كوارث انحلالية تصدمنا كل يوم، وتسمع معها أنين الآباء بأن المواقع الإلكترونية الإباحية على الإنترنت هي أحد أهم أسباب انتشار الفساد الخلقي في المجتمع.
أعلم جيداً أن المشكلة معقدة، ومواجهتها أشد تعقيداً، لكن غياب سنة الدفع كلية يجعل السرطان يتمكن من جسد المجتمع، وتكون النهاية حتماً هي الهلاك.
لن أتحدث اليوم عن دور الآباء في مراقبة الأبناء وتربيتهم على الخوف من الله، ومراقبته سبحانه أثناء التعامل مع الإنترنت، ولكنني سأتحدث عن دور الحكومة في معالجة هذه المشكلة وهذا البلاء، فالحكومة يقع عليها العبء الأكبر في منع وصول هذه المواد المهلكة إلى أجهزة المستقبلين لخدمة الإنترنت.
ولذا كان السؤال لماذا لم تمتثل الحكومة لحكم القضاء الشامخ وتتخذ التدابير التكنولوجية والتشريعية التي من شأنها التخفيف من طوفان المواد الانحلالية على الإنترنت.
ففي يوم الثلاثاء الموافق 12-5-2009 أصدرت محكمة القضاء الإداري برئاسة نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس محكمة القضاء الإداري، وعضوية نائبي رئيس مجلس الدولة، حكماً ضد وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ورئيس الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بصفة كل منهما الحكومية.
يلزم الحكم الحكومة بوقف تنفيذ القرار السلبي بامتناع الجهة الإدارية عن حجب المواقع الإباحية على شبكة المعلومات الدولية (الانترنت)، وما يترتب علي ذلك من آثار، وقالت المحكمة الموقرة في حكمها التاريخي: (وبحسبان أن الحريات والحقوق العامة التي كفلها الدستور ليست حريات وحقوقاً مطلقة- وإنما مقيدة بما نص عليه الدستور المصري في المواد 9،10، 12 من "الحفاظ علي الطابع الأصيل للأسرة التي هي أساس المجتمع والتي قوامها الدين والأخلاق والوطنية، والتزام الدولة والمجتمع بمراعاة المستوى الرفيع للتربية الدينية والقيم الخلقية والوطنية، والتراث التاريخي للشعب والحقائق العلمية والآداب العامة"، وأنه توجد بشبكة المعلومات الدولية (الانترنت) ثمة مواقع إباحية تنفث سمومها في نشر الرذيلة بين طوائف المجتمع المصري بالصوت والصورة، بما يهدم كل العقائد الدينية الراسخة والقيم الأخلاقية والآداب العامة، ولا ريب أن الإبقاء على هذه المواقع وعدم حجبها يهدر القيم المشار إليها، ولا يمكن أن يدور ذلك في فلك حرية التعبير، لأن ما يعرض على هذه المواقع يعد من أبرز صور الإخلال بالمصالح العليا للدولة والأمن القومي الاجتماعي، ومن ثم كان لزاماً علي الجهة الإدارية اتخاذ كافة الوسائل اللازمة لحجب هذه المواقع عن المواطن المصري، ويضحى القرار السلبي المطعون فيه بالامتناع عن ذلك اعتداءً صارخاً على أحكام الدستور والقانون، فضًا عن الدين والأخلاق، عند الفصل في موضوع الدعوى، وعن ركن الاستعجال فإنه متوافر أيضاً في هذا الطلب لما يترتب على الاستمرار في تنفيذ القرار المطعون فيه من نتائج يتعذر تداركها متمثلة في شيوع الفاحشة والفساد الخلقي والإباحية في المجتمع المصري).
لن أكرر السؤال الملح والمحير وهو لماذا لم تنفذ الحكومة هذا الحكم القضائي؟، ولكنني سأتوجه إلى الحكومة بعد تساؤلات عملية وهي:
أولاً: من المعروف وجود شركات متخصصة لتنظيف وحجب المواقع الإباحية من على الراوترات والشبكات المحلية، فإذا كانت تقنية المنع قائمة على المستوى الفرعي، فمن المنطقي توافرها لدى الحكومة وهي المستقبل والموزع الرئيسي لمضمون الإنترنت، ومن ثم يكون المنع الرأسي والمركزي من قبل الحكومة أوقع، وأكثر نفعاً، فلماذا لا تستخدم الحكومة هذا الأسلوب التقني؟.
ثانياً: لماذا لا تستحدث الحكومة جهاز فني تكون مهمته فقط مراقبة المحتوى الانحلالي في شبكة الإنترنت، وإخضاع أي محتوى إباحي جديد للمنع؟.
ثالثاً: من المعلوم وجود أجهزة لرصد ترددات المستخدمين على المواقع الإلكترونية، فلماذا لا يتم إنذار الشبكات الفرعية، والمشتركين بقطع خدمة الإنترنت في حالة التعامل مع المواد الإلكترونية الإباحية؟.
رابعاً: لماذا لا تلزم الحكومة شركات الاتصالات المحمولة، بتحذير المشتركين من إساءة استخدام خدمة الإنترنت سواء عبر الهاتف أو الكمبيوتر المحمول، مع قطع الخدمة عن المشترك المخالف؟.
خامساً: لماذا لا تشرع الحكومة في سن تشريعات جديدة تتضمن أحكاماً رادعة وصريحة ضد كل من يقوم بإنشاء موقع إلكتروني إباحي، أو يقوم بنشر صور ومقاطع مرئية فاضحة على شبكة الإنترنت من داخل مصر، أو يقوم بإرسالها عبر البريد الإلكتروني للآخرين؟.
سادساً: لماذا لا تقوم الحكومة بتنظيم مؤتمر عام يضم خبراء التكنولوجيا، الأمن، التربية، وعلماء الدين، لبحث تلك الأزمة الانحلالية، ووضع أفضل الحلول الجذرية لمواجهتها؟.
وفي الختام فإنني أدعو إلى حملة قومية لتنظيف الإنترنت من المواد الإباحية، تتبناها كافة الوسائل الإعلامية، ويعبأ فيها المجتمع، ويتعاون من أجل المواجهة الحاسمة لهذا الطاعون العصري الجديد، الذي لن يترك أحد إلا وسينهش في "عرضه" إلا من رحم ربي، على أن يقوم في هذه الحملة كل متقاطع مع الإنترنت بتنظيف ما تحت يديه من مواد الإلكترونية انحلالية، فالدولة تفلتر ما يَمر من تحت يديها، ومسئولي الشركات والشبكات الفرعية، يمارسون دورهم في ذلك، وولي الأمر ينظف جهاز الكمبيوتر الموجود في بيته من كافة المواد الانحلالية. ويبقى الإطار مفتوحاً لكل مقترح يفَعِّل الحملة، وينظف الإنترنت من الزنا والشذوذ، والخلاعة والمجون.
تعليق