خيولهم، نساء في مراكبهم، إن رأوا فرصة انتهزوها، وإن رأوا غلبة فأوعال تذهب في الجبال، لا يرون الهزيمة عارا).
طبت يا موسى وطاب مسراك، فقد وصفت فأصبت وتحدثت فصدقت، وما أشبه الليلة بالبارحة، وما أشبه أمريكا برومهم.
فحاشا لله أن يضيعكم - أيها الغرباء - وكيف يضيع ربنا من يُعلي كلمته وينصر دينه؟ والله لن يضيعكم وقد خرجتم في وجه عدوكم وتركتم أزواجكم وأولادكم.
لن يضيعكم وقد هجرتم ملذاتكم وشهواتكم وأهلكم وجيرانكم طمعاً بجنة ربكم.
لن يخزيكم وقد نفرتم ابتغاء مرضاة الله تدعون إلى الله على بصيرة، وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، وتقومون الليل وتصومون النهار، وتصلون الأرحام وتذودون عن الشريعة، وتدافعون عن الفضيلة وتحاربون الرذيلة.
فما دمتم على الحق فأبشروا، فوالله لا يخزيكم أبدا.
ولتغلبن أمريكا، والله! لتغلبن أمريكا ولو بعد حين؛ حتى تصير شامة سوء على خد الزمان.
واستأنسوا بما يروى في سيرة نبيكم أنه قاله لكعب بن مالك: (ما نسي ربك لك بيتاً قلته)، قال: (ما هو؟)، قال: (أنشده يا أبا بكر)، فقال:
(زعمت سخية أن ستغلب ربها *** وليُغلبن مُغالب الغلاب)
فالله الله في دينكم، والله الله في إخوانكم وفي أنفسكم، والله الله في عقيدتكم وأعراضكم، لا يؤتين الإسلام من قبلكم، فالمعركة أمامكم فاصلة، وأحزاب الكفر من جديد قادمة، والعدو مستعر، فلا بد من شحذ الهمم واستنهاض العزائم نحو القمم، واحذروا أن يكونوا على دنياهم أحرص منكم على دينكم، فإنكم بين خيرين؛ شهيد مرزوق وفتح قريب.
واهتفوا من أعماق قلوبكم؛
ولن أُصالحكم مادام لي فرسٌ *** واشتد قبضاً على الصمصام إبهامي
خذو للحرب أهبتها، وأرهفوا سمعكم، وأحدوا أبصاركم، وتيقضوا لما سيجري حولكم، ولتكن أياديكم على الزناد، فأمامكم مفازة موحشة، وليل عبوس، وفتنة ضروس؛ ثم تكون لكم الغلبة –بإذن الله– إن صبرتم وصابرتم فثقوا بالله واصبروا وصابروا ورابطوا، واتقوا الله لعلكم تفلحون.
ها قد رمانا الكفر عن قوس واحدة وأعد لنا حبال مكر بالتواطئ مع أهل الشقاق والنفاق؛ لإذلال الرجال وانتهاك أعراض النساء، واستباحة الحرمات، وليرفعوا الصليب فوق أرضنا وتحت سمائنا، فلا تعطوا الدنية في دينكم، ولا تصغوا إلى مراوغ يلبس مسوح نصوح ليثنيكم عن الشهادة أو النصر.
وإذا كان عدونا مع هذه الخناجر التي نطعنه بها من هنا أو هناك لا زال يتجلد، يحكي انتفاخاً صولة الأسد ويذل العباد ويفعل الأفاعيل، فكيف إذا ملك زمام الامور، واستوت سفينته بلا أمواج؟!
إن عدونا لو غلب لأهلك الحرث والنسل، ولاستباح بيضتكم لا يرقب في مؤمن إلاً ولا ذمة، {يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُم} [التوبة:8]، ولأذاقوا المسلمين كؤوساً أحلاها مر علقم.
فلا صلح حتى تعثر الخيل بالقنا *** وتُضرب بالبيض الرقاق الجماجم
فقولوا ما قاله أمثالكم من الأبطال، وسلّوا أنفسكم فإن نومكم ونبهكم أجر كله -إن شاء الله- قالوا:
لئن شـــح الــعـطاء *** فنـحـن للدين الأضـاحي
وعلى الطريق شـدا الرجال *** بألـسن البذل الفصـــاح
والنصــر يُجنى بالدـماء *** و بالــرماح و بالـصفـاح
وبعد هذا؛
فلتعلم الدنيا بأسرها أن منهجنا لا يقبل الرق، ولا يرضى أن يُباع في سوق المساومات، وسنبقى ماضين -بعون الله- مهما طالت الطريق واشتدت اللئواء، ومهما تكاثرت العملاء، فالقضية أكبر؛ إنه رب العالمين، وإنها جنة الفردوس.
فمن لم يسمعه صرير الأقلام، وصدى زئير الكلام؛ فيسمعه صليل السيوف.
وإذا تلعثمت الشفاه *** تكلمت منا الجراح
فالأرحام التي ولدت خالداً لا تزال تحمل وتضع رغم غطرسة الباطل.
إنا لمن أمة طابت أرومتها *** فليس في خلقها عيب ولا عوجُ
يمضها الجرح لكن لا يزلزلها *** وينهش القيد رجليها فينزلجُ
لئن غزاها عبيد السوط فليثقوا *** أن سوف نخرجهم من حيثما ولجوا
الحق عُدتنا في حرب باطلهم *** والسيف حجتنا إن أعوزت حججُ
سطا عليها غزاة الشرق واندثروا *** ومر فيها بزاة الغرب واندرجوا
لم يبق منهم ومن آثار دولتهم *** سوى أساطير باللعنات تمتزجُ
لن يسكت الأسد عما قد ألم بهم *** ما دام فيهم دم الإيمان يختلجُ
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُون} [الأنفال:45].
{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف:21]
والحمد لله رب العالمين.