إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أثر الفتن على عقيدة المأمن

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أثر الفتن على عقيدة المأمن


    أثر الفتن على عقيدة المؤمن




    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
    وبعد:
    أخرج الإمام مسلم في "صحيحه"(144) بسنده إلى حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ قال: كنا عند عمر، فقال: أيّكم سمع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه. فقال: لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره؟ قالوا: أجل. قال: تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة. ولكن أيكم سمع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يذكر الفتن التي تموج موج البحر؟ قال حذيفة: فأَسكَتَ القوم. فقلت: أنا. قال: أنت، لله أبوك! قال حذيفة: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: "تعرض الفتنُ على القلوب كالحصير عُودا عُودا، فأي قلب أُشربها نُكت فيه نكتةٌ سوداءُ، وأي قلب أنكرها نُكت فيه نكتةٌ بيضاءُ؛ حتى تصير على قلبين: على أبيضَ مثلِ الصّفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخرُ أسودُ مُربادًّا كالكوز مُجخِّيا، لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه".



    فهذا حديث عظيم من جوامع كلمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يُستخلص منه الكثير من الفوائد والعبر والدروس، فمن هذه الفوائد التي لها تعلق كبير بموضوعنا:
    أن الفتن لها تعلق أصيل بالقلوب ـ إصلاحا وإفسادا ـ، كيف لا والقلوب معاقد الإيمان، وملوك جوارح الإنسان، فبصلاحها يصلح الجسد كله، وبفسادها يفسد الجسد كله، قال الله ـ تعالى ـ: "فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ" [الحج : 46].
    والناس تجاه الفتن على ضربين:
    ضَرب لا تزيده الفتن إلا هدى وصلاحا ورشادا وإقبالا على الله ـ سبحانه وتعالى ـ كالذهب الخالص لا يزيده تعرضه للنار إلا نضارة وبهاء، وبريقا ولمعانا؛ وهؤلاء هم أهل الله وخاصته من الأنبياء والمرسلين وأتباعِهم إلى يوم الدين، وهم الذين وصف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قلوبهم بقوله: "أبيضَ مثلِ الصّفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض"؛ وليس هذا الضَرب موضوع حديثنا وكلامنا.

    وضَرب آخر لا تزيده الفتن إلا انتكاسا وارتكاسا، وبُعدا والتباسا؛ وهؤلاء ـ عياذا بالله ـ هم أكثرُ الناس، الذين لم يستنيروا بنور العلم والبصيرة، ولم يركنوا إلى ركن وثيق، فصار قلبُ إحدهم "أسود مُربادًّا كالكوز مُجخِّيا، لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه".
    فهؤلاء الذين نخرت الفتن قلوبهم، وأثرت في عقائدهم؛ حتى صار الواحد منهم "لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه"، وهذا ـ والله ـ ما نشاهده من كثير من الناس هذه الأيام يكاد ينطبق عليهم قولُ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع أحدُهم دينه بعرض من الدنيا قليل".
    وفي قلوب هؤلاء الصنف من الخلق يقول الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في "إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان"(1/47): "قلب إذا عُرضت عليه فتنة أُشربَها كما يَشربُ السِّفنج الماءَ، فتُنكتُ فيه نكتةٌ سوداءُ؛ فلا يزال يُشرَبُ كلُّ فتنة تُعرضُ عليه حتى يسودّ وينتكسَ، وهو معنى قوله: "كالكوز مجخيا"؛ أي: مكبوبا منكوسا، فإذا اسودَّ وانتكس؛ عرض له من هاتين الآفتين مرضان خطران متراميان به إلى الهلاك :
    أحدهما: اشتباهُ المعروف عليه بالمنكر، فلا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، وربما استحكم فيه هذا المرض حتى يعتقد المعروف منكرا والمنكر معروفا، والسنة بدعة والبدعة سنة، والحق باطلا والباطل حقا.
    الثاني: تحكيمُه هواه على ما جاء به الرسول ـ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ـ وانقيادُه للهوى واتباعُه له".

    إن مما لا يُماري فيه أحد أن الفتن التي غزت القلوب ـ فأحدث فيها خرابا ودمارا ـ عظيمة جدا، فقد شبهها نبينا ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ بموج البحر؛ لشدتها وعظمتها وشيوعها وتتابعها، وشبهها أيضا ـ عليه الصلاة والسلام ـ بقطع الليل المظلم؛ وذلك لالتباسها على كثير من الناس؛ فلا يُعرف قُبلُها من دبرِها، ولا وجهُها من ظهرِها "من تشرَّف لها تستَشْرِفه"؛ نعم، لقد تشرّف وتعرّض وتصدى للفتن كثير من الناس فألقتهم على أم رؤوسهم، واجتالت عقائدهم، وساهمت في اسوداد قلوبهم، مع ما ينتظرهم يوم القيامة من اسوداد وجوههم "فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ" [آل عمران : 106].


    أيها الإخوة في الله! إن للفتن تأثيرا كبيرا على عقيدة المؤمن، وقد تأثر كثير من الناس بسبب هذه الفتن المتلاحقةِ والمتسارعةِ؛ فغيروا وبدلوا، ومالوا وحوّلوا، فوقعوا في كثير من العقائد المُردية، والمناهج المُزرية؛ فمما وقع فيه كثير من الناس جراء تعرضهم للفتن المضلة:
    1) الاستهانة بعلماء الأمة الأكابر، وتعظيم الأصاغر:
    مخالفين بذلك قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "البركة مع أكابركم". "السلسلة الصحيحة"(1778)، واقعين فيما حذر منه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله: "إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر". "السلسلة الصحيحة"(695)، وبقوله: "يأتي في آخر الزمان قومٌ حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة". رواه البخاري(3611).
    فقد رأينا ـ كما رأى غيرنا ـ أن كثيرا من الشباب قد سلموا زمام أمورهم إلى من هم في مثل سنهم وأعمارهم، بعد أن أهلوا عليهم الألقاب الرنانة، والأوصاف الطنانة كـ "العلامة"(!!)، "الفهامة"(!!)، "المصلح"(!!)، "المجدد"(!!).
    ألقابُ مملكةٍ في غيرِ موضِعِها *** كالقطِّ يَحكي انتفاخًا صولةَ الأسدِ *
    فزهّد هؤلاء المفتونون شباب الأمة بعلمائها الذين شابت لحاهم في سبيل نصرة دين الله ـ تبارك وتعالى ـ؛ وذلك بوصفهم بأقذع الأوصاف وأخسِّها، التي لا تليق إلا بمثلهم وأمثالهم.
    ومن جميل الكلام الذي جاء في "الدرر السنية في الأجوبة النجدية"(9/133): "ومما أدخل الشيطانُ على بعض المتدينين: اتهامُ علماء المسلمين بالمداهنة، وسوءُ الظن بهم، وعدمُ الأخذ عنهم، وهذا سبب لحرمان العلم النافع، والعلماءُ هم ورثة الأنبياء في كل زمان ومكان، فلا يُتلقى العلم إلا عنهم، فمن زهد في الأخذ عنهم، ولم يقبل ما نقلوه، فقد زهد في ميراث سيد المرسلين، واعتاض عنه بأقوال الجهلة الخابطين، الذين لا دراية لهم بأحكام الشريعة.
    والعلماء هم الأمناء على دين الله، فواجبٌ على كل مكلف، أخذُ الدين عن أهله، كما قال بعض السلف: إن هذا العلم دين، فانظروا عمّن تأخذون دينكم، فأما من تعلق بظواهر ألفاظٍ من كلام العلماء المحققين، ولم يعرضها على العلماء، بل يعتمد على فهمه، وربما قال: حجتنا مجموعة التوحيد، أو كلام العالم الفلاني، وهو لا يعرف مقصوده بذلك الكلام، فإن هذا جهل وضلال".

    2) إحياء ما انقضى وانتهى من الفتن، وتذكير الناس بها:
    ومن ذلك ما جري من فتن بين أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ؛ مما يوغر صدور العامة على أولئك الأبرار الأطهار الذين لم يُعرف لهم مثيلٌ على مرّ الدهور والعصور.
    وقد وقع بهذا المحذور ـ وياللأسف ـ بعض المفكرين المنتسبين للسنة، فاتحين الذرائع أمام الشيعة الشنيعة كي يغرروا عوام أهل السنة بكلامهم المخالف لهدي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ القائل: "إذا ذكر أصحابي فأمسكوا". "السلسلة الصحيحة"(34).
    ومن أكثر الطوائف الضالة عناية بهذا الجانب الشيعة الرافضة؛ فقد جعلوا يوما وعيدا يفرحون فيه بمقتل عمر ـ رضي الله عنه ـ، وعيدا ينوحون به على مقتل الحسين ـ رضي الله عنه ـ، وفي ذلك يقول الخميني ـ عامله الله بما يستحق ـ: "إن البكاء على الإمام الحسين، وإقامة المجالس الحسينية؛ هي التي حفظت الإسلام منذ أربعة عشر قرناً".

    3) تمزيق الأمة بإحداث أحزاب وجماعات ما أنزل الله بها من سلطان:
    وهذه الفتنة لعلها من كبريات الفتن التي عصفت بقلوب كثير من المسلمين في عصرنا الحديث، فكم عانت الأمة بسبب هذه الفتنة؛ فسالت دماء، وانتهكت أعراض، وضاعت أموال، وضلت أفهام وزلت أقدام، وقد حذر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صاحبه وأمين سره حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ من هذه الفتنة قائلا: "فاعتزل تلك الفرق كلّها, و لو أن تعض بأصل شجرة, حتى يدركك الموت وأنت على ذلك ". متفق عليه.
    قال الإمام الألباني ـ رحمه الله ـ في "سلسلة الأحاديث الصحيحة"(6/541): "هذا حديث عظيم الشأن من أعلام نبوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ونصحِه لأمته, ما أحوجَ المسلمين إليه للخلاص من الفرقة والحزبية التي فرقت جمعهم, وشتت شملهم, و أذهبت شوكتهم, فكان ذلك من أسباب تمكن العدو منهم, مصداق قوله ـ تبارك و تعالى ـ: " وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ" [الأنفال : 46].
    وقال الإمام ابن باز ـ رحمه الله ـ: "ومما لا شك فيه أن كثرة الفرق والجماعات في المجتمع الإسلامي مما يحرص عليه الشيطان ـ أولا ـ وأعداء الإسلام من الإنس ـ ثانيا ـ؛ لأن اتفاقَ كلمةِ المسلمين، ووحدتَهم، وإدراكَهم الخطر الذي يهددهم ويستهدف عقيدتهم يجعلهم ينشطون لمكافحة ذلك، والعمل في صف واحد من أجل مصلحة المسلمين، ودرءِ الخطر عن دينهم وبلادهم وإخوانهم، وهذا مسلك لا يرضاه الأعداء من الإنس والجن، فلذا هم يحرصون على تفريقِ كلمة المسلمين، وتشتيتِ شملهم، وبذرِ أسباب العداوة بينهم، نسأل الله أن يجمع كلمة المسلمين على الحق، وأن يزيل من مجتمعهم كلّ فتنة وضلالة، إنه ولي ذلك والقادر عليه". "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة"(5/203 ـ 204).


    HASSAN ELARAPY

  • #2
    رد: أثر الفتن على عقيدة المأمن

    جزاكم الله خيراً

    أسألكم الدعاء لي بالهدايه


    تعليق


    • #3
      رد: أثر الفتن على عقيدة المأمن

      تعليق

      يعمل...
      X