حوار مع دمعة!!
شعرت بالخوف ذات يوم؛ فأخذت أبحث عن أسباب الأمان هنا وهناك؛ حتى أصرف عني نفسي ما ألمّ بها من هواجس الخوف والاضطراب، فأمسكت بمجلة كانت بجواري، وأخذت أقلب بين صفحاتها؛ لعل ذلك يزيل ما نزل بنفسي من الضيق والاكتئاب غير أن إحساسي بالخوف والقلق تزايد بشكل كاد ينخلع معه قلبي!!
فسارعت بفتح جهاز التلفاز؛ لعلي أجد بين قنواته ما يصرف عني نفسي شعورها بهذا الجحيم، إلا أن هذا الشعور أخذ يتعاظم؛ حتى أضحى كالشبح الذي أخذ يتهيأ؛ كيما يجثم على صدري!!
وحيينها نهضت مسرعاً نحو كتاب ربي، أفتح دفتيه بلهفة اللاهث؛ أبحث فيه عن النجاة مما ألمّ بي، وما كاد لساني يلهج بذكر الله تعالى تالياً أولى آياته؛ حتى فاضت من عيني دمعة !!
فسألتها : ماذا وراءك أيتها الدمعة ؟!
فأجابتني وهي تسيل حارةً على مدمعي : لقد طالت الوحشة بينك وبين ربك، ومنذ سنوات وأنت لم تقرب القرآن؛ حتى جفّ لسانك عن ذكر الله، وأصاب قلبك ما أصابه من القسوة والغلظة!!
فأجبتها متأسفاً على حالي : لقد جرفتني مشاغل الحياة، فماذا أفعل؟!
فقالت : إن حياتك وموتك، وسعادتك ورزقك، كلها بيد الله وحده، فلماذا تذهب بعيداً أيها المسكين، وتلهث وراء السراب؟!
لقد خُدعت بطول الأمل، الذي صرفك بالفعل عن خير العمل، وغداً ستقدم على ربك فيحاسب على ما فات، فماذا ستغني عنك الدنيا بأسرها؟!
إن فوزك وسعادتك الحقيقية أن تغتنم فرصة حياتك في القرب من الله، فبقربه ستشعر بالأمان، وسوف تهنأ لك الحياة بكل ما فيها!!
فإذا ما أنعم الله عليك، واستشعرت لذة الطاعة بحقٍ، فإن معنى السعادة حينئذ قد جمع بين يديك بكل معانيه؛ حين تستشعر أن الدنيا قد حيزت لك بأسرها، متمثلةً في شعورك بالأمان على الحاضر، وشوقك إلى ذروة النعيم في ما عند الله من النعيم في روضات الجنان!!
فلماذا تحرم نفسك من عظيم هذا الخير يا مسكين بمتاع قصير، سريع الزوال؟!
ارجع إلى ربك . . وكن على يقين أنه أرحم بك من الوالدة بولدها، بل إنه سبحانه يفرح بتوبة عبده، ويباهي بها ملائكته وهو الغني عنه!!
فاجعل من لحظتك هذه بداية الطريق نحو النجاة، وتأكد من أننا سـوف نلتقي مرة أخرى بل مرات؛ حين تقر عينيك برؤية وجه ربك ذو الجلال والإكرام في أعالي الجنان!!
وحيينها . . سوف تنحدر على مدمعك دمعةٌ . . بل دمعات، ولكنها وقتئذٍ ستكون دموع الفرح بلقاء مولاك ثم ودعتني وهي تلوح قائلةً :
" عينان لا تمسهما النار . . منهما .. عين بكت من خشية الله "
بقلم
أبو مهند القمري
تعليق