إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

معركتنا مع الشيطان : قراءة لكتاب "عندما ترعى الذئاب الغنم" رفاعي سرور.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • معركتنا مع الشيطان : قراءة لكتاب "عندما ترعى الذئاب الغنم" رفاعي سرور.

    معركتنا مع الشيطان


    تقديم وإعداد وتعقيب :
    الشيخ :: أبو سعد العاملي
    حفظه الله .
    قراءة لكتاب "عندما ترعى الذئاب الغنم"
    للشيخ :: رفاعي سرور
    حفظه الله .

    .........................




    تمهيد

    الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الرسول الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد

    لاشك أن الإيمان بالغيب يعتبر من أصعب الأشياء على الإنسان، وإن كان يرى أو يحس آثاره كل يوم وليلة، وهو من أجل هذا جعله الله علامة من علامات صدق المرء في إيمانه، ﴿ الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾، فجعل الله سبحانه الإيمان بالغيب من أهم سمات المؤمن الصادق.

    ومن الغيب، الإيمان بالجن، مسلمهم وكافرهم، مطيعهم وعاصيهم، كما جاء تفصيل ذلك في سورة الجن وسورة الأحقاف وغيرها من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة. والشيطان أو إبليس يعتبر أبو الجن ورأس الشر فيهم، منذ خلق الله آدم وحتى تقوم الساعة.

    لا همّ لهذا المخلوق سوى التعرض لطريق الهداية بالغواية، وسد طرق الخير بعقبات الشر ﴿ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾،
    ﴿ لأقعدن لهم صراطك المستقيم ﴾.

    ومن أفتك الأسلحة التي يستعملها الشيطان في مواجهة الإنسان، سلاح الكيد. بقول العلامة ابن القيم في كتابه (إغاثة اللهفان من مكائد الشيطان): "ومن كيد عدو الله تعالى، أنه يخوف المؤمنين من جنده وأوليائه، فلا يجاهدونهم ولا يأمرونهم بالمعروف، ولا ينهونهم عن المنكر، وهذا من أعظم كيده بأهل الإيمان، وقد أخبرنا الله تعالى سبحانه عنه بهذا فقال: ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾(آل عمران 175).

    ومن مكايده أنه يسحر العقل دائماً حتى يكيده، ولا يسلم من سحره إلا من شاء الله، فيزين له الفعل الذي يضره حتى يخيل إليه أنه من أنفع الأشياء، وينفر من الفعل الذي هو أنفع الأشياء له، حتى يخيّل له أنه يضره، فلا إله إلا الله.

    كم فتن بهذا السحر من إنسان، وكم حال به بين القلب وبين الإسلام والإيمان والإحسان؟ وكم جلا الباطل وأبرزه في صورة مستحسنة، وشنع الحق وأخرجه في صورة مستهجنة؟ وكم بهرج من الزُّيوف على الناقدين وكم روّج من الزغل على العارفين؟ فهو الذي سحر العقول حتى ألقى أربابها في الأهواء المختلفة والآراء المتشعبة، وسلك بهم في سبل الضلال كل مسلك، وألقاهم من المهالك في مهلك بعد مهلك، وزيّن لهم عبادة الأصنام، وقطيعة الأرحام، ووأد البنات، ونكاح الأمهات، ووعدهم الفوز بالجنات مع الكفر والفسوق والعصيان، وأبرز لهم الشرك في صورة التعظيم، والكفر بصفات الرب تعالى وعلوه وتكلمه بكتبه في قالب التنزيه، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قالب التودد إلى الناس، وحسن الخلق معهم، والعمل بقوله ﴿ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾ (المائدة 105) والإعراض عما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام في قالب التقليد، والاكتفاء بقول من هو أعلم منهم، والنفاق والإدهان في دين الله في قالب العقل المعيشي الذي يندرج به العبد بين الناس.

    فهو صاحب الأبوين حين أخرجهما من الجنة، وصاحب قابيل حين قتل أخاه، وصاحب قوم نوح حين أغرقوا، وقوم عاد حين أهلكوا بالريح العقيم، وصاحب قوم صالح حين أهلكوا بالصيحة، وصاحب الأمة اللوطية حين خسف بهم وأتبعوا بالرجم بالحجارة، وصاحب فرعون وقومه حين أخذوا الأخذة الرابية، وصاحب عباد العجل حين جرى عليهم ما جرى، وصاحب قريش حين دعوا يوم بدر، وصاحب كل هالك ومفتون." اهـ.

    هذا هو الشيطان، وتلك هي مكائده وحباله التي يتربص للعباد بها الدوائر، ويقعد لنا بها كل مرصد، فمعركتنا معه أبدية، لا نملك معها إلا اليقظة والحيطة والحذر ثم الإعداد وجمع ما يلزم من عتاد للدخول فيها لنبحث عن أسباب النصر فنحققها في أنفسنا، ونتعرف عن أسباب الوهن والهزيمة فنتجنبها، كي يُكتب لنا النصر على هذا المخلوق العجيب والخطير، أو على الأقل نقاوم أسلحته ونرد هجماته حتى لا نسقط صرعى في وحل إغراءاته وشهواته، فنكون من الخاسرين والهالكين، ونكون سبباً لتعطل واجبات الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله، التي من أجلها كرّمنا الله تعالى لنتميز عن باقي الخلائق وعلى بقية الأمم، فنفوز برضوانه وجناته، ﴿ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾.

    أبو سعد العاملي – شوال 1422 هـ


    مقدمة

    كم أنا فخور ومعتز بتقديم هذا الكتاب الرائع للأخ الشيخ رفاعي سرور، الذي لم أقابله ولا أظن أنه يعرفني، ولكنني متأكد من أن أرواحنا جنود مجندة في عالم الغيب، وبأن الله تعالى كفيل وقادر على جمعهما.

    حسبي أني وقفت على هذا الثغر الخطير، أحاول فيه إظهار ما خفي على الكثير من أبناء الأمة، تتجلى هذه الخفايا في مخاطر وعقبات ومكائد هي أقرب إلينا من أنفسنا التي بين جنبينا، ولا نعير لها كبير اهتمام، بسبب غفلتنا وتأثير الشيطان علينا- كل على حسب ما تجرع من هذا التخدير الحلو والمر في آن واحد-.

    فالشيطان يحاول أن يجرنا إلى حزبه وصفه لكي نرافقه إلى مصيره المحتوم، ويستعمل في سبيل تحقيق ذلك كل الأساليب الممكنة التي لا يمكن أن تخطر على بالنا، وبضحي في سبيل ذلك بالغالي والنفيس، ويستميت ويصر ويعاود الكرّة تلو الكرّة، في الوقت الذي نقف فيه موقف اللامبالاة والغفلة والاستهانة بهذا المخلوق العجيب والخطير، فنظن أن مجرد لعنه وتحقيره من شأنه أن يحسم المعركة لصالحنا ويرتد كيده إلى نحره. بينما المطلوب منا أكثر من ذلك بكثير، فلابد من معرفته والاطلاع على أساليبه وحيله، ثم لا بد من الاستفادة من وسائله وأساليبه، وأخيراً – وليس آخراً- لابد من امتلاك أسلحة مضادة والدخول معه في معركة فاصلة متواصلة، لا نيأس ولا نغفل ولا نتراجع ولا نضع السلاح حتى يحكم الله بيننا وبينه، أو حتى نلقى الله ونحن مسلمون ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾.

    حرص الكاتب على إبراز خصائص وسمات الشيطان خلال معركته الفاصلة والدائمة معنا، كفرد ثم كجماعة، وأدرك جيداً خبايا هذه المعركة وسماتها وعتادها ومختلف مراحلها، ثم بيّن لنا بعد ذلك تأثير الشيطان على مجريات الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية حاضراً ومستقبلاً، ومدى الحضور القوي والدائم للشيطان في كل هذه الأحداث ثم مدى تأثيره على أوليائه وتسخيرهم لحرب أصحاب الحق ومحاولة وأد كل عمل صالح، وشحذ همم أوليائه لمحاربة الحق وأهله، وإن كانت الضرورة تقتضي منه تدخله الشخصي في بعض المواقف الصعبة والحاسمة.


    أبو سعد العاملي – شوال 1422 هـ.


    مقدمة الكاتب:
    لمعالجة قضية الشيطان ثلاث فوائد أساسية.. شرعية ونفسية وحركية.
    الفائدة الشرعية: هي حماية القضية من طابع الخرافة والشعوذة لتبرز كقضية واقعية علمية محددة وثابتة بنصوص الكتاب والسنة، بحيث ينضبط التصور الغيبي عنها بالتأصيل الشرعي له .

    والفائدة النفسية: هي معالجة الشعور الإسلامي المتجهة دائماً نحو باطن الجاهلية لكشف أسراره المجهولة ومعرفة علله الخفية كمحاولة لتفسير ظواهرها.

    ولعل ظاهرة الوحدة الجاهلية على المستوى العالمي هي الظاهرة التي استحوذت على هذه المحاولة الشعورية ولذلك تعاملت الجاهلية مع الشعور الإسلامي تعاملاً خطيراً فقدمت بنفسها لهذه الظاهرة وجواباً لهذه التساؤلات.. من الذي يحكم العالم؟ وكيف؟
    ومكمن الخبث في هذه التفسيرات ( وأشهر هذه التفسيرات هي فكرة الحكومة العالمية السرية التي يحكم بها اليهود العالم عن طريق المجامع الماسونية المنتشرة في كل أنحائه)، أنها وضعت أمام الشعور الإسلامي أهدافاً وهمية وغرست الإحساس بالسيطرة الجاهلية على العالم وذلك في غيبة الإحساس بإحاطة الله لهذه السيطرة فانطبع في الأذهان أنه ليس هناك شيء في حياتنا إلا وقد أخذ وضعه ضمن المخطط المرسوم للعالم ونشأ إحساس بالتضاؤل أمام الجاهلية كمخطط لا يمكن مواجهته بل ولا معرفة غموضه، ومن هنا فإن معالجة قضية الشيطان كتفسير شرعي لباطن الجاهلية وظاهرها هي الغذاء الصحيح للشعور الإسلامي المتلهف نحو كشف هذا الغموض، كذلك فإن هذه المعالجة ستكون حرزاً حقيقياً من إحساس التضاؤل الناشئ عن هذا الغموض.

    والفائدة الحركية: تبدأ بتقرير أن الاستضعاف هو المرحلة التي تعيشها الجماعة المسلمة وأن هذا التقرير يقتضي ارتباط الفكر الإسلامي بالمرحلة التي تعيشها الجماعة والارتباط بين الفكر والمرحلة ليس مجرد التركيز على القضايا المكية التي عايشتها الدعوة قبل التمكين.

    ولكنه يكون بتصور كل قضايا الإسلام من خلال التحديد المنهجي للدعوة، وذلك باعتبار أن هذا التحديد هو الإطار الأساسي لفكر المرحلة الذي يعالج آثارها ويحقق الخلاص منها.
    وفي هذا الارتباط حياة للقضايا وصواب للمنهج. وقضية الشيطان دليل على حتمية هذا الارتباط.

    فعندما خرجت هذه القضية من إطار التحديد المنهجي للدعوة، تضاءلت وصارت محدودة بغرض التحرز الفردي منه.

    وكذلك عندما افتقدت مهمة التحديد المنهجي للدعوة هذه القضية، ضعف التصور الاعتقادي للعوامل الغيبية المؤثرة بصورة مضادة على واقع الحركة الإسلامية.
    وارتباط قضية الشيطان بمنهج الدعوة يعني توجيهها توجيهاً حركياً تتحدد به مفاهيم فكرية وأساليب عملية في واقع الحركة الإسلامية وذلك بتأصيل شرعي تأخذ به هذه المفاهيم وتلك الأساليب الصفة الشرعية لمنهج الدعوة.


    الفصل الأول

    صورة قتالية
    نعلم أن العداء هو العلاقة بيننا وبين الشيطان، والحرب نتيجة طبيعية لكل عداء، فإذا تأكد شعورنا بالحرب القائمة بيننا وبين الشيطان فإن هذا بالطبع سيعمق إحساسنا بقيام هذا العداء.

    ولكي لا يكون شعورنا بتلك الحرب ضعيفاً أو سطحياً فإننا سنبدأ بصورة قتالية لتلك العلاقة، لأن القتال فيه من الضراوة والعنف ما يعمق الإحساس بتلك الحرب في ضمير المسلم وبهذا نعطي للعداء والحرب بيننا وبين الشيطان إحساس اليقظة والانتباه والحذر.
    وإذا أخذت الحرب التي بيننا وبين الشيطان هذه الصورة القتالية رأيناها أمامنا حقيقة لها كل صفات ووسائل وتقاليد الحرب المعروفة لنا في واقعنا البشري.. فالشياطين هم جنود إبليس سواء أكانوا من الجن أو الإنس، والله سبحانه يقول: ﴿ فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ ، وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ ﴾ [الشعراء: 94، 95].

    والعلاقة بين إبليس وجنوده علاقة ولاء وطاعة وهما أول الضرورات التنظيمية في أي حرب، والله يقول ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً ﴾ [النساء: 76].
    وبهذا الولاء تكون الحزبية ﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المجادلة : 19].

    وحينما ينطلق هؤلاء الجنود لإضلال الناس يخرجون في سرايا بدليل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لإبليس كرسياً فوق الماء يبعث سراياه فيفتنون الناس فأعظمهم مكانة أعظمهم فتنة" ( رواه مسلم وأحمد).

    ولعلنا نلاحظ أن كون الكرسي فوق الماء تحقيق لأهم تقاليد الحروب وهي إنشاء مركز القيادة بعيداً عن واقع القتال ليتحقق لهذه القيادة التركيز والنظرة الشاملة.
    ولهؤلاء الجنود الخيل وهي أداة أساسية في الحروب وفي هذا يقول الله سبحانه ﴿ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً ﴾ (الإسراء: 64).

    وفي هذه الحرب السهام، وهي كذلك أهم أداة الحروب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " النظرة سهم من سهام إبليس يصيب بها قلب المؤمن". ولعلنا نلاحظ أن هذه السهام تصيب وأن إصابتها قاتلة لأنها تصيب القلوب وأنها بتوجيه القائد نفسه إذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم أضاف السهام إلى إبليس ذاته فقال: "من سهام إبليس" (رواه الحاكم وأحمد).

    وفي هذه الحرب تقاليد النصر والهزيمة، فكما أن المنتصرين في الحرب يرفعون راية النصر فإننا نجد ذلك في حرب الشياطين إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما من خارج يخرج من بيته إلا ببابه رايتان، راية بيد ملك وراية بيد شيطان، فإن خرج لما يحب الله عز وجل اتبعه الملك برايته فلم يزل تحت راية الملك حتى يرجع إلى بيته ومن خرج لما يسخط الله اتبعه الشيطان برايته فلم يزل تحت راية الشيطان حتى يرجع إلى بيته" [1].

    وكما ترفع الراية في موقع الانتصار فإنها تبقى مرفوعة في مواقع الاحتلال المستمر، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها فإنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته" [2].

    فدلّ ذلك على أن السوق موقع احتلال الشيطان ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: " أشر الأماكن الأسواق" [3].

    وفي هذه الحرب العنف والشدة، والله سبحانه يقول: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً ﴾ (مريم 83)، والأز هو الحركة العنيفة للماء عند الغليان).
    وفي هذه الحرب التربص والترصد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه" [4].

    ثم يكون الحصار بعد الترصد بدليل الآية ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ، ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ ( الأعراف: 16-17).

    وفي هذه الحرب الشراك بدليل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه" [5].

    وفي هذه الحرب الحراسة المشددة وهذا ما واجهته الشياطين لما صعدت إلى السماء لاستراق السمع فقالوا: ﴿ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً ، وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً ﴾ ( الجن: 8-9).
    فلا تكون هناك ثغرة من خلال فراغ، ولا من خلال حارس ضعيف لأنها ﴿ مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً ﴾، بل إن مجرد الاقتراب من السماء من أي جانب أصبح أمراً مستحيلاً لأنهم ﴿ لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ ﴾ ( الصافات: 8).

    ولكن الشياطين في تلك الحرب لا تيأس، بل هي تواجه هذا الموقف الخطير بالأسلوب الانتحاري الذي يقدم به الفرد على مهمة معروفة النتيجة فيقول النبي صلى الله عليه وسلم في الشياطين التي تسترق السمع هكذا واحد فوق آخر – ووصف سفيان بيده وفرج بين أصابع يده اليمنى نصبها بعضها فوق بعض – فريما أدرك الشهاب المستمع قبل أن يرمي بها إلى صاحبه فيحرقه وربما لم يدركه حتى يرمي بها إلى الذي يليه" [6].

    وفي هذه الحرب يكون الأسر، وهذا ما حدث لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد الشياطين الذين تسللوا إلى المدينة فأخذه وأراد أن يربطه في سارية المسجد، كما جاء في مسند أحمد: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة مكتوبة فضم يده فلما صلى قالوا: يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء؟ فقال: لا، إلا أن الشيطان أراد أن يمر بين يدي فخنقته حتى وجدت برد لسانه على يدي وأيم الله لولا ما سبقني إليه أخي سليمان (يعني دعاء سليمان "رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي") لارتبط إلى سارية من سواري المسجد (والربط في سارية المسجد كان من تقاليد أسر زعماء الكفار حتى أمر رسول الله بربط ثمامة بن آثال سيد أهل اليمامة) يطيف به ولدان أهل المدينة" [7].

    ولذلك كان رسول الله يقول لأبي هريرة عندما أتاه الشيطان وهو يحرس بيت المال: "... ماذا فعل أسيرك الليلة؟".

    ولما حرم الله سبحانه وتعالى على الشياطين التحرك في رمضان لم يكن ذلك بإلزام شرعي طبعاً لأن الشياطين لا تخضع لأي إلزام شرعي، وإنما كان بتعجيزهم عن الحركة وذلك بأسرهم كما قال رسول الله: "إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين فلا تستطيع أن تصل إلى ما كانت تصل إليه غيره" وفي رواية: "صفدت الشياطين".

    وكما يقع الأسر على الشيطان فإنه يقع أيضاً منه على الإنسان ودليل ذلك حديث عائشة إذ قالت: "حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءً ذات ليلة حديثاً، فقالت امرأة منهن: يا رسول الله كأن الحديث حديث خرافة. فقال: أتدرون ما خرافة؟ إن خرافة كان رجلاً من عذرة أسرته الجن في الجاهلية فمكث فيهن دهراً طويلاً ثم ردوه إلى الإنس فكان يحدث الناس بما رأى فيهم من الأعاجيب فقال الناس: حديث خرافة" [8].

    وفي هذه الحرب فكرة السحق الشامل وفي ذلك يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: "وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، فأتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم"[9] .

    وهذا ما ظنه إبليس ﴿ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ﴾ (سبأ 20)، ذلك لأن إبليس قال في البداية: ﴿ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً ﴾ (الإسراء 62)، ومعناها: لأستأصلن.
    وفي هذه الحرب أسلوب الاغتيال بدليل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم إني أسألك العافية في الدنيا، احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي"[10].

    وذلك في تفسير قول الله على لسان إبليس: ﴿ َ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ (الأعراف: 17).

    وفي هذه الحرب الحصون التي يلجأ إليها الجنود حماية لأنفسهم. ففي حديث الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها... " فكان مما قال لهم: "وآمركم أن تذكروا الله فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم.. كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله"[11].

    وفي هذه الحرب.. الجوار، وقد أراد الله سبحانه أن يحفظ عبداً من عباده من ضراوة تلك الحرب فأجاره من الشيطان بدليل قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " ألم يكن فيكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم – يعني عمار بن ياسر" [12].

    وإجارة الله سبحانه وتعالى تؤكد شدة الخطر الذي يحيط بهذا العبد حتى اقتضى الأمر هذا الجوار الإلهي.

    تقييم عــام:

    بعد تحديد الصورة القتالية للحرب بيننا وبين الشياطين يحسن أن نقيم هذه الحرب لتحقيق مزيد من العمق للإحساس بالعداء بيننا وبين الشيطان ونبدأ حقائق التقييم بالنتيجة النهائية لتلك الحرب لترى أن خسائر البشر فيها من كل ألف: تسعمائة وتسع وتسعون..
    ودليل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل: "يقول الله لآدم يوم القيامة: يا آدم ابعث بعث النار، فيقول يا رب، وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسع وتسعون في النار وواحد في الجنة" [13]. وهذه النتيجة الرهيبة هي تفسير قول الله عز وجل: ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنس ﴾. (الأنعام: 128).

    وقوله عز وجل على لسان إبليس: ﴿ َلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِين (الأعراف: 18).
    ومما يزيد هذه النتيجة رهبة هو علمنا بأن هذا الواحد من الألف الذي نجا، لم تتحقق له النجاة إلا بفضل الله ورحمته بدليل قول الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ (النور: 21).

    ومن هنا كان من حقائق تقييم هذه الحرب، فرح الله عز وجل بعباده الناجين منها بدليل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لله أشد فرحاً بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض دوية – مهلكة – معه راحلته عليها طعامه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت فطلبها حتى أدركه العطش ثم قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده طعامه وشرابه، فالله أشد فرحاً بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده" [14]. وفي رواية: "فقال من شدة فرحه: اللهم أنت عبدي وأنا ربك"..

    هذه هي الحرب، وهذا هو الخطر الذي يفرح الله بالناجين منها كما فرح هذا الرجل الذي ضلت ناقته بل أشد.


    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


    [1] رواه أحمد والبيهقي والطبراني في الأوسط بسند جيد – الدين الخالص ج 9 ص 6

    [2] رواه مسلم

    [3] رواه مسلم وأحمد

    [4] رواه مسلم

    [5] بفتح الشين والراء في رواية، وفي الأخرى بكسر فَسُكون، والحديث رواه الترمذي

    [6] رواه البخاري

    [7] رواه البخاري والنسائي.

    [8] رواه أحمد

    [9] رواه مسلم وأحمد

    [10] رواه النسائي وابن ماجه

    [11] الترمذي

    [12] البخاري وأحمد

    [13] البخاري ومسلم والترمذي وأحمد

    [14] رواه الجماعة
    التعديل الأخير تم بواسطة تائب بإذن الله; الساعة 14-09-2011, 10:21 PM.
    ... جرِّد الحجة من قائلها، ومن كثرة القائلين وقلّتهم بها، ومن ضغط الواقع وهوى النفس، واخلُ بها والله ثالثكما، تعرف الحق من الباطل . ( الطريفي )





  • #2
    رد: معركتنا مع الشيطان : قراءة لكتاب "عندما ترعى الذئاب الغنم" رفاعي سرور.

    جزاكم الله خير الجزاء

    تعليق


    • #3
      رد: معركتنا مع الشيطان : قراءة لكتاب "عندما ترعى الذئاب الغنم" رفاعي سرور.

      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

      جزااااااكم الله خير الجزاااااااااء
      ماااااااااااااااشااااااااااااااااء الله موضوع رااااااااائع
      جعله الله فى ميزااااااااان حسناتكم

      تعليق


      • #4
        رد: معركتنا مع الشيطان : قراءة لكتاب "عندما ترعى الذئاب الغنم" رفاعي سرور.

        المشاركة الأصلية بواسطة أبو البراء الشامي مشاهدة المشاركة
        جزاكم الله خير الجزاء
        آمين وإياك يا غالي
        شكرالله لك ...
        ولك شوق كبير
        نفع الله بك
        ... جرِّد الحجة من قائلها، ومن كثرة القائلين وقلّتهم بها، ومن ضغط الواقع وهوى النفس، واخلُ بها والله ثالثكما، تعرف الحق من الباطل . ( الطريفي )




        تعليق


        • #5
          رد: معركتنا مع الشيطان : قراءة لكتاب "عندما ترعى الذئاب الغنم" رفاعي سرور.

          ـــــــــ

          أخيراً مات صاحب الأخدود
          توفي شيخنا العلامة المجاهد الزاهد رفاعي سرور
          بقلم د. هاني السباعي
          مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية

          الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:
          يقول الله تعالى في محكم التنزيل: (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) الفجر الآيات من 27 إلى 30.
          ينعي مركز المقريزي للأمة الإسلامية وفاة الشيخ العلامة المجاهد الزاهد رفاعي سرور عن عمر ناهز 67 عاما وذلك عصر يوم الأربعاء 30 ربيع أول 1433هـ الموافق 22 فبراير 2012م .. ونحسب أنه من الأنفس المطمئنة التي رجعت إلى ربها راضية مرضية ولا نزكيه على خالقه .. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
          إن للموت للوعة! وفرقة وحرقة! وإنه لمصيبة بحق! فهو هازم اللذات ومفرق الأحبة! لكن رغم هذه اللوعة والفرقة وهول المصيبة! فإن ربنا قد علمنا في كتابه الكريم (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) البقرة: آية 156.
          نعم قد دهشنا لمصيبة الموت! وإنا لمحزونون لفراق شيخنا! فقد كان علماً وبركة وتواضعاً يمشي على الأرض.. فالدعوة الإسلامية قد خسرت ابناً من أبنائها الأبرار وعلماً من أعلامها الأخيار.
          وأحسب أن قول الشاعر قد صدق فيه:
          فما كان قيسٌ هُلكهُ هُلك واحد ** ولكنه بنيانُ قوم تهدما
          ولكن رحم الأمة ولود والحمد لله .. نسأله سبحانه أن يخلفنا في شيخنا خيراً..
          فلا يزال طيف صوته هامساً في مسمعي! ولا تزال كلماته الصادقات وأفكاره النيرات ماثلة أمام ثنايا رثائي له! حتى ضحكاته وقفشاته الحلوة وأنا أداعبه بأسماء كتبه وهو يضحك ويبادلني القفشات البريئة! ثم يعود بي إلى السؤال عن أحوالي ويقول لي لو عدتَ إلى مصر إن شاء الله سأكون من أول المستقبلين لك في المطار! فقلت له لو رجعتُ بإذن الله إلى مصر إن شاء الله سأذهب إليك وأضمك في صدري!
          ثم يبادلني مشاعر في غاية السمو والأدب الرفيع والثناء الجميل الذي كان يخجلني به! وأقول له شتان شيخنا بين الثرى والثريا! فأنت نجم في سماء الحركة الإسلامية!
          فمنذ أيام قلائل كنا نتبادل هموم الأمة وأطراف الحديث في موضوعات عامة وخاصة!
          وأذكر أيضاً أنه منذ أسابيع معدودات كان هناك لقاء ثلاثي عبر الهاتف لأكثر من ساعة بيني وبينه ومعنا فضيلة الشيخ الدكتور طارق عبد الحليم حول مشروع التيار السني لإنقاذ مصر؛ كان رحمه الله مهموماً بمصير الأمة! كان مشغولاً بلملمة الجراح وتوحيد تيار نقي يقف أمام انهيار المتراجعين الذين ألهتهم صناديق الاقتراع عن ثوابت عقيدتهم! كان بيته مفتوحاً لأبناء الحركة الإسلامية على اختلاف مشاربهم! لم لا؟! وكنا نعده من آخر علماء مصر المحترمين.. لم لا؟! لكن قدر الدعوة في فقد أبنائها الأوفياء!..
          كان رحمه الله عالماً موسوعياً صحيح الاعتقاد حلو المعشر، يقطر صوته خجلاً وتواضعاً! تجلس معه تشعر أنك قد آويت إلى كهف رحمة وتحنان! أب حنون، وأخ شفوق، ورفيق درب لا تمل صحبته!
          أسد ٌهصورٌ في الحق! ذلولٌ رؤومٌ لينُ الجانب لأهل دينه.. كبيرٌ منذ أن عرفته الحركة الإسلامية وعرفها.. لم تلده فضائيةٌ مدغدغةٌ للمشاعر! وُلدت دعوته في رحم المحن والسجون والمطاردة!..
          لقد غيبه الطغاة أكثر من ثلاثين سنة عن الحديث مع الناس! حتى ظن الوليد الجديد أن شيوخ الفضائيات هم شيوخ الإسلام وأعلامه! لكنهم شيوخ النظام وأزلامه!
          وعلى أية حال فقد أبى الله إلا أن يحصحص الحق ويبقى ما ينفع الناس.. ويخلع الله وحده الباطل وحزبه في ثورة 18 من صفر 1432هـ الموافق 25 يناير 2012م.. ثم ها هو ذا شيخنا الصابر المبتلى يطل على استحياء في فضائية إسلامية في مقابلة أو مقابلتين! وقد صارحني بعد ظهوره أنه كان كارهاً رغم جهره بالحق! لكن لله في خلقه شؤون .. فلم نستمتع بشيخنا طويلاً!
          وكان من عجائب قدر الله أنه شرفني بكتابة مقدمة لكتابي "مصادر السيرة النبوية" وكان قد كتبها فجر عرفة العام المنصرم 1432هـ .. ولم أكن أعلم أن هذه ستكون أول وآخر مقدمة يقدمها لي شيخنا العلامة رفاعي سرور!
          أتته المنايا حين تم تمامه ** وأقصر عنه كل قرن يطاوله
          وكان كليث غاب يحمي عرينه ** وترضى به أشباله وخلائله
          غضوبٌ، حليمٌ، حين يطلب حلمه ** وسمٌ زعافٌ لا تصاب مقاتله
          وسبحان الله كنت أتحدث أمس الثلاثاء مع نجله المهندس عمر وأحسبه أسداً مثل أبيه .. نسأل الله أن يحفظه .. الذي أفرج عنه العام الماضي بعد الثورة وقلت له لا تنس أن تعطي شيخنا والدكم نسخة من كتابي هدية! فضحك عمر وقال أنا أخذت النسخة من عنده أصلاً! ثم لم تمر إلا ساعات حتى نعى الناعي وفاة شيخنا! فدهشت وحبست العبرة وخفق الفؤاد إذ لم أجد إلا أن أقول ما يرضى الرب فإنا لله وإنا إليه راجعون.
          وبعد هذه التقدمة السريعة أقول أيضاً:
          لقد كان شيخنا العلامة رفاعي سرور من العلماء القلائل الصداعين بالحق الثابتين على المنهج فلم يدخل في دين الطاغوت ولم يتراجع قيد أنملة عن الحق.. وقد كنا قد كتبنا بياناً منذ 7 سنوات نستنكر فيه اعتقال قوات أمن الطاغية المخلوع لشيخنا رفاعي سرور في ذلك الوقت! وها نحن أولاء نعيد تسليط الضوء على جانب من هذه الشخصية الفذة ليعرف الشبيبة أن شيخنا كان من أنفس معادن الرجال:
          أولاً: الشيخ العلامة رفاعي سرور من الرعيل الأول للحركات السلفية ذات التوجه الجهادي، ويعد من العلماء القلائل الذين صدعوا بالحق في وجه الطغاة، وتحملوا تبعة قولة الحق بالسجن والتعذيب والتضييق في الرزق، وفرضت عليه إقامة شبه جبرية لسنوات طويلة وهو صابر محتسب مع زهد وقناعة وحسن عبادة ولا نزكي على الله أحداً.
          ثانياً: ابتلي شيخنا رفاعي سرور بالسجن طيلة عمر الحركة الإسلامية الجهادية منذ منتصف الستينات وحتى وقتنا الحاضر. كان الدكتور أيمن الظواهري يبجله ويكن له خالص الإحترام؛ إذ أنه قد تعرف عليه في سنة 1975م وكان يقول لقد تعلمت واستفدت منه كثيراً.
          ثالثا: كان شيخنا رفاعي سرور ضمن الإسلاميين المتهمين في القضية رقم 462 لسنة 1981م حصر أمن دولة عليا المعروفة باسم قضية تنظيم الجهاد وكان مثالاً للأسد الهصور والشيخ الصبور الذي لم ينثن للطغاة ولم يركع إلا لله حتى ضاقوا به ذرعاً فحرضوا بعض السفهاء للشغب على فكره وعلمه وقد خاب مسعاهم وخرج الشيخ رفاعي سرور نقياً صافياً حيث فرضت عليه المراقبة اللصيقة وكان من قبل قدر قرر أن يعتزل العمل التنظيمي فكان يعكف على تأليف بعض الكتب النافعة والتحقيقات الجادة رغم حالته المادية الصعبة؛ إذ لم يشتك لأحد، وكان الناس يتعجبون من صبره وجلده ومواظبته على الصيام حتى أصيب ببعض الأمراض؛ كالسكري والكلى ومرض هشاشة العظام.. وظل هكذا حتى صعدت روحه إلى ربها .. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
          رابعاً: لقد ترك شيخنا رحمه الله للمكتبة الإسلامية نفائس فكرية وعقدية كانت ولا تزال زاداً للشبيبة وللأجيال القادمة بإذن ومن أهمها:
          (أ) كتاب عندما ترعى الذئاب الغنم: وهو من جزئين وهو في غاية الروعة ومترجم إلى عدة لغات أجنبية ألفه في بداية حقبة السبعينات.
          (ب) كتاب أصحاب الإخدود: رغم صغر حجمه إلا أن الله وضع البركة في هذا الكتاب الذي طبع في السبعينات وحتى وقتنا الحاضر وترجم إلى عدة لغات وقد ألفه شيخنا عام 1966 وهو ابن ثمان عشرة سنة.
          (ج) كتاب قدر الدعوة: من الكتب القيمة التي ينبغي على أي داعية إسلامي أن يقرأه وله كتابان في نفس السياق اسمه (حكمة الدعوة) وكتاب (بيت الدعوة)..
          (د) كتاب علامات الساعة: وهو دراسة تحليلية لعلامات الساعة: وهذا الكتاب لا يوجد له نظير في العصور القديمة ولا الحديثة إذ لم يؤلفه على طريقة القدماء، بل غاص في مسائل تحليلية وأجاب ببراعة عن إشكاليات وملابسات في غاية الأهمية. هذا الكتاب منشور من جزأين وترجم إلى اللغة الإنجليزية.
          (5) ومقالاته القيمة: الحاكمية والحرب الصليبية.. ملامح المنهج السلفي في المواجهة مع التنصير.. الحد بين الرأي والحرب .. الحرب على الشريعة .. «طلب الاعتذار» بدعة نصرانية وضلالة سياسية .. الشواهد النفسية على شرك القبور.. إبليس والصليب وغيرها من مقالات رائعة ماتعة.

          صفوة القول
          نعم إن الموت حق! وكل نفس لا محالة ذائقة الموت؟ نعم! لقد توفي شيخنا العلامة صاحب الأخدود ولا تزال الذئاب ترعى الغنم!! لكن كتاباته وكلماته ستظل حية بإذن الله كحياة كلمات أستاذه الشهيد سيد قطب رحمهما الله .. وبإذن الله سيأتي اليوم الذي تفر فيه الذئاب وتهيم في الفيافي والمفاوز مذعورة تائهة هالكة .. وتنعم الغنم في مراعيها ومراتعها بدون خوف وهلع.. أليس الصبح بقريب؟!
          اللهم إنا نشهد أن عبدك شيخنا العلامة أبا يحيى رفاعي سرور قد ظلمه طواغيت مصر على مدار خمسين سنة.. اللهم إنا نشهد أنهم زجوا به ظلماً في السجون وضيقوا عليه وعلى أهله.. فكانت حياته بين السجن والإقامة الجبرية واعتقال أبنائه يحيى وعمر وحتى أصهاره..
          اللهم إنا نشهد أنه كان صحيح الاعتقاد حريصاً على نشر دينك والذب عن شريعتك..
          اللهم إنا نشهد أنه لم يدخل في دين المتراجعين عن الحق!
          اللهم إنا نشهد أنه كان من العلماء العاملين المبتلين الصابرين الثابتين..
          اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تغفر له وترحمه وتنزل عليه شآبيب الرحمة والرضوان.. اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده وأدخلنا معه في الصالحين.
          اللهم أسكنه الفردوس الأعلى وأبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله..
          اللهم ألهم أهله الصبر والسلوان .. وألحقنا به وأنت راض عنا يا غفور يا رحمن! اللهم آمين..

          مركز المقريزي للدراسات التاريخية
          لندن في يوم الأربعاء
          30 ربيع الأول 1433هـ
          22 فبراير 2012
          ... جرِّد الحجة من قائلها، ومن كثرة القائلين وقلّتهم بها، ومن ضغط الواقع وهوى النفس، واخلُ بها والله ثالثكما، تعرف الحق من الباطل . ( الطريفي )




          تعليق


          • #6
            رد: معركتنا مع الشيطان : قراءة لكتاب "عندما ترعى الذئاب الغنم" رفاعي سرور.

            رحم الله الشيخ رفاعي سرور ونفع بعلمه الوافر الذي ورثه لأبناء الاسلام
            وبارك الله بشيخنا العاملي وسدده .
            ... جرِّد الحجة من قائلها، ومن كثرة القائلين وقلّتهم بها، ومن ضغط الواقع وهوى النفس، واخلُ بها والله ثالثكما، تعرف الحق من الباطل . ( الطريفي )




            تعليق


            • #7
              رد: معركتنا مع الشيطان : قراءة لكتاب "عندما ترعى الذئاب الغنم" رفاعي سرور.

              المشاركة الأصلية بواسطة بنقابى ارضى ربى 2 مشاهدة المشاركة
              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

              جزااااااكم الله خير الجزاااااااااء
              ماااااااااااااااشااااااااااااااااء الله موضوع رااااااااائع
              جعله الله فى ميزااااااااان حسناتكم


              وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
              وآمين على الدعاء
              والله المستعان .

              ... جرِّد الحجة من قائلها، ومن كثرة القائلين وقلّتهم بها، ومن ضغط الواقع وهوى النفس، واخلُ بها والله ثالثكما، تعرف الحق من الباطل . ( الطريفي )




              تعليق


              • #8
                رد: معركتنا مع الشيطان : قراءة لكتاب "عندما ترعى الذئاب الغنم" رفاعي سرور.

                جزاكم الله خيرا

                تعليق


                • #9
                  رد: معركتنا مع الشيطان : قراءة لكتاب "عندما ترعى الذئاب الغنم" رفاعي سرور.

                  جزاكم الله خيرا
                  اللهمّ صلّ على محمد
                  عدد ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون
                  اللهم اغفر لي ولأبي ولأمي ولجميع المسلمين والمسلمات


                  تعليق


                  • #10
                    رد: معركتنا مع الشيطان : قراءة لكتاب "عندما ترعى الذئاب الغنم" رفاعي سرور.

                    المشاركة الأصلية بواسطة palestine_son مشاهدة المشاركة
                    جزاكم الله خيرا
                    اللهم آمين وإياكم أخى الفاضل .
                    ... جرِّد الحجة من قائلها، ومن كثرة القائلين وقلّتهم بها، ومن ضغط الواقع وهوى النفس، واخلُ بها والله ثالثكما، تعرف الحق من الباطل . ( الطريفي )




                    تعليق


                    • #11
                      رد: معركتنا مع الشيطان : قراءة لكتاب "عندما ترعى الذئاب الغنم" رفاعي سرور.

                      جزاكم الله خيرا

                      اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان

                      تعليق


                      • #12
                        رد: معركتنا مع الشيطان : قراءة لكتاب "عندما ترعى الذئاب الغنم" رفاعي سرور.

                        اللهم آمين ، وإياك أخى الفاضل .
                        ... جرِّد الحجة من قائلها، ومن كثرة القائلين وقلّتهم بها، ومن ضغط الواقع وهوى النفس، واخلُ بها والله ثالثكما، تعرف الحق من الباطل . ( الطريفي )




                        تعليق

                        يعمل...
                        X