إعتذار - للكبار - عن سلفية التحرير
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وبعد
فقد كتبت ما كتبت ، مبدياً إعتراضى على أدائنا جميعاً كسلفيين فى المرحلة السابقة – إلا من رحم الله - وقد جاءت مقالاتى صارخة ، غاضبة ، وأعترف أنها جاءت أيضاً خارجة عن الأدب السلفى ، وأعترف أن فيها كثير من العصبية ، والتشنج ، وبعضاً من التجنى ، بل وأعترف أن فيها قلة ذوق ، إن لم يكن سوء أدب ، أعترف بهذا وأسلم به ، وأستغفر الله منه ، وأرجع عنه ، وأعترف أيضاً - بعد أن راجعتها - وراجعت التعليقات التى جاءتنى أن فيها بعضاً من التعميم ، والكلام المرسل ،وأن السلفيين - والله حسيبهم - أفضل من ذلك بكثير بل هم عندى من أفضل خلق الله ، كما أننى أقسم بالله أننى ما زلت أؤمن إيماناً جازماً أن السلفية هى الحل ، وأعتقد إعتقاداً راسخاً ، أن علماء الدعوة السلفية ،هم أطهر ، وأشرف ، وأنبل ، وأخلص من لقيتهم فى حياتى – والله حسيبهم -
أقول هذا ، ولا أتحرج ، أن أراجع نفسى ، وأذعن صاغراً لحق تبين لى ، وهذا من أبجديات السلفى ، أن يكون رجاعاً ، وقافاً ، نسأل الله أن يجعلنا من المنصفين
وأود فقط ومن باب أننى حريص على وحدة الصف ومن باب أننى أزعم أننى سلفي أنوى أن أعيش سلفياً وأموت كذلك إن شاء الله وقدر ، ومن باب أن سلامة صدور إخوانى وبقاء محبتهم لى موفورة هو مما أحرص عليه فأود هنا أن أذكر بالآتى :
1- أننى لم أتحرك فقط إنفعالى بالأحداث ولا من منطلق رؤيتى الشخصية وما كنت لأسوغ لنفسى ذلك وأنا أعلم الناس بجهلى وضعفى وحجمى ، إنما نظرت حولى فوجدت مجتمعاً يغلى ، وأناساً كثيرين من الفضلاء والعقلاء ، ومن البسطاء، منهم من هو منا لا يشك فى ذلك أحد ، ومنهم المحب الذى يعتبر أن هؤلاء العلماء هم أهل الذكر ، ولا يفهم إلا فى أن الأطباء لا يجوز لهم أن يتخلفوا إذا نزل الطاعون بالناس ، هو لا يفهم إلا أنه اتخذ مستشارين له فى دينه ، وإنه يريد أن يستشيرهم فلا يجدهم ، أو يجدهم ولا يفهم حقيقة موقفهم، ولا يجد تفسيراً لإختلافهم ولو كان خلافهم عن حق لكنه مريض لا يعنيه سوى تشخيص وعلاج ثم شفاء بإذن الله
وهنا لا يفوتنى أن أعيد بالحرف آخر نقطة فى مقالى موضوع الكلام :
( أهم ما أريد أن أسجله أن الغضب العارم ليس من تبنى موقفاً مخالفاً للثورة ، بل هذا الرأى يظل رأياً محترماً ومعتبراً ، خاصة وأن حجم المفاسد كان يمكن أن يكون كارثياً ،ويقلب فرحتنا إلى مأتم ، ويثبت أن من منع الخروج كان محقاً ، أقول ليس هذا هو سبب الغضب ، إنما الغضب جاء من جعل هذا الرأى هو الحق الوحيد ، وجاء من بشاعة الآداء وهزليته ، فلو أن خطاباً سريعاً ومحترماً وحاسماً ومدججاً بأدلة الشرع مع ذكر أدلة المخالف بإنصاف وجعلها معتبرة أقول لو خرج هذا الخطاب لهان الخطب ولو توحدت الرموز وانضوت تحت لواء واحد وأظهرت تفاهماً كالذى يظهره العلمانيون والليبراليون ولو وجدت آليات التواصل مع الشباب ومع المجتمع ومع سائر أطياف التيار الإسلامى للتنسيق ، مع ديناميكية الأداء لكانت الصورة مختلفة جداً ، دعوة بهذا الحجم ليس لها كبير ، فوا أسفاه ) إنتهى كلامى .
إذن أنا حين تحركت بقلب محروق مدهوش ، تحركت بناءاً على أن الناس حولى لهم موقف مشابه ، إذن فأنا لست وحدى ، هذه واحدة ، الثانية : لعل قائل يقول : هؤلاء عوام ودهماء ، ومنذ متى ينبغى على أهل العلم أن ينزلوا على قول الدهماء ؟
بل الجماهير هى التى ينبغى عليها أن تتبع أهل العلم ، والنظر ، والفهم ، فأقول : فعلتها قبل أن أتكلم ، ولم أركن إلى رؤيتى ، ولا إلى رؤية الدهماء أمثالى ، وذهبت إلى من أعتقد بينى وبين الله أنهم من أهل العلم ، لا يختلف فى ذلك إثنان فوجدت أن كثيراً – بل معظم - مما ذهبت إليه قد قالوه بالنص وزادوا ، فماهو المطلوب منى بعد ذلك وأين خطأى ؟
من وجهة نظرى أننى أخطأت فى التوقيت والصياغة ، لكن وجهة نظرى فى ذلك كانت أننى أردت أن أرسل رسالة صادمة إلى هؤلاء الأفاضل ، بحيث يصل إليهم بدون إلتباس ، أن هناك حالة من التذمر فى الشارع السلفى ، وأن هناك إحتمال كبير وكبير جداً ، أن تحدث إنشقاقات كثيرة بين صفوف الشعب السلفى ، وأردت أن أجنب المشايخ - بهذه الرسالة وبهذا التجاوز - أردت أن أجنبهم ما وقع للرئيس السابق حين ظن أن الأمر هين ، وأنها مجرد سحابة صيف ، ( أو شوية عيال ) وأن الأمر تحت السيطرة ، بينما الحقيقة أن هناك ألوف مؤلفة تهتف لزعامة النظام السلفى: الشعب السلفى يريد إصلاح النظام ، فأردت أن أخلع ملابسى - مع أن ذلك مستقبح - لكن النذير العريان المحب لقومه لم يجد بداً من أن يفعل ذلك ، ليحذر قومه من كارثة محدقة ، أردت لهم أن يدركوا أن الأمر خطير جداً ، وربما تحول الهتاف إلى الشعب يريد إسقاط النظام .
هناك نقطة أراها حاسمة : هى واحدة من ثنتين ، إما أن الجماهير السلفية على حق ،وهنا ينبغى على أهل العلم أن يستجيبوا لهم ، بإجراء التصحيح المطلوب ، وإعادة ترتيب البيت السلفى من الداخل ، وإما أن يكون أهل العلم على حق - وهذا ليس ببعيد – لكنهم مع ذلك يتحملون المسئولية عن فشلهم فى إيصال هذا الحق ، لأنه ما فائدة أن يكون الزعماء على الحق بينما الجماهير لا تعرف ذلك ؟
ومن يلوم الجماهير ساعتها عن التعبير عن التذمر والغضب ولو كان ذلك عن جهل ؟ هذا ومع ذلك فأنا ما زلت أظن - وبعض الظن إثم – أن في مقالتى كثيراً من الحق ، الذى وإن رفضه البعض - للطريقة التى عرضته بها - لكنه فى النهاية حق جدير بالمنصفين أن يقبلوه ، مهما كان قائله ، ومهما كانت الطريقة التى قاله بها، مادام حقا ( ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا ، إعدلوا هو أقرب للتقوى)
لامنى قليلون ، وكلهم محب ولو فى الظاهر - لى ولأهل العلم الكرام - ووافقنى كثيرون على كل ما قلته ، ومنهم من هو مقرب من أهل العلم ، وتتلمذ على أيديهم ، لامنى من لام ، ووافقنى من وافق ، ولكن الجميع إتفقوا على أنه ( فيه حاجة – بل حاجات – غلط ) وأن هناك حاجة ملحة ، وعاجلة ، وماسة إلى تغيير كبير وعميق وسريع ، وأجمع الكل على أن توحيد جهود الإسلاميين هو واجب الوقت ، وهو الذى ينبغى أن يكون شعار الجميع ، وأن على الجميع أن يتوحدوا ليصبح الإسلاميون قوة هائلة ، تضطر الجميع إلى الإلتفات لها ، والإنصات لكلمتها ، وأخذ مطالبها فى الإعتبار ، وأود فقط أن أذكر بأننى - ولو فى الظاهر- معدود من السلفيين ، ولا أعرف سواها منهجاً ، ولا ترددت بين المذاهب ، ولا تتلمذت إلا على شيوخ عليهم إجماع سلفى من الخاصة والعامة ، وأن كل مقالاتى المنشورة تؤكد ذلك ، وكم تلقيت سباباً وإهانات ، لأجل عيون السلفية ، لذلك فإن صدر منى خطأ أو وقعت منى زلة ، أو بدت منى هنة فالواجب حملها على أحسن محمل لسابقتى فى الدفاع عن هذا المنهج المبارك .
وهاهنا سؤالات بينات واضحات بعيداً عن الإنفعال والمحسنات أطرحها للمناصحة والمراجعة
1- بعيداً عن الحكم الشرعى لما وقع ، وعن أن ذلك مرده إلى المصالح والمفاسد : ألا تعتقد أن نظرة المجتمع لنا مهمة ، سواء من جانب العوام أو النخب ؟
فإن كنت تعتقد ذلك هل تعتقد أن الآداء السلفى كان على مستوى الحدث ، وهل كان مشرفاً ومقنعاً ، وأن هذه الأحداث أضافت تفاصيلاً إيجابية لصورتنا أم العكس هو الصحيح ؟
2- ألا يضايقك أن أهل العلم الذين رضينا بهم ، واصطلحنا عليهم ، ووثقنا برأيهم ، أقول ألا يضايقك أنهم لم يجتمعوا حتى اليوم للمناقشة والتباحث ومحاولة توحيد الصف السلفى ، مع أنه يجتمعون فى حفل نكاح إبن من أبناء واحد منهم ؟
3- لماذا دعا عمر سليمان الإخوان لطاولة المفاوضات ؟
ولماذا جعلوا لهم ممثلاً فى لجنة صياغة الدستور ؟
هل لأنهم يحلقون لحاهم ، ويطيلون ثيابهم ؟
ألم يكن مفيداً للإسلام والمسلمين لو أن واحداً منا فى هذه الإجتماعات واللجان ؟ ولو لتخفيف الشر ؟
4- هل تعتقد أن دخول السلفيين فى العمل السياسى ، وإن لم يحقق كل المصالح فإنه يحقق بعضها؟
إذا كنت تعتقد ذلك فهل تعتقد بينك وبين الله أن عندنا كوادر أو برنامج نستطيع أن نعرضه على مجتمع خائف كاره ، على أن تكون هذه الخطة مكتوبة بلغة سياسية راقية ومجازة شرعياً ومراعية للتوازنات والممكن والمتاح وقاعدة أخف الضررين وأهون الشرين وما لا يدرك كله لا يترك كله ؟
5- هل يمكن أن تكتب ثلاثة فروق بيننا وبين الإخوان ، لا يمكن أن يكونوا فيها متأولين أو معذورين ولا ينطبق عليهم فيها كلام إبن تيمية فى التخلى عن إظهار بعض الشرائع و تعطيل العمل ببعض أحكام الشريعة فى حالات الإستضعاف ؟
6- هل قرأت تفسير السعدى وهو من أئمة السلفية فى العصر الحديث عند تفسيره لقوله تعالى فى سورة هود : ( ولولا رهطك لرجمناك ) فقال رحمه الله:
( ومنها أن الله يدفع عن المؤمنين بأسباب كثيرة قد يعلمون بعضها وقد لا يعلمون شيئا منها وربما دفع عنهم بسبب قبيلتهم أو أهل وطنهم الكفار كما دفع الله عن شعيب رجم قومه بسبب رهطه وأن هذه الروابط التي يحصل بها الدفع عن الإسلام والمسلمين لا بأس بالسعي فيها بل ربما تعين ذلك لأن الإصلاح مطلوب على حسب القدرة والإمكان
فعلى هذا لو ساعد المسلمون الذين تحت ولاية الكفار وعملوا على جعل الولاية جمهورية يتمكن فيها الأفراد والشعوب من حقوقهم الدينية والدنيوية لكان أولى من استسلامهم لدولة تقضي على حقوقهم الدينية والدنيوية وتحرص على إبادتها وجعلهم عمَلَةً وخَدَمًا لهم
نعم إن أمكن أن تكون الدولة للمسلمين وهم الحكام فهو المتعين ولكن لعدم إمكان هذه المرتبة فالمرتبة التي فيها دفع ووقاية للدين والدنيا مقدمة والله أعلم) إنتهى كلامه رحمه الله
7- هل تعتقد - مع إعترافى بوجوب التأدب مع أهل العلم ، وحفظ المقامات - لكن ألا تعتقد أن الأصاغر يمكن أن يصيبوا حقاً بدهياً لا يدركه الأكابر ، وألا تعتقد أن الرجال يعرفون بالحق وليس الحق هو الذى يعرف بالرجال ، وأن الحق ينبغى أن يقبل متى جاء من أى أحد كائنا من كان ؟
8- ألست معى أن هناك سلبيات قبل وأثناء وبعد 25 يناير ؟
وألست توافقنى فى أن بعض الفضلاء من أهل العلم لا يردون على الهاتف فى كثير من الأحوال ؟
وإن ردوا لا يكون لديهم وقت و فرصة لتعرض وجهة نظرك باستفاضة ومناقشتها مناقشة هادئة حتى يشفى العيي ؟
ألست مع أن هذه الفرصة أنها غير متوفرة فى كثير من الأحوال ؟
9- ألست تعقد وبرغم أننا المسيطرون على الشارع المصرى كمرجعية دينية من خلال المساجد والفضائيات ومع ذلك ألست تعتقد أن الناس كثير من الناس لا يعلمون بوضوح من نحن وماذا نريد وما الفرق بيينا وبين الإخوان ؟
10- وأخيرا ألست معى بأننا نحتاج إلى مراجعات حقيقية لتحليل كل نقطة وحدث ودرس تحليلاً علميا دقيقاً لإستخلاص الدروس والعبر ووضع خطة عمل ولو على المدى البعيد لإقامة دولة الإسلام ؟
أخيراً أحبكم جميعاً فى الله
وأعتذر لكل من جرحت مشاعره ، أو سببت له ألماً أو خيبت ظنه فى ،كما وأعترف أنه ومع أن المقال فيه كثير من الحق لكن فيه كثير من الخطأ والخلط وما كان ينبغى أبداً أن يكون بهذا الشكل .
أخيراً :
ما كان من توفيق فمن الله ، وما كان من زلل فمن نفسى ومن الشيطان ، أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم .
تعليق