عقدت الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح مؤتمرها الأول مساء يوم السبت، وسط حضور حاشد من الجماهير يقدر بالآلاف، وجاء المؤتمر تحت عنوان:
«ثورة 25 يناير من منظور إسلامي».
وقد افتتح المؤتمر مفتي الديار المصرية الأسبق الدكتور نصر فريد واصل؛ الذي يترأس الهيئة الشرعية، والذي أكد في الافتتاحية على إرساء الإسلام لدعائم الأمن والأمان والسلم والسلام، وحقوق الإنسان.
كما أشار فضيلته إلى حرص النبي الكريم –صلى الله عليه وسلم- على تربية الأجيال على معاني الحرية والكرامة بكل أشكالها، وضرب مثالا لذلك وهو أن الحرية السياسية تجلت في أسمى معانيها في صورة مبايعة الحاكم من خلال أهل الحل والعقد.
ثم كان ثاني المتحدثين العلامة الأستاذ الدكتور علي السالوس نائب رئيس الهيئة، والذي شدد على ضرورة التصدي لمن يدندن حول إلغاء المادة الثانية من الدستور والتي تنص على أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي وهو المصدر الرئيسي للتشريع وأن اللغة العربية هي لغة الدولة.
وأبدى السالوس تعجبه من إبقاء المواد التي أطلق عليها (القبائح الدستورية) وهي من قبيل المواد التي لا تجرم الزنا إلا على فراش الزوجية.
وأوضح السالوس أن الإسلام يكفل لغير المسلمين حرية العبادة والشعائر؛ وبالتالي لا يحق للغير أن يطلبوا إلغاء المادة الثانية من الدستور، كما أن غير المسلمين تنعموا بالأمن والأمان في ظل حكم الإسلام قرونا متطاولة.
ثم بدأت الجلسة الأولى برئاسة أ.د.نصر فريد واصل وكان المتحدث في هذه الجلسة فضيلة أ.د.عبد الستار فتح الله سعيد أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعتي الأزهر وأم القرى.
وكان عنوان المحاضرة :
(نظرية السيادة بين الشريعة الإسلامية والنظم الساسية المعاصرة)
حيث أكد فضيلته أن الإسلام يسع الجميع بعدله ورحمته، وأن لله وحده حق التشريع –سبحانه وتعالى- "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير".
وقال فضيلته: إن البشرية تدمر نفسها عندما تنازع الله عز وجل في تحليل الحرام وتحريم الحلال، فأباح الأشقياء الشذوذ وزواج المثلين، غافلين عن قوله تعالى:
" وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ"
ونصح الدكتور عبد الستار بجعل القرآن الكريم دستورًا مذكرًا بجهود العلماء في نصح وتذكير الحكومات المتعاقبة منذ حكم الملك فاروق الأول لمصر، لكنهم لم يمتثلوا.
وكان المتحدث الثاني هو فضيلة أ.د.عمر عبد العزيز قرشي ومحاضرة بعنوان (تسامح المسلمين مع غير المسلمين)، وذكر فيها أن ثورة 25 يناير المباركة أسقطت رموز الطغيان، وكانت متنفسا للدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة.
وحذر القرشي من عواقب الفصل بين الدين والسياسة، مشيرًا إلى تصرف النبي الكريم –صلى الله عليه وسلم- عند الهجرة إلى المدينة المنورة، وكانت وطنًا لليهود فعاهدهم وقال لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وأعطاهم حقوق أهل الزمة،
"َفإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا".
وأكد القرشي على أن النصارى في بلادنا سيفضلون الاحتكام إلى الشرع ما دام الضابط هو قوله تعالى:
" لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بالعروة الوثقى"
ثم انعقدت الجلسة الثانية برئاسة أ.د.علي السالوس، وكان المتحدث فيها فضيلة د.محمد يسري إبراهيم ومحاضرة بعنوان (الممارسات السياسية في ضوء السياسة الشرعية)
وقد أثنى الدكتور محمد يسري على ثورة 25 يناير المباركة التي أنارت الطريق للشعوب العربية؛ وبسببها استفادت بعض الشعوب الأموال الوفيرة من حكامها الذين يخشون تكرار ما حدث في مصر معهم.
والتي اختصر فيها مواقف الشعوب إزاء المستجدات والنوازل؛ مركزًا على الناحية السياسية.
ثم بدأت الجلسة الثالثة برئاسة د.محمد يسري إبراهيم وكان المتحدث فيها فضيلة أ.د.محمد عبد المقصود عفيفي ومحاضرة بعنوان (تأصيل أعمال 25 يناير من الناحية الشرعية)
فصل فيها الشيخ الفرق بين الخروج على الحاكم وإنكار المنكر عليه، معتبرًا أن التظاهرات التي أطاحت بالرئيس السابق كانت إنكارا باللسان.
وتخللت الكلمات مداخلات للدكتور نصر فريد واصل؛ رئيس الهيئة الشرعية، أكد فيها على حق الرعية في مراقبة الحاكم في أعماله السيادية كلها، كما لهم الحق في أن يشاورهم في الأمور الهامة المصيرية.
وأشار الدكتور واصل إلى أن هدف الحاكم لا بد أن يتركز على تحقيق العدل والأمن في رعيته ورعاية مصالح الناس.
البيان الختامي:
وانتهى المؤتمر بقراءة فضيلة الشيخ خالد صقر للبيان الختامي وجاء فيه:
"الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد..
فقد انعقد مؤتمر الهيئة للحقوق والإصلاح بالقاهرة يوم السبت 23/3/1432هـ الموافق 26/2/2011م، وامتد المؤتمر من بعد صلاة العصر إلى بعد صلاة العشاء، وقد ألقيت عدة محاضرات، وذلك من خلال ثلاث جلسات حضورية تناولت عددًا من القضايا المهمة المتعلقة بموضوع المؤتمر «ثورة 25 يناير من منظور إسلامي».
وفي الساعة التاسعة والنصف مساءً من ليلة الأحد 24/3/1432هـ الموافقة 27/2/2011م تلي على جميع الحاضرين البيان التالي:
أولاً: أكد المؤتمر على وظيفة العلماء وواجبهم في هذه الظروف الدقيقة التي تمر بها مصر خاصة، وسائر البلاد العربية والإسلامية عامة.
ثانيًا: إن رسالة الإسلام تشتمل على تحقيق الأمن والأمان، والسلم الاجتماعي لكل بني الإنسان في كل زمان ومكان، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107].
ثالثًا: دين الإسلام دين شامل يحكم حياة الناس بشرائعه العظيمة، وشعائره الجليلة، وليس لأحد أن يفصل الدين عن الدولة، أو أن يحكم بشرائع تخالف دين الله عز وجل.
رابعًا: الحوار في الإسلام بالتي هي أحسن وبالحجة والبرهان، والشريعة الإسلامية رحمة بالمسلمين وغير المسلمين، وعن طريقها يتحقق التكافل والمحبة والتسامح والسلام لأبناء الوطن جميعًا.
خامسًا: إن تحقيق الحرية المنضبطة هو مفتاح تغيير وإصلاح اجتماعي جوهري، ومطلب شعبي وشرعي لا بد منه ولا غنى عنه.
سادسًا: العدل قيمة مطلقة بها تصلح الحياة والمجتمعات، وينتظم أمر الدول والمؤسسات، قال تعالى:
{وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء:58].
سابعًا: يوجه المؤتمر أبناء الوطن لممارسة حقوقهم السياسية المكفولة شرعًا ودستورًا بما يسهم في بناء المجتمع على أسس صحيحة، ويقيم بنيان الدولة بطريقة مستقيمة.
ثامنًا: المشاركات السياسية المعاصرة المنضبطة بضوابط الشرعية واجبة في الجملة على كل أحد بحسبه وفقًا لقواعد المصالح جمعًا وتكثيرًا، والمفاسد درءًا وتقليلًا.
تاسعًا: يطالب المؤتمرون ولاة الأمور وأهل الحل والعقد في الأمة الإسلامية بأسرها بملاحقة رموز الفساد، وأركان الاستبداد، وتطهير كل ميدان من كل انحراف واعوجاج، ورد الحقوق إلى أصحابها
ويسألون الله تعالى أن يفرج عن أهل ليبيا ما يعانونه من ظلم غاشم، وطغيان جاثم، إنه عزيز ذو انتقام، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين".
تعليق