29-جماد أول-1432هـ 2-مايو-2011
كتبه/ محمد حرفوش
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا، واخلف لنا خيرًا منها.
مات "عبد الفتاح منجود" وإخوته، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
مات الهزبر المنافح والماشي في حاجات المساكين والضعفاء.. والله حسيبه!
مات أخي وحبيبي وخليلي "عبد الفتاح منجود" وإخوته، وهم في طريقهم؛ لتوصيل الإغاثة إلى إخوانهم في الله مِن الضعفاء المحاصرين في ليبيا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فوا حر كبدي يا "عبد الفتاح" لفراقك.. ويا عظيم مصابي.. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
والله إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا لفراقك يا "عبد الفتاح" لمحزونون ومكروبون.
والله إن القلوب والأكباد لتكاد تتفطر مِن مصابها.
ولكن ما يخفف عنا عظيم مصابنا إيمان بالله -سبحانه-، وإيمان بالقدر خيره وشره، ويقين أن الله -سبحانه- لا يُقدِّر إلا خيرًا، وأنه قدَّر الشر -سبحانه- لحكمة خيرية لا يعلمها إلا هو -سبحانه-.
فلله الحمد على ما أعطى، ولله الحمد على ما منع، وله الحمد في الأولى وفي الآخرة، وكذلك نجد سلوانا في قوله -سبحانه-: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) (النساء:100).
فهذه الآية كان لها سبب نزول؛ وهو: أن رجلاً كبيرًا في السن، كان يسكن في مكة بعد هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، لكنه لم يتحمل شدة حرارة وبرودة الكفر في مكة، وكان يتخيل الصحابة وهم يتنعمون حول النبي -صلوات ربي وتسليماته عليه- بصحبته والصلاة خلفه، وينعمون بالقرب منه والنهل مِن الوحي المنزل عليه، بل ويتخيلهم وهم يصافحون وجهه كل يوم! فلم يتحمل أن يعيش في مكة، فخرج مِن مكة إلى المدينة، والطريق مِن مكة إلى المدينة مسيرة أربعة أو خمسة أيام، وبينما هو سائر في الطريق بعد ما قطع مرحلة منه؛ إذ أدركته الوفاة، وشعر بدنو أجله ومنيته، وأنه سيموت.. فماذا فعل هذا الرجل؟
ضرب كفًا بكف، وقال: "اللهم إن هذه بيعتي لك! وضرب كفه الأخرى وقال: اللهم هذه بيعتي لنبيك"! ومات -رضي الله عنه-.
فنزلت الآية: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) (النساء:100).
فيا لرحمتك يا أرحم الراحمين.. !
لم يُسم، ولم يُعين له أجرًا، ولا خصص له.. إنما قال: (أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)، وإبهام الأجر دلالة على عظم الأجر، فلله الحمد والشكر هو الرحمن الرحيم.. فاقبلهم يا رب العالمين، وأنت أرحم الراحمين.. فلله درهم كم كان مثلهم يذكر بالقائل:
والأمر الثاني: قوله -صلوات ربي وتسليماته عليه-: (يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ) (رواه مسلم).
ووالله إن أعجب ما رأيته في موتك -يا أخي ويا شقيق روحي-: اختلاط دمائك الزكية الطاهرة بمؤن الإغاثة، وقد انهارت على جسدك!
فكأن رسالة ترسلها لنا في مماتك -كما كنت تراسلنا بعلو همتك في حياتك- أن المرء يختم له بما كان يصنع ويواظب طوال حياته، فليحرص كل على ما يريد الموت عليه!
ولله درك يا بطلاً ظل -وسيظل- في القلوب نورًا ونارًا.. نورًا في طريق الخير والبذل، ونارًا في النفوس نشبت للحاق بركب الشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.
ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، ونحن لن نعجز ولن نيأس، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ) (رواه أحمد، وابن ماجه، وحسنه الألباني).
وإن كان مِن بقية حزن فهو على فراق الأحباب والأصحاب والأولياء في طاعة الله.. فــ:
فلله ما أعطى، ولله ما أخذ، وكل شيء عنده بقدر.
كتبه/ محمد حرفوش
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا، واخلف لنا خيرًا منها.
مات "عبد الفتاح منجود" وإخوته، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
مات الهزبر المنافح والماشي في حاجات المساكين والضعفاء.. والله حسيبه!
مات أخي وحبيبي وخليلي "عبد الفتاح منجود" وإخوته، وهم في طريقهم؛ لتوصيل الإغاثة إلى إخوانهم في الله مِن الضعفاء المحاصرين في ليبيا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فوا حر كبدي يا "عبد الفتاح" لفراقك.. ويا عظيم مصابي.. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
والله إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا لفراقك يا "عبد الفتاح" لمحزونون ومكروبون.
والله إن القلوب والأكباد لتكاد تتفطر مِن مصابها.
ولكن ما يخفف عنا عظيم مصابنا إيمان بالله -سبحانه-، وإيمان بالقدر خيره وشره، ويقين أن الله -سبحانه- لا يُقدِّر إلا خيرًا، وأنه قدَّر الشر -سبحانه- لحكمة خيرية لا يعلمها إلا هو -سبحانه-.
فلله الحمد على ما أعطى، ولله الحمد على ما منع، وله الحمد في الأولى وفي الآخرة، وكذلك نجد سلوانا في قوله -سبحانه-: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) (النساء:100).
فهذه الآية كان لها سبب نزول؛ وهو: أن رجلاً كبيرًا في السن، كان يسكن في مكة بعد هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، لكنه لم يتحمل شدة حرارة وبرودة الكفر في مكة، وكان يتخيل الصحابة وهم يتنعمون حول النبي -صلوات ربي وتسليماته عليه- بصحبته والصلاة خلفه، وينعمون بالقرب منه والنهل مِن الوحي المنزل عليه، بل ويتخيلهم وهم يصافحون وجهه كل يوم! فلم يتحمل أن يعيش في مكة، فخرج مِن مكة إلى المدينة، والطريق مِن مكة إلى المدينة مسيرة أربعة أو خمسة أيام، وبينما هو سائر في الطريق بعد ما قطع مرحلة منه؛ إذ أدركته الوفاة، وشعر بدنو أجله ومنيته، وأنه سيموت.. فماذا فعل هذا الرجل؟
ضرب كفًا بكف، وقال: "اللهم إن هذه بيعتي لك! وضرب كفه الأخرى وقال: اللهم هذه بيعتي لنبيك"! ومات -رضي الله عنه-.
فنزلت الآية: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) (النساء:100).
فيا لرحمتك يا أرحم الراحمين.. !
لم يُسم، ولم يُعين له أجرًا، ولا خصص له.. إنما قال: (أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)، وإبهام الأجر دلالة على عظم الأجر، فلله الحمد والشكر هو الرحمن الرحيم.. فاقبلهم يا رب العالمين، وأنت أرحم الراحمين.. فلله درهم كم كان مثلهم يذكر بالقائل:
ربـاه إني قـد وهـبت حيـاتـــــي ومنحت عمري للهدى و مماتي
فاقبل إله العرش منــي هجرتي يا مَن إليك أبوح بــالـــعبــرات
ووالله إن أعجب ما رأيته في موتك -يا أخي ويا شقيق روحي-: اختلاط دمائك الزكية الطاهرة بمؤن الإغاثة، وقد انهارت على جسدك!
فكأن رسالة ترسلها لنا في مماتك -كما كنت تراسلنا بعلو همتك في حياتك- أن المرء يختم له بما كان يصنع ويواظب طوال حياته، فليحرص كل على ما يريد الموت عليه!
ولله درك يا بطلاً ظل -وسيظل- في القلوب نورًا ونارًا.. نورًا في طريق الخير والبذل، ونارًا في النفوس نشبت للحاق بركب الشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.
ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، ونحن لن نعجز ولن نيأس، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ) (رواه أحمد، وابن ماجه، وحسنه الألباني).
وإن كان مِن بقية حزن فهو على فراق الأحباب والأصحاب والأولياء في طاعة الله.. فــ:
وداعـــا أيـهـا الـبـطـــل لـفـقـدك تـدمـع المـقــل
بقاع الأرض قد نـدبـت فراقك واشــتكى الطـلل
لئن ناءت بنا الأجسـاد فـــالأرواح تــتــصــــل
ونـسـأل ربنا المـولــى وفي الأسحار نـبـتـهـل
بـأن نـلقـاك فـي فــرح بــدار مــا بـهـا مــلــل
بــجـــنـات وروضــات بها الأنـهـار والحـلــل
بـهــا الحـور تـناديـنـا بـصـوت ما لـه مـثــل
بـهـا الأحـبـاب قاطـبة كذا الأصحاب والرسل
بـهـا أبـطــال أمـتــنـا بـهـا شــهـداؤنا الأول
فــيـا مـَن سبقـت إلى جـنــان الخلد ترتـحـل
هـنـيـئـًا ما ظفرت به هـنـيـئًا أيـهـا الـبـطـل
www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي
موقع أنا السلفي