كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فيتفق الكثير في مجتمعاتنا على أن "اصطلاح الثقافة" شيء حسن، وأن كلمة مثقف كلمة مدح وثناء، ولكنهم يختلفون بعدها اختلافًا كبيرًا.. فيمن يستحق أن يُخلع عليه ذلك اللقب.
فمِن ظان أن كلمة مثقف تعني: مَن حصل على تعليم جامعي، وربما متوسط، وأظن أن هذه مِن موروثات مرحلة كانت الأمية فيها منتشرة إلى حد كبير، ومَن يحصل على أي درجة مِن التعليم يصير هو المتعلم والمثقف والسياسي، وغيرها مِن المهام التي تتطلب معرفة.
أما المتعلمون أنفسهم فينتشر بينهم تعريف للمثقف أنه هو: مَن يعلم شيئًا عن كل شيء، ومِن ثمَّ عندما يتناقش الأطباء في الطب فإنهم يصفون الحاذق فيهم: بالكفء أو المتخصص أو غيرها.. بينما إذا تحدث فيهم أحدهم عن الدين أو السياسة عدوا هذا مِن ضروب الثقافة.
ومِن ثمَّ فإن مفهوم الثقافة عند المتعلمين "الذين يُوصفون مِن قِبَل الجمهور بأنهم مثقفون" تعني: تنوع اهتمامات المعرفة وعدم قصرها على جانب التخصص حتى لو كانت في جانب واحد، فيقولون مثلاً: "فلان عنده ثقافة دينية، والآخر عنده ثقافة سياسية، ونحو ذلك.. ".
بينما يستعمل الغرب كلمة: "culutr"؛ ليعبر بها عن المبادئ العامة السائدة في مجتمع ما فهي تمثل قدرًا مِن المعرفة الضرورية لكل أفراد هذا المجتمع بغض النظر عن موقعه فيه، وعن مجال تخصصه الأصلي.
وهي بذلك تقترب مِن المعنى المُعبَّر عنه بالثقافة في الاستعمال الدارج في بلادنا، ولكنها مقيدة بأنها "ثقافة الأمة" ككل.
وأما منتجي هذه الثقافة: فهم أرفع درجة عند الغرب مِن أن يُسموا مثقفين؛ لأنهم هم مصدر هذه الثقافة، وغالبًا ما يطلق عليهم وصف: "فلاسفة" أو "مفكرين".
ثم تكوَّن أن مَن يُساهم في تنمية الوعي الجماهيري بهذه المُسلَّمات يُسمى: مثقفًا، وهي تشمل الأدباء والشعراء والروائيين، والعاملين في صناعة السينما والمسرح، ونحوها مِن المجالات..
وبيْن هؤلاء وهؤلاء طبقة الساسة، وهي: الطبقة المعنية بشئون الحكم على كافة مستوياته، وإن كانوا ملزمين فيما يدلون مِن أطروحات بالثقافة العامة للأمة.
وإذا علم ذلك فإن الثقافة العامة لأوروبا في العصر الحديث -ما بعد الثورة الفرنسية- تقوم على دعائم أساسية، منها:
- "العالمانية"، أي: فصل الدين عن الدولة.
- الحرية المطلقة أو المقيدة فقط بحريات الآخرين، والغير مقيدة بقيود الدين أو العرف، ومِن فروعها: الحرية الجنسية، وحرية التملك.
- سيادة الرجل الأبيض وتفوقه على العالم، وضرورة فرض تجاربه الحضارية (العولمة)، وإلا تسببت الشعوب الأخرى الهمجية مِن وجهة نظره في هدم منجزاته الحضارية.
وهذه الأفكار نتاج مجهود لفلاسفة ثم تداولها المثقفون على "الميديا" الإعلامية، وعمل الساسة في مظلتها يختلفون ويبحثون عن الحلول لمشاكل الحكم دون الإخلال بهذه الثوابت، ومِن ثمَّ مثلت هذه الثقافة الدستور الغير مكتوب لبعض الدول، كما تمت صياغتها لتصبح معظم الدساتير الأوروبية متضمنة لمبادئ هذه الثقافة.
أما نحن فلنا ثقافتنا.. مرجعيتنا العليا الإسلام، وليس نتاج الفلاسفة.
ثقافتنا.. تقول: إن الله هو المشرع (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ) (يوسف:40).
تقافتنا.. تقول: (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) (يونس:65).
وتقول: "كنا أذل قوم فأعزنا الله بهذا الدين، فمهما ابتغينا العز في غيره أذلنا الله".
ثقافتنا.. تقول: (أَلا لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلا بِالتَّقْوَى) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
ثقافتنا.. تقول بوجوب نشرها بين الناس دينًا؛ مَن دخل فيه من أي جنس صار واحدًا مِن أبنائه، بل إن استطاع صار مِن قادته.
ثقافتنا.. تقول: إن أبرز حَمَلة السنة "البخاري"، لم يكن مِن العرب.
ثقافتنا.. تقول بالحرية؛ إلا مِن القيود الشرعية التي قيدت الحرية بما لا يضر الإنسان نفسه ولا مجتمعه في دينه ودنياه وأخراه.
تقافتنا العربية تقول: "تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها"، وهو مثل يُسقِط كل أصحاب صناعة السينما، ويصنفهم -وفق ثقافتنا- في مصاف العبيد.
ومع هذا خلع الإعلام "لقب المثقفين" على مَن يؤمن بثقافة الغير، ويكفر بثقافتنا، وأنقل لك فقرة قرأتها في أحد المنتديات الشبابية، يقول صاحبها -جزاه الله خيرًا-: "والأزمة التي تعيشها الأمة الإسلامية منذ عصر الغزو الفكري تتمثل في اختطاف فئة غربية المشارب زمام المبادرة مدعومة مِن الاحتلال أثناء وجوده وبعد رحليه، وإلى يومنا هذا.. ومِن هؤلاء مَن يسمون أنفسهم بالمثقفين".
بدأ غسيل مخ المصريين منذ عصر الخديوية -وربما قبل ذلك-، وكان مِن ضمن أركانه تقديم الفكر الإسلامي على أنه فكر رجعي ومتخلف، ولا يناسب الواقع.
ونشأت أجيال.. وأجيال.. تظن أن الثقافة هي: أن تعرف مَن ألـَّف الرواية الفلانية في الأدب العالمي؟ هل هو تولوستوي أم شكسبير أم ساجان؟!
- ومَن هو صاحب المقطوعة الموسيقية العلانية في الموسيقى الكلاسيكية: هل هو شوبان أم باخ، أم بيتهوفن أم موتزارت؟!
- ومَن رسم اللوحة المشهورة التي تُقدَّر الآن بمئات الملايين: هل هو بيكاسو أم جوخ؟!
- وما هي آراء الفلاسفة: كونفيشيوس، وبوذا، وأفلاطون، وأرسطو، وزينون، ونيتشه، وماركس، وسارتر.. في الحياة؟!
بمعنى آخر: احترام كل الثقافات الغربية والشرقية في الفكر الإنساني فيما عدا الفكر الإسلامي!
والمثال الصارخ على ذلك: وزير الثقافة السابق "فاروق حسني": الذي أنشأ مهرجانًا للمسرح التجريبي، وآخر للسينما، وثالث للرقص الحديث، بل ونظـَّم عروض أزياء في سفح الهرم، وهو فوق ذلك رسام حاصل على الدكتوراه، ولكنه في المقابل لا يعرف أن: "أركان الإسلام خمسة، وليس أربعة كما قال.. !".
هؤلاء المثقفون هم أصدق مَن ينطبق عليه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا) (رواه البخاري ومسلم)، ولكنهم دعاة على ابواب جهنم مَن أجابهم إليها قذفوه فيها.
والأخطر مِن هذا أن المثقفين الذين يتصدرون المشهد عندنا هم مِن "محترفي صناعة السينما" ممن ينطبق عليهم أيضًا قوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النور:19).
وأمثال هؤلاء في الغرب لا يشتركون في السياسة التي تعتبر ميدانا أكثر جدية، بل غايتهم أن يروجوا لهذه الثقافات عبر وسائل إعلامهم.
يا قومنا.. هذه ليست اسمها ثقافة، بل سمِّها: ثقافة غربية. أو إن شئت قلتَ: عالمانية.
إذن فسوف يغفل هؤلاء عن عمد أن عماد الصحوة الإسلامية مِن خريجي الجامعات، ونسبة خريجي الكليات المرموقه فيهم أعلى؛ ليس لأن الكليات العملية تصيب صاحبها بقصور في التصور كما حاول "وحيد حامد" فى مسلسل الجماعة أن يعتذر عن رفاق دربه، ويقلب هذه المزية عند الإسلاميين إلى عيب -على طريقتهم المعروفة-!
نعم.. أغفل هؤلاء -وعن عمد- أن رموز الصحوة الإسلامية وإن لم يكونوا صانعو ثقافة الأمة؛ لأنها مستمدة مِن الدين والوحي؛ إلا أنهم متمكنون منها غاية التمكن.
ثقافتنا.. تجدها في كتب أصول الاعتقاد.
ثقافتنا.. تجدها في كتب مقاصد التشريع، وفي علم القواعد الفقهية.
ثقافتنا.. تجدها في بحوث جامعية بالآلاف تبحث مشكلات العصر بقواعد الشرع.
ثقافتنا.. تجدها في كتب الأدب التي تقربك مِن لغة القرآن.
ثقافتنا.. تجدها في أدب "الرافعي"، و"محمود شاكر" صاحب رسالة: "الطريق إلى ثقافتنا".
ومع هذا سوف يظل هؤلاء مصرين على أن لا مثقفين إلا العالمانيين، بل "مهرجي العالمانيين" لا مفكريهم!
لا بأس.. تَركْنا لهم مسمى: "الثقافة"، و"وزارة الثقافة"، و"قصور الثقافة"؛ لتكون مرتعًا لعرض روايات الفسق والعهر، و"وليمة أعشاب البحر"، و"عمارة يعقوبيان"، و"مسافة في عقل رجل"، والفن التكعيبي، والسريالي، والتماثيل العارية "التي تمثل ثقافة العالم أجمع في حد وصف مثقفهم الأكبر سابقًا، ولأنه في حدود ثقافته أن آدم وحواء -عليهما السلام- لم يكن عليهما ثياب إلا ورقة التوت!".
ولكن لا يمكن السكوت على البيانات التى تخرج علينا كل يوم تطالب بإلغاء "المادة الثانية مِن الدستور" التي تنص على مرجعية الشريعة، زاعمين أن هذه هي إرادة الأمة، وهم مثقفوها الذين ينبغي أن يكونوا المتحدثين باسمها.
فنقول لهم: أنتم نعم مِن جلدتنا، ونعم تتكلمون لساننا العربي، ولكنكم أجانب عن ثقافة الأمة فلستم مثقفيها، ولا مكان لآرائكم فيها.
لا سيما العاملون في صناعة السينما مِن تجار الفتنة أو بعض الكتاب الذين يلوكون بعض المصطلحات الفلسلفية الغربية تطاولاً بينما هم يثبتون في واقع الأمر أنهم ليسوا إلا مستهلكين للثقافة الغربية أو مهرجيها.
نقول: أيها المناقفون العالمانيون.. أمامكم طريق طويل.. حتى تكونوا مثقفين عالمانيين، ثم طريق أطول -لا نظنكم قادرين على اجتيازه- حتى تكونوا مفكرين عالمانيين؛ لكي تصلحوا حينها أن تتكلموا عن نظام الحكم في الغرب!
وأما في بلادنا.. فأمامكم طريق قصير جدًا.. أن تتوبوا إلى الله وتستغفرونه، وتسألوا أهل الذكر؛ استجابة لأمر الله -تعالى-: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل:43).
وحينها ستعرفون أن القرآن يقول: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام:162-163).
www.salafvoice.com
موقع صوت السلف
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فيتفق الكثير في مجتمعاتنا على أن "اصطلاح الثقافة" شيء حسن، وأن كلمة مثقف كلمة مدح وثناء، ولكنهم يختلفون بعدها اختلافًا كبيرًا.. فيمن يستحق أن يُخلع عليه ذلك اللقب.
فمِن ظان أن كلمة مثقف تعني: مَن حصل على تعليم جامعي، وربما متوسط، وأظن أن هذه مِن موروثات مرحلة كانت الأمية فيها منتشرة إلى حد كبير، ومَن يحصل على أي درجة مِن التعليم يصير هو المتعلم والمثقف والسياسي، وغيرها مِن المهام التي تتطلب معرفة.
أما المتعلمون أنفسهم فينتشر بينهم تعريف للمثقف أنه هو: مَن يعلم شيئًا عن كل شيء، ومِن ثمَّ عندما يتناقش الأطباء في الطب فإنهم يصفون الحاذق فيهم: بالكفء أو المتخصص أو غيرها.. بينما إذا تحدث فيهم أحدهم عن الدين أو السياسة عدوا هذا مِن ضروب الثقافة.
ومِن ثمَّ فإن مفهوم الثقافة عند المتعلمين "الذين يُوصفون مِن قِبَل الجمهور بأنهم مثقفون" تعني: تنوع اهتمامات المعرفة وعدم قصرها على جانب التخصص حتى لو كانت في جانب واحد، فيقولون مثلاً: "فلان عنده ثقافة دينية، والآخر عنده ثقافة سياسية، ونحو ذلك.. ".
بينما يستعمل الغرب كلمة: "culutr"؛ ليعبر بها عن المبادئ العامة السائدة في مجتمع ما فهي تمثل قدرًا مِن المعرفة الضرورية لكل أفراد هذا المجتمع بغض النظر عن موقعه فيه، وعن مجال تخصصه الأصلي.
وهي بذلك تقترب مِن المعنى المُعبَّر عنه بالثقافة في الاستعمال الدارج في بلادنا، ولكنها مقيدة بأنها "ثقافة الأمة" ككل.
وأما منتجي هذه الثقافة: فهم أرفع درجة عند الغرب مِن أن يُسموا مثقفين؛ لأنهم هم مصدر هذه الثقافة، وغالبًا ما يطلق عليهم وصف: "فلاسفة" أو "مفكرين".
ثم تكوَّن أن مَن يُساهم في تنمية الوعي الجماهيري بهذه المُسلَّمات يُسمى: مثقفًا، وهي تشمل الأدباء والشعراء والروائيين، والعاملين في صناعة السينما والمسرح، ونحوها مِن المجالات..
وبيْن هؤلاء وهؤلاء طبقة الساسة، وهي: الطبقة المعنية بشئون الحكم على كافة مستوياته، وإن كانوا ملزمين فيما يدلون مِن أطروحات بالثقافة العامة للأمة.
وإذا علم ذلك فإن الثقافة العامة لأوروبا في العصر الحديث -ما بعد الثورة الفرنسية- تقوم على دعائم أساسية، منها:
- "العالمانية"، أي: فصل الدين عن الدولة.
- الحرية المطلقة أو المقيدة فقط بحريات الآخرين، والغير مقيدة بقيود الدين أو العرف، ومِن فروعها: الحرية الجنسية، وحرية التملك.
- سيادة الرجل الأبيض وتفوقه على العالم، وضرورة فرض تجاربه الحضارية (العولمة)، وإلا تسببت الشعوب الأخرى الهمجية مِن وجهة نظره في هدم منجزاته الحضارية.
وهذه الأفكار نتاج مجهود لفلاسفة ثم تداولها المثقفون على "الميديا" الإعلامية، وعمل الساسة في مظلتها يختلفون ويبحثون عن الحلول لمشاكل الحكم دون الإخلال بهذه الثوابت، ومِن ثمَّ مثلت هذه الثقافة الدستور الغير مكتوب لبعض الدول، كما تمت صياغتها لتصبح معظم الدساتير الأوروبية متضمنة لمبادئ هذه الثقافة.
أما نحن فلنا ثقافتنا.. مرجعيتنا العليا الإسلام، وليس نتاج الفلاسفة.
ثقافتنا.. تقول: إن الله هو المشرع (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ) (يوسف:40).
تقافتنا.. تقول: (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) (يونس:65).
وتقول: "كنا أذل قوم فأعزنا الله بهذا الدين، فمهما ابتغينا العز في غيره أذلنا الله".
ثقافتنا.. تقول: (أَلا لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلا بِالتَّقْوَى) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
ثقافتنا.. تقول بوجوب نشرها بين الناس دينًا؛ مَن دخل فيه من أي جنس صار واحدًا مِن أبنائه، بل إن استطاع صار مِن قادته.
ثقافتنا.. تقول: إن أبرز حَمَلة السنة "البخاري"، لم يكن مِن العرب.
ثقافتنا.. تقول بالحرية؛ إلا مِن القيود الشرعية التي قيدت الحرية بما لا يضر الإنسان نفسه ولا مجتمعه في دينه ودنياه وأخراه.
تقافتنا العربية تقول: "تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها"، وهو مثل يُسقِط كل أصحاب صناعة السينما، ويصنفهم -وفق ثقافتنا- في مصاف العبيد.
ومع هذا خلع الإعلام "لقب المثقفين" على مَن يؤمن بثقافة الغير، ويكفر بثقافتنا، وأنقل لك فقرة قرأتها في أحد المنتديات الشبابية، يقول صاحبها -جزاه الله خيرًا-: "والأزمة التي تعيشها الأمة الإسلامية منذ عصر الغزو الفكري تتمثل في اختطاف فئة غربية المشارب زمام المبادرة مدعومة مِن الاحتلال أثناء وجوده وبعد رحليه، وإلى يومنا هذا.. ومِن هؤلاء مَن يسمون أنفسهم بالمثقفين".
بدأ غسيل مخ المصريين منذ عصر الخديوية -وربما قبل ذلك-، وكان مِن ضمن أركانه تقديم الفكر الإسلامي على أنه فكر رجعي ومتخلف، ولا يناسب الواقع.
ونشأت أجيال.. وأجيال.. تظن أن الثقافة هي: أن تعرف مَن ألـَّف الرواية الفلانية في الأدب العالمي؟ هل هو تولوستوي أم شكسبير أم ساجان؟!
- ومَن هو صاحب المقطوعة الموسيقية العلانية في الموسيقى الكلاسيكية: هل هو شوبان أم باخ، أم بيتهوفن أم موتزارت؟!
- ومَن رسم اللوحة المشهورة التي تُقدَّر الآن بمئات الملايين: هل هو بيكاسو أم جوخ؟!
- وما هي آراء الفلاسفة: كونفيشيوس، وبوذا، وأفلاطون، وأرسطو، وزينون، ونيتشه، وماركس، وسارتر.. في الحياة؟!
بمعنى آخر: احترام كل الثقافات الغربية والشرقية في الفكر الإنساني فيما عدا الفكر الإسلامي!
والمثال الصارخ على ذلك: وزير الثقافة السابق "فاروق حسني": الذي أنشأ مهرجانًا للمسرح التجريبي، وآخر للسينما، وثالث للرقص الحديث، بل ونظـَّم عروض أزياء في سفح الهرم، وهو فوق ذلك رسام حاصل على الدكتوراه، ولكنه في المقابل لا يعرف أن: "أركان الإسلام خمسة، وليس أربعة كما قال.. !".
هؤلاء المثقفون هم أصدق مَن ينطبق عليه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا) (رواه البخاري ومسلم)، ولكنهم دعاة على ابواب جهنم مَن أجابهم إليها قذفوه فيها.
والأخطر مِن هذا أن المثقفين الذين يتصدرون المشهد عندنا هم مِن "محترفي صناعة السينما" ممن ينطبق عليهم أيضًا قوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النور:19).
وأمثال هؤلاء في الغرب لا يشتركون في السياسة التي تعتبر ميدانا أكثر جدية، بل غايتهم أن يروجوا لهذه الثقافات عبر وسائل إعلامهم.
يا قومنا.. هذه ليست اسمها ثقافة، بل سمِّها: ثقافة غربية. أو إن شئت قلتَ: عالمانية.
إذن فسوف يغفل هؤلاء عن عمد أن عماد الصحوة الإسلامية مِن خريجي الجامعات، ونسبة خريجي الكليات المرموقه فيهم أعلى؛ ليس لأن الكليات العملية تصيب صاحبها بقصور في التصور كما حاول "وحيد حامد" فى مسلسل الجماعة أن يعتذر عن رفاق دربه، ويقلب هذه المزية عند الإسلاميين إلى عيب -على طريقتهم المعروفة-!
نعم.. أغفل هؤلاء -وعن عمد- أن رموز الصحوة الإسلامية وإن لم يكونوا صانعو ثقافة الأمة؛ لأنها مستمدة مِن الدين والوحي؛ إلا أنهم متمكنون منها غاية التمكن.
ثقافتنا.. تجدها في كتب أصول الاعتقاد.
ثقافتنا.. تجدها في كتب مقاصد التشريع، وفي علم القواعد الفقهية.
ثقافتنا.. تجدها في بحوث جامعية بالآلاف تبحث مشكلات العصر بقواعد الشرع.
ثقافتنا.. تجدها في كتب الأدب التي تقربك مِن لغة القرآن.
ثقافتنا.. تجدها في أدب "الرافعي"، و"محمود شاكر" صاحب رسالة: "الطريق إلى ثقافتنا".
ومع هذا سوف يظل هؤلاء مصرين على أن لا مثقفين إلا العالمانيين، بل "مهرجي العالمانيين" لا مفكريهم!
لا بأس.. تَركْنا لهم مسمى: "الثقافة"، و"وزارة الثقافة"، و"قصور الثقافة"؛ لتكون مرتعًا لعرض روايات الفسق والعهر، و"وليمة أعشاب البحر"، و"عمارة يعقوبيان"، و"مسافة في عقل رجل"، والفن التكعيبي، والسريالي، والتماثيل العارية "التي تمثل ثقافة العالم أجمع في حد وصف مثقفهم الأكبر سابقًا، ولأنه في حدود ثقافته أن آدم وحواء -عليهما السلام- لم يكن عليهما ثياب إلا ورقة التوت!".
ولكن لا يمكن السكوت على البيانات التى تخرج علينا كل يوم تطالب بإلغاء "المادة الثانية مِن الدستور" التي تنص على مرجعية الشريعة، زاعمين أن هذه هي إرادة الأمة، وهم مثقفوها الذين ينبغي أن يكونوا المتحدثين باسمها.
فنقول لهم: أنتم نعم مِن جلدتنا، ونعم تتكلمون لساننا العربي، ولكنكم أجانب عن ثقافة الأمة فلستم مثقفيها، ولا مكان لآرائكم فيها.
لا سيما العاملون في صناعة السينما مِن تجار الفتنة أو بعض الكتاب الذين يلوكون بعض المصطلحات الفلسلفية الغربية تطاولاً بينما هم يثبتون في واقع الأمر أنهم ليسوا إلا مستهلكين للثقافة الغربية أو مهرجيها.
نقول: أيها المناقفون العالمانيون.. أمامكم طريق طويل.. حتى تكونوا مثقفين عالمانيين، ثم طريق أطول -لا نظنكم قادرين على اجتيازه- حتى تكونوا مفكرين عالمانيين؛ لكي تصلحوا حينها أن تتكلموا عن نظام الحكم في الغرب!
وأما في بلادنا.. فأمامكم طريق قصير جدًا.. أن تتوبوا إلى الله وتستغفرونه، وتسألوا أهل الذكر؛ استجابة لأمر الله -تعالى-: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل:43).
وحينها ستعرفون أن القرآن يقول: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام:162-163).
www.salafvoice.com
موقع صوت السلف