هل تسكب على الحريق ماءً أم مزيداً من الوقود؟!
تأملت في أعماق التكوينات البشرية للعبد؛ فوجدتها بين قلب يتقلب برؤية الفتن، ونفس تألبها النوازغ، وهوى يذهب حيثما هوى؛ وشيطان لا يمل ولا يكل في انتهاز أي فرصة للحيد بالعبد عن صراط الله المستقيم!!
فوقع في نفسي أن هذه المكونات تكاد تمثل في النفس البشرية حريقاً ينشب، والحريق لا يُطفأ بالمزيد من الوقود أبداً، ومن يتوهم ذلك فهو غافل جاهل!! وإنما تطفئه المياه، ومواد الإطفاء على اختلاف أنواعها.
وعليه وجب علينا تحديد مقودات النفس التي تزيد من إشعال حريق الفتن داخلها - وهي كثيرة - من أشدها إطلاق النظر، وما يتبعه من اتساخ القلب وقسوته، ومخالطة أهل الغفلة، وما يتبعه من إطلاق الألسنة في أعراض وذكر عيوب الآخرين!! والحرص على حظوظ الدنيا، وما يتبعه من تنافس غير شريف يحلق الدين!!
فقلت في نفسي : (لتحقيق النجاة؛ لابد من الهروب بالنفس إلى بيئة معزولة تماماً عن كل مصادر الإشعال) بحيث لا يكون فيها مجال لإطلاق النظر، ولا مجالسة الغافلين، ولا علاقات تُبنى على أساس حظوظ الدنيا الفانية، وإنما هو الحب لله وفي الله!!
فلم أجد غير بيئة المساجد . .
حيث مجالس الرجال الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله!!
حيث قاعدة الانطلاقة إلى ظل عرش الرحمن (ورجل قلبه معلق بالمساجد)!!
حيث ذكر الله، والتآخي في الله، والتذكير بالله!!
حيث مركز التدريب الأول، الذي ربى فيه قائد الأمة (صلى الله عليه وسلم) رجاله فقادوا مشارق الأرض ومغاربها!!
حيث موضع السجدات، ومحط الخطيات، وانسكاب الدمعات، وارتفاع الدعوات!!
حيث لهفة القلوب للتعاون، ومؤازرة كل ملهوف وحائر!!
حيث المنافسة على أجر بلال، وجلسة جبريل للتعلم، وتلاصق الأقدام والأكتاف، وقبلها تلاحم القلوب!!
إنه حيث إخماد حريق الفتن في النفوس والقلوب، ببركة الذكر وفضل الدعاء؛ الذي يُسكبُ على نيران الفتن كالماء والثلج والبرد ليطفئها، فاختر لنفسك في أي البيئات تحب أن تكون؟! وبأي شيء تطفئ حريق الفتن في نفسك؟!
تعليق