فضيلة الاستغفار
قال قتادة رحمه الله: القرآن يدلكم عن دائكم ودوائكم. أما داؤكم فالذنوب وأما دواؤكم فالاستغفار.
وقال علي كرم الله وجهه: العجيب ممن يهلك ومعه النجاة قيل وما هي قال الاستغفار.
وكان يقول: ما ألهم الله سبحانه عبداً الاستغفار وهو يريد أن يعذبه.
وقال الفضيل: قول العبد " أستغفر الله " تفسيرها: أقلني.
وقال بعض العلماء: العبد بين ذنب ونعمة لا يصلحهما إلا الحمد والاستغفار.
وقال الربيع بن خيثم رحمه الله: لا يقولن أحدكم أستغفر الله وأتوب إليه فيكون ذنباً وكذباً إن لم يفعل ولكن ليقل: اللهم اغفر لي وتب علي.
وقال الفضيل رحمه الله: الاستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين.
وقالت رابعة العدوية رحمها الله: استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير.
وقال بعض الحكماء: من قدم الاستغفار على الندم كان مستهزئاً بالله عز وجل وهو لا يعلم.
وسمع أعرابي وهو متعلق بأستار الكعبة يقول: اللهم إن استغفاري مع إصراري للؤم وإن تركي استغفارك مع علمي بسعة عفوك لعجز فكم تتحبب إلي بالنعم مع غناك عني وكم أتبغض إليك بالمعاصي مع فقري إليك! يا من إذا وعد وفى وإذا أوعد عفا أدخل عظيم جرمي في عظيم عفوك يا أرحم الراحمين.
ودعا أبو عبد الله الوراق فقال :
" اللهم إني أستغفرك من كل عمل أردت به وجهك فخالطه غيرك واستغفرك من كل نعمة أنعمت بها علي فاستعنت بها على معصيتك وأستغفرك يا عالم الغيب والشهادة من كل ذنب أتيته في ضياء النهار وسواد الليل في ملأ أو خلاء وسر وعلانية يا حليم.
فضيلة قيام الليل
يقال: إن سفيان الثوري رحمه الله شبع ليلة فقال: إن الحمار إذا زيد في علفه زيد في عمله فقام تلك الليلة حتى أصبح.
وكان طاوس رحمه الله إذا اضطجع على فراشه يتقلى عليه كما تتقلى الحبة على المقلاة ثم يثب ويصلي إلى الصباح ثم يقول: طير ذكر جهنم نوم العابدين.
وقال الحسن رحمه الله: ما نعلم عملاً أشد من مكابدة الليل ونفقة هذا المال فقيل له: ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوهاً قال: لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره.
وكان عبد العزيز بن رواد إذا جن عليه الليل يأتي فراشه فيمد يده عليه ويقول: إنك للين ووالله إن في الجنة لألين منك ولا يزال يصلي الليل كله.
وقال الفضيل: إني لأستقبل الليل من أوله فيهولني طوله فأفتتح القرآن فأصبح وما قضيت نهمتي.
وقال الحسن: إن الرجل ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل.
وقال الفضيل: إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم وقد كثرت خطيئتك.
وكان صلة بن أشيم رحمه الله يصلي الليل كله فإذا كان في السحر قال: إلهي ليس مثلي يطلب الجنة ولكن أجرني برحمتك من النار.
وقال رجل لبعض الحكماء: إني لأضعف عن قيام الليل فقال له " يا أخي لا تعص الله تعالى تقم بالليل.
وكان للحسن بن صالح جارية فباعها من قوم فلما كان في جوف الليل قامت الجارية فقالت يا أهل الدار الصلاة الصلاة! فقالوا: أصبحنا أطلع الفجر فقالت: وما تصلون إلا المكتوبة قالوا: نعم فرجعت إلى الحسن فقالت: يا مولاي بعتني من قوم لا يصلون إلا المكتوبة ردني.
ويقال: إن مالك بن دينار رضي الله عنه بات يردد هذه الآية ليلة حتى أصبح " أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات " الآية: وقال المغيرة بن حبيب رمقت مالك بن دينار فتوضأ بعد العشاء ثم قام إلى مصلاه فقبض على لحيته فخنقته العبرة فجعل يقول حرم شيبة مالك على النار إلهي قد علمت ساكن الجنة من ساكن النار فأي الرجلين مالك وأي الدارين دار مالك فلم يزل ذلك قوله حتى طلع الفجر.
وقال مالك بن دينار: سهوت ليلة عن وردي ونمت فإذا أنا في المنام بجارية كأحسن ما يكون وفي يدها رقعة فقالت لي: أتحسن تقرأ فقلت: نعم فدفعت إلي الرقعة فإذا فيها:
أألهتك اللذائذ والأماني عن البيض الأوانس في الجنان
تنبه من منامك إن خيراً من النوم التهجد بالقران
ويروى عن أزهر بن مغيث وكان من القوامين أنه قال: رأيت في المنام امرأة لا تشبه نساء أهل الدنيا فقلت لها: من أنت قالت: حوراء فقلت: زوجيني نفسك فقالت اخطبني إلى سيدي وأمهرني فقلت: وما مهرك قالت: طول التهجد.
كان بعض الشيوخ يقف على المائدة كل ليلة ويقول: معاشر المريدين لا تأكلوا كثيراً فتشربوا كثيراً فترقدوا كثيراً فتتحسروا عند الموت كثيراً.
قال رجل للحسن: يا أبا سعيد إني أبيت معافى وأحب قيام الليل وأعد طهوري فما بالي لا أقوم فقال: ذنوبك قيدتك.
وكان الحسن رحمه الله إذا دخل السوق فسمع لغطهم ولغوهم يقول: أظن أن ليل هؤلاء ليل سوء فإنهم لا يقيلون.
وقال الثوري: حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته قيل وما ذاك الذنب قال: رأيت رجلاً يبكي فقلت في نفسي هذا مراء
ولذلك قال بعضهم: كم من أكلة منعت قيام ليلة وكم من نظرة منعت قراءة سورة وإن العبد ليأكل أكلة أو يفعل فعلة فيحرم بها قيام سنة.
وكما أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر فكذلك الفحشاء تنهى عن الصلاة وسائر الخيرات.
وقال آخر: أنا والليل فرسا رهان مرة يسبقني إلى الفجر ومرة يقطعني عن الفكر.
وقيل لبعضهم: كيف الليل عليك فقال: ساعة أنا فيها بين حالتين أفرح بظلمته إذا جاء وأغتم بفجره إذا طلع ما تم فرحي به قط وقال علي بن بكار: منذ أربعين سنة ما أحزنني شيء سوى طلوع الفجر.
وقال الفضيل بن عياض: إذا غربت الشمس فرحت بالظلام لخلوتي بربي وإذا طلعت حزنت لدخول الناس علي.
وقال أبو سليمان: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا.
وقال أيضاً: لو عوض الله أهل الليل من ثواب أعمالهم ما يجدونه من اللذة لكان ذلك أكثر من ثواب أعمالهم.
وقال بعض العلماء: ليس في الدنيا وقت يشبه نعيم أهل الجنة إلا ما يجده أهل التملق في قلوبهم بالليل من حلاوة المناجاة.
وقال بعضهم: لذة المناجاة ليست من الدنيا إنما هي من الجنة أظهرها الله تعالى لأوليائه لا يجدها سواهم
وقال ابن المنكدر: ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث قيام الليل ولقاء الإخوان والصلاة في الجماعة.