إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ((منقول))

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ((منقول))

    بسم الله الرحمن الرحيم
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم عبده ورسوله
    )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ( آل عمران:102
    )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا( النساء:1
    )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا( الأحزاب :70_71
    أما بعدُ
    قال الله تعالى:
    ((وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37) وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40) يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41)
    سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)
    وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57)
    وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)
    وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66) يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68)))
    قال ابن ماجه رحمه الله:
    (( حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَنْبَأَنَا عِيسَى بْنُ يَزِيدَ أَظُنُّهُ عَنْ جَرِيرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِى زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « حَدٌّ يُعْمَلُ بِهِ فِى الأَرْضِ خَيْرٌ لأَهْلِ الأَرْضِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ».))
    قال مسلم رحمه الله:
    (( حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِى ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَيْسَتِ السَّنَةُ بِأَنْ لاَ تُمْطَرُوا وَلَكِنِ السَّنَةُ أَنْ تُمْطَرُوا وَتُمْطَرُوا وَلاَ تُنْبِتُ الأَرْضُ شَيْئًا ».))
    قال النووى رحمه الله:
    ((وَالْمُرَاد بِالسَّنَةِ هُنَا الْقَحْط ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : { وَلَقَدْ أَخَذْنَا آل فِرْعَوْن بِالسِّنِينَ }))
    قال الله تعالى:
    ((وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ))
    قال البخارى رحمه الله:
    (( حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِىُّ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رضى الله عنه - قَالَ بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِى رَهْطٍ ، فَقَالَ « أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا ، وَلاَ تَسْرِقُوا ، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ ، وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ ، وَلاَ تَعْصُونِى فِى مَعْرُوفٍ ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأُخِذَ بِهِ فِى الدُّنْيَا فَهْوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَطَهُورٌ ، وَمَنْ سَتَرَهُ اللَّهُ فَذَلِكَ إِلَى اللَّهِ ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ » . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِذَا تَابَ السَّارِقُ بَعْدَ مَا قُطِعَ يَدُهُ ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ ، وَكُلُّ مَحْدُودٍ كَذَلِكَ إِذَا تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ . ))
    قال الترمذى رحمه الله:
    (( حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فِى مَجْلِسٍ فَقَالَ « تُبَايِعُونِى عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ تَسْرِقُوا وَلاَ تَزْنُوا قَرَأَ عَلَيْهِمُ الآيَةَ فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ ». قَالَ وَفِى الْبَابِ عَنْ عَلِىٍّ وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَخُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ. قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ الشَّافِعِىُّ لَمْ أَسْمَعْ فِى هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْحُدُودَ تَكُونُ كَفَّارَةً لأَهْلِهَا شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ الشَّافِعِىُّ وَأُحِبُّ لِمَنْ أَصَابَ ذَنْبًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ وَيَتُوبَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ. وَكَذَلِكَ رُوِىَ عَنْ أَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ أَنَّهُمَا أَمَرَا رَجُلاً أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ.))
    قال مسلم رحمه الله:
    (( وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ - وَتَقَارَبَا فِى لَفْظِ الْحَدِيثِ - حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ الأَسْلَمِىَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِى وَزَنَيْتُ وَإِنِّى أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِى. فَرَدَّهُ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى قَدْ زَنَيْتُ. فَرَدَّهُ الثَّانِيَةَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ « أَتَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيْئًا ». فَقَالُوا مَا نَعْلَمُهُ إِلاَّ وَفِىَّ الْعَقْلِ مِنْ صَالِحِينَا فِيمَا نُرَى فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَيْضًا فَسَأَلَ عَنْهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ وَلاَ بِعَقْلِهِ فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَةَ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ. قَالَ فَجَاءَتِ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّى قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِى. وَإِنَّهُ رَدَّهَا فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ تَرُدُّنِى لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِى كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا فَوَاللَّهِ إِنِّى لَحُبْلَى. قَالَ « إِمَّا لاَ فَاذْهَبِى حَتَّى تَلِدِى ». فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِىِّ فِى خِرْقَةٍ قَالَتْ هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ. قَالَ « اذْهَبِى فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ ». فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِىِّ فِى يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ فَقَالَتْ هَذَا يَا نَبِىَّ اللَّهِ قَدْ فَطَمْتُهُ وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ. فَدَفَعَ الصَّبِىَّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا فَيُقْبِلُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا فَسَمِعَ نَبِىُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سَبَّهُ إِيَّاهَا فَقَالَ « مَهْلاً يَا خَالِدُ فَوَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ ». ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ.))
    قال مسلم رحمه الله:
    (( حَدَّثَنِى أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمِسْمَعِىُّ حَدَّثَنَا مُعَاذٌ - يَعْنِى ابْنَ هِشَامٍ - حَدَّثَنِى أَبِى عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ حَدَّثَنِى أَبُو قِلاَبَةَ أَنَّ أَبَا الْمُهَلَّبِ حَدَّثَهُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ نَبِىَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهِىَ حُبْلَى مِنَ الزِّنَى فَقَالَتْ يَا نَبِىَّ اللَّهِ أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَىَّ فَدَعَا نَبِىُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلِيَّهَا فَقَالَ « أَحْسِنْ إِلَيْهَا فَإِذَا وَضَعَتْ فَائْتِنِى بِهَا ». فَفَعَلَ فَأَمَرَ بِهَا نَبِىُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَشُكَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ تُصَلِّى عَلَيْهَا يَا نَبِىَّ اللَّهِ وَقَدْ زَنَتْ فَقَالَ « لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ تَعَالَى ».))
    قال الله تعالى:
    ((إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ))
    قال الله تعالى:
    ((كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ))
    قال الله تعالى:
    ((لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52)))
    قال مسلم رحمه الله:
    (( وَحَدَّثَنِى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى - وَاللَّفْظُ لِحَرْمَلَةَ - قَالاَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِى يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الَّتِى سَرَقَتْ فِى عَهْدِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فِى غَزْوَةِ الْفَتْحِ فَقَالُوا مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَأُتِىَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَكَلَّمَهُ فِيهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « أَتَشْفَعُ فِى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ». فَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ اسْتَغْفِرْ لِى يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَلَمَّا كَانَ الْعَشِىُّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَاخْتَطَبَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ « أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَإِنِّى وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا ». ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِى سَرَقَتْ فَقُطِعَتْ يَدُهَا. قَالَ يُونُسُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدُ وَتَزَوَّجَتْ وَكَانَتْ تَأْتِينِى بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-.))
    قال الله تعالى:
    ((وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا))
    قال البخارى رحمه الله:
    (( حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِى إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ عَنْ أَبِى وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ الْيَوْمَ شَرٌّ مِنْهُمْ عَلَى عَهْدِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - كَانُوا يَوْمَئِذٍ يُسِرُّونَ وَالْيَوْمَ يَجْهَرُونَ . ))
    قال أحمد رحمه الله:
    (( حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمْيْرٍ حَدَّثَنَا رَزِينٌ الْجُهَنِىُّ حَدَّثَنِى أَبُو الرُّقَادِ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ مَوْلاَىَ وَأَنَا غُلاَمٌ فَدُفِعْتُ إِلَى حُذَيْفَةَ وَهُوَ يَقُولُ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَيَصِيرُ مُنَافِقاً وَإِنِّى لأَسْمَعُهَا مِنْ أَحَدِكُمْ فِى الْمَقْعَدِ الْوَاحِدِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ.لَتَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلَتَحَاضُّنَّ عَلَى الْخَيْرِ أَوْ لَيُسْحِتَنَّكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً بِعَذَابٍ أَوْ لَيُؤَمِّرَنَّ عَلَيْكُمْ شِرَارَكُمْ ثُمَّ يَدْعُو خِيَارُكُمْ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ.))
    قال البخارى رحمه الله:
    (( حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا مَهْدِىٌّ عَنْ غَيْلاَنَ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالاً هِىَ أَدَقُّ فِى أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعَرِ ، إِنْ كُنَّا نَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - الْمُوبِقَاتِ . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِى بِذَلِكَ الْمُهْلِكَاتِ . ))
    قال الإمام أحمد رحمه الله:
    ((حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ حَبِيبٍ حَدَّثَهُمْ عَنْ أَبِى أُمَامَةَ الْبَاهِلِىِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَيُنْقَضَنَّ عُرَى الإِسْلاَمِ عُرْوَةً عُرْوَةً فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِى تَلِيهَا وَأَوَّلُهُنَّ نَقْضاً الْحُكْمُ وَآخِرُهُنَّ الصَّلاَةُ ».))
    قال الإمام مسلم رحمه الله:
    (( حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَابْنُ أَبِى عُمَرَ جَمِيعًا عَنْ مَرْوَانَ الْفَزَارِىِّ قَالَ ابْنُ عَبَّادٍ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ عَنْ يَزِيدَ - يَعْنِى ابْنَ كَيْسَانَ - عَنْ أَبِى حَازِمٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ».))
    قال الترمذى رحمه الله:
    (( حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى الْفَزَارِىُّ ابْنُ بِنْتِ السُّدِّىِّ الْكُوفِىِّ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ شَاكِرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَأْتِى عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ ». ))
    قال ابن كثير رحمه الله:
    ((ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المُحْكَم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان، الذي وضع لهم الياسق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعًا متبعًا، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا يحكم بسواه في قليل ولا كثير، قال الله تعالى: { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ } أي: يبتغون ويريدون، وعن حكم الله يعدلون. { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } أي: ومن أعدل من الله في حكمه لمن عَقل عن الله شرعه، وآمن به وأيقن وعلم أنه تعالى أحكم الحاكمين، وأرحم بعباده من الوالدة بولدها، فإنه تعالى هو العالم بكل شيء، القادر على كل شيء، العادل في كل شيء.))
    قال الله تعالى:
    ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) ))
    قال ابن كثير رحمه الله:
    ((هذا إنكار من الله، عز وجل، على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين، وهو مع ذلك يريد التحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله، كما ذكر في سبب نزول هذه الآية: أنها في رجل من الأنصار ورجل من اليهود تخاصما، فجعل اليهودي يقول: بيني وبينك محمد. وذاك يقول: بيني وبينك كعب بن الأشرف. وقيل: في جماعة من المنافقين، ممن أظهروا الإسلام، أرادوا أن يتحاكموا إلى حكام الجاهلية. وقيل غير ذلك، والآية أعم من ذلك كله، فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة، وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل، وهو المراد بالطاغوت هاهنا؛ ولهذا قال: { يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ } .
    وقوله: { يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا } أي: يعرضون عنك إعراضا كالمستكبرين عن ذلك، كما قال تعالى عن المشركين: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا } [لقمان:21]هؤلاء وهؤلاء بخلاف المؤمنين، الذين قال الله فيهم: { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ] } [النور: 51].))
    قال الله تعالى:
    ((فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)))
    قال ابن كثير رحمه الله:
    ((يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة: أنه لا يؤمن أحد حتى يُحَكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا؛ ولهذا قال: { ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } أي: إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليما كليا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة))
    قال مسلم رحمه الله:
    ((حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ كِلاَهُمَا عَنْ أَبِى مُعَاوِيَةَ قَالَ يَحْيَى أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ مُرَّ عَلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- بِيَهُودِىٍّ مُحَمَّمًا مَجْلُودًا فَدَعَاهُمْ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِى فِى كِتَابِكُمْ ». قَالُوا نَعَمْ. فَدَعَا رَجُلاً مِنْ عُلَمَائِهِمْ فَقَالَ « أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ الَّذِى أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِى فِى كِتَابِكُمْ ». قَالَ لاَ وَلَوْلاَ أَنَّكَ نَشَدْتَنِى بِهَذَا لَمْ أُخْبِرْكَ نَجِدُهُ الرَّجْمَ وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِى أَشْرَافِنَا فَكُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ وَإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيفَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ قُلْنَا تَعَالَوْا فَلْنَجْتَمِعْ عَلَى شَىْءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ فَجَعَلْنَا التَّحْمِيمَ وَالْجَلْدَ مَكَانَ الرَّجْمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اللَّهُمَّ إِنِّى أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ ». فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِى الْكُفْرِ) إِلَى قَوْلِهِ (إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ) يَقُولُ ائْتُوا مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- فَإِنْ أَمَرَكُمْ بِالتَّحْمِيمِ وَالْجَلْدِ فَخُذُوهُ وَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِالرَّجْمِ فَاحْذَرُوا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) فِى الْكُفَّارِ كُلُّهَا.))
    قال البخارى رحمه الله:
    ((حَدَّثَنِى إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ قَدْ زَنَيَا ، فَقَالَ لَهُمْ « كَيْفَ تَفْعَلُونَ بِمَنْ زَنَى مِنْكُمْ » . قَالُوا نُحَمِّمُهُمَا وَنَضْرِبُهُمَا . فَقَالَ « لاَ تَجِدُونَ فِى التَّوْرَاةِ الرَّجْمَ » . فَقَالُوا لاَ نَجِدُ فِيهَا شَيْئًا . فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ كَذَبْتُمْ ( فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) فَوَضَعَ مِدْرَاسُهَا الَّذِى يُدَرِّسُهَا مِنْهُمْ كَفَّهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ ، فَطَفِقَ يَقْرَأُ مَا دُونَ يَدِهِ وَمَا وَرَاءَهَا ، وَلاَ يَقْرَأُ آيَةَ الرَّجْمِ ، فَنَزَعَ يَدَهُ عَنْ آيَةِ الرَّجْمِ فَقَالَ مَا هَذِهِ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَالُوا هِىَ آيَةُ الرَّجْمِ . فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا قَرِيبًا مِنْ حَيْثُ مَوْضِعُ الْجَنَائِزِ عِنْدَ الْمَسْجِدِ ، فَرَأَيْتُ صَاحِبَهَا يَجْنَأُ عَلَيْهَا يَقِيهَا الْحِجَارَةَ .))
    قال ابن ماجه رحمه الله:
    ((حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِىُّ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ أَبِى مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِى رَبَاحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِى قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِى لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِى أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا. ».))
    قال الحافظ رحمه الله فى الفتح:
    ((ومن رحمه الله بهذه الأمة المحمدية أن يعجل لهم العقوبة في الدنيا ولا ينافي ذلك أن يحصل لمن وقع به الطاعون أجر الشهادة ولا سيما وأكثرهم لم يباشر تلك الفاحشة وإنما عمهم والله أعلم لتقاعدهم عن إنكار المنكر))
    قال أحمد رحمه الله:
    ((حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ أَنْبَأَنَا شَرِيكٌ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا ظَهَرَ فِى قَوْمٍ الرِّبَا وَالزِّنَا إِلاَّ أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عِقَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ».))
    قال أحمد رحمه الله:
    ((حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الرَّازِىُّ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ لَبِيبَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى رَافِعٍ عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لاَ تَزَالُ أُمَّتِى بِخَيْرٍ مَا لَمْ يَفْشُ فِيهِمْ وَلَدُ الزِّنَا فَإِذَا فَشَا فِيهِمْ وَلَدُ الزِّنَا فَيُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعِقَابٍ ».))
    قال ابن القيم رحمه الله:
    ((فَمَا كَانَ الْوَازِعُ عَنْهُ طَبِيعِيًّا وَمَا لَيْسَ فِي الطِّبَاعِ دَاعٍ إِلَيْهِ اكْتُفِيَ بِالتَّحْرِيمِ مَعَ التَّعْزِيرِ ، وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهِ حَدًّا ، كَأَكْلِ الرَّجِيعِ ، وَشُرْبِ الدَّمِ ، وَأَكْلِ الْمَيْتَةِ .
    وَمَا كَانَ فِي الطِّبَاعِ دَاعٍ إِلَيْهِ رَتَّبَ عَلَيْهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ بِقَدْرِ مَفْسَدَتِهِ ، وَبِقَدْرِ دَاعِي الطَّبْعِ إِلَيْهِ .
    وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ دَاعِي الطِّبَاعِ إِلَى الزِّنَا مِنْ أَقْوَى الدَّوَاعِي كَانَتْ عُقُوبَتُهُ الْعُظْمَى مِنْ أَشْنَعِ الْقِتْلَاتِ وَأَعْظَمِهَا ، وَعُقُوبَتُهُ السَّهْلَةُ أَعْلَى أَنْوَاعِ الْجَلْدِ مَعَ زِيَادَةِ التَّغْرِيبِ .
    وَلَمَّا كَانَتْ جَرِيمَةُ اللِّوَاطِ فِيهَا الْأَمْرَانِ ، كَانَ حَدَّهُ الْقَتْلُ بِكُلِّ حَالٍ ، وَلَمَّا كَانَ دَاعِي السَّرِقَةِ قَوِيًّا وَمَفْسَدَتُهَا كَذَلِكَ ، قَطَعَ فِيهَا الْيَدَ .
    وَتَأَمَّلْ حِكْمَتَهُ فِي إِفْسَادِ الْعُضْوِ الَّذِي بَاشَرَ بِهِ الْجِنَايَةَ ، كَمَا أَفْسَدَ عَلَى قَاطِعِ الطَّرِيقِ يَدَهُ وَرِجْلَهُ اللَّتَيْنِ هُمَا آلَةُ قَطْعِهِ ، وَلَمْ يُفْسِدْ عَلَى الْقَاذِفِ لِسَانَهُ الَّذِي جَنَى بِهِ ، إِذْ مَفْسَدَتُهُ تَزِيدُ عَلَى مَفْسَدَةِ الْجِنَايَةِ وَلَا يَبْلُغُهَا ، فَاكْتَفَى مِنْ ذَلِكَ بِإِيلَامِ جَمِيعِ بَدَنِهِ بِالْجَلْدِ .
    فَإِنْ قِيلَ : فَهَلَّا أَفْسَدَ عَلَى الزَّانِي فَرْجَهُ الَّذِي بَاشَرَ بِهِ الْمَعْصِيَةَ .
    قِيلَ : لِوُجُوهٍ :
    أَحَدُهَا : أَنَّ مَفْسَدَةَ ذَلِكَ تَزِيدُ عَلَى مَفْسَدَةِ الْجِنَايَةِ ، إِذْ فِيهِ قَطْعُ النَّسْلِ وَتَعْرِيضُهُ لِلْهَلَاكِ .
    الثَّانِي : أَنَّ الْفَرْجَ عُضْوٌ مَسْتُورٌ ، لَا يَحْصُلُ بِقَطْعِهِ مَقْصُودُ الْحَدِّ مِنَ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ لِأَمْثَالِهِ مِنَ الْجُنَاةِ ، بِخِلَافِ قَطْعِ الْيَدِ .
    الثَّالِثُ : أَنَّهُ إِذَا قَطَعَ يَدَهُ أَبْقَى لَهُ يَدًا أُخْرَى تُعَوِّضُ عَنْهَا ، بِخِلَافِ الْفَرْجِ .
    الرَّابِعُ : أَنَّ لَذَّةَ الزِّنَا عَمَّتْ جَمِيعَ الْبَدَنِ ، فَكَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ تَعُمَّ الْعُقُوبَةُ جَمِيعَ الْبَدَنِ ، وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ تَخْصِيصِهَا بِبُضْعَةٍ مِنْهُ .
    فَعُقُوبَاتُ الشَّارِعِ جَاءَتْ عَلَى أَتَمِّ الْوُجُوهِ وَأَوْفَقِهَا لِلْعَقْلِ ، وَأَقْوَمِهَا بِالْمَصْلَحَةِ .
    وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الذُّنُوبَ إِنَّمَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْعُقُوبَاتُ الشَّرْعِيَّةُ أَوِ الْقَدَرِيَّةُ أَوْ يَجْمَعُهَا اللَّهُ لِلْعَبْدِ ، وَقَدْ يَرْفَعُهَا عَمَّنْ تَابَ وَأَحْسَنَ .وَعُقُوبَاتُ الذُّنُوبِ نَوْعَانِ : شَرْعِيَّةٌ ، وَقَدَرِيَّةٌ ، فَإِذَا أُقِيمَتِ الشَّرْعِيَّةٌ رُفِعَتِ الْعُقُوبَةُ الْقَدَرِيَّةُ وَخَفَّفَتْهَا ، وَلَا يَكَادُ الرَّبُّ تَعَالَى يَجْمَعُ عَلَى الْعَبْدِ بَيْنَ الْعُقُوبَتَيْنِ إِلَّا إِذَا لَمْ يَفِ أَحَدُهُمَا بِرَفْعِ مُوجَبِ الذَّنْبِ ، وَلَمْ يَكْفِ فِي زَوَالِ دَائِهِ ، وَإِذَا عُطِّلَتِ الْعُقُوبَاتُ الشَّرْعِيَّةُ اسْتَحَالَتْ قَدَرِيَّةً ، وَرُبَّمَا كَانَتْ أَشَدَّ مِنَ الشَّرْعِيَّةِ ، وَرُبَّمَا كَانَتْ دُونَهَا ، وَلَكِنَّهَا تَعُمُّ ، وَالشَّرْعِيَّةُ تَخُصُّ ، فَإِنَّ الرَّبَّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يُعَاقِبُ شَرْعًا إِلَّا مَنْ بَاشَرَ الْجِنَايَةَ أَوْ تَسَبَّبَ إِلَيْهَا .
    وَأَمَّا الْعُقُوبَةُ الْقَدَرِيَّةُ فَإِنَّهَا تَقَعُ عَامَّةً وَخَاصَّةً ، فَإِنَّ الْمَعْصِيَةَ إِذَا خَفِيَتْ لَمْ تَضُرَّ إِلَّا صَاحِبَهَا ، وَإِذَا أُعْلِنَتْ ضَرَّتِ الْخَاصَّةَ وَالْعَامَّةَ ، وَإِذَا رَأَى النَّاسُ الْمُنْكَرَ فَتَرَكُوا إِنْكَارَهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ .
    وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعُقُوبَةَ الشَّرْعِيَّةَ شَرَعَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى قَدْرِ مَفْسَدَةِ الذَّنْبِ وَتَقَاضِي الطَّبْعِ لَهَا ، وَجَعَلَهَا سُبْحَانَهُ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ : الْقَتْلَ وَالْقَطْعَ وَالْجَلْدَ ، وَجَعَلَ الْقَتْلَ بِإِزَاءِ الْكُفْرِ وَمَا يَلِيهِ وَيَقْرُبُ مِنْهُ ، وَهُوَ الزِّنَا وَاللِّوَاطُ ، فَإِنَّ هَذَا يُفْسِدُ الْأَدْيَانَ ، وَهَذَا يُفْسِدُ الْأَنْسَابَ وَنَوْعَ الْإِنْسَانِ .
    قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : لَا أَعْلَمُ بَعْدَ الْقَتْلِ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنَ الزِّنَا ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ ؟ قَالَ : أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ ، قَالَ : قُلْتُ : ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ : أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ ، قَالَ : قُلْتُ : ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَهَا وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ [ سُورَةُ الْفُرْقَانِ 68 ] .
    وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ أَعْلَاهُ لِيُطَابِقَ جَوَابُهُ سُؤَالَ السَّائِلِ ، فَإِنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ أَعْظَمِ الذَّنْبِ ، فَأَجَابَهُ بِمَا تَضَمَّنَ ذِكْرَ أَعْظَمِ أَنْوَاعِهَا ، وَمَا هُوَ أَعْظَمُ كُلِّ نَوْعٍ .
    فَأَعْظَمُ أَنْوَاعِ الشِّرْكِ أَنْ يَجْعَلَ الْعَبْدُ لِلَّهِ نِدًّا .
    وَأَعْظَمُ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ : أَنْ يَقْتُلَ وَلَدَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ .
    وَأَعْظَمُ أَنْوَاعِ الزِّنَا : أَنْ يَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِهِ ، فَإِنَّ مَفْسَدَةَ الزِّنَا تَتَضَاعَفُ بِتَضَاعُفِ مَا انْتَهَكَهُ مِنَ الْحَقِّ .
    فَالزِّنَا بِالْمَرْأَةِ الَّتِي لَهَا زَوْجٌ أَعْظَمُ إِثْمًا وَعُقُوبَةً مِنَ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا ، إِذْ فِيهِ انْتِهَاكُ حُرْمَةِ الزَّوْجِ ، وَإِفْسَادُفِرَاشِهِ وَتَعْلِيقُ نَسَبٍ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ أَذَاهُ ، فَهُوَ أَعْظَمُ إِثْمًا وَجُرْمًا مِنَ الزِّنَا بِغَيْرِ ذَاتِ الْبَعْلِ .
    فَالزِّنَا بِمِائَةِ امْرَأَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا أَيْسَرُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الزِّنَا بِامْرَأَةِ الْجَارِ ، فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا جَارًا لَهُ انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ سُوءُ الْجِوَارِ ، وَأَذَى جَارِهِ بِأَعْلَى أَنْوَاعِ الْأَذَى وَذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْبَوَائِقِ .
    وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ وَلَا بَائِقَةَ أَعْظَمُ مِنَ الزِّنَا بِامْرَأَةِ الْجَارِ .
    فَإِنْ كَانَ الْجَارُ أَخًا لَهُ أَوْ قَرِيبًا مِنْ أَقَارِبِهِ انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ ، فَيَتَضَاعَفُ الْإِثْمُ لَهُ ، فَإِنْ كَانَ الْجَارُ غَائِبًا فِي طَاعَةِ اللَّهِ كَالصَّلَاةِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ وَالْجِهَادِ تَضَاعَفَ لَهُ الْإِثْمُ ، حَتَّى إِنَّ الزَّانِيَ بِامْرَأَةِ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوقَفُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَيُقَالُ خُذْ مِنْ حَسَنَاتِهِ مَا شِئْتَ .
    قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : فَمَا ظَنُّكُمْ ؟ أَيْ مَا ظَنُّكُمْ أَنَّهُ يَتْرُكُ لَهُ حَسَنَاتٍ ، قَدْ حُكِّمَ فِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا مَا شَاءَ ؟ عَلَى شِدَّةِ الْحَاجَةِ إِلَى حَسَنَةٍ وَاحِدَةٍ ، حَيْثُ لَا يَتْرُكُ الْأَبُ لِابْنِهِ وَلَا الصَّدِيقُ لِصَدِيقِهِ حَقًّا يَجِبُ عَلَيْهِ ، فَإِنِ اتَّفَقَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ رَحِمًا مِنْهُ انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ قَطِيعَةُ رَحِمِهَا ، فَإِنِ اتَّفَقَ أَنْ يَكُونَ الزَّانِي مُحْصَنًا كَانَ الْإِثْمُأَعْظَمَ ، فَإِنْ كَانَ شَيْخًا كَانَ أَعْظَمَ إِثْمًا ، وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، فَإِنِ اقْتَرَنَ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ أَوْ بَلَدٍ حَرَامٍ أَوْ وَقْتٍ مُعَظَّمٍ عِنْدَ اللَّهِ ، كَأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَأَوْقَاتِ الْإِجَابَةِ ، تَضَاعَفَ الْإِثْمُ . وَعَلَى هَذَا فَاعْتَبِرْ مَفَاسِدَ الذُّنُوبِ وَتَضَاعُفَ دَرَجَاتِهَا فِي الْإِثْمِ وَالْعُقُوبَةِ ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ . وَجَعَلَ سُبْحَانَهُ الْقَطْعَ بِإِزَاءِ فَسَادِ الْأَمْوَالِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ ، لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْأَمْوَالَ فِي الِاخْتِفَاءِ ، وَيُنَقِّبُ الدُّورَ ، وَيَتَسَوَّرُ مِنْ غَيْرِ الْأَبْوَابِ ، فَهُوَ كَالسِّنَّوْرِ وَالْحَيَّةِ الَّتِي تَدْخُلُ عَلَيْكَ مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُ ، فَلَمْ تَرْتَفِعْ مَفْسَدَةُ سَرِقَتِهِ إِلَى الْقَتْلِ ، وَلَا تَنْدَفِعُ بِالْجَلْدِ ، فَأَحْسَنُ مَا [ ص: 113 ] دُفِعَتْ بِهِ مَفْسَدَتُهُ إِبَانَةُ الْعُضْوِ الَّذِي يَتَسَلَّطُ بِهِ عَلَى الْجِنَايَةِ ، وَجُعِلَ الْجَلْدُ بِإِزَاءِ إِفْسَادِ الْعُقُولِ وَتَمْزِيقِ الْأَعْرَاضِ بِالْقَذْفِ .
    فَدَارَتْ عُقُوبَاتُهُ سُبْحَانَهُ الشَّرْعِيَّةُ عَلَى هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ ، كَمَا دَارَتِ الْكَفَّارَاتُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ : الْعِتْقِ ، وَهُوَ أَعْلَاهَا ، وَالْإِطْعَامِ ، وَالصِّيَامِ .
    ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الذُّنُوبَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ :
    قِسْمًا فِيهِ الْحَدُّ ، فَهَذَا لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ كَفَّارَةً اكْتِفَاءً بِالْحَدِّ .
    وَقِسْمًا لَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهِ حَدًّا ، فَشَرَعَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ ، كَالْوَطْءِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ ، وَالْوَطْءِ فِي الْإِحْرَامِ ، وَالظِّهَارِ ، وَقَتْلِ الْخَطَأِ ، وَالْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ .
    وَقِسْمًا لَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهِ حَدًّا وَلَا كَفَّارَةً ، وَهُوَ نَوْعَانِ :
    أَحَدُهُمَا : مَا كَانَ الْوَازِعُ عَنْهُ طَبِيعِيًّا ، كَأَكْلِ الْعَذِرَةِ ، وَشُرْبِ الْبَوْلِ وَالدَّمِ .
    وَالثَّانِي : مَا كَانَتْ مَفْسَدَتُهُ أَدْنَى مِنْ مَفْسَدَةِ مَا رُتِّبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ، كَالنَّظَرِ وَالْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَالْمُحَادَثَةِ ، وَسَرِقَةِ فِلْسٍ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ .
    الْكَفَّارَاتُ فِي ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ
    وَشَرَعَ الْكَفَّارَاتِ فِي ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ :
    أَحَدُهَا : مَا كَانَ مُبَاحَ الْأَصْلِ ، ثُمَّ عَرَضَ تَحْرِيمُهُ فَبَاشَرَهُ فِي الْحَالَةِ الَّتِي عَرَضَ فِيهَا التَّحْرِيمُ ، كَالْوَطْءِ فِي الْإِحْرَامِ وَالصِّيَامِ ، وَطَرْدُهُ : الْوَطْءُ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ ، بِخِلَافِ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ ، وَلِهَذَا كَانَ إِلْحَاقُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ لَهُ بِالْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ لَا يَصِحُّ ، فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّلَوُّطِ ، وَشُرْبِ الْمُسْكِرِ .
    النَّوْعُ الثَّانِي : مَا عُقِدَ لِلَّهِ مِنْ نَذْرٍ أَوْ بِاللَّهِ مِنْ يَمِينٍ ، أَوْ حَرَّمَهُ اللَّهُ ثُمَّ أَرَادَ حِلَّهُ ، فَشَرَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ حِلَّهُ بِالْكَفَّارَةِ وَسَمَّاهَا نِحْلَةً ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْكَفَّارَةُ مَاحِيَةً لِهَتْكِ حُرْمَةِ الِاسْمِ بِالْحِنْثِ ، كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، فَإِنَّ الْحِنْثَ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا ، وَقَدْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا ، وَقَدْ يَكُونُ مُبَاحًا ، وَإِنَّمَا الْكَفَّارَةُ حِلٌّ لِمَا عَقَدَهُ .
    النَّوْعُ الثَّالِثُ : مَا تَكُونُ فِيهِ جَابِرَةً لِمَا فَاتَ ، كَكَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَأِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إِثْمٌ ، وَكَفَّارَةِ قَتْلِ الصَّيْدِخَطَأً ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْجَوَابِرِ ، وَالنَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنْ بَابِ الزَّوَاجِرِ ، وَالنَّوْعُ الْوَسَطُ مِنْ بَابِ التَّحِلَّةِ لِمَا مِنْهُ الْعَقْدُ .
    لَا يَجْتَمِعُ الْحَدُّ وَالتَّعْزِيرُ فِي مَعْصِيَةٍ ، بَلْ إِنْ كَانَ فِيهَا حَدٌّ اكْتُفِيَ بِهِ وَإِلَّا اكْتُفِيَ بِالتَّعْزِيرِ ، وَلَا يَجْتَمِعُ الْحَدُّ وَالْكَفَّارَةُ فِي مَعْصِيَةٍ ، بَلْ كُلُّ مَعْصِيَةٍفِيهَا حَدٌّ فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا ، وَمَا فِيهِ كَفَّارَةٌ فَلَا حَدَّ فِيهِ ، وَهَلْ يَجْتَمِعُ التَّعْزِيرُ وَالْكَفَّارَةُ فِي الْمَعْصِيَةِ الَّتِي لَا حَدَّ فِيهَا ؟
    فِيهِ وَجْهَانِ : وَهَذَا كَالْوَطْءِ فِي الْإِحْرَامِ وَالصِّيَامِ ، وَوَطْءِ الْحَائِضِ ، وَإِذَا أَوْجَبْنَا فِيهِ الْكَفَّارَةَ ، فَقِيلَ : يَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ لِمَا انْتَهَكَ مِنَ الْحُرْمَةِ بِرُكُوبِ الْجِنَايَةِ ، وَقِيلَ : لَا تَعْزِيرَ فِي ذَلِكَ ، اكْتِفَاءً بِالْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا جَابِرَةٌ وَمَاحِيَةٌ . وَأَمَّا الْعُقُوبَاتُ الْقَدَرِيَّةُ فَهِيَ نَوْعَانِ : نَوْعٌ عَلَى الْقُلُوبِ وَالنُّفُوسِ ، وَنَوْعٌ عَلَى الْأَبْدَانِ وَالْأَمْوَالِ .
    وَالَّتِي عَلَى الْقُلُوبِ نَوْعَانِ :
    أَحَدُهُمَا : آلَامٌ وُجُودِيَّةٌ يُضْرَبُ بِهَا الْقَلْبُ .
    وَالثَّانِي : قَطْعُ الْمَوَادِ الَّتِي بِهَا حَيَاتُهُ وَصَلَاحُهُ عَنْهُ .
    وَإِذَا قُطِعَتْ عَنْهُ حَصَلَ لَهُ أَضْدَادُهَا ، وَعُقُوبَةُ الْقُلُوبِ أَشَدُّ الْعُقُوبَتَيْنِ ، وَهِيَ أَصْلُ عُقُوبَةِ الْأَبْدَانِ .
    وَهَذِهِ الْعُقُوبَةُ تَقْوَى وَتَتَزَايَدُ ، حَتَّى تَسْرِيَ مِنَ الْقَلْبِ إِلَى الْبَدَنِ ، كَمَا يَسْرِي أَلَمُ الْبَدَنِ إِلَى الْقَلْبِ ، فَإِذَا فَارَقَتِالنَّفْسُ الْبَدَنَ صَارَ الْحُكْمُ مُتَعَلِّقًا بِهَا فَظَهَرَتْ عُقُوبَةُ الْقَلْبِ حِينَئِذٍ ، وَصَارَتْ عَلَانِيَةً ظَاهِرَةً ، وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِعَذَابِ الْقَبْرِ ، وَنِسْبَتُهُ إِلَى الْبَرْزَخِ كَنِسْبَةِ عَذَابِ الْأَبْدَانِ إِلَى هَذِهِ الدَّارِ . وَالَّتِي عَلَى الْأَبْدَانِ أَيْضًا نَوْعَانِ :
    نَوْعٌ فِي الدُّنْيَا .
    وَنَوْعٌ فِي الْآخِرَةِ .
    وَشِدَّتُهَا وَدَوَامُهَا بِحَسَبِ مَفَاسِدِ مَا رُتِّبَتْ عَلَيْهِ فِي الشِّدَّةِ وَالْخِلْقَةِ ، فَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ شَرٌّ أَصْلًا إِلَّا الذُّنُوبَ وَعُقُوبَاتِهَا ، فَالشَّرُّ اسْمٌ لِذَلِكَ كُلِّهِ ، وَأَصْلُهُ مِنْ شَرِّ النَّفْسِ وَسَيِّئَاتِ الْأَعْمَالِ ، وَهُمَا الْأَصْلَانِ اللَّذَانِ كَانَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَعِيذُ مِنْهُمَا فِي خُطْبَتِهِ بِقَوْلِهِ : وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا .
    وَسَيِّئَاتُ الْأَعْمَالِ مِنْ شُرُورِ النَّفْسِ ، فَعَادَ الشَّرُّ كُلُّهُ إِلَى شَرِّ النَّفْسِ ، فَإِنَّ سَيِّئَاتِ الْأَعْمَالِ مِنْ فُرُوعِهِ وَثَمَرَاتِهِ.
    وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ : وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا هَلْ مَعْنَاهُ : السَّيِّئُ مِنْ أَعْمَالِنَا ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ النَّوْعِ إِلَى جِنْسِهِ ، أَوْ تَكُونُ " مِنْ " بَيَانِيَّةً ؟ وَقِيلَ : مَعْنَاهُ : مِنْ عُقُوبَاتِهَا الَّتِي تَسُوءُ ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ : وَمِنْ عُقُوبَاتِ أَعْمَالِنَا الَّتِي تَسُوءُنَا ، وَيُرَجِّحُ هَذَا الْقَوْلَ : أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ تَكُونُ قَدْ تَضَمَّنَتْ جَمِيعَ الشَّرِّ ، فَإِنَّ شُرُورَ الْأَنْفُسِ تَسْتَلْزِمُ الْأَعْمَالَ السَّيِّئَةَ ، وَهِيَ تَسْتَلْزِمُ الْعُقُوبَاتِ السَّيِّئَةَ ، فَنَبَّهَ بِشُرُورِ الْأَنْفُسِ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ مِنْ قُبْحِ الْأَعْمَالِ ، وَاكْتَفَى بِذِكْرِهَا مِنْهُ ، أَوْ هِيَ أَصْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ غَايَةَ الشَّرِّ وَمُنْتَهَاهُ ، فَهُوَ السَّيِّئَاتُ الَّتِي تَسُوءُ الْعَبْدَ مِنْ عَمَلِهِ ، مِنَ الْعُقُوبَاتِ وَالْآلَامِ ، فَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الِاسْتِعَاذَةُ أَصْلَ الشَّرِّ وَفُرُوعَهُ وَغَايَتَهُ وَمُقْتَضَاهُ .
    وَمِنْ دُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ قَوْلُهُمْ : وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ [ سُورَةُ غَافِرٍ : 9 ] .
    فَهَذَا يَتَضَمَّنُ طَلَبَ وِقَايَتِهِمْ مِنْ سَيِّئَاتِ الْأَعْمَالِ وَعُقُوبَاتِهَا الَّتِي تَسُوءُ صَاحِبَهَا ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ مَتَى وَقَاهُمْ عَمَلَالسَّيِّئِ وَقَاهُمْ جَزَاءَ السَّيِّئِ ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ : وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ أَظْهَرَ فِي عُقُوبَاتِ الْأَعْمَالِ الْمَطْلُوبِ وِقَايَتُهَا يَوْمَئِذٍ .
    فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ سَأَلُوهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَقِيَهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ، وَهَذَا هُوَ وِقَايَةُ الْعُقُوبَاتِ السَّيِّئَةِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّيِّئَةِ الَّتِي سَأَلُوا وِقَايَتَهَا ، الْأَعْمَالُ السَّيِّئَةُ ، يَكُونُ الَّذِي سَأَلَهُ الْمَلَائِكَةُ نَظِيرَ مَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
    وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ : " يَوْمَئِذٍ " فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ وِقَايَةُ شُرُورِ سَيِّئَاتِ الْأَعْمَالِ ذَلِكَ الْيَوْمَ ، وَهِيَ سَيِّئَاتٌ فِي أَنْفُسِهَا .
    قِيلَ : وِقَايَةُ السَّيِّئَاتِ نَوْعَانِ .
    أَحَدُهُمَا : وِقَايَةُ فِعْلِهَا بِالتَّوْفِيقِ فَلَا تَصْدُرُ مِنْهُ .
    وَالثَّانِي : وِقَايَةُ جَزَائِهَا بِالْمَغْفِرَةِ ، فَلَا يُعَاقَبُ عَلَيْهَا ، فَتَضَمَّنَتِ الْآيَةُ سُؤَالَ الْأَمْرَيْنِ ، وَالظَّرْفُ تَقْيِيدٌ لِلْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ لَا لِلْجُمْلَةِ الطَّلَبِيَّةِ .
    وَتَأَمَّلْ مَا تَضَمَّنَهُ هَذَا الْخَبَرُ عَنِ الْمَلَائِكَةِ مِنْ مَدْحِهِمْ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ ، وَقَدَّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اسْتِغْفَارِهِمْ تَوَسُّلَهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِسَعَةِ عِلْمِهِ وَسَعَةِ رَحْمَتِهِ ، فَسَعَةُ عِلْمِهِ يَتَضَمَّنُ عِلْمَهُ بِذُنُوبِهِمْ وَأَسْبَابِهَا وَضَعْفِهِمْ عَنِ الْعِصْمَةِ ، وَاسْتِيلَاءِ عَدُوِّهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَهَوَاهُمْ وَطِبَاعِهِمْ وَمَا زُيِّنَ لَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا ، وَعِلْمَهُ بِهِمْ إِذْ أَنْشَأَهُمْ مِنَ الْأَرْضِ ، وَإِذْ هُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ ، وَعِلْمَهُ السَّابِقَ بِأَنَّهُمْ لَا بُدَّ أَنْ يَعْصُوهُ ، وَأَنَّهُ يُحِبُّ الْعَفْوَ وَالْمَغْفِرَةَ ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ سَعَةِ عِلْمِهِ الَّذِي لَا يُحِيطُ بِهِ أَحَدٌسِوَاهُ .
    وَسَعَةُ رَحْمَتِهِ تَتَضَمَّنُ أَنَّهُ لَا يَهْلَكُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ أَهْلِ تَوْحِيدِهِ وَمَحَبَّتِهِ ، فَإِنَّهُ وَاسِعُ الرَّحْمَةِ لَا يُخْرِجُ عَنْ دَائِرَةِ رَحِمَتِهِ إِلَّا الْأَشْقِيَاءَ ، وَلَا أَشْقَى مِمَّنْ لَمْ تَسَعْهُ رَحْمَتُهُ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ، ثُمَّ سَأَلُوهُ أَنْ يَغْفِرَ لِلتَّائِبِينَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا سَبِيلَهُ ، وَهُوَ صِرَاطُهُ الْمُوَصِّلُ إِلَيْهِ الَّذِي هُوَ مَعْرِفَتُهُ وَمَحَبَّتُهُ وَطَاعَتُهُ ، فَتَابُوا مِمَّا يَكْرَهُ ، وَاتَّبَعُوا السَّبِيلَ الَّتِي يُحِبُّهَا ، ثُمَّ سَأَلُوهُ أَنْ يَقِيَهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ، وَأَنْ يُدْخِلَهُمْ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْأُصُولِهِمْ وَفُرُوعِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَهُمْ بِهَا ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ ، وَإِنْ كَانَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ، فَإِنَّهُ وَعَدَهُمْ بِهَا بِأَسْبَابٍ ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا : دُعَاءُ مَلَائِكَتِهِ لَهُمْ أَنْ يُدْخِلَهُمْ إِيَّاهَا بِرَحْمَتِهِ الَّتِي مِنْهَا أَنْ وَفَّقَهُمْ لِأَعْمَالِهِمْ وَأَقَامَ مَلَائِكَتَهُ يَدْعُونَ لَهُمْ بِهَا .
    ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنْ مَلَائِكَتِهِ أَنَّهُمْ قَالُوا عَقِيبَ هَذِهِ الدَّعْوَةِ : إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [ سُورَةُ غَافِرٍ : 8 ] .
    أَيْ مَصْدَرُ ذَلِكَ وَسَبَبُهُ وَغَايَتُهُ صَادِرٌ عَنْ كَمَالِ قُدْرَتِكَ وَكَمَالِ عِلْمِكَ ، فَإِنَّ الْعِزَّةَ كَمَالُ الْقُدْرَةِ ، وَالْحِكْمَةَ كَمَالُ الْعِلْمِ ، وَبِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ يَقْضِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا شَاءَ ، وَيَأْمُرُ وَيَنْهَى وَيُثِيبُ وَيُعَاقِبُ ، فَهَاتَانِ الصِّفَتَانِ مَصْدَرُ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ .
    وَالْمَقْصُودُ أَنَّ عُقُوبَاتِ السَّيِّئَاتِ تَتَنَوَّعُ إِلَى عُقُوبَاتٍ شَرْعِيَّةٍ ، وَعُقُوبَاتٍ قَدَرِيَّةٍ ، وَهِيَ إِمَّا فِي الْقَلْبِ ، وَإِمَّا فِي الْبَدَنِ ، وَإِمَّا فِيهِمَا ، وَعُقُوبَاتٍ فِي دَارِ الْبَرْزَخِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَعُقُوبَاتٍ يَوْمَ عَوْدِ الْأَجْسَادِ ، فَالذَّنْبُ لَا يَخْلُو مِنْ عُقُوبَةٍ أَلْبَتَّةَ ، وَلَكِنْ لِجَهْلِ الْعَبْدِ لَا يَشْعُرُ بِمَا فِيهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ ، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السَّكْرَانِ وَالْمُخَدَّرِ وَالنَّائِمِ الَّذِي لَا يَشْعُرُ بِالْأَلَمِ ، فَتَرَتُّبُ الْعُقُوبَاتِ عَلَى الذُّنُوبِ كَتَرَتُّبِ الْإِحْرَاقِ عَلَى النَّارِ ، وَالْكَسْرِ عَلَى الِانْكِسَارِ ، وَالْغَرَقِ عَلَى الْمَاءِ ، وَفَسَادِ الْبَدَنِ عَلَى السُّمُومِ ، وَالْأَمْرَاضِ عَلَى الْأَسْبَابِ الْجَالِبَةِ لَهَا ، وَقَدْ تُقَارِنُ الْمَضَرَّةُ الذَّنْبَ وَقَدْ تَتَأَخَّرُ عَنْهُ ، إِمَّا يَسِيرًا وَإِمَّا مُدَّةً ، كَمَا يَتَأَخَّرُ الْمَرَضُ عَنْ سَبَبِهِ أَنْ يُقَارِنَهُ ، وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ الْغَلَطُ لِلْعَبْدِ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَيُذْنِبُ الذَّنْبَ فَلَا يَرَى أَثَرَهُ عَقِبَهُ ، وَلَا يَدْرِي أَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَهُ عَلَى التَّدْرِيجِ شَيْئًا فَشَيْئًا ، كَمَا تَعْمَلُ السُّمُومُ وَالْأَشْيَاءُ الضَّارَّةُ حَذْوَ الْقَذَّةِ بِالْقَذَّةِ ، فَإِنْ تَدَارَكَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ بِالْأَدْوِيَةِ وَالِاسْتِفْرَاغِ وَالْحِمْيَةِ ، وَإِلَّا فَهُوَ صَائِرٌ إِلَى الْهَلَاكِ ، هَذَا إِذَا كَانَ ذَنْبًا وَاحِدًا لَمْ يَتَدَارَكْهُ بِمَا يُزِيلُ أَثَرَهُ ، فَكَيْفَ بِالذَّنْبِ عَلَى الذَّنْبِ كُلَّ يَوْمٍ وَكُلَّ سَاعَةٍ ؟ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .))
    قال الله تعالى:
    ((وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ))
    قال الترمذى رحمه الله:
    (( حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِى عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِىِّ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ ». ))
    قال أحمد رحمه الله:
    ((حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِى هَاشِمٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِى عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - أَحَدِ بَنِى عَبْدِ الأَشْهَلِ - عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْكُمْ قَوْماً ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ ». ))
    قال أحمد رحمه الله:
    (( حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا سَيْفٌ قَالَ سَمِعْتُ عَدِىَّ بْنَ عَدِىٍّ الْكِنْدِىَّ يُحَدِّثُ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ حَدَّثَنِى مَوْلًى لَنَا أَنَّهُ سَمِعَ عَدِيًّا يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ حَتَّى يَرَوُا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يُنْكِرُوهُ فَلاَ يُنْكِرُوهُ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَذَّبَ اللَّهُ الْخَاصَّةَ وَالْعَامَّةَ ». ))
    قال البخارى رحمه الله:
    (( حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ قَالَ سَمِعْتُ عَامِرًا يَقُولُ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا ، فَكَانَ الَّذِينَ فِى أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِى نَصِيبِنَا خَرْقًا ، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا . فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا ، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا » .))
    قال ابن ماجه رحمه الله:
    (( حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِى هُمْ أَعَزُّ مِنْهُمْ وَأَمْنَعُ لاَ يُغَيِّرُونَ إِلاَّ عَمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ ».))
    قال مسلم رحمه الله:
    (( حَدَّثَنِى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِى سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِى سُفْيَانَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ زَوْجَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا فَزِعًا مُحْمَرًّا وَجْهُهُ يَقُولُ « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ ». وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِى تَلِيهَا. قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ « نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ ».))

  • #2
    رد: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ((منقول))

    جزاك الله خيرا على نقلك ومجهودك أخى ابو عيسى







    اللهم اجعلني خيرا مما يظنون
    ولا تؤاخذني بما يقولون
    واغفر لي ما لا يعلمون

    تعليق


    • #3
      كلمة الحق

      قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله:


      كلمة الحق


      ألا لا يمنعنَّ أحدكم رهبةُ الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده، فإنه لا يقرب من أجلٍ ولا يباعد من رزق، أن يقول بحق، أو يذكر بعظيم


      (حديث صحيح)




      بسم الله الرحمن الرحيم

      ما أقل ما قلنا (كلمة الحق) في مواقف الرجال. وما أكثر ما قصّرنا في ذلك، إن لم يكن خوفاً فضعفاً، ونستغفر الله، وأرى أن قد آن الأوان لنقولها ما استطعنا، كفارة عما سلف من تقصير، وعما أسلفت من ذنوب، ليس لها إلا عفو الله ورحمته. والعمر يجري بنا سريعاً، والحياة توشك أن تبلغ منتهاها.
      وأرى أن قد آن الأوان لنقولها ما استطعنا، وبلادنا، بلاد الإسلام، تنحدر في مجرى السيل، إلى هوّة لا قرار لها، هوة الإلحاد والإباحية والانحلال. فإن لم نقف منهم موقف النذير، وإن لم نأخذ بحُجَزِهم عن النار، انحدرنا معهم، وأصابنا من عقابيل ذلك ما يصيبهم، وكان علينا من الإثم أضعاف ما حُمِّلوا.
      ذلك بأن الله أخذ علينا الميثاق: (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ)([1]) وذلك بأن الله ضرب لنا المثل بأشقى الأمم: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ)([2]).
      وذلك بأن الله وصفنا –معشر المسلمين- بأننا خير الأمم: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)([3]). فإن فقدنا ما جعلنا الله به خير الأمم، كنا كمثل أشقاها، وليس من منزلة هناك بينهما.
      وذلك بأن الله يقول: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ)([4]).
      وذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده، فإنه لا يقرّب من أجل، ولا يباعد من رزق، أن يقول بحق، أو يذكّر بعظيم)([5]).
      وذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحقرن أحدكم نفسه، قالوا: يا رسول الله، كيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: يرى أمراً لله عليه فيه مقال، ثم لا يقول فيه، فيقول الله –عز وجل- له يوم القيامة: ما منعك أن تقول فيّ كذا وكذا؟ فيقول: خشية الناس، فيقول: فإياي كنت أحق أن تخشى"([6]).
      نريد أن نقول (كلمة الحق) في شؤون المسلمين كلها. نريد أن ننافح عن الإسلام ما استطعنا، بالقول الفصل، والكلمة الصريحة، لا نخشى فيما نقول أحداً إلا الله. إذ نقول ما نقول في حدود ما أذن الله لنا به، بل ما أوجب علينا أن نقوله، بهدي كتاب ربنا وسنة رسوله.
      نريد أن نحارب الوثنية الحديثة والشرك الحديث، اللذين شاعا في بلادنا وفي أكثر بلاد الإسلام، تقليداً لأوربة الوثنية الملحدة، كما حارب سلفنا الصالح الوثنية القديمة والشرك القديم.
      نريد أن ننافح عن القرآن، وقد اعتاد ناس أن يلعبوا بكتاب الله بين أظهرنا، فمن متأول لآياته غير مؤمن به، يريد أن يقْسِرها على غير ما يدل عليه صريح اللفظ في كلام العرب، حتى يوافق ما آمن به، أو ما أُشربَته نفسه، من عقائد أوربة ووثنيتها وإلحادها، أو يقربه إلى عاداتهم وآدابهم –إن كانت لهم آداب- ليجعل الإسلام ديناً عصرياً في نظره ونظر ساداته الذين ارتضع لبانهم، أو رٌبِّيَ في أحضانهم!!
      ومن منكر لكل شيء من عالم الغيب، فلا يفتأ يحاور ويداور، ليجعل عالم الغيب كله موافقاً لظواهر ما رأى من سنن الكون، إن كان يرى، أو على الأصح لما فهم أن أوربة ترى!! نعم، لا بأس عليه –عنده- أن يؤمن بشيء مما وراء المادة، إن أثبته السادة الأوربيون، ولو كان من خرافات استحضار الأرواح!!.
      ومن جاهل لا يفقه في الإسلام شيئاً، ثم لا يستحي أن يتلاعب بقراءات القرآن وألفاظه المعجزة السامية، فيكذب كل الأئمة والحفاظ فيما حفظوا ورووا. تقليداً لعصبية الإفرنج التي يريدون بها أن يهدموا هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ليجعلوه مثل ما لديهم من كتب.
      وهكذا مما نرى وترون.
      نريد أن نحفظ أعراض المسلمين. وأن نحارب ما أحدث (النسوان) وأنصار (النسوان) من منكرات الإباحية والمجون والفجور والدعارة، هؤلاء (النسوان) اللائي ليسن لهن رجال، إلا رجالاً (يشبهن) الرجال!! هذه الحركة النسائية الماجنة، التي يتزعمها المجددون وأشباه المجددين، والمخنثون من الرجال، والمترجلات من النساء، التي يهدمون بها كل خلق كريم، يتسابق أولئك وهؤلاء إلى الشهوات، وإلى الشهوات فقط.
      نريد أن ندعو الصالحين من المؤمنين، والصالحات من المؤمنات: الذين بقي في نفوسهم الحِفاظُ والغيرة ومقومات الرجولة، واللائي بقي في نفوسهن الحياء والعفة والتصوّن –إلى العمل الجدي الحازم على إرجاع المرأة المسلمة إلى خدرها الإسلامي المصون، إلى حجابها الذي أمر الله به ورسوله، طوعاً أو كرهاً.
      نريد أن نثابر على ما دعونا وندعو إليه من العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله في قضائنا كله، في كل بلاد الإسلام، وهدم الطاغوت الإفرنجي الذي ضُرب على المسلمين في عقر دارهم في صورة قوانين، والله تعالى يقول: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً)([7]). ثم يقول: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً)([8]).
      نريد أن نتحدث في السياسة، السياسة العليا للأمم الإسلامية، التي تجعلهم (أمة واحدة)، كما وصفهم الله في كتابه، نسمو بها على بدعة القوميات، وعلى أهواء الأحزاب. نريد أن نبصّر المسلمين وزعماءهم بموقعهم من هذه الدنيا بين الأمم، وتكالب الأمم عليهم بغياً وعدواً، وعصبية وكراهية الإسلام أولاً وقبل كل شيء.
      نريد أن نعمل على تحرير عقول المسلمين وقلوبهم من روح التهتك والإباحية، ومن روح التمرد والإلحاد، وأن نريهم أثر ذلك في أوربة وأمريكا، اللتين يقلدانهما تقليد القردة، وأن نريهم أثر ذلك في أنفسهم وأخلاقهم ودينهم.
      نريد أن نحارب النفاق والمجاملات الكاذبة، التي اصطنعها كتّاب هذا العصر أو أكثرهم فيما يكتبون وينصحون! يظنون أن هذا من حسن السياسة، ومن الدعوة إلى الحق (بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) اللتين أمر الله بهما! وما كان هذا منهما قط، وإنما هو الضعف والاستخذاء والملق والحرص على عرض الحياة الدنيا.
      وما نريد بهذا أن نكون سفهاء أو شتّامين أو منفّرين. معاذ الله، و"ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان، ولا الفاحش ولا البذيء" كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم([9]). ولكنا نريد أن نقول الحق واضحاً غير ملتو، وأن نصف الأشياء بأوصافها الصحيحة، بأحسن عبارة نستطيعها. ولكنا نربأ بأنفسنا وبإخواننا، أن نصف رجلاً يعلن عداءه للإسلام، أو يرفض شريعة الله ورسوله –مثلاً- بأنه "صديقنا"، والله سبحانه نهانا عن ذلك نهياً حازماً في كتابه.
      ونربأ بأنفسنا أن نضعف ونستحذى، فنصفَ أمة من الأمم تضرب المسلمين بالحديد والنار، وتهتك أعراضهم وتنتهب أموالهم، بأنها أمة "صديقة" أو بأنها أمة "الحرية والنور"، إذا كان من فعلها مع إخواننا أنها أمة "الاستعباد والنار"! وأمثال ذلك مما يرى القارئ ويسمع كل يوم، من علمائنا –نعم من علمائنا- ومن كبرائنا وزعمائنا ووزرائنا! والله المستعان.
      نريد أن نمهد للمسلمين سبيل العزة التي جعلها الله لهم ومن حقهم إذا اتصفوا بما وصفهم به: أن يكونوا "مؤمنين". نريد أن نوقظهم وندعوهم إلى دينهم بهذا الصوت الضعيف، صوت مجلتنا([10]) هذه المتواضعة. ولكننا نرجو أن يدوّي هذا الصوت الضعيف يوماً ما، فيملأ العالم الإسلامي، ويبلغ أطراف الأرض، بما اعتزمنا من نية صادقة، نرجو أن تكون خالصة لله وحده، جهادا في سبيل الله. إن شاء الله.
      فإن عجزنا أو ذهبنا، فلن يعدم الإسلام رجلاً أو رجالاً خيراً منا، يرفعون هذا اللواء، فلا يزال خفاقاً إلى السماء، بإذن الله..


      أحمد محمد شاكر




      ([1]) سورة آل عمران، الآية 187

      ([2]) سورة المائدة الآيتان 79،78.

      ([3]) سورة آل عمران، الآية 110.

      ([4]) سورة الأحزاب، الآية 39.

      ([5]) رواه أحمد في المسند 11494 بإسناد صحيح.

      ([6]) رواه ابن ماجة 2: 252 بإسناد صحيح.

      ([7]) الآيتان 60، 61 من سورة النساء.

      ([8]) الآية 65 من سورة النساء.

      ([9]) رواه الترمذي (138:3 من شرح المباركفوري) وأحمد في المسند 3839، 3948.

      ([10]) نشرت هذه المقالات للمرة الأولى، في مجلة الهدى النبوي: المجلد الخامس عشر والسادس عشر في وقت أن كان العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر رئيسا لتحريرها وكانت تنشر تحت عنوان " كلمة الحق".[الناشر وهو مكتبة السنة].


      قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله:


      كلمة الحق


      ألا لا يمنعنَّ أحدكم رهبةُ الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده، فإنه لا يقرب من أجلٍ ولا يباعد من رزق، أن يقول بحق، أو يذكر بعظيم


      (حديث صحيح)




      بسم الله الرحمن الرحيم

      ما أقل ما قلنا (كلمة الحق) في مواقف الرجال. وما أكثر ما قصّرنا في ذلك، إن لم يكن خوفاً فضعفاً، ونستغفر الله، وأرى أن قد آن الأوان لنقولها ما استطعنا، كفارة عما سلف من تقصير، وعما أسلفت من ذنوب، ليس لها إلا عفو الله ورحمته. والعمر يجري بنا سريعاً، والحياة توشك أن تبلغ منتهاها.
      وأرى أن قد آن الأوان لنقولها ما استطعنا، وبلادنا، بلاد الإسلام، تنحدر في مجرى السيل، إلى هوّة لا قرار لها، هوة الإلحاد والإباحية والانحلال. فإن لم نقف منهم موقف النذير، وإن لم نأخذ بحُجَزِهم عن النار، انحدرنا معهم، وأصابنا من عقابيل ذلك ما يصيبهم، وكان علينا من الإثم أضعاف ما حُمِّلوا.
      ذلك بأن الله أخذ علينا الميثاق: (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ)([1]) وذلك بأن الله ضرب لنا المثل بأشقى الأمم: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ)([2]).
      وذلك بأن الله وصفنا –معشر المسلمين- بأننا خير الأمم: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)([3]). فإن فقدنا ما جعلنا الله به خير الأمم، كنا كمثل أشقاها، وليس من منزلة هناك بينهما.
      وذلك بأن الله يقول: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ)([4]).
      وذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده، فإنه لا يقرّب من أجل، ولا يباعد من رزق، أن يقول بحق، أو يذكّر بعظيم)([5]).
      وذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحقرن أحدكم نفسه، قالوا: يا رسول الله، كيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: يرى أمراً لله عليه فيه مقال، ثم لا يقول فيه، فيقول الله –عز وجل- له يوم القيامة: ما منعك أن تقول فيّ كذا وكذا؟ فيقول: خشية الناس، فيقول: فإياي كنت أحق أن تخشى"([6]).
      نريد أن نقول (كلمة الحق) في شؤون المسلمين كلها. نريد أن ننافح عن الإسلام ما استطعنا، بالقول الفصل، والكلمة الصريحة، لا نخشى فيما نقول أحداً إلا الله. إذ نقول ما نقول في حدود ما أذن الله لنا به، بل ما أوجب علينا أن نقوله، بهدي كتاب ربنا وسنة رسوله.
      نريد أن نحارب الوثنية الحديثة والشرك الحديث، اللذين شاعا في بلادنا وفي أكثر بلاد الإسلام، تقليداً لأوربة الوثنية الملحدة، كما حارب سلفنا الصالح الوثنية القديمة والشرك القديم.
      نريد أن ننافح عن القرآن، وقد اعتاد ناس أن يلعبوا بكتاب الله بين أظهرنا، فمن متأول لآياته غير مؤمن به، يريد أن يقْسِرها على غير ما يدل عليه صريح اللفظ في كلام العرب، حتى يوافق ما آمن به، أو ما أُشربَته نفسه، من عقائد أوربة ووثنيتها وإلحادها، أو يقربه إلى عاداتهم وآدابهم –إن كانت لهم آداب- ليجعل الإسلام ديناً عصرياً في نظره ونظر ساداته الذين ارتضع لبانهم، أو رٌبِّيَ في أحضانهم!!
      ومن منكر لكل شيء من عالم الغيب، فلا يفتأ يحاور ويداور، ليجعل عالم الغيب كله موافقاً لظواهر ما رأى من سنن الكون، إن كان يرى، أو على الأصح لما فهم أن أوربة ترى!! نعم، لا بأس عليه –عنده- أن يؤمن بشيء مما وراء المادة، إن أثبته السادة الأوربيون، ولو كان من خرافات استحضار الأرواح!!.
      ومن جاهل لا يفقه في الإسلام شيئاً، ثم لا يستحي أن يتلاعب بقراءات القرآن وألفاظه المعجزة السامية، فيكذب كل الأئمة والحفاظ فيما حفظوا ورووا. تقليداً لعصبية الإفرنج التي يريدون بها أن يهدموا هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ليجعلوه مثل ما لديهم من كتب.
      وهكذا مما نرى وترون.
      نريد أن نحفظ أعراض المسلمين. وأن نحارب ما أحدث (النسوان) وأنصار (النسوان) من منكرات الإباحية والمجون والفجور والدعارة، هؤلاء (النسوان) اللائي ليسن لهن رجال، إلا رجالاً (يشبهن) الرجال!! هذه الحركة النسائية الماجنة، التي يتزعمها المجددون وأشباه المجددين، والمخنثون من الرجال، والمترجلات من النساء، التي يهدمون بها كل خلق كريم، يتسابق أولئك وهؤلاء إلى الشهوات، وإلى الشهوات فقط.
      نريد أن ندعو الصالحين من المؤمنين، والصالحات من المؤمنات: الذين بقي في نفوسهم الحِفاظُ والغيرة ومقومات الرجولة، واللائي بقي في نفوسهن الحياء والعفة والتصوّن –إلى العمل الجدي الحازم على إرجاع المرأة المسلمة إلى خدرها الإسلامي المصون، إلى حجابها الذي أمر الله به ورسوله، طوعاً أو كرهاً.
      نريد أن نثابر على ما دعونا وندعو إليه من العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله في قضائنا كله، في كل بلاد الإسلام، وهدم الطاغوت الإفرنجي الذي ضُرب على المسلمين في عقر دارهم في صورة قوانين، والله تعالى يقول: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً)([7]). ثم يقول: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً)([8]).
      نريد أن نتحدث في السياسة، السياسة العليا للأمم الإسلامية، التي تجعلهم (أمة واحدة)، كما وصفهم الله في كتابه، نسمو بها على بدعة القوميات، وعلى أهواء الأحزاب. نريد أن نبصّر المسلمين وزعماءهم بموقعهم من هذه الدنيا بين الأمم، وتكالب الأمم عليهم بغياً وعدواً، وعصبية وكراهية الإسلام أولاً وقبل كل شيء.
      نريد أن نعمل على تحرير عقول المسلمين وقلوبهم من روح التهتك والإباحية، ومن روح التمرد والإلحاد، وأن نريهم أثر ذلك في أوربة وأمريكا، اللتين يقلدانهما تقليد القردة، وأن نريهم أثر ذلك في أنفسهم وأخلاقهم ودينهم.
      نريد أن نحارب النفاق والمجاملات الكاذبة، التي اصطنعها كتّاب هذا العصر أو أكثرهم فيما يكتبون وينصحون! يظنون أن هذا من حسن السياسة، ومن الدعوة إلى الحق (بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) اللتين أمر الله بهما! وما كان هذا منهما قط، وإنما هو الضعف والاستخذاء والملق والحرص على عرض الحياة الدنيا.
      وما نريد بهذا أن نكون سفهاء أو شتّامين أو منفّرين. معاذ الله، و"ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان، ولا الفاحش ولا البذيء" كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم([9]). ولكنا نريد أن نقول الحق واضحاً غير ملتو، وأن نصف الأشياء بأوصافها الصحيحة، بأحسن عبارة نستطيعها. ولكنا نربأ بأنفسنا وبإخواننا، أن نصف رجلاً يعلن عداءه للإسلام، أو يرفض شريعة الله ورسوله –مثلاً- بأنه "صديقنا"، والله سبحانه نهانا عن ذلك نهياً حازماً في كتابه.
      ونربأ بأنفسنا أن نضعف ونستحذى، فنصفَ أمة من الأمم تضرب المسلمين بالحديد والنار، وتهتك أعراضهم وتنتهب أموالهم، بأنها أمة "صديقة" أو بأنها أمة "الحرية والنور"، إذا كان من فعلها مع إخواننا أنها أمة "الاستعباد والنار"! وأمثال ذلك مما يرى القارئ ويسمع كل يوم، من علمائنا –نعم من علمائنا- ومن كبرائنا وزعمائنا ووزرائنا! والله المستعان.
      نريد أن نمهد للمسلمين سبيل العزة التي جعلها الله لهم ومن حقهم إذا اتصفوا بما وصفهم به: أن يكونوا "مؤمنين". نريد أن نوقظهم وندعوهم إلى دينهم بهذا الصوت الضعيف، صوت مجلتنا([10]) هذه المتواضعة. ولكننا نرجو أن يدوّي هذا الصوت الضعيف يوماً ما، فيملأ العالم الإسلامي، ويبلغ أطراف الأرض، بما اعتزمنا من نية صادقة، نرجو أن تكون خالصة لله وحده، جهادا في سبيل الله. إن شاء الله.
      فإن عجزنا أو ذهبنا، فلن يعدم الإسلام رجلاً أو رجالاً خيراً منا، يرفعون هذا اللواء، فلا يزال خفاقاً إلى السماء، بإذن الله..


      أحمد محمد شاكر




      ([1]) سورة آل عمران، الآية 187

      ([2]) سورة المائدة الآيتان 79،78.

      ([3]) سورة آل عمران، الآية 110.

      ([4]) سورة الأحزاب، الآية 39.

      ([5]) رواه أحمد في المسند 11494 بإسناد صحيح.

      ([6]) رواه ابن ماجة 2: 252 بإسناد صحيح.

      ([7]) الآيتان 60، 61 من سورة النساء.

      ([8]) الآية 65 من سورة النساء.

      ([9]) رواه الترمذي (138:3 من شرح المباركفوري) وأحمد في المسند 3839، 3948.

      ([10]) نشرت هذه المقالات للمرة الأولى، في مجلة الهدى النبوي: المجلد الخامس عشر والسادس عشر في وقت أن كان العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر رئيسا لتحريرها وكانت تنشر تحت عنوان " كلمة الحق".[الناشر وهو مكتبة السنة].



      قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله:


      كلمة الحق

      ألا لا يمنعنَّ أحدكم رهبةُ الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده، فإنه لا يقرب منأجلٍ ولا يباعد من رزق، أن يقول بحق، أو يذكر بعظيم




      (حديث صحيح)




      بسم الله الرحمن الرحيم

      ما أقل ما قلنا (كلمة الحق) في مواقف الرجال. وما أكثر ما قصّرنا في ذلك، إن لم يكن خوفاً فضعفاً، ونستغفر الله، وأرى أن قد آن الأوان لنقولها ما استطعنا، كفارة عما سلف من تقصير، وعما أسلفت من ذنوب، ليس لها إلا عفو الله ورحمته. والعمر يجري بنا سريعاً، والحياة توشك أن تبلغ منتهاها.
      وأرى أن قد آن الأوان لنقولها ما استطعنا، وبلادنا، بلاد الإسلام، تنحدر في مجرى السيل، إلى هوّة لا قرار لها، هوة الإلحاد والإباحية والانحلال. فإن لم نقف منهم موقف النذير، وإن لم نأخذ بحُجَزِهم عن النار، انحدرنا معهم، وأصابنا من عقابيل ذلك ما يصيبهم، وكان علينا من الإثم أضعاف ما حُمِّلوا.
      ذلك بأن الله أخذ علينا الميثاق: (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ)([1]) وذلك بأن الله ضرب لنا المثل بأشقى الأمم: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ)([2]).
      وذلك بأن الله وصفنا –معشر المسلمين- بأننا خير الأمم: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)([3]). فإن فقدنا ما جعلنا الله به خير الأمم، كنا كمثل أشقاها، وليس من منزلة هناك بينهما.
      وذلك بأن الله يقول: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ)([4]).
      وذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده، فإنه لا يقرّب من أجل، ولا يباعد من رزق، أن يقول بحق، أو يذكّر بعظيم)([5]).
      وذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحقرن أحدكم نفسه، قالوا: يا رسول الله، كيف يحقر أحدنا نفسه؟ قال: يرى أمراً لله عليه فيه مقال، ثم لا يقول فيه، فيقول الله –عز وجل- له يوم القيامة: ما منعك أن تقول فيّ كذا وكذا؟ فيقول: خشية الناس، فيقول: فإياي كنت أحق أن تخشى"([6]).
      نريد أن نقول (كلمة الحق) في شؤون المسلمين كلها. نريد أن ننافح عن الإسلام ما استطعنا، بالقول الفصل، والكلمة الصريحة، لا نخشى فيما نقول أحداً إلا الله. إذ نقول ما نقول في حدود ما أذن الله لنا به، بل ما أوجب علينا أن نقوله، بهدي كتاب ربنا وسنة رسوله.
      نريد أن نحارب الوثنية الحديثة والشرك الحديث، اللذين شاعا في بلادنا وفي أكثر بلاد الإسلام، تقليداً لأوربة الوثنية الملحدة، كما حارب سلفنا الصالح الوثنية القديمة والشرك القديم.
      نريد أن ننافح عن القرآن، وقد اعتاد ناس أن يلعبوا بكتاب الله بين أظهرنا، فمن متأول لآياته غير مؤمن به، يريد أن يقْسِرها على غير ما يدل عليه صريح اللفظ في كلام العرب، حتى يوافق ما آمن به، أو ما أُشربَته نفسه، من عقائد أوربة ووثنيتها وإلحادها، أو يقربه إلى عاداتهم وآدابهم –إن كانت لهم آداب- ليجعل الإسلام ديناً عصرياً في نظره ونظر ساداته الذين ارتضع لبانهم، أو رٌبِّيَ في أحضانهم!!
      ومن منكر لكل شيء من عالم الغيب، فلا يفتأ يحاور ويداور، ليجعل عالم الغيب كله موافقاً لظواهر ما رأى من سنن الكون، إن كان يرى، أو على الأصح لما فهم أن أوربة ترى!! نعم، لا بأس عليه –عنده- أن يؤمن بشيء مما وراء المادة، إن أثبته السادة الأوربيون، ولو كان من خرافات استحضار الأرواح!!.
      ومن جاهل لا يفقه في الإسلام شيئاً، ثم لا يستحي أن يتلاعب بقراءات القرآن وألفاظه المعجزة السامية، فيكذب كل الأئمة والحفاظ فيما حفظوا ورووا. تقليداً لعصبية الإفرنج التي يريدون بها أن يهدموا هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ليجعلوه مثل ما لديهم من كتب.
      وهكذا مما نرى وترون.
      نريد أن نحفظ أعراض المسلمين. وأن نحارب ما أحدث (النسوان) وأنصار (النسوان) من منكرات الإباحية والمجون والفجور والدعارة، هؤلاء (النسوان) اللائي ليسن لهن رجال، إلا رجالاً (يشبهن) الرجال!! هذه الحركة النسائية الماجنة، التي يتزعمها المجددون وأشباه المجددين، والمخنثون من الرجال، والمترجلات من النساء، التي يهدمون بها كل خلق كريم، يتسابق أولئك وهؤلاء إلى الشهوات، وإلى الشهوات فقط.
      نريد أن ندعو الصالحين من المؤمنين، والصالحات من المؤمنات: الذين بقي في نفوسهم الحِفاظُ والغيرة ومقومات الرجولة، واللائي بقي في نفوسهن الحياء والعفة والتصوّن –إلى العمل الجدي الحازم على إرجاع المرأة المسلمة إلى خدرها الإسلامي المصون، إلى حجابها الذي أمر الله به ورسوله، طوعاً أو كرهاً.
      نريد أن نثابر على ما دعونا وندعو إليه من العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله في قضائنا كله، في كل بلاد الإسلام، وهدم الطاغوت الإفرنجي الذي ضُرب على المسلمين في عقر دارهم في صورة قوانين، والله تعالى يقول: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً)([7]). ثم يقول: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً)([8]).
      نريد أن نتحدث في السياسة، السياسة العليا للأمم الإسلامية، التي تجعلهم (أمة واحدة)، كما وصفهم الله في كتابه، نسمو بها على بدعة القوميات، وعلى أهواء الأحزاب. نريد أن نبصّر المسلمين وزعماءهم بموقعهم من هذه الدنيا بين الأمم، وتكالب الأمم عليهم بغياً وعدواً، وعصبية وكراهية الإسلام أولاً وقبل كل شيء.
      نريد أن نعمل على تحرير عقول المسلمين وقلوبهم من روح التهتك والإباحية، ومن روح التمرد والإلحاد، وأن نريهم أثر ذلك في أوربة وأمريكا، اللتين يقلدانهما تقليد القردة، وأن نريهم أثر ذلك في أنفسهم وأخلاقهم ودينهم.
      نريد أن نحارب النفاق والمجاملات الكاذبة، التي اصطنعها كتّاب هذا العصر أو أكثرهم فيما يكتبون وينصحون! يظنون أن هذا من حسن السياسة، ومن الدعوة إلى الحق (بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) اللتين أمر الله بهما! وما كان هذا منهما قط، وإنما هو الضعف والاستخذاء والملق والحرص على عرض الحياة الدنيا.
      وما نريد بهذا أن نكون سفهاء أو شتّامين أو منفّرين. معاذ الله، و"ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان، ولا الفاحش ولا البذيء" كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم([9]). ولكنا نريد أن نقول الحق واضحاً غير ملتو، وأن نصف الأشياء بأوصافها الصحيحة، بأحسن عبارة نستطيعها. ولكنا نربأ بأنفسنا وبإخواننا، أن نصف رجلاً يعلن عداءه للإسلام، أو يرفض شريعة الله ورسوله –مثلاً- بأنه "صديقنا"، والله سبحانه نهانا عن ذلك نهياً حازماً في كتابه.
      ونربأ بأنفسنا أن نضعف ونستحذى، فنصفَ أمة من الأمم تضرب المسلمين بالحديد والنار، وتهتك أعراضهم وتنتهب أموالهم، بأنها أمة "صديقة" أو بأنها أمة "الحرية والنور"، إذا كان من فعلها مع إخواننا أنها أمة "الاستعباد والنار"! وأمثال ذلك مما يرى القارئ ويسمع كل يوم، من علمائنا –نعم من علمائنا- ومن كبرائنا وزعمائنا ووزرائنا! والله المستعان.
      نريد أن نمهد للمسلمين سبيل العزة التي جعلها الله لهم ومن حقهم إذا اتصفوا بما وصفهم به: أن يكونوا "مؤمنين". نريد أن نوقظهم وندعوهم إلى دينهم بهذا الصوت الضعيف، صوت مجلتنا([10]) هذه المتواضعة. ولكننا نرجو أن يدوّي هذا الصوت الضعيف يوماً ما، فيملأ العالم الإسلامي، ويبلغ أطراف الأرض، بما اعتزمنا من نية صادقة، نرجو أن تكون خالصة لله وحده، جهادا في سبيل الله. إن شاء الله.
      فإن عجزنا أو ذهبنا، فلن يعدم الإسلام رجلاً أو رجالاً خيراً منا، يرفعون هذا اللواء، فلا يزال خفاقاً إلى السماء، بإذن الله..

      أحمد محمد شاكر





      ([1]) سورة آل عمران، الآية 187

      ([2]) سورة المائدة الآيتان 79،78.

      ([3]) سورة آل عمران، الآية 110.

      ([4]) سورة الأحزاب، الآية 39.

      ([5]) رواه أحمد في المسند 11494 بإسناد صحيح.

      ([6]) رواه ابن ماجة 2: 252 بإسناد صحيح.

      ([7]) الآيتان 60، 61 من سورة النساء.

      ([8]) الآية 65 من سورة النساء.

      ([9]) رواه الترمذي (138:3 من شرح المباركفوري) وأحمد في المسند 3839، 3948.

      ([10]) نشرت هذه المقالات للمرة الأولى، في مجلة الهدى النبوي: المجلد الخامس عشر والسادس عشر في وقت أن كان العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر رئيسا لتحريرها وكانت تنشر تحت عنوان " كلمة الحق".[الناشر وهو مكتبة السنة].

      تعليق

      يعمل...
      X