حياكم الله اخوانى و أخواتى فى الله .
فى ظل الاحداث الجارية على الساحة المصرية و العربية بل و الأسلامية عمتا , ظهرت مناهج فكرية و مصطلحات جديدة و ليس بجديدة .. بإذن الله تعالى نتناول فى هذه السلسلة تعريف و توضيح هذه المناهج الفكرية و موضعها فى ميزان الإسلام و نبدأ على بركة الله و نسأل الله عز وجل إن يتقبل منا و منكم اجمعين
العلمانية " 1 "
والعلمانية في قاموس ( أكسفورد): مفهوم يرى ضرورة أن تقوم الأخلاق والتعليم على أساس غير ديني.
وترجع جذور هذا الفكر الذي نشأ في أوروبا نتيجة الظلم والاستبداد على يد الكنيسة لاسيما في العصور الوسطى حيث طغى رجال الكنيسة بدينهم المحرف وسيطروا على الحكام والمجتمعات وأرادوا السيطرة على حقائق العالم فنفوا من هذه الحقائق ما خالف تصوراتهم، وأقيمت على الشعوب هناك مذابح دموية وسميت بمحاكم التفتيش قتل فيها النساء والرجال بالآلاف، ومما يذكر من آلات التعذيب آلات كسر العظام وتقطيع الأطراف وانتزاع أثداء النساء وخلع الأظفار وكلاليب التعليق وقطع الألسنة وألوان شتى من ألوان التعذيب.
وقد صاحب هذا فساد في أحوالهم الدينية، فصكوا صكوك الغفران وزعموا أنه لا تقبل عبادة العباد إلا من خلال رجال الكنائس.
ورويدا رويدا بدأ التململ والتذمر الذي انتهى بالثورة والتي من أبرزها الفرنسية التي آلت على نفسها محاربة الملكية وتسلط القساوسة معا بتطرف يلخصه شعارها ( اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس) أي تخلصوا من كل الملوك ورجال الدين.
ثم قامت الثورة بحصار على الدين في شعائر تعبدية فقط لا علاقة لها بالحياة، وأقامت حضارتها على المادية المحضة وفي اعتقادها أن العلم ضد الدين.
وللعلمانية أركان ثلاثة:
2. فصل العلم والأخلاق والفكر والثقافة عن الالتزام بتعاليم الدين - أي دين كان- فالأخلاق والمبادئ عندهم من الأمور النسبية، بينما هي في الإسلام من الأمور الثابتة التي لا تتغير ولا تتبدل، فالزنا مثلا في الإسلام حرام ومناف للأخلاق من عهد النبي صلى الله عليه و سلم إلى يوم القيامة، أما في العلمانية فالأمر نسبي فلا حرج طالما أن الاثنين متفقان على هذا.
3. إقامة دولة ذات مؤسسات سياسية على أساس غير ديني.
آراء العلمانيين في مذهبهم:
1. أن يفر من الجواب.
2. أو يقول بوضوح وصراحة: إن الدين يجب أن نعزله عن السياسة والثقافة والفكر وعن حياتنا الاجتماعية، وقد يكون لطيفا فيقول: إن الدين علاقة بين الإنسان وربه ولا يخرج عن أن يكون مسألة شخصية.
يقول يوسف القعيد: إن مفهومي الشخصي للدين هو المسجد أو الكنيسة أو المعبد، وتقول منى مكرم عبيد رئيسة لجنة العلاقات الخارجية بحزب الوفد: لا بد أن تتصدى الدولة لدعاة الدولة الدينية، أما مصطفى الفقي عضو مجلس الشورى فيريد أن يضع الدين في مكانه المقدس كما يقول: ( دون الهبوط به إلى صراعات السياسة)، وهذا معناه كما يقولون لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة، فأحكام الله تعالى التي في قرآنه أو سنة نبيه صلى الله عليه و سلم نضرب بها عرض الحائط ولا نأخذ منها إلا أحكام الوضوء والصلاة والعبادة!!.
3. أو يقول العلماني: إن الدين كله حق والاحتكام إليه واجب، ولكن أين الذين يطبقونه كما أنزل، ثم يأخذ بعد ذلك بالطعن في حملة الدين ويسمونهم بالمتاجرين بالدين إلخ، وهو يقصد الطعن في الدين نفسه، فإذن النتيجة واحدة وهي أنه لا يمكن للناس بحال من الأحوال تحكيم الشريعة الإسلامية في شئون حياتهم.
التقليد الأعمى:
إذن أيها المسلمون هؤلاء العلمانيون يقلدون الغرب تقليدا أعمى عاريا عن الفهم والعقل فضلا عن الدين، فالكنيسة في أوروبا كانت هي الحاكمة على الشعب وعلى السلطة بدين محرف يعذبون ويقتلون، فقامت الثورة على الكنيسة وحجمت الدين في الكنيسة وواجهت الدنيا بهذا الفكر العلماني. أما في بلاد الإسلام فالمسجد لم يسيطر لا على الحكام ولا على الشعب، بل كان مضطهدا في كثير من الأحيان، ثم إن شرع الإسلام عظيم فيه صلاح الدنيا والآخرة، فنقول للعلمانيين: هذا تقليد أعمى يؤدي بكم إلى التهلكة إن لم تدرككم رحمة الله.
ضلال العلمانيين:
فالعلماني قد يكون ذلك الشخص الذي يطعن في الدين جهارا أو يسب القرآن والسنة أو يستهزئ بهما، وقد لا يكون كذلك ولكن يعتقد أنه غير مُلْزَم باتباع جميع ما جاء عن الرسول صلى الله عليه و سلم ، أو يعتقد أنه مخير بين أن يرفض بعض أحكام دين الإسلام، أو يعتقد أن الدين ليس شاملا لكل الحياة. فقد يقول لك على سبيل المثال: إن المرأة غير ملزمة بالحجاب الشرعي؛ لأنه لا يصلح لهذا الزمان، أو أن الحدود الشرعية لا تصلح للتطبيق في هذا الزمان؛ لأنها وحشية، أو يقول إن النظام الاقتصادي لابد أن يقوم على الربا.
ونسي هؤلاء المساكين أن الله تعالى قال: ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) ( الأنعام: 57)، ( كُلٌّ مِنْ عِندِ اللَّهِ) ( النساء: 78)، ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) ( البقرة: 85)، ( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ( المائدة: 50)، ( وَمَن لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) ( المائدة: 44)، ( وَمَن لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ( المائدة: 45)، ( وَمَن لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) ( المائدة: 47)، ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) ( النساء: 65).
نسي هؤلاء أنهم خالفوا مفهوم الربوبية؛ لأن من معاني كلمة ( رب) السيادة والملك، ومن تمام الملك أن يُنَفَّذَ حكم الملك فيما يملك.
فكما أن لله الخلق فله كذلك الأمر: ( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) ( الأعراف: 54)، فلله الأمر أي الحكم، كما في قوله تعالى: ( فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) ( الأعراف: 77) أي حكم ربهم.
ونسي هؤلاء العلمانيون أنهم خالفوا مفهوم الألوهية، فالإله هو المعبود والألوهية العبودية، فالعبادة هي حق الله على خلقه والمطلوب أن يؤدي العبد ما أمره به الله: ( اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) ( الأعراف: 59)، فيفرد الله بكمال الخضوع لأمره ونهيه واتباعه فيما أحل وحرم.
و أخر كلامى سلامي
سبحانك اللهم و بحمدك , أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
1 - المصدر كتاب " العلمانية، الليبرالية، الديمقراطية، الدولة المدنية في ميزان الإسلام "
الطبعة الثانية
الطبعة الثانية
جمع وترتيب
اللجنة العلمية بجمعية الترتيل
للخدمات الثقافية والدينية
تحت إشراف:
الشيخ/ محمد عبد العزيز أبو النجا
الخبير بمجمع فقهاء الشريعة
وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
بالمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة
تعليق