عاجلٌ.... إلى كل عاقل
فلشرف الزمان ونفاسته أقسم الله به قائلاً: (والعصر...).
ونعمة الوقت نعمة عظمى بيد أن عامة الناس مغبونون فيها، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)رواه البخاري.
لقد علم عقلاء البشر نفاسة الأنفاس وقيمة الزمن، فأمعنوا في حرزه وحفظه، وعضوا عليه بالنواجذ، وكانوا أحرص على أوقاتهم منا على أموالنا، وكيف لا... والجنيهات قد يخلف عليك -بإذن الله- بمثلها، أما الأوقات فلا؟!
وكيف لا... وما من يوم يصبح العباد فيه إلا ويهتف: يا بن آدم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد، فاغتنمني فإني لا أعود إلى يوم القيامة؟!
وقف العقلاء على قيمة الوقت فكانت منهم الأعاجيب في صيانته، وهذه أسطر تشهد بذلك:
قال رجل لعامر بن قيس: "هيا بنا نسمر ساعة. فقال له اللبيب: أمسك الشمس، وامنع مرورَ الزمن، وتعاقبَ الليل والنهار أسمرْ معك كيفما شئت!!".
وهذا أعُجوبة الزمان الإمام أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي يقول: "إنني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري في غير فائدة"، ويقول مبيناً صراعه مع عقارب الساعة: "وأنا أختار سف الكعك المطحون، وتحسيه بالماء على أكل الخبز ومضغه؛ اغتناماً للوقت وتوفيراً للزمان".
- النفيس بن النفيس كان إذا أراد التصنيف توضع له الأقلام مبرية، ويدير وجهه إلى الحائط، فيكتب كالسيل إذا انحدر، حتى إذا كلَّ القلم أو انكسر سنه، رمى به، وتناول غيره؛ لئلا يضيع عليه الزمان في بري الأقلام!
فسبحان من عرَّفهم قيمة الوقت، وألهمهم حفظه، وأعانهم على اغتنامه.
أخي: كما أنه ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها، فليس له من حياته إلا ما عبد منها، أما غير ذلك مما ضاع في اللهو واللعب والعبث فغير محسوب، اللهم إلا أن يحسب عليه لا له.
جلس جماعة من الصالحين يتعارفون، فقام شيخ وقور قد علاه الشيب معرفاً بنفسه فقال: "اسمي فلان ابن فلان وعمري 9 سنوات، فتعجب الحضور...9 سنوات؟!!
قال: نعم، لأنني أحسب عمري من اليوم الذي عرفت فيه الطريق إلى الله، أما قبل ذلك فإني بريء منه، ولا أعده من عمري البتة".
أخي: إن الوقت هو الحياة
دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان
وقالوا: من علامة المقت إضاعة الوقت!!
وقالوا: إضاعة الوقت أشد من الموت!!
وتأويل ذلك أن الموت يقطعك عن الخلق، وإضاعة الوقت تقطعك عن الخالق، وقالوا: "الوقت من ذهب"، إلا أنهم في هذه أخفقوا وبخسوا الوقت حقه، وإلا فالوقت لا يقوم أمامه شيء، لا الذهب ولا الدرر، ولا اللآلئ ولا اليواقيت ولا المرجان، ولا الدنيا بجماعها.
ولله در القائل:
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع
أخي: إنما أنت أيام فإذا ذهب يومك ذهب بعضك.
أخي: في قاموس العقلاء لا يوجد هناك شيء اسمه "وقت الفراغ"، بل هي خرافة وضعها الفارغون، فإياك وهذه اللفظة فإنها شعار التافهين!!
وكما أنه لا قيمة للوقت عند الفارغين، فلا قيمة للفارغين في الحياة.
أخي: إن الأوقات والساعات تاجٌ على رؤوس الأحياء لا يشعر به إلا الموتى، وهذه الدقائق وتلك الثواني أمنية غالية يحلم بها أمم من الأموات، ولكن هيهات هيهات.
يقول الحكيم: ركعتان مما نستقل أحب إلى أهل القبور من دنيانا التي نستعظم (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ)(المؤمنون:99)... ارجعون سنة... شهراً... جمعة... يوماً... ساعة... دقيقة... ثانية... فيقال: كلا.
أخي: لابد أن تكون غيوراً على وقتك، حريصاً عليه، ومما يعينك على ذلك علمك بسرعة مرور الأيام، لاسيما في هذا الزمان، فضلاً عن قصر أعمار هذه الأمة بالنسبة لمن سبقنا، ويدل على الأوَّل قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة وتكون الجمعة كاليوم ويكون اليوم كالساعة وتكون الساعة كاحتراق السعفة) رواه أحمد، وصححه الألباني، ويدل على الثاني حديث: (أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك)رواه الترمذي، وحسنه الألباني، فإذا حذفت من الستين أو قل السبعين أوقات الأكل والشرب، والنوم، والخلاء، والجماع، وما لابد لك منه، فضلاً عن زمن الطفولة والصبا، لهَالـَكَ ما تبقـَّى لك من سويعات وأيام معدودات.
أخي: مازلت في الفرصة، ودونك ما تبقى لك من عمر؛ فَـأَرٍِ اللهَ -تعالى- فيه من نفسك خيراً، وأعد للسؤال جواباً، فلن تزول قدمك عند الله يوم القيامة حتى تسأل عن أربع، أولها عن عمرك فيما أفنيته.
فاللهَ اللهَ في عمرك، ولحظاتك وساعاتك!! واربأ بنفسك أن تبددها شَذَرَ مَذَرَ. واغتنم خمساً قبل خمس، كما أوصاك الناصح الأمين -صلى الله عليه وسلم-: (اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك)رواه الحاكم، وصححه الألباني.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
تعليق