هل حرقناه قبل أن يحرقوه ؟!
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ...
أما بعد ، الأحبة في الله:
هل سمعتم بدعوة القس الأمريكي تيري جونز لحرق المصحف في ذكرى أحداث الحادي عشر من ستمبر ؟!
بالتأكيد
وماذا استفدتم ؟ وما الذي تغير فيكم ؟
عرفنا مدى الحقد الذي في قلوب هؤلاء تجاه الإسلام، وتوالت الدعوات في أرجاء الأرض لنصرة كتاب الله -تعالى- والدفاع المستميت عنه ، حتى تراجع بفضل الله -تعالى- عن دعوته.
فقط؟؟
نعم، نصر الله كتابه ، وحفظه من عبث العابثين مصداقا لقوله -تعالى-: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] ، هل هذا ما تعلمتموه ؟!
وماذا تريد منَّا أكثر من ذلك ؟! يبدو أنك تريد شيئا مختلفا.
نعم ، إنني رأيت في هذا المشهد صورا إيجابية تستحق الإشادة ، صورة الغيرة التي تجلت في وقوف المسلمين صفًا أمام هذا الفعل الخبيث المشين الدال على الحقد الدفين.
وفرحت وأنا أرى الزعماء والرؤساء يدلون بدلوهم في هذه القضية -على غير المعتاد-
لكني آلمني حقا ثقافة كثير من المسلمين اليوم، أصحاب توجه "للبيت رب يحميه" فالله أنزل القرآن ، وهو الذي سيحفظه ، وكأن الأمر لا يعنينا.
آلمني مشهد فراق رمضان شهر القرآن ، واختيار التوقيت لينزل الغم بالمسلمين بعد يوم عيدهم ، أوقد صار الاستخفاف بنا لهذا الحد ؟؟
وأخطر ما هالني ، ورأيتني أعود بالعتاب المر على نفسي قبل غيري ، أن تأملت مصاحف المسلمين وقد علاها التراب طوال أشهر العام ، ولا أراهم يتذكرونه ويتعارفون عليه إلا في رمضان.
أحبتي:
إن المسلمين أحرقوا القرآن قبل أن تسول لهؤلاء أنفسهم فكرة حرقه ، حرقوه يوم اتخذوا تلاوته عملا ، حرقوه يوم ابتعدوا عن حكمه ، حرقوه يوم اتخذوه بركة تحت الوسائد، ومعلقا في السيارات.
كونهم يعادونه ليس بمستغرب ، ولكن الغريب أن لا يتحرك للمسلمين ساكن ، ليعرفوا من أين يؤتون ؟
في القديم قالها "مارتن لوثر" (1483 ـ 1546م) عن القرآن الكريم: "أي كتاب بغيض وفظيع وملعون هذا القرآن .. مليء بالأكاذيب والخرافات والفظائع .. وإن إزعاج محمد ، والإضرار بالمسلمين ، يجب أن تكون هي المقاصد من وراء ترجمة القرآن وتعرّف المسيحيين عليه !!".
فهو يخاف القرآن .. ويسبه .. ويترجمه على النحو الذي يحقق هذا السباب!!.
وفي هذا الاتجاه سار الشاعر الألماني "جوته" (1749 1832م) .. الذي وصف القرآن الكريم بأنه "الكتاب الذي يكرر نفسه تكرارات لا تنتهي، فتثير اشمئزازنا دائما كلما شرعنا في قراءته !! "
ولعل في جهل هذا الشاعر بالعربية ما جعله جاهلا بأسرار الجمال والجلال المودعة في القرآن ، والتي رآها أهل البلاغة العربية * حتى مع كفرهم - سحرا يستحيل علي المجاراة والمحاكاة والتقليد!.
وحتى الرجل ، الذي جعل من رسول الله -صلي الله عليه وسلم- إمام العظماء .. "توماس كارليل" (1795 1881م) نراه -لجهله بلغة القرآن وأسرار بلاغته والإبداع الإلهي فيه- يقول: "إن محمدًا شيء .. والقرآن شيء آخر .. فالقرآن هو خليط طويل وممل ومشوش .. جاف .. وغليظ .. باختصار ، هو غباء لا يحتمل" !!.
* وهناك "الحداثيون" من الغربيين والمتغربين -الذين أدركوا عبثية الهجوم الفج والصريح علي القرآن الكريم-.. وكيف أن هذا يزيد المسلمين استمساكا به واعتصاما بحبله .. فذهبوا مذهب التأويل العبثي ، الذي يفرغ القرآن من حقائق محتواه ، ويحوله إلى رموز لا حقيقة فيها .. وإلي تاريخ لا صلاحية له في الحاضر والمستقبل.
أحبتي ... تعالوا للحقيقة
فلعلكم لا تعرفون أن تقريرا أعدته "مؤسسة راند" الأمريكية التي تشير علي صانع القرار الأمريكي سنة 2004م والذي نشر تحت عنوان "خطة أمريكية لإعادة بناء الدين الإسلامي". وفيه تقسيم لتيارات الفكر في العالم الإسلامي إلي أربع تيارات:
1- الأصوليون: الذين يرفضون قيم الثقافة الغربية المعاصرة..
2- والتقليديون: الذين يريدون مجتمعا محافظا ، وهم في ريبة من الحداثة والتغيير..
3- والعلمانيون: الذين يريدون أن يقبل العالم الإسلامي الفصل بين الدين والدولة..
4- والحداثيون: الذين يريدون العالم الإسلامي جزءا من الحداثة الغربية .. ويريدون تحديث الإسلام ليواكب العصر..
ثم تنصح هذه الخطة صانع القرار الأمريكي بدعم الحداثيين ، لأنهم " الأكثر إخلاصا في تبني قيم وروح المجتمع الغربي الحديث "
وهم -مع العلمانيين- الأقرب إلى الغرب في ضوء القيم والسياسات .. ومن بين ميادين الدعم الأمريكي المقترح لهؤلاء الحداثيين -فيما يتعلق بالقرآن الكريم- "تشجيع تأويلهم للنص القرآني الحرفي الذي نعتبره تاريخا وأسطورة"!!.
لقد سبق لرئيس الوزراء الإنجليزي "جلادستون" (1809 1898م) أن قال: "إننا لن نستطيع هزيمة المسلمين طالما ظلوا متمسكين بهذا القرآن"!.
ولذلك ، تعددت وتتعدد مظاهر العداء الغربي والمتغرب للقرآن الكريم .. وتتراوح بين الهجوم الفج .. وبين ألوان التأويل العبثي التي تفرغ القرآن من حقائقه الخالدة .. وبين محاولات التشكيك في الحفظ الإلهي لهذا القرآن الكريم .. (مستفاد من مقال للدكتور/ محمد عمارة 16/8/1431هـ (26/7/2010) بجريدة المصريون بعنوان ( مظاهر العداء الغربي للقرآن الكريم ).
هل فهمتم ؟؟؟ إنني أواجهكم بالواقع بكلمة واحدة:
- إذا لم تخرجوا من شهر القرآن وقد صارت معرفتكم بالقرآن كمعرفة الوالد بولده فآسف جدا ، ما هكذا يتعامل مع القرآن.
{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 20].
- هل فهمتم هذه الإشارة الربانية في قوله -تعالى-: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185] فعرفتم الطريق ، وتبينت لكم مناراته ، وزالت حيرتكم يوم صار القرآن فرقانا بين الحق والباطل ، بين الخبيث والطيب ؟؟
يـا أمــة الـقـرآن
البداية عودة لفهم القرآن ، عودة لتدبره ، إحياء معانيه ، البداية: "كان قرآنا يمشي".
نحن نريد:
(1) أن ينهض المسلمون ليستمسكوا بالكتاب {خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: 12].
(2) أن نوقن أن بداية الإصلاح: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} [الأعراف: 170].
(3) أن تتضافر الجهود نحو "تدبر القرآن" الأمة في أمس الحاجة لتفسير يلامس الواقع ولا يخرج عن جادة الطريق ، تفسير لا يلوي أعناق الآيات لخدمة المصالح والأهواء ، وفي نفس الوقت يشعرك في الألفية الثالثة بأن القرآن أنزل ليكون خالدا ، لكل زمان ومكان.
فمتى تشعرون بأهمية هذه العبودية الغائبة "تدبر القرآن" ؟!
ومتى يبذل الغالي والنفيس من أجل تحقيق الخطوة الأولى لنهضة المسلمين: "رجوع حقيقي للقرآن"
{هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ} [إبراهيم: 52] ، فستذكرون ما قلت لكم ، وأفوض أمري إلى الله .
" اللهم قد بلغت اللهم فاشهد "
تعليق