لماذا يزهد "السلفيون" في "السلطة"؟!!
عمر غازي
كان الإخوان في مصر ولا يزالون في صراع على السلطة ومعارضة حقيقية وفاعلة للنظام بالرغم من عدم شرعيتهم كحزب سياسي أو جمعية مدنية تحظى باعتراف حكومي إلا أنهم حافظوا على تنظيمهم بشكل مدهش في ظل محاربة قوية ومنتظمة من النظام المصري في عصور مختلفة.
وفي المقابل يبرز الفكر السلفي كاتجاه إسلامي زاهد في السلطة وبعيد كل البعد عن الحياة السياسية بشكل عام الأمر الذي جنبه الكثير من الصدام مع الحكومة وأعني هنا السلفية العلمية أو (التقليدية)، بالرغم من اعتقال الكثير من أفرادها في وقت سابق أوائل الثمانينات على خلفية مقتل السادات، بخلاف السلفية "الجهادية" بتفريعاتها وهي التي اختارت المواجهة والعنف كخيار استراتيجي لتطبيق الشريعة الإسلامية وتمثلت في الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد قبل أن يتراجع قياداتهما ويرجعان إلى الحاضنة السلفية (التقليدية) ويعلنان البراء من استخدام العنف والسعي للحصول على السلطة الأمر الذي جعل السلطات المصرية بإطلاق سراح غالبية المعتقلين من أتباع الجماعة الإسلامية وبعض أعضاء جماعة الجهاد.
لا شك أن الإخوان والسلفيين يخرجان من عباءة واحدة وهي العباءة الإسلامية لكن الاختلافات المنهجية بينهما تجعلهما بعيدان كل البعد عن الاتفاق، فالإخوان اختاروا خوض المعترك السياسي فيما التزم السلفيون الصمت، وهو ما جعل الكثير يعتقد أن السلفيون سلبيون لا يمتلكون مشروعا ويبالغون في السمع والطاعة للحاكم.
فالمستقرئ للفكر السلفي يلمس بوضوح لا يساوره شك أنهم يركزون بشكل كامل على الدعوة في أوساط المجتمع ويتجنبون الخوض في السياسة بل إنهم يرفضونها بشكل قاطع يمكن القول معه أن من يتعاطى مع السياسة بشكلها الحالي من الانخراط في الحياة الحزبية أو المشاركة البرلمانية والانتخابية يخرج عندهم من العباءة السلفية، يقول الشيخ الألباني: "ليس طريق الخلاص ما يتوهم بعض الناس هو الثورة بالسلاح على الحكام بواسطة الانقلابات العسكرية" ويقول أيضا:"من مقاصد الدعوة السلفية أن يحققوا المجتمع الإسلامي الذي به يمكن تحقيق الحكم بالإسلام لا بسواه.. ونقول للمسلمين جميعا أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم على أرضكم"ا.هـ لكن السؤال الأهم لماذا هذا الرفض السلفي القاطع للمشاركة السياسية؟
يمكننا الإجابة عن هذا السؤال من خلال كتابات السلفيين أنفسهم والتي يمكن تلخيصها في الخشية من تقديم تنازلات خاسرة، يقول الدكتور ياسر برهامي – أحد كبار سلفيي الإسكندرية - في مقال له بعنوان "المشاركة السياسية وموازين القوى": معطيات هذه اللعبة في ضوء موازين القوى المعاصرة عالميًّا وإقليميًّا وداخليًّا لا تسمح بالمشاركة إلا بالتنازل عن عقائد ومبادئ وقيم لا يرضي أبداً أحدٌ من أهل السنة أن يضحي بها في سبيل الحصول على كسب وقتي، أو وضع سياسي، أو إثبات الوجود على الساحة، فهذه المبادئ أغلى وأثمن من أن تُبَاع لإثبات موقف أو لإسماع صوت بطريقة عالية، ثم لا يترتب على هذه المواقف في دنيا الواقع شيء يذكر من الإصلاح المنشود والتطبيق الموعود لشرع الله.
من هذا أيضا المنطلق هاجم الدكتور السلفي عبد المنعم الشحات جماعة الإخوان المسلمين في مقال له بعنوان : السلفيون والسياسة.. أسباب المقاطعة" ، رأى فيه أن الإخوان يدفعون ثمنـًا باهظـًا للدخول في لعبة "الديمقراطية"، وهي غير إسلامية في الأصل مما اضطرهم إلى تنازلات وصلت في حدتها إلى حد بوادر خلاف حاد حول انضمام الدكتور "عصام العريان" إلى مكتب الإرشاد؛ لميله إلى تقديم مزيد من التنازلات في سيل الاندماج في اللعبة الديمقراطية، بما في ذلك الاعتراف الضمني بـ"الوصاية الأمريكية" على التجربة الديمقراطية في مصر، وله في ذلك مقالات بعنوان: "الإخوان المسلمون وأمريكا: جدل المبادئ والمصالح حوار ضائع يبحث عن شريعة، وعن أجندة، وعن مستقبل!!".
ويضيف الشحات: وبينما يفضل الإخوان الخوض مع كل هذه المخاطر من الهيمنة الأمريكية إلى التحالف مع الأحزاب العلمانية... ترى الدعوة السلفية أن الفاتورة التي يُطالب الإسلاميون بدفعها تمثل خصمًا من أحكام شرعية قطعية لا يمكن بحال قبولها، ومن ثمَّ أعرضنا عن الحياة السياسية بمفهومها المعاصر، وانصرفنا إلى الدعوة إلى إصلاح المجتمع: حكامًا ومحكومين، وإلى التزام الجميع بشرع الله، ومن الطبيعي لدعوة اختارت أن تنأى بنفسها عن المشاركة في النظام الديمقراطي لأسباب شرعية أن تنأى بنفسها عن مناقشة تفاصيله، وأن تستوي عندها فيه خياراته.
إلى أن يقول: إذن فالصمت هو الموقف الطبيعي تجاه هذه العملية السياسية؛ وهو صمت يحاول كل فريق أن يفسره لصالحه، وهو ما نحرص على نفيه نفيًا قاطعًا، وعلى تأكيد أن الصمت هو رفض للعملية الديمقراطية بأسرها، ورفض لفكرة الدولة المدنية التي تفصل الدين عن الدولة بل عن الحياة كلها وهى الفكرة التي فرضها علينا الغرب في الوقت الذي لا يخجل فيه من إعلان حرب صليبية على الدول الإسلامية المدنية".
رؤية برهامي والشحات توضح بجلاء أن السلفيين لم يدعوا للصمت نتيجة عدم وضوح للرؤية لديهم أو غياب للهدف أو للحفاظ على مكاسب أو للوصول إلى أطماع ومآرب – كما يظن البعض- بل إن صمتهم ناتج من تجنبهم للمفاسد التي يحتمل وقوعها في نظهرهم الأمر الذي جعلهم يركزون على الدعوة إلى الله والحياة الاجتماعية ويتجنبون الخوض في الحياة السياسية خوفا من تلك العواقب المحتملة، وهو ما حقق لهم الكثير من الصمود وجنبهم ما تعرضت له حركات إسلامية أخرى من متاعب كلفتها الكثير وربما أخرتها عشرات السنين عن تحقيق أهدافها، وهي الحقيقة تنبهت لها مؤخراً الكثير من التيارات الإسلامية الأخرى فيقول الدكتور ناجح إبراهيم القيادي بالجماعة الإسلامية المصرية :" لقد خاضت الحركة الإسلامية صراعًا طويلًا مع السلطة امتدَّ لأكثر من 80عامًا، لم تجنِ منه سوى الخسائر تلو الخسائر، ولم تحقق شيئًا يُذكر، بل تقلَّص حجم الموجود من شريعة الإسلام وزاد حجم المفقود منها، ولذا فإن الانشغال بالدعوة السلمية والتربية يعدُّ حلًّا واقعيًّا يعيد مناخ الهدوء والثقة المتبادلة بين الإسلاميين والدولة، ويؤسس لتحالف راشد بين القرآن والسلطان، تحالف تفتح فيه الدولة أبواب الدعوة والإصلاح والتربية في وجه الحركة الإسلامية، وتلتزم فيه الحركة بمنع كافة أشكال الصدام مع الدولة، وعدم المساس بهيبتها وسيادتها، ولو أن الحركة الإسلامية تفرغت لذلك لكان خيرًا لها".
ويضيف الدكتور ناجح:" بل إن هناك أصواتًا تعالت داخل جماعة الإخوان ذاتها تطالب الجماعة بإعادة النظر في مشاركتها السياسية في الوقت الحالي، حتى أن د. عبد المنعم أبو الفتوح طلب مؤخرًا من الإخوان عدم خوض الانتخابات لعدة سنوات.. كما أن توجهات المرشد الحالي د. محمد بديع تنحو نفس هذا المنحى، وقد هاجمني البعض حينما طرحت ذلك منذ عدة سنوات، ولكن الآن معظم الدعاة وقادة الحركات الإسلامية يعرفون قيمة هذا الرأي ومصداقيته، وأنه لمصلحة الإسلام والأوطان والحركات الإسلامية وليس لمصلحة الحكومات، فالحكومات زائلةٌ وكذلك الحركات الإسلامية، ولكن يبقى الإسلام والأوطان".
المصدر: موقع مركز الدين والسياسة للدراسات
عمر غازي
كان الإخوان في مصر ولا يزالون في صراع على السلطة ومعارضة حقيقية وفاعلة للنظام بالرغم من عدم شرعيتهم كحزب سياسي أو جمعية مدنية تحظى باعتراف حكومي إلا أنهم حافظوا على تنظيمهم بشكل مدهش في ظل محاربة قوية ومنتظمة من النظام المصري في عصور مختلفة.
وفي المقابل يبرز الفكر السلفي كاتجاه إسلامي زاهد في السلطة وبعيد كل البعد عن الحياة السياسية بشكل عام الأمر الذي جنبه الكثير من الصدام مع الحكومة وأعني هنا السلفية العلمية أو (التقليدية)، بالرغم من اعتقال الكثير من أفرادها في وقت سابق أوائل الثمانينات على خلفية مقتل السادات، بخلاف السلفية "الجهادية" بتفريعاتها وهي التي اختارت المواجهة والعنف كخيار استراتيجي لتطبيق الشريعة الإسلامية وتمثلت في الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد قبل أن يتراجع قياداتهما ويرجعان إلى الحاضنة السلفية (التقليدية) ويعلنان البراء من استخدام العنف والسعي للحصول على السلطة الأمر الذي جعل السلطات المصرية بإطلاق سراح غالبية المعتقلين من أتباع الجماعة الإسلامية وبعض أعضاء جماعة الجهاد.
لا شك أن الإخوان والسلفيين يخرجان من عباءة واحدة وهي العباءة الإسلامية لكن الاختلافات المنهجية بينهما تجعلهما بعيدان كل البعد عن الاتفاق، فالإخوان اختاروا خوض المعترك السياسي فيما التزم السلفيون الصمت، وهو ما جعل الكثير يعتقد أن السلفيون سلبيون لا يمتلكون مشروعا ويبالغون في السمع والطاعة للحاكم.
فالمستقرئ للفكر السلفي يلمس بوضوح لا يساوره شك أنهم يركزون بشكل كامل على الدعوة في أوساط المجتمع ويتجنبون الخوض في السياسة بل إنهم يرفضونها بشكل قاطع يمكن القول معه أن من يتعاطى مع السياسة بشكلها الحالي من الانخراط في الحياة الحزبية أو المشاركة البرلمانية والانتخابية يخرج عندهم من العباءة السلفية، يقول الشيخ الألباني: "ليس طريق الخلاص ما يتوهم بعض الناس هو الثورة بالسلاح على الحكام بواسطة الانقلابات العسكرية" ويقول أيضا:"من مقاصد الدعوة السلفية أن يحققوا المجتمع الإسلامي الذي به يمكن تحقيق الحكم بالإسلام لا بسواه.. ونقول للمسلمين جميعا أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم على أرضكم"ا.هـ لكن السؤال الأهم لماذا هذا الرفض السلفي القاطع للمشاركة السياسية؟
يمكننا الإجابة عن هذا السؤال من خلال كتابات السلفيين أنفسهم والتي يمكن تلخيصها في الخشية من تقديم تنازلات خاسرة، يقول الدكتور ياسر برهامي – أحد كبار سلفيي الإسكندرية - في مقال له بعنوان "المشاركة السياسية وموازين القوى": معطيات هذه اللعبة في ضوء موازين القوى المعاصرة عالميًّا وإقليميًّا وداخليًّا لا تسمح بالمشاركة إلا بالتنازل عن عقائد ومبادئ وقيم لا يرضي أبداً أحدٌ من أهل السنة أن يضحي بها في سبيل الحصول على كسب وقتي، أو وضع سياسي، أو إثبات الوجود على الساحة، فهذه المبادئ أغلى وأثمن من أن تُبَاع لإثبات موقف أو لإسماع صوت بطريقة عالية، ثم لا يترتب على هذه المواقف في دنيا الواقع شيء يذكر من الإصلاح المنشود والتطبيق الموعود لشرع الله.
من هذا أيضا المنطلق هاجم الدكتور السلفي عبد المنعم الشحات جماعة الإخوان المسلمين في مقال له بعنوان : السلفيون والسياسة.. أسباب المقاطعة" ، رأى فيه أن الإخوان يدفعون ثمنـًا باهظـًا للدخول في لعبة "الديمقراطية"، وهي غير إسلامية في الأصل مما اضطرهم إلى تنازلات وصلت في حدتها إلى حد بوادر خلاف حاد حول انضمام الدكتور "عصام العريان" إلى مكتب الإرشاد؛ لميله إلى تقديم مزيد من التنازلات في سيل الاندماج في اللعبة الديمقراطية، بما في ذلك الاعتراف الضمني بـ"الوصاية الأمريكية" على التجربة الديمقراطية في مصر، وله في ذلك مقالات بعنوان: "الإخوان المسلمون وأمريكا: جدل المبادئ والمصالح حوار ضائع يبحث عن شريعة، وعن أجندة، وعن مستقبل!!".
ويضيف الشحات: وبينما يفضل الإخوان الخوض مع كل هذه المخاطر من الهيمنة الأمريكية إلى التحالف مع الأحزاب العلمانية... ترى الدعوة السلفية أن الفاتورة التي يُطالب الإسلاميون بدفعها تمثل خصمًا من أحكام شرعية قطعية لا يمكن بحال قبولها، ومن ثمَّ أعرضنا عن الحياة السياسية بمفهومها المعاصر، وانصرفنا إلى الدعوة إلى إصلاح المجتمع: حكامًا ومحكومين، وإلى التزام الجميع بشرع الله، ومن الطبيعي لدعوة اختارت أن تنأى بنفسها عن المشاركة في النظام الديمقراطي لأسباب شرعية أن تنأى بنفسها عن مناقشة تفاصيله، وأن تستوي عندها فيه خياراته.
إلى أن يقول: إذن فالصمت هو الموقف الطبيعي تجاه هذه العملية السياسية؛ وهو صمت يحاول كل فريق أن يفسره لصالحه، وهو ما نحرص على نفيه نفيًا قاطعًا، وعلى تأكيد أن الصمت هو رفض للعملية الديمقراطية بأسرها، ورفض لفكرة الدولة المدنية التي تفصل الدين عن الدولة بل عن الحياة كلها وهى الفكرة التي فرضها علينا الغرب في الوقت الذي لا يخجل فيه من إعلان حرب صليبية على الدول الإسلامية المدنية".
رؤية برهامي والشحات توضح بجلاء أن السلفيين لم يدعوا للصمت نتيجة عدم وضوح للرؤية لديهم أو غياب للهدف أو للحفاظ على مكاسب أو للوصول إلى أطماع ومآرب – كما يظن البعض- بل إن صمتهم ناتج من تجنبهم للمفاسد التي يحتمل وقوعها في نظهرهم الأمر الذي جعلهم يركزون على الدعوة إلى الله والحياة الاجتماعية ويتجنبون الخوض في الحياة السياسية خوفا من تلك العواقب المحتملة، وهو ما حقق لهم الكثير من الصمود وجنبهم ما تعرضت له حركات إسلامية أخرى من متاعب كلفتها الكثير وربما أخرتها عشرات السنين عن تحقيق أهدافها، وهي الحقيقة تنبهت لها مؤخراً الكثير من التيارات الإسلامية الأخرى فيقول الدكتور ناجح إبراهيم القيادي بالجماعة الإسلامية المصرية :" لقد خاضت الحركة الإسلامية صراعًا طويلًا مع السلطة امتدَّ لأكثر من 80عامًا، لم تجنِ منه سوى الخسائر تلو الخسائر، ولم تحقق شيئًا يُذكر، بل تقلَّص حجم الموجود من شريعة الإسلام وزاد حجم المفقود منها، ولذا فإن الانشغال بالدعوة السلمية والتربية يعدُّ حلًّا واقعيًّا يعيد مناخ الهدوء والثقة المتبادلة بين الإسلاميين والدولة، ويؤسس لتحالف راشد بين القرآن والسلطان، تحالف تفتح فيه الدولة أبواب الدعوة والإصلاح والتربية في وجه الحركة الإسلامية، وتلتزم فيه الحركة بمنع كافة أشكال الصدام مع الدولة، وعدم المساس بهيبتها وسيادتها، ولو أن الحركة الإسلامية تفرغت لذلك لكان خيرًا لها".
ويضيف الدكتور ناجح:" بل إن هناك أصواتًا تعالت داخل جماعة الإخوان ذاتها تطالب الجماعة بإعادة النظر في مشاركتها السياسية في الوقت الحالي، حتى أن د. عبد المنعم أبو الفتوح طلب مؤخرًا من الإخوان عدم خوض الانتخابات لعدة سنوات.. كما أن توجهات المرشد الحالي د. محمد بديع تنحو نفس هذا المنحى، وقد هاجمني البعض حينما طرحت ذلك منذ عدة سنوات، ولكن الآن معظم الدعاة وقادة الحركات الإسلامية يعرفون قيمة هذا الرأي ومصداقيته، وأنه لمصلحة الإسلام والأوطان والحركات الإسلامية وليس لمصلحة الحكومات، فالحكومات زائلةٌ وكذلك الحركات الإسلامية، ولكن يبقى الإسلام والأوطان".
المصدر: موقع مركز الدين والسياسة للدراسات
تعليق