كنت أظن . . ولكني اكتشفت . . فقررت!!
. . الحلقة (15) . .
معيار الصلاح
كنت أظن . .
أن كل من لديه الفصاحة الكافية للتحدث إلى الناس، وإلقاء الخطب والمواعظ عليهم، يعتبر مؤهلاً لقيادة الناس، لاسيما إذا كان صاحب عقيدة سليمة، ويستند في كل أحاديثه على الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح، وحبذا ايضاً لو كان جهوري الصوت، عريض المنكبين، بارع في قراءة القرآن، فإن أداوت جذبه للناس ستكون حينئذٍ أوفر حظاً!!
أن دين الله له معاييره الخاصة في الحكم على صلاح العبد من عدمه!!
فليست الملكات الظاهرية وحدها معيار صلاح العبد!!
فرب حامل فقهٍ إلى من هو منه أفقه!!
ألا وإن أخطر ما يتنافى مع معيار الصلاح لدى العبد من أعمال، هو ما نصَّ عليه قول الحق تبارك وتعالى :
(يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون)!!
فقد يبدو المسلم الملتزم - سواء كان داعية أو طالب علم - في ظاهر منطقه وحديثه وهيئته أمام الناس؛ قمة في التقوى والصلاح، ولكن إذا ما قدر الله وأطلع البعض على شيء من سيرته، سواءً مع أهله أو مع جيرانه أو مع أخلص المقربين منه، ممن يتعامل معه على محك الدرهم والدينار، كانت الفاجعة التي استحقت بالفعل أن يصفها الله تعالى بهذا الوصف المشين في قوله تعالى :
(كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)!!
إنه معيار الزيغ في نفس العبد!!
أن يخالف قوله فعله!! أو تخالف نصائحه تصرفاته!!
فكلما غفل العبد عن تزكية نفسه بصدق وإخلاص - متجرداً لله تعالى - واكتفى بثناء المعجبين عليه من حوله، وما حظي به منهم من ألقاب الوقار والفخار، مثل (الشيخ الكبير، أو الداعية الملهم، أو محدث العصر، أو الداعية المجاهد)!!
كلما تأصل في نفسه مرض الازدواجية (الخبيث) الذي يزيد من عمق الزيغ في نفسه؛ كونه اطمأنَّ إلى مكانته عند الناس، وأنه أضحى بمثابة الشيخ الموقر!!
وعليه فكل ما يصدر عنه من تصرفات، سيكون بلا شك واقعاً في مساحة بعيدة كل البعد عن مرصاد المراقبة الذي ضعف في نفسه لا إرادياً نتيجة وقوعه تحت تأثير هذا الشعور الذي أوعز إليه بارتفاع مكانته عند الخلق، وبالتالي ستكون تصرفاته على ما فيها من قصور، مستساغة - على الأقل لدى نفسه – فضلاً عن كونها مستساغة لدى المقربين منه، والذين أعماهم مطلق الحب عن رؤية النقصان!!
ومن المحزن حقاً، أن أهل الدنيا على وضاعتها، قد وضعوا معايير ثابتة؛ لقبول من يصلح ومن لا يصلح لإدارة أي اختصاص من الاختصاصات!!
وعليه فإن تلك المعايير أسهمت بلا شك إسهاماً كبيراً في الحصول على ثمار جيدة لجهود العاملين في كل اختصاص!!
ليبقى السؤال :
هل هان دين الله علينا، للدرجة التي جعلناه فيها مشاعاً لكل (قاصي وداني) من الناس؛ كي يتبوأ باسم الدين لدى العامة أو الخاصة فيهم، المكانة التي تجعله يتزعم أمر الدين؛ دون وجود معايير للحكم على صلاحة أو عدم صلاحه لتلك المكانة؟!
وتزداد المأساة فظاعة؛ حين نعلم أن الله قد كفانا تحديد ملامح تلك المعايير!! ولم يكلفنا بالبحث المضني عنها، أو التدقيق الممل فيها حتى نصل إلي هذه الملامح أو تلك المعايير!!
وإنما جمعها لنا بكلمات معدودات فقط في قوله تعالى :
(إن أكرمكم عند الله أتقاكم)!!
فمن منعته تقواه من مخالفة قوله لفعله؛ فقد وافق معيار الصلاح!!
ومن منعته تقواه من حب الثناء والمدح وآثر ما عند الله من الثواب؛ فصدع بكلمة الحق، ولم يبالِ في الله لومة لائم؛فقد وافق معيار الصلاح!!
ومن منعته تقواه من شراء الدنيا بالدين؛فقد وافق معيار الصلاح!!
ومن منعته تقواه من الركون إلى الذين ظلموا طمعاً في متاع دنياهم الحقير؛ فقد وافق معيار الصلاح!!
فمن منعته تقواه من الفتوى بغير علمٍ خوفاً من الله؛فقد وافق معيار الصلاح!!
أن تكون وجهتي المطلقة هي . . الله . . والله وحده!!
وأن أجعل من معيار التقوى مرشداً لي في تلك المسيرة، حين أبحر بصحبة الصالحين – من العلماء والدعاة وطلبة العلم - في سفن تقواهم لله، كي أنجو وإياهم من أمواج مضلات الفتن، فمن صلحت بالتقوى سفينته؛ كانت مني على الفور صحبته، ومن قصرت به التقوى منهم عن الإبحار، كان لي في معيار التقوى خير نجاة توصلني إلى شاطئ الأمان؛ ببلوغ ساحة الرحيم المنان!!
فبمعيار التقوى ننجوا . . وبمعيار التقوى ننقاد ونقود . . وبمعيار التقوى . . يرفع الله منًّا أقواماً ويضع آخرين!!
فعظموا عباد الله دين الله بهذا المعيار، وليكن كل منَّأ حكماً على نفسه، أما من تصدوا فينا للدعوة والعلم، فسوف يعلو شأنهم تلقائياً بحسب مقدار تقواهم لله تعالى، تماماً . . كما أعلى الله قدر ابن تيمية فصار بعلمه وتقواه شيخاً للإسلام!! وكما أعز شأن العز بن عبد السلام؛ فصار بجرأته في الحق سلطاناً للعلماء!!
ألا فإنَّ العلمَ دينٌ
فانظروا عمَّن تأخذونَ دينكم؟!
تابعوا . .
محبكم
أبو مهند القمري
تعليق