أخي الشاب دع الفراغ.. وابدأ العمل..
أخي الشاب: يخطئ من يظن أن طريق الاستقامة يمنع المتعة ويحرم البسمة، وينهى عن المزحة، ويحظر الشهوات على الإطلاق، بل إنه ضبط هذه الأمور وفق حدود شرعية حتى لا يكون الإنسان عبداً لهواه وشهواته الحمد لله حمداً يبلغ رضاه، وصلى الله على نبيه ومصطفاه، وعلى آله وصحبه ومن ولاه إلى يوم الدين، أما بعد:
هل تأملت هذا الرجل الذي احدودب ظهره، وابيض شعره، وتثاقلت خطاه، وخارت قواه، وسقط حاجباه، وتناثرت أسنانه؟... فهو يقوم ويقعد بصعوبة، ويصلي ويصوم بصعوبة، ويأكل ويشرب بصعوبة، ويقضي حاجته بصعوبة.
هل تأملت هذا الرجل؟... ألم يكن شاباً مثلك يعيش حياة الشباب... ويسير سيرهم... ويلهو لهوهم... ويلعب لعبهم؟!
لقد ظن هذا الرجل أن أيام الشباب طويلة، وأن قوة الشباب قاهرة، وأن نضرة الشباب تزهو على الليالي والأيام!!
واليوم... وبعد أن كبر سنه.. وضعف بنيانه... وتنوعت أسقامه... يبكي على ما ضاع من عمره في اللهو واللعب... يبكي على قوة الشباب التي ولت، وعلى نضرة الشباب التي استبدلت بالكبر والشيخوخة... ويتمنى أن يعود إليه شبابه وقوته ليصرفهما في طاعة الله ورضوانه. ولكن هيهات هيهات... فكل يوم انشق فجره ينادي ابن آدم ويقول: "يا ابن آدم، أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد، فاغتنمني فإني لن أعود إلى يوم القيامة".
إن هذا الرجل يعيش اليوم في ندم وحسرة... لماذا؟، لأنه لا يقوى على عبادة الله في زمن العجز والضعف والوهن... يريد الصلاة فلا يستطيع... يريد الصيام فلا يستطيع... يريد الحج والاعتمار فلا يستطيع... يريد زيارة القبور وتشييع الجنائز فلا يستطيع... قد هده المرض... وتكاثرت عليه الأوجاع... ولذلك فإنه يبكي.
خذ من شبابك قبل الموت والهرم وبادر التوبَ قبل الفوت والندم
واعـلـم بأنـك مـجـزيُ ومـرتـهـــــنٌ وراقــب الله واحـــذر زلـة القـدم
فيا أيها الشاب: إياك والتسويف بالتوبة، والاتكال على العفو والمغفرة، فالله تعالى كما أنه غفور رحيم، فإنه أيضاً شديد العقاب، ذو بطش شديد، وأخذٍ أليم. قال تعالى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [سورة البروج: 12]. وقال سبحانه: {إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [سورة هود: 102]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته» [متفق عليه].
وهناك ثلاثة أسباب للتراخي والميل إلى اللذات:
أحدهما: رؤية الهوى العاجل، فإن رؤيته تُشغل عن الفكر فيما يجنيه، لأن عين الهواء عمياء.
الثاني: التسويف بالتوبة، فلو حضر العقل لحذر من آفات التأخير، فربما هجم الموت قبل أن تحصل التوبة.
الثالث: رجاء الرحمة، فيقول العاصي: ربي رحيم، وينسى أنه شديد العقاب.
شـمـر عسى أن يـنـفـع التشـميـرُ وانظر بفكرك ما إليه تصير
طـــولـت آمـالاً تـكـنـفـهـا الـهـــــوى ونيت ان العمر منك قصيــر
وكن كما كان هذا الشاب الذي حكى عنه بكر العابد، فقال: تعبد شاب صغير من أهل الشام فبالغ في العبادة والاجتهاد، فقالت له أمه: "يا بني، لماذا لا تلهو مع الشباب الذين هم في مثل سنك؟"، فقال لها الشاب الطائع: "يا أماه، ليتك كنت بي عقيماً... ليتك لم تلديني، يا أماه... إن لابنك في القبر رقاداً طويلاً، وفي عرصات القيامة موقفاً مهولاً"، فقالت له: "يا بني، لولا أني أعرفك صغيراً وكبيراً لظننتُ أنك أحدثت حدثاً موبقاً، أو أذنبت ذنباً مهلكاً لما أراك تصنع بنفسك"، فقال لها : "يا أماه، وما يدريني أن يكون الله عز وجل قد أطلع علي وأنا في بعض ذنوبي فمقتني، وقال: اذهب فلن أغفر لك".
هكذا كان شباب الأمس، يعبدون الله تعالى، ويخافون ألا يتقبل الله منهم، أما شباب اليوم - إلا من رحم الله- فقد جمع بين التقصير بل بين التفريط والغفلة، ومع ذلك يظن كلُ واحد منهم النجاة يوم القيامة.
وصــيـة نـبـويـــة:
عن ابن عباس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: «اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك, وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» [رواه الحاكم والبيهقي وصححه الألباني].
الإســلام وحـظــوظ الـنـفـــس:
أخي الشاب: يخطئ من يظن أن طريق الاستقامة يمنع المتعة ويحرم البسمة، وينهى عن المزحة، ويحظر الشهوات على الإطلاق، بل إنه ضبط هذه الأمور وفق حدود شرعية حتى لا يكون الإنسان عبداً لهواه وشهواته، فهناك أنواع من المتع المباحة التي أقرها الإسلام وحث عليها، ومن ذلك:
أولاً: النكاح: فالنكاح حث عليه الإسلام، وجعله سبيلاً لضبط الشهوة، وطريقاً للمودة والرحمة بين الزوجين، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة الروم: 21].
ونظراً لقوة داعي الشهوة لدى الشباب خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر به، فقال عليه الصلاة والسلام: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضُ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء» [متفق عليه].
وفي النكاح فوائد عظيمة منها:
1- أنه تنفيذ لأمر الله تعالى واتباع لسنن الأنبياء.
2- به تحصيل المودة والرحمة والتعاون والألفة بين الزوجين.
3- به تحفظ الأنساب ولا تختلط.
4- به تحصن الفروج وتضبط الغرائز.
5- به يكثر النسل، وتقوى شوكة الأمة، ويهاب جانبها.
6- به تحفظ المجتمعات من الفساد والانحلال.
7- به يحفظ الزوجان من الأمراض الفتاكة التي تصيب من يقضي وطره بالطرق المحرمة.
أخي الشـاب:
وحرم الإسلام الزنا لما فيه من الأضرار الجسيمة على الأفراد والأسر والمجتمعات؛ فبالزنا تختلط الأنساب وتنتشر العداوة والبغضاء، ويظهر القحط ويعم البلاء. والزنا يجمع خلال الشر كلها من قلة الدين، وذهاب الورع وفساد المروءة، وقلة الغيرة، فلا تجد زانياً معه ورع، ولا وفاء بعهد، ولا صدق في حديث، ولا محافظة على صديق، ولا غيرة تامة على أهله.
ومن نتائج الزنا:
1- غضب الرب سبحانه لانتهاك محارمه.
2- سواد الوجه وظلمة القلب وضيق الصدر.
3- الفقر اللازم للزناة ولو بعد حين.
4- السقوط من عين الله وأعين العباد.
5- الاتصاف بأخبث الأوصاف كالفاجر والزاني والخائن.
6- التعرض للعذاب في جهنم مع الزناة و الزواني.
7- الإصابة بالأمراض الفتاكة: كالإيدز و الهربس والسيلان.
8- فوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن.
ثانياً: الأكل والشرب: قال تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ} [ سورة الملك: 15] وضابط ذلك:
1- أن يكون الطعام والشراب من الطيبات كما قال تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [ سورة الأعراف: 157]؛ فالدخان و الحشيشة والخمر كلها من الخبائث المحرمة.
2- أن يكون بقدر الحاجة كما قال تعالى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ} [سورة الأعراف: 31].
3- أن يكون في غير الأوقات التي حرم الله فيها الأكل والشرب كنهار رمضان، قال تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} [سورة البقرة: 187].
4- أن يكون الطعام و الشراب من مال حلال، فإن كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به.
ثالثاً: الضحك والمزاح:
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحك، وكان يمزح، ولكن لا يقول إلا الصدق؛ فليس في الإسلام مكان لباطل ولو عن طريق المزاح والتفكُه. وليس هناك نكاتٌ تروج للكذب، وتتخذ من السخرية مادة للضحك وتضييع الأوقات، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويلٌ له، ويل له» [رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وحسنه الألباني].
رابعاً: الرحلات والزيارات:
وهذه أيضاً من المتع المباحة شريطة ألا يتخللها معصية، من شرب للدخان أو استماع للملاهي أو التحدث بالرفث من القول وغير ذلك.
وفي ذلك يقول الشيخ ابن عثيمين: "أحث الشباب على إقامة الزيارات فيما بينهم, حتى تتوطد اللفة والمحبة بين القلوب، وعليهم أن يدرسوا أحوالهم وأحوال أمتهم، ليكونوا كقلب واحد، ورجل واحد، وما أعظم ثمرة الزيارات إذا قرنت برحلات قريبة أو بعيدة، فإن لها أثراً كبيراً، وعلى المربين من الأساتذة والمديرين قسط كبير من هذا التوجيه".
خامساً: الرياضة وتقوية الأبدان:
فالمؤمن القوي خير و أحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف، ويروى عن عمر رضي الله عنه انه قال: "علموا أولادكم السباحة و الرماية وركوب الخيل". ولكن ينبغي للشاب أن يكون له نية صالحة في ذلك وهي الجهاد في سبيل الله والذب عن الشريعة والدفاع عن الدين والنفس والعرض والأرض والمال.
دع الـفـــراغ و ابدأ العـمـــل:
أخي الشاب: هانحن قد أخذنا الحديث وتكلمنا كثيراً، فلماذا لا نبدأ من الآن؟ أعترف أن البدايات قد تكون صعبة ولكن... عند الصباح يَحمَدُ القوم السُرى.
وأذكرك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ» [رواه البخاري].
فكأنك المقصود بهذا الحديث أيها الشاب، فأنت في زمان الصحة والقوة، وعندك كثير من الأوقات التي انشغل فيها غيرك بتدبير معاشهم والسعي في أرزاقهم، فلماذا لا تستثمر هذه الأوقات فيما يقربك إلى الله، وفيما يكون ذخراً لك يوم القيامة؟
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "إني لأبغض الرجل أراه فارغاً، لا في أمر دنياه، ولا في أمر آخرته".
وقال أبو العباس الدينوري: "ليس في الدنيا أعزُ وألطف من الوقت والقلب، وأنت مضيع لهما!!".
وقال أبو يزيد: "إن الليل والنهار رأس مال المؤمنين، ربحهما الجنة، وخسرانهما النار.. إنما الدنيا إلى الجنة والنار طريق والليالي متجرُ الإنسان والأيام سوقُ!!".
وقال إبراهيم بن شيبان: "من حفظ على نفسه أوقاته فلا يضيعها بما لا رضى لله فيه، حفظ الله عليه دينه ودنياه".
وقال عمر بن ذر: "لو علم أهل العافية ما تضمنته القبور من الأجساد البالية، لجدوا في أيامهم الخالية، خوفاً من يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار".
وقال الإمام ابن رجب: "فالواجب على المؤمن المبادرة بالأعمال الصالحة قبل أن لا يقدر عليها، ويحال بينه وبينها، إما بمرض أو موت، أو بأن يدركه بعض الآيات التي لا يُقبل معها عمل".
وختامـاً
أخي الشاب:
1- اعلم أن عمرك رأس مالك، فلا تضيعه فيما لا يفيد.
2- تخير أصدقاءك، واجتنب صحبة الأشرار ومجالسهم.
3- حافظ على الصلاة فإنها سبيل النجاة، ولا تنم عن صلاة الفجر.
4- أسبغ الوضوء على المكاره، وأكثر الخطا إلى المساجد، وانتظر الصلاة بعد الصلاة.
5- بادر على المسجد عند سماع الآذان، فالله أكبر من كل شيء.
6- أكثر من الصيام، فإنه دواء لكثير من أدواء الشباب.
7- عود نفسك الصدقة والبذل والعطاء، فإنه سبب لرفع كثير من البلاء.
8- بادر بأداء فريضة الحج ولا تؤخرها، والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما.
9- اجعل لك ورداً من القرآن كل يوم وحافظ عليه، فخيركم من تعلم القرآن وعلمه.
10- أكثر من الذكر والدعاء في الليل والنهار، فإن الله تعالى يحب الذاكرين ويجيب دعاء الداعين.
11- طالع في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسير أصحابه، لعلك تكتسب بعض صفاتهم.
12- داوم على حضور مجالس العلم؛ فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم.
13- عليك بالتواضع وإياك والكبر؛ فإنه لا يدخل الجنة متكبر.
14- إياك والحسد؛ فإنه ذنب إبليس الذي طُرد به من الجنة.
15- أطع والديك ولا تغضبهما؛ فإنه لا يدخل الجنة عاق.
16- عيادة المريض وتشييع الجنائز وزيارة القبور من وسائل زيادة الإيمان والتذكير بالآخرة فلا تغفل عنها.
17- تبسمك في وجه أخيك صدقة، فأحسن لقاء إخوانك.
18- إياك والغناء فإنه لا يجتمع في قلب عبد محبة الغناء ومحبة القرآن، فانظر أيهما تختار.
19- تعود غض البصر؛ فإن غض البصر عبادة المتقين.
20- كن في حاجة إخوانك؛ فمن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما
وسبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
أخي الشاب: يخطئ من يظن أن طريق الاستقامة يمنع المتعة ويحرم البسمة، وينهى عن المزحة، ويحظر الشهوات على الإطلاق، بل إنه ضبط هذه الأمور وفق حدود شرعية حتى لا يكون الإنسان عبداً لهواه وشهواته الحمد لله حمداً يبلغ رضاه، وصلى الله على نبيه ومصطفاه، وعلى آله وصحبه ومن ولاه إلى يوم الدين، أما بعد:
هل تأملت هذا الرجل الذي احدودب ظهره، وابيض شعره، وتثاقلت خطاه، وخارت قواه، وسقط حاجباه، وتناثرت أسنانه؟... فهو يقوم ويقعد بصعوبة، ويصلي ويصوم بصعوبة، ويأكل ويشرب بصعوبة، ويقضي حاجته بصعوبة.
هل تأملت هذا الرجل؟... ألم يكن شاباً مثلك يعيش حياة الشباب... ويسير سيرهم... ويلهو لهوهم... ويلعب لعبهم؟!
لقد ظن هذا الرجل أن أيام الشباب طويلة، وأن قوة الشباب قاهرة، وأن نضرة الشباب تزهو على الليالي والأيام!!
واليوم... وبعد أن كبر سنه.. وضعف بنيانه... وتنوعت أسقامه... يبكي على ما ضاع من عمره في اللهو واللعب... يبكي على قوة الشباب التي ولت، وعلى نضرة الشباب التي استبدلت بالكبر والشيخوخة... ويتمنى أن يعود إليه شبابه وقوته ليصرفهما في طاعة الله ورضوانه. ولكن هيهات هيهات... فكل يوم انشق فجره ينادي ابن آدم ويقول: "يا ابن آدم، أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد، فاغتنمني فإني لن أعود إلى يوم القيامة".
إن هذا الرجل يعيش اليوم في ندم وحسرة... لماذا؟، لأنه لا يقوى على عبادة الله في زمن العجز والضعف والوهن... يريد الصلاة فلا يستطيع... يريد الصيام فلا يستطيع... يريد الحج والاعتمار فلا يستطيع... يريد زيارة القبور وتشييع الجنائز فلا يستطيع... قد هده المرض... وتكاثرت عليه الأوجاع... ولذلك فإنه يبكي.
خذ من شبابك قبل الموت والهرم وبادر التوبَ قبل الفوت والندم
واعـلـم بأنـك مـجـزيُ ومـرتـهـــــنٌ وراقــب الله واحـــذر زلـة القـدم
فيا أيها الشاب: إياك والتسويف بالتوبة، والاتكال على العفو والمغفرة، فالله تعالى كما أنه غفور رحيم، فإنه أيضاً شديد العقاب، ذو بطش شديد، وأخذٍ أليم. قال تعالى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [سورة البروج: 12]. وقال سبحانه: {إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [سورة هود: 102]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته» [متفق عليه].
وهناك ثلاثة أسباب للتراخي والميل إلى اللذات:
أحدهما: رؤية الهوى العاجل، فإن رؤيته تُشغل عن الفكر فيما يجنيه، لأن عين الهواء عمياء.
الثاني: التسويف بالتوبة، فلو حضر العقل لحذر من آفات التأخير، فربما هجم الموت قبل أن تحصل التوبة.
الثالث: رجاء الرحمة، فيقول العاصي: ربي رحيم، وينسى أنه شديد العقاب.
شـمـر عسى أن يـنـفـع التشـميـرُ وانظر بفكرك ما إليه تصير
طـــولـت آمـالاً تـكـنـفـهـا الـهـــــوى ونيت ان العمر منك قصيــر
وكن كما كان هذا الشاب الذي حكى عنه بكر العابد، فقال: تعبد شاب صغير من أهل الشام فبالغ في العبادة والاجتهاد، فقالت له أمه: "يا بني، لماذا لا تلهو مع الشباب الذين هم في مثل سنك؟"، فقال لها الشاب الطائع: "يا أماه، ليتك كنت بي عقيماً... ليتك لم تلديني، يا أماه... إن لابنك في القبر رقاداً طويلاً، وفي عرصات القيامة موقفاً مهولاً"، فقالت له: "يا بني، لولا أني أعرفك صغيراً وكبيراً لظننتُ أنك أحدثت حدثاً موبقاً، أو أذنبت ذنباً مهلكاً لما أراك تصنع بنفسك"، فقال لها : "يا أماه، وما يدريني أن يكون الله عز وجل قد أطلع علي وأنا في بعض ذنوبي فمقتني، وقال: اذهب فلن أغفر لك".
هكذا كان شباب الأمس، يعبدون الله تعالى، ويخافون ألا يتقبل الله منهم، أما شباب اليوم - إلا من رحم الله- فقد جمع بين التقصير بل بين التفريط والغفلة، ومع ذلك يظن كلُ واحد منهم النجاة يوم القيامة.
وصــيـة نـبـويـــة:
عن ابن عباس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: «اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك, وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» [رواه الحاكم والبيهقي وصححه الألباني].
الإســلام وحـظــوظ الـنـفـــس:
أخي الشاب: يخطئ من يظن أن طريق الاستقامة يمنع المتعة ويحرم البسمة، وينهى عن المزحة، ويحظر الشهوات على الإطلاق، بل إنه ضبط هذه الأمور وفق حدود شرعية حتى لا يكون الإنسان عبداً لهواه وشهواته، فهناك أنواع من المتع المباحة التي أقرها الإسلام وحث عليها، ومن ذلك:
أولاً: النكاح: فالنكاح حث عليه الإسلام، وجعله سبيلاً لضبط الشهوة، وطريقاً للمودة والرحمة بين الزوجين، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة الروم: 21].
ونظراً لقوة داعي الشهوة لدى الشباب خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر به، فقال عليه الصلاة والسلام: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضُ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء» [متفق عليه].
وفي النكاح فوائد عظيمة منها:
1- أنه تنفيذ لأمر الله تعالى واتباع لسنن الأنبياء.
2- به تحصيل المودة والرحمة والتعاون والألفة بين الزوجين.
3- به تحفظ الأنساب ولا تختلط.
4- به تحصن الفروج وتضبط الغرائز.
5- به يكثر النسل، وتقوى شوكة الأمة، ويهاب جانبها.
6- به تحفظ المجتمعات من الفساد والانحلال.
7- به يحفظ الزوجان من الأمراض الفتاكة التي تصيب من يقضي وطره بالطرق المحرمة.
أخي الشـاب:
وحرم الإسلام الزنا لما فيه من الأضرار الجسيمة على الأفراد والأسر والمجتمعات؛ فبالزنا تختلط الأنساب وتنتشر العداوة والبغضاء، ويظهر القحط ويعم البلاء. والزنا يجمع خلال الشر كلها من قلة الدين، وذهاب الورع وفساد المروءة، وقلة الغيرة، فلا تجد زانياً معه ورع، ولا وفاء بعهد، ولا صدق في حديث، ولا محافظة على صديق، ولا غيرة تامة على أهله.
ومن نتائج الزنا:
1- غضب الرب سبحانه لانتهاك محارمه.
2- سواد الوجه وظلمة القلب وضيق الصدر.
3- الفقر اللازم للزناة ولو بعد حين.
4- السقوط من عين الله وأعين العباد.
5- الاتصاف بأخبث الأوصاف كالفاجر والزاني والخائن.
6- التعرض للعذاب في جهنم مع الزناة و الزواني.
7- الإصابة بالأمراض الفتاكة: كالإيدز و الهربس والسيلان.
8- فوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن.
ثانياً: الأكل والشرب: قال تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ} [ سورة الملك: 15] وضابط ذلك:
1- أن يكون الطعام والشراب من الطيبات كما قال تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [ سورة الأعراف: 157]؛ فالدخان و الحشيشة والخمر كلها من الخبائث المحرمة.
2- أن يكون بقدر الحاجة كما قال تعالى: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ} [سورة الأعراف: 31].
3- أن يكون في غير الأوقات التي حرم الله فيها الأكل والشرب كنهار رمضان، قال تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} [سورة البقرة: 187].
4- أن يكون الطعام و الشراب من مال حلال، فإن كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به.
ثالثاً: الضحك والمزاح:
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحك، وكان يمزح، ولكن لا يقول إلا الصدق؛ فليس في الإسلام مكان لباطل ولو عن طريق المزاح والتفكُه. وليس هناك نكاتٌ تروج للكذب، وتتخذ من السخرية مادة للضحك وتضييع الأوقات، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويلٌ له، ويل له» [رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وحسنه الألباني].
رابعاً: الرحلات والزيارات:
وهذه أيضاً من المتع المباحة شريطة ألا يتخللها معصية، من شرب للدخان أو استماع للملاهي أو التحدث بالرفث من القول وغير ذلك.
وفي ذلك يقول الشيخ ابن عثيمين: "أحث الشباب على إقامة الزيارات فيما بينهم, حتى تتوطد اللفة والمحبة بين القلوب، وعليهم أن يدرسوا أحوالهم وأحوال أمتهم، ليكونوا كقلب واحد، ورجل واحد، وما أعظم ثمرة الزيارات إذا قرنت برحلات قريبة أو بعيدة، فإن لها أثراً كبيراً، وعلى المربين من الأساتذة والمديرين قسط كبير من هذا التوجيه".
خامساً: الرياضة وتقوية الأبدان:
فالمؤمن القوي خير و أحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف، ويروى عن عمر رضي الله عنه انه قال: "علموا أولادكم السباحة و الرماية وركوب الخيل". ولكن ينبغي للشاب أن يكون له نية صالحة في ذلك وهي الجهاد في سبيل الله والذب عن الشريعة والدفاع عن الدين والنفس والعرض والأرض والمال.
دع الـفـــراغ و ابدأ العـمـــل:
أخي الشاب: هانحن قد أخذنا الحديث وتكلمنا كثيراً، فلماذا لا نبدأ من الآن؟ أعترف أن البدايات قد تكون صعبة ولكن... عند الصباح يَحمَدُ القوم السُرى.
وأذكرك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ» [رواه البخاري].
فكأنك المقصود بهذا الحديث أيها الشاب، فأنت في زمان الصحة والقوة، وعندك كثير من الأوقات التي انشغل فيها غيرك بتدبير معاشهم والسعي في أرزاقهم، فلماذا لا تستثمر هذه الأوقات فيما يقربك إلى الله، وفيما يكون ذخراً لك يوم القيامة؟
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "إني لأبغض الرجل أراه فارغاً، لا في أمر دنياه، ولا في أمر آخرته".
وقال أبو العباس الدينوري: "ليس في الدنيا أعزُ وألطف من الوقت والقلب، وأنت مضيع لهما!!".
وقال أبو يزيد: "إن الليل والنهار رأس مال المؤمنين، ربحهما الجنة، وخسرانهما النار.. إنما الدنيا إلى الجنة والنار طريق والليالي متجرُ الإنسان والأيام سوقُ!!".
وقال إبراهيم بن شيبان: "من حفظ على نفسه أوقاته فلا يضيعها بما لا رضى لله فيه، حفظ الله عليه دينه ودنياه".
وقال عمر بن ذر: "لو علم أهل العافية ما تضمنته القبور من الأجساد البالية، لجدوا في أيامهم الخالية، خوفاً من يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار".
وقال الإمام ابن رجب: "فالواجب على المؤمن المبادرة بالأعمال الصالحة قبل أن لا يقدر عليها، ويحال بينه وبينها، إما بمرض أو موت، أو بأن يدركه بعض الآيات التي لا يُقبل معها عمل".
وختامـاً
أخي الشاب:
1- اعلم أن عمرك رأس مالك، فلا تضيعه فيما لا يفيد.
2- تخير أصدقاءك، واجتنب صحبة الأشرار ومجالسهم.
3- حافظ على الصلاة فإنها سبيل النجاة، ولا تنم عن صلاة الفجر.
4- أسبغ الوضوء على المكاره، وأكثر الخطا إلى المساجد، وانتظر الصلاة بعد الصلاة.
5- بادر على المسجد عند سماع الآذان، فالله أكبر من كل شيء.
6- أكثر من الصيام، فإنه دواء لكثير من أدواء الشباب.
7- عود نفسك الصدقة والبذل والعطاء، فإنه سبب لرفع كثير من البلاء.
8- بادر بأداء فريضة الحج ولا تؤخرها، والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما.
9- اجعل لك ورداً من القرآن كل يوم وحافظ عليه، فخيركم من تعلم القرآن وعلمه.
10- أكثر من الذكر والدعاء في الليل والنهار، فإن الله تعالى يحب الذاكرين ويجيب دعاء الداعين.
11- طالع في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسير أصحابه، لعلك تكتسب بعض صفاتهم.
12- داوم على حضور مجالس العلم؛ فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم.
13- عليك بالتواضع وإياك والكبر؛ فإنه لا يدخل الجنة متكبر.
14- إياك والحسد؛ فإنه ذنب إبليس الذي طُرد به من الجنة.
15- أطع والديك ولا تغضبهما؛ فإنه لا يدخل الجنة عاق.
16- عيادة المريض وتشييع الجنائز وزيارة القبور من وسائل زيادة الإيمان والتذكير بالآخرة فلا تغفل عنها.
17- تبسمك في وجه أخيك صدقة، فأحسن لقاء إخوانك.
18- إياك والغناء فإنه لا يجتمع في قلب عبد محبة الغناء ومحبة القرآن، فانظر أيهما تختار.
19- تعود غض البصر؛ فإن غض البصر عبادة المتقين.
20- كن في حاجة إخوانك؛ فمن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما
وسبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
تعليق