و ذلـكَ حِفظـاً لكل كَفـةٍ تحمـلُ اجتهـادَ صاحبهـا...
و ذلك أنَّ كلَّ عالِـمٍ يخشـى اللـهَ يتحرى المسألةَ صوابَهـا...
و ذلك أنَّ الخِـلافَ قديـمٌ مشهـورٌ منذُ عهدِ الرَّعيـلِ الأول...
و ذلكَ أنَّ الدِّمـاءَ و الأعـراضَ علينـا حَـرام...
و لأنَّنا نعلمُ حالَ العلمـاءِ و حرصهم على الدعـوةِ و لا نزكيهم على اللـه و هو حسيبُهم... فكل طائفـةٍ تستنـدُ لأدلـةٍ و رأيٍ و اجتهـادٍ و عليـهِ كانت الفتـوى...
قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فأخطأ فله أجر))
و الخـلافُ ليسَ وليـدَ اليوم... و أحيانـاً كانَ خلافـاً فيه دمـاءٌ و ضـربُ رقـاب...
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - قدَّسَ اللـهُ روحه-: "وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة، إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة، وإما لآيات فهموا منها ما لم يُرد منها، وإما لرأي رأوه، وفي المسألة نصوص لم تبلغهم، وإذا اتقى الرجل ربه ما استطاع دخل في قوله: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} "...
إخوتـي الأحبـة لنعلـمَ أنَّه مهمـا اختلفَ عالمـان و يزيـد فلا يعنـي بـل و لا ينبغـي ميـلادُ البغضـاء فيما بيـنَ الطائفتيـن... و علَّـقَ على هذا شيخُ الإسلام : "كانوا يتناظرون في المسائل العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين، ولو كان كلما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة" [الفتاوى: 4/172–173].
و من آدابـه أنْ لا تُجبِـرَ الآخَـر على رأيـك بالمسألـةِ و لا تنهَـهُ عن فعلـه... أما المحاورة و المُناقشـة كمناظرةٍ فلا بأسَ بها للوصـولِ للأصـوب...
يقول شيخُ الإسـلام: "مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه ولم يهجر، ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه" [مجموع الفتاوى20/207].
==========
إخوتـي... ما دامَ أنَّ العالمَ يستندُ على الكتابِ و السنـة... و مشهـورٌ عنه الصـلاحُ و الصدقُ في حالـه... فلا يصـحُّ أبـداً الانتقـاصُ من رأيـه بمسألةٍ و التعـدي عليـه إنْ قالَ بخلافـك...
و ما دفعني إلى كتابتـي أنَّ مسألـةً محوريـةً في مصـرَ قد انقسـمَ فيها العلماءُ -ومنهم السلفيون- ما بيـنَ مؤيـدٍ و مُعـارض...
فإذ بأنصارِ الطائفتيـن أدَّى تضـادُّ الـرأي إلى انعـدامِ الـود... و كلٌّ يهمـزُ ويلمـزُ بالآخـرِ و بنوايـاه و ينتقصُ من قـدرِ علمائـه... و يعلمُ الجميعُ صدقَ العلماءِ فرفقـاً إخوتـي و عُـذراً يا رعاكـمُ اللـه...
و للتنبيـهِ فإنَّ المسألةَ المذكورةَ اختلفَ فيها علماءُ مصر... و عنيتُ بمصرَ خاصـةً ليكونوا هم أدرى الناسِ بحالهم...
فنتجـت مدرستـان:
/ مدرسـةٌ سلفيـةٌ تدعـو إلىعدم التظاهـر و تجنـبِ الأحـداث... و بـرَّرتْ رأيها لمخاوفَ و أسبابَ رأتها مع أدلةٍ شرعية استندتْ إليها... و على رأسها عالمُ الإسكندريـة الدكتـور ياسـر البُرهامـي حفظه اللـه...
// و مدرسـةٌ سلفيـةٌ أخـرى دعَـتْ لدعمِ الثورة و المُشاركة فيها... و بـرَّرتْ رأيها لمصالحَ رأتها فيهـا أعلـى من مفاسدهـا... و استندتْ على ذلك بأدلـةٍ شرعيـة... و على رأسها فقيـهُ مصـرَ و شيخها مُحمـد عبد المقصـود حفظـهُ اللـه...
========
و مع كل طائفةٍ مجموعـةٌ من العلماء و الدعـاة و الأنصـار... و نحسبُ أنَّ الجماعتيـن تعمـلُ للـه و تبغـي نُصـرةَ دعوتـه...
فاتقـوا اللـهَ إخوتـي في أعراضِهم... و ليُحكِـمَ الظنَّ الحسـنَ بالآخَـر... و يجتهـدَ في فهمِ أدلةِ و مقاصدِ مَن يُخالفه فيتبعه أو يُحاوره إنْ شـاء...
اللهم احفـظَ مصـرَ و شيوخهـا الربَّانييـن و أهلهـا و ارزقها ولاةَ أمـرٍ صالحين و فجـراً يُنيـرها بنـورِ الكتـابِ و السنـة...
تعليق