إن الدين عند الله هو الإسلام
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، اللهم صل وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين ..
أما بعد ..
فحياكم الله جميعا أيها الأخوة الفضلاء وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلا ، وأسأل الله الكريم جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته ، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته ، إنه ولى ذلك والقادر عليه ..
أيها الأحبة :
نحن اليوم على موعد مع الدرس السادس والأربعين من دروس شرح أحاديث الإمام البخاري رحمه الله تعالى ، وطيب ثراه ولا زلنا مع كتاب الإيمان مع الباب التاسع عشر من أبواب كتاب الإيمان من صحيح الإمام البخاري .
ولقد ترجم الإمام البخاري رحمه الله لهذا الباب ترجمة فقهية بليغة فقال : باب : إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل لقوله تعالى : ( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا )(الحجرات/14) فإذا كان على الحقيقة فهو على قوله جل ذكره ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ )(آل عمران/19) هذه ترجمة الباب .
أكرر الترجمة مرة أخرى لما تنطوى عليه من فقه سأوضحه الآن إن شاء الله تعالى يقول : باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة – ولا شك أن الجواب هنا محذوف جواب إذا محذوف باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة ، جواب إذا محذوف ألا وهو : لا ينفع في الآخرة - باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل ، لقوله تعالى : ( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا)(الحجرات/14) فإذا كان على الحقيقة فهو على قوله جل ذكره : ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ )(آل عمران/19)
روى الإمام البخاري في هذا الباب حديثا قال : حدثنا أبو اليمان قال : أخبرنا شعيب عن الزهري قال : أخبرنا عامر بن سعد بن أبي وقاص
يقول سعد بن أبي وقاص
هذا الرجل صرحت رواية الواقدى باسمه وهو : جعيل بن سراقة الضمري ، يقول سعد _ رضوان الله عليه _ فأعطى رسول الله
إن كان الإمام النووي قد رجح الفتح رجح : إني لأَراه وهناك من أهل العلم من رجح : لأُراه إلا أن الفتح أبلغ كما قال الإمام النووي رحمه الله تعالى ، لأن هذه العبارة أتبعها سعد رضوان الله عليه بقوله : ثم غلبني ما أعلم منه فهذه تثبت اليقين ، لأن – إني لأُراه تحتمل الشك لكن – إني لأَراه لا تحمل إلا معني اليقين فأكد القول بالفتح قول سعد : ثم غلبني ما أعلم منه النبي
تدبر ، لنقف على مناسبة الترجمة والحديث .
يقول سعد : مالك عن فلان فوالله إني لأَراه مؤمنا فقال النبي عليه الصلاة والسلام :" أو مسلما " أو مسلما يقول سعد : فسكت قليلا ثم غلبني ما أعلم منه أي الرجل وهو جعيل بن سراقة الضمرى ، ثم غلبني ما أعلم منه فعدت إلى مقالتي فقلت : يا رسول الله مالك عن فلان المرة الثانية ، يعنى : لِم لمَ تعط فلانا ، فوالله إني لأراه مؤمنا فقال النبي عليه الصلاة والسلام : " أو مسلما " يقول سعد : فسكت ثم غلبني ما أعلم منه فعدت مقالتي وعاد رسول الله
هذا الحديث مناسبة للترجمة مناسبة ظاهرة جلية إلا وهى أن لفظ المسلم يطلق على من أظهر الإسلام ولم يعلم باطنه من حقيقة الإيمان إن أظهر الإنسان أعمال الإسلام الظاهرة حكم له بالإسلام ، لكن لا يحكم له بالإيمان ، فلا يكون مؤمنا ، لأنه ممن لم تصدق عليه الحقيقة الشرعية أي الإيمان . أما الحقيقة اللغوية فمن الممكن أن تحصل – يعني من الممكن أن يقال : فلان مؤمن لكن من الناحية اللغوية لا الشرعية ، لأن الإيمان لغة – كما سأفصل الآن – يراد به التصديق كما قال الله تعالى حكاية عن أخوة يوسف : ( وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ )(يوسف/17) وما أنت بمؤمن لنا أي ما أنت
بمصدق لنا .
فالأصل اللغوي للإيمان هو التصديق لكن المعني الشرعي للإيمان كما أصلنا قبل ذلك مراراً : قول وتصديق وعمل فالمعني الاصطلاحي والشرعي يختلف تماما عن المعني اللغوي .
المعني اللغوي للإيمان التصديق ، لكن المعني الشرعي والاصطلاحي قول باللسان وتصديق بالجنان ، وعمل بالجوارح والأركان ، هذا معتقد أهل السنة في مسمى الإيمان وفي حقيقة الإيمان .
أقف سريعا على الفوائد العظيمة التي ذكرها الحافظ ابن حجر في هذا الحديث الجميل ، لأرجع لأفصل تفصيلاً في غاية الأهمية .
أرى درس الليلة من أهم دروس كتاب الإيمان – لأفصل لكم تفصيلا معني الإسلام ، ومعني الإيمان ، معنى الإسلام إذا أفرد ، ومعنى الإيمان إذا أفرد ومعنى الإسلام والإيمان إن اقترنا ، ومعنى الإسلام والإيمان إذا افترقا ، فإن محاضرة الليلة من أهم محاضرات كتاب الإيمان .
أقف سريعاً على الفوائد العظيمة التي ذكرها الحافظ ابن حجر رحمه الله يقول : وفي حديث الباب من الفوائد : التفرقة بين حقيقتي الإيمان والإسلام هذه أول فائدة و هذا ما سأفصله إن شاء الله تعالى .
وفيه أيضا – أي من الفوائد – الرد على غلاة المرجئة في اكتفائهم بأن الإيمان هو النطق باللسان هذا رد على المرجئة الذين قالوا بأن الإيمان نطق باللسان فحسب والبخاري رحمه الله تعالى يرد على هذا المعتقد طوال الباب يبين أن معتقد المرجئة في الإيمان وأن إرجائهم للأعمال وإخراجهم للأعمال المسمى الإيمان مذهب فاسد .
وفيه أيضا – أي من الفوائد – جواز تصرف الإمام في مال المصالح وتقديم الأهم فالأهم ، لأن النبي
فالحديث فيه جواز بأن يتصرف ولي الأمر بما شاء أو بما يرى أن فيه المصلحة للدين وللإسلام .
وفيه أيضا كما يقول الإمام الحافظ ابن حجر : وفيه جواز الشفاعة عند الإمام فيما يعتقد الشافع جوازه ، لأن سعد بن أبي وقاص قد شفع لهذا الرجل في حضرة النبي
وفيه مراجعة المشفوع إليه في الأمر إذا لم يؤد إلى مفسدة ، لأن النبي
وأن الإسرار بالنصيحة أولى من الإعلان ، لأنه ثبت في صحيح البخاري أيضا في كتاب الزكاة أن النبي
وقد ظن بعض العلماء – علماء الحديث- أن هذه الزيادة انفرد بها مسلم لكنها أيضا في صحيح البخاري ، في كتاب الزكاة ، فقمت إلى رسول الله
وقفوا معي على الفائدة الأولى التي من أجلها أورد الإمام البخاري هذا الحديث لهذه الترجمة الفقهية البليغة والتي قال عنها الحافظ ابن حجر : التفريق بين مرتبتي الإسلام والإيمان هذا هو ما سيق له أو من أجله هذا الأصل ، هو ما سيق من أجله هذا الحديث لهذه الترجمة الفقهية البليغة .
أولا : علق الحافظ ابن كثير على قوله تعالى : (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا )(الحجرات/14) قال الحافظ ابن كثير : إن هؤلاء الأعراب المذكورين في الآية ليسوا بمنافقين ، وإنما هم مسلمون لم يستحكم الإيمان في قلوبهم فادعوا لأنفسهم مقاماً أعلى مما وصلوا إليه فأدبوا في ذلك (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا)(الحجرات/14) لا تقولوا : آمنا لا تدعوا الإيمان ولكن قولوا أسلمنا ، فهم يدعون مرتبة أعلى من مرتبتهم التي وصلوا إليها ، فأدبهم الله تبارك وتعالى ، وذلك خلافاً لمن قال من العلماء بأن هؤلاء الأعراب كانوا من المنافقين .
ولا شك أن هذه الآية والحديث نتعلم منهما أن فرقاً كبيراً بين مرتبتي الإسلام والإيمان ، الإيمان كما أصلنا قبل ذلك مراراً قول باللسان وتصديق بالجنان ، يعني بالقلب وعمل بالجوارح والأركان أما قول اللسان فهو النطق بالشهادتين . أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله قال تعالى : ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا )(البقرة/136) إلى آخر الآيات (قُولُوا) يبقى هذا دليل على قول اللسان وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ )(فصلت/30)
وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر واللفظ للبخاري أن النبي
هذا قول اللسان اعتقاد القلب ، أو تصديق القلب ، أو قول وعمل القلب حتى لا يلتبس على طالب من طلاب العلم إن وقف على بعض كتب العقيدة فوجد أن الإيمان ، قول باللسان ، وقول بالقلب ، صحيح ، فقول اللسان هو النطق بالشهادتين ، وقول القلب هو : التصديق والاعتقاد ، لا حرج .
تصديق القلب اعتقاد القلب هو قول القلب ، قول القلب هو التصديق واليقين ، وعدم الشك قول وتصديق ، قول القلب أو تصديق القلب هو اليقين وعدم الشك قال الله عز وجل : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا ) (الحجرات/15) أي : لم يتشككوا لم تعصف رياح الشكوك بحقيقة الإيمان ، أو اليقين في قلوبهم فابن مسعود
وقال سفيان الثوري : لو وقع اليقين في القلب حقاً لطار القلب شوقاً إلى الله وهرباً من النار ، فقول القلب التصديق وعدم الشك قال الله عز وجل : ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (الزمر/33) ولا شك أن هذه الآية في حق أبي بكر
وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث معاذ بن جبل أن النبي
ويدخل في عمل القلب النية والإخلاص ، هذا يدخل في عمل القلب ، قال الله تعالى : ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )(البينة/5) وقال تعالى : ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) (الأنعام/163)
فإن عمل الإنسان العمل ولم يبتغ به وجه الله عز وجل واستقرت في نيته الشهرة والسمعة والرياء ، فعمله مردود لقول الله تعالى في الحديث القدسي : " أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه"([3]) وفي لفظ ابن ماجة : " وأنا منه بريء هو والذي أشرك أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه"([4]) فإذن قول اللسان ، وقول القلب ، أو تصديق القلب ثم عمل الجوارح قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالجوارح والأركان هذا هو الإيمان . عملا بالجوارح : كتلاوة القرآن والذكر والصلاة والجهاد والحج والعمرة والتسبيح والجهاد والإنفاق والصلاة وزيارة المقابر وزيارة المرضى كل أعمال الجوارح قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) (الأحزاب41،42) وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )(الحج77/78) إذن هذا قول اللسان وهذا تصديق القلب وهذا عمل الجوارح والأركان ، هذا هو الإيمان عند أهل السنة والجماعة ، لكن ما الفرق إذن بين الإسلام والإيمان ؟ .
أولا : مرتبة الإسلام :
الإسلام لغة : هو الإنقياد والإستسلام والإذعان ، أما اصطلاحاً : أي شرعاً فله حالتان وأرجو أن تركزوا معي جيدا ، لنقف على الفرق بين الإسلام والإيمان الإسلام في اللغة هو الإستسلام والإذعان والإنقياد لكن إن أطلق لفظ الإسلام في الشرع فله حالتان :
الحالة الأولى : إذا ذكر لفظ الإسلام مفرداً غير مقترن بذكر الإيمان فحينئذ يراد بالإسلام الدين كله ، انتبه ، أقول : الإسلام لغة هو الإستسلام والإذعان والإنقياد هذا هو المعنى اللغوي ، أما المعنى الاصطلاحي والشرعي فإذا ذكر لفظ الإسلام فله حالتان : إذا أفرد لفظ الإسلام أي دون أن يقترن بلفظ الإيمان فحينئذ يراد بالإسلام الدين كله ، ويدخل في مسمى الإسلام حينئذ الإيمان .
يعنى لو قلت : إن الدين عند الله الإسلام ، هذه اللفظة وحدها لم تأت معها لفظة الإيمان فحينئذ يراد بالإسلام إن أفرد وأطلق الدين كله ، يدخل فيه أعمال القلب ، وأعمال الجوارح إذا يدخل فيه الإيمان ، ويدخل فيه الإحسان ، ويدخل فيه الصلاة ، ويدخل فيه الزكاة ، ويدخل فيه الحج ، وهكذا ، كقول الله تعالى عز وجل : ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ )(آل عمران/19) وكقوله تعالى : ( وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً)(المائدة/3) وكقوله تعالى : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْه )(آل عمران/85) وكقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّة)(البقرة/208) .
في السلم يعني في الإسلام ، ادخلوا في السلم يعني في الإسلام كآفة .
وعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال : قال رجل : يا رسول الله ما الإسلام ؟ فقال " أن يسلم قلبك لله عز وجل وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك " قال : فأي الإسلام أفضل ؟ انتبه فأي الإسلام أفضل ؟ فقال النبي
أقول : إذا ذكر لفظ الإسلام وحده دون أن يقترن بلفظ الإيمان ، فإن الإسلام في هذه الحالة يراد به الدين كله ، ويدخل الإيمان وأعمال الظاهر والباطن على السواء وضربنا بعض الأمثلة بالأدلة من القرآن .
أما دليل السنة عمرو بن عبسة جاء رجل فقال : يا رسول الله ما الإسلام ؟ فقال " أن يسلم قلبك لله عز وجل وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك " فقال له : فأي الإسلام أفضل ؟ قال "الإيمان" فأدخل النبي الإيمان ضمن الإسلام ، فقال الرجل : وما الإيمان ؟ فقال النبي
وهكذا جعل النبي
الحالة الثانية : إذا أطلق لفظ الإسلام مقترناً بالإيمان يعني إذا ذكرت لفظ الإسلام ولفظ الإيمان معا في آن واحد
كما في قوله تعالى في الآية التي ترجم بها الإمام البخاري للباب : ( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا )(الحجرات/14)
هذه هي المرتبة الثانية ، ورد لفظ الإسلام مع لفظ الإيمان في وقت واحد فحينئذ لابد أن نعلم أن للإسلام معني وأن للإيمان معني إن قرن لفظ الإسلام بلفظ الإيمان في آن واحد فإن الإسلام يطلق حينئذ وبراد به أعمال الظاهر ، أما الإيمان فيراد به فقط
أعمال الباطن .
إذا ذكر لفظ الإسلام والإيمان مع بعضهم البعض فيراد بالإسلام حينئذ أعمال الإسلام الظاهرة ، ويراد بالإيمان أعمال الباطن أعمال القلب كالحب ، والرجاء والتوكل، والإنابة ، والتفويض ، والخشية ، والاستعانة ، والرهبة … إلى آخر أعمال القلب .
وفي الحديث الذي ذكرناه الدليل : يا رسول الله مالك عن فلان والله إني لأَراه مؤمناً ؟ قال : " أو مسلما"(1) ففرق النبي
ويوضح ذلك جلياً الحديث الذي تحفظونه جميعاً الذي رواه مسلم وغيره من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله
إذن هنا فرق بين الإسلام والإيمان قال : " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره"(2) إذن فرق النبي
وهكذا إذا اقترن الإسلام بالإيمان فيراد بالإسلام حينئذ أعمال الظاهر من صلاة وزكاة وحج ، ويراد بالإيمان حينئذ أعمال الباطن من حب وخشية وإنابة وتفويض ورجاء وتوكل واستغاثة واستعانة إلى آخر أعمال القلب إن الإسلام له مرتبتان مرتبة الإيمان عرفنا أن الإيمان لغة هو التصديق ما الدليل (وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا ) أي بصدق إذن الإيمان لغة التصديق انتبه جيداً ، لأنك قد ترى هذا التأصيل الشرعي موجوداً في بعض كتب العقيدة ترى تأصيلاً شرعياً للإيمان ينبني فقط على التأصيل اللغوي لمعنى الإيمان فحسب ، هذا قصور شديد لا ينبغي أبدا أن يقال : إن الإيمان لغة التصديق فقط لكن اصطلاحاً قول وتصديق وعمل .
انتبهوا لهذا ، فقد ترى هذا موجوداً في كثير من الكتب التي تتحدث عن العقيدة وإلا لوقعنا فيما وقع فيه المرجئة والكرامية وغيرهم من الفرق التي بينا انحرافها في أول كتاب الإيمان .
فالمرجئة أخرت العمل عن الإيمان وجعلت الإيمان هو التصديق فقط ، وهذا قصور شديد ، ولا يصح هذا أبدا ، ويخالف معتقد أهل السنة ، فالإيمان لغة : التصديق ، لكن اصطلاحاً : القول باللسان ، والتصديق بالقلب ، والعمل بالجوارح والأركان ، وكل الأبواب التي يترجمها البخاري في كتاب الإيمان يثبت بها هذه الحقيقة ويبين بها معتقد أهل السنة باب حب الأنصار من الإيمان ، باب الصلاة من الإيمان .
وهكذا في جميع الأبواب التي شرحناها يترجم فيها البخاري ، هذا الأصل وهذا المعتقد أن الأعمال من الإيمان ، ولا ينبغي أبدا أن تخرج أو تؤجل عن مسمى الإيمان كما هو معتقد المرجئة فالإيمان لغة هو التصديق واصطلاحاً هو قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالجوارح والأركان وله حالتان إن أفرد وإن قرن بالإسلام .




تعليق