خواطر متفرقة (6)
سوف يتذكر الطغاة أيام الغرر، حين لم يدخروا وسعاً في إمعان الضرر، والإعراض عن كل آيات النذر؛ فلم يبق فيهم مدكر، ثم أُخذت أرواحهم أخذ عزيز مقتدر، فهزمت جموعهم وولى منهم الدبر .
*************************
يشهد سطح الأرض في عصرنا الحاضر تظاهرة سفهٍ عارمة، تُعلنُ فيها الحربُ على الله!! ويستهزأ فيها برسل الله!! ويُستخفُ فيها بأوامر الله!! ويُضطهدُ فيها أولياءَ الله!! وكأن الأرض تتهيأ لأخذةٍ مباغتةٍ، تزداد معها عقارب الساعة اقتراباً؛ إيذاناً بوقوعها!! ألا فليلُذ الصالحون بجنابِ ربهم، وليلجأ المتقون بحمى وليهم، ولا يبرحوا ساحة تضرعهم بين يدي مليكهم، سائلينه العفو والمغفرة على ما كان من الذنوب والآثام، وذلك قبل حلول الفجيعة وتجرع الآلام!!
*************************
أيظن الظالمون أن يتركوا هملاً دون حساب أو مؤاخذة، إن الزمن وإن أغراهم، فإن يد المنية كفيلة بأن تتخطفهم وتغشاهم .
*************************
لماذا الحزن على الدنيا والعمر فيها محدودٌ لا سبيل لزيادته، والرزق فيها مقسومٌ لا سبيل لنقصانه، والسعي للآخرة فيها مطلوبٌ لا عذر لفواته، ألا فلنحظى بنعمة الاستعداد لدار الرحيل؛ كي ما يهنأ بنا الرحيل، وليكن فراقنا للدنيا أولى خطوات سعادتنا في الآخرة، إذ فيها يكون المستقر، والتقلب بين ألوان النعيم، في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدرٍ.
*************************
ليست العبرة بإمعان التغافل عن حقيقة لابد قادمةٍ ( كالموت ) وإنما العبرة وعين العقل أن تفكر في كيفية الاستعداد لمواجهة تلك الحقيقة قبل حلولها، إذ أنها قادمةٌ لا محالة، وإلا كان فعلنا كفعل النعامة حين تخفي رأسها في التراب؛ لتواري جميع جسدها من سنان الحراب!! وهل يفعل ذلك إلا أحمق؟!
*************************
أقل مقارنة بين حالك حين الغفلة وظلمة المعصية، وبين لحظات نقائك وشفافيتك حين التضرع والبكاء إلى الله، كفيلة بأن تأصل في نفسك التمييز بين حقارة الدنيا، وعظـيم شأن الآخرة.
*************************
لا يمكنك منافسة كلاب الدنيا على دنياهم إلا إذا كان لديك الاستعداد بأن تفوق الكلاب في عويلهم !! أو أن تنافس الذئاب على جيفهم !! أو أن تمكر بالثعالب مكراً يحيق بمكرهم !! وحيينها لابد لك من أن تخلع عن نفسك رداء الرجولة، إذ لا يمكن ارتداؤه مع ثياب الخيانة التي أعدت لك، واستلب من نفسك ضميرها، إذ لا يمكن بقاؤه مع الغوص في وحل الرذيلة الذي خصّص لك، واحذر أن تحدث نفسك بتقوى الله، وإلا خسرت في حلبة المصارعة التي نصبت لك، فإن لم ترض لنفسك كل هذه الألوان من التردي والضياع، فعليك بتوثيق صلتك بربك، بنقاء قلبك، وطهارة سريرتك، وحيينها سوف يحفظك الله ويرعاك، ومن شرور الخلق يتولاك، وبغنى النفس يغشاك.
*************************
تعتصر النفس الحسرة حين تعلم أن كثيراً من المشركين كان لديهم الاستعداد للدخول في الإسلام قبل موتهم، غير أنهم لم يجدوا من المسلمين من تفرغ من شهواته وملذاته يوماً ولو للحظةٍ قليلةٍ؛ حتى يبلغهم دين الله!! فما هي حجتنا غداً بين يدي ربنا ؟!
*************************
يظل الموت سيفاً مسلطاً على رقاب العباد؛ كي يبطل حيلة كل داهية، ويرغم أنف كل طاغية، ويكشف الزيغ عن حقيقة هذه الدار الفانية.
*************************
القلبُ وعاءٌ من زجاج، يحفظ ما بداخله طالما كان التعامل معه بليونة ورفق، ويهدر كل ما فيه إذا ما كان التعامل معه بالشدة وعدم الرفق، فاستفتحوا القلوب بالرحمات؛ كي تذعن لهدى الآيات، ولا تأخذوها بالتقنيط، فتكونوا سبباً في مزيد من التفريط !!
*************************
كلُّ من عليها فانٍ، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، فلماذا التعلق بالأوهام، والإعراض عن رضى الرحمن؟! فبأي آلاء ربكما تكذبان؟
*************************
احذر عند أول وهلة للعجب بنفسك؛ فإنك بذلك تضع قدمك على حافة هاوية الضياع؛ إذ الفضل والمنة لله، ولا يهلك على الله إلا من أرداه، ولا يعجب بنفسه إلا من الشيطان أغواه.
*************************
احرص على هذه الشعرة الدقيقة بين الكبر وحفظ هيبتك لدى الآخرين، وذلك لأن التواضع أمرٌ مرغوب، غير أن الابتذال أمر غير محبوب.
*************************
طوبى لمن خُتم له بخير، وترك في الناس أثراً يذكرونه على إثره بكل خير؛ فإن ذلك هو سعيد الدنيا والآخرة.
بقلم : أبو مهند القمري