الســــــــــــلاح الفتـــــــــاك وشِكايــــــــــــــة الهجـــــــــــــــــر **
بسم الله الرحمن الرحيـــم ..
أما بعـــــد ،،
لما كانت الأعمال الجليلة عالية الرُتبة رتّب الشرع جليل الثواب وأرصد لفاعلها ذخائر المنح والقُرب .. ومن أجلّ الأعمال وأسمى
المقاصد التي بُعث لها النبي صلى الله عليه وسلم هو ( حُسن الخلق وإتمامه ) ..
فتدبر قوله صلى الله عليه وسلم كما في الموطأ بسند منقطع وله شواهد ( بُعثت لأتمم حُسن الأخلاق ) وقوله تعالى ( ولقد بعثنا في
كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) تجد أن من مقاصد البعثة الرسالية هي تحقيق العبادة مقرونة في الوقت ذاته
تحقيق الخُلق الحسن ..
فتحقيق العبودية لله تعالى هو تطهير للنفس من رقّ الذل لغير الله
تعالى وتحقيق الخُلق الحسن هو كمال التطهير للنفس البشرية ..
وإن من العجائب وأكبر المصائب أن تجد موحدا مسلما سيئ الخُلق
فهذا ممن جعل الدين عضين والدين حقيقته خُلق مع الله تعالى وخُلق مع الخلق .. وكيف يحمل المؤمن همّ هذه الرسالة العظيمة
ولا يملك من طيب الفعال وحُسن المقال ما يوصلها إلى قلوب سامعيها ..
إن ترك الأخلاق الحسنة كفيلٌ أن يُشوّه عظمة الرسالة وأن يُدمر
أمة والعكس بالعكس صحيح ..
ولهذا ربط الشرع الأخلاق بالإيمان كما أن المقصد من الرسالة هي العبودية وكذلك إتمام الأخلاق فقال صلى الله عليه وسلم في سنن
أبي داود والترمذي ( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خُلقا ) وما علة الربط إلا أن الإيمان هو الفولاذ الحقيقي لتحطيم صنم النفس
وخضوعها ومن خضوعها لِينُ جوارحها وحُسن أخلاقها ..
وجميل الخُلق لصٌ خفيٌ يسري إلى القلوب فيسرقها وبعض الأحيان يرقّها ويأسرها وربما ابتسامة سحرية تُبرد إلى خفي الشعور حبل الود ودوامه وربما الكلمة وكذلك الفعل ..
والخلق الحسن لا يقتصر على هذا بل يتعداه إلى أعمال القلوب وهو أصلها فذو الخُلق عفوّ عن الزلات طيّب القلب لا يحمل ضغينة
ولا حسدا فيّاض المشاعر لبني جلدته من المؤمنين .. ولذلك لمّا
كانت هذه الأمور صعبة على كثير من الخلق جاء الشرع بجزيل
الثواب فيها فقال صلى الله عليه وسلم في سنن أبي داود ( إن المؤمن ليُدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ) ..
فهذه الأخلاق العظيمة كانت خير المُفعّلين لها هذه الصور الجميلة
المشرقة على صفحة التاريخ :
( خير البشرية بأعظم قلب )
في الصحيحين أن اليهود كانوا يمرون على النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون : السام عليك يارسول الله .. فكانت عائشة رضي
الله عنها تلعنهم فكان صلى الله عليه وسلم يقول ( إن الله رفيق يُحب الرفق وإذا سلّم عليكم اليهود فقولوا وعليكم ) ..
قال ابن حجر ( والذي يظهر أن ترك اليهود إنما كان لمصلحة التأليف أو لكونهم لم يعلنوا به أو لهما جميعا وهو أولى )
فهذا القلب النبوي الكبير وسع من عاداه لمصلحة يُحبها الله تعالى وما ذاك إلا لنهر خُلقه العذب الذي روي منه العالم أجمع ..
وحقٌ على كل متعلم علما من قبسه صلى الله عليه وسلم أو مقتديا
بسنته في الزيّ والمظهر أن يرث من حُسن خُلقه وعبق فعله ما
يُتمم به سلوك الهدي والاقتداء ..
فلا يغضب لنفسه .. بل لحرمات الله .. ولا يحسد ولا يغش ولا
يغتاب .. بل يُحاول قدر المستطاع أن يهتدي بهديه من أعمال القلوب والجوارح ما يُؤهله لزلفى المحبة والاصطفاء ..
( مدرســـــة الأخلاق اليوسفيــــة )
إن سورة ( يوسف ) عليه السلام هي مدرسة مثالية في التربية والعفة والإحسان ومكارم الأخلاق ..
فيوسف عليه السلام من خصاله الحميدة لما فعل به إخوته ما فعلوا من مؤامرة وإقصاء بدافع الحسد كان رده لما وردوه ردا
تتجلى فيه حُسن التربية الإلهية له فقال ( لا تثريب عليكم اليوم
يغفرالله لكم وهو أرحم الراحمين ) ..
ولما حُبس عند القوم الكافرين في سبع سنين يُعاني ضيم الغربة
ومرارة الظلم ما فعله لما خرج وزيرا إلا الإحسان وحسن الرأي
والإدارة في الأزمة الاقتصادية لقوم كافرين ..
كانت المخيلة لأي إنسان يرى المشهد اليوسفي يتوقع أن ينتقم يوسف عليه السلام مما أصابه قصاصا مما فُعل به .. ولكن
ضُربت قانون المخيلة بروعة أخلاق يوسف عليه السلام فكانت
بدايته مشرقة ونهايته مشرقة ( رب توفني مسلما وألحقني بالصالحين ) ..
وهذه قمة الطهارة النفسية لدى الأنبياء عليهم السلام .. وعلى
الورثة الاقتداء ..
( ما فعلت بجارك يا أبا حمــــزة )
جاء في السير للذهبي عن محمد بن علي أنه قال :
أراد جار لأبي حمزة السكري أن يبيع داره .. فقيل له : بكم ؟
قال : بألفين ثمن الدار وبألفين جوار أبي حمزة .. فبلغ ذلك أبا
حمزة فوجّه إليه بأربعة آلاف .. وقال : لا تبع دارك . أ.هـ
أرأيت كيف ارتفع سهم البيت لارتفاع سهم جاره في قلبه ؟!
وما ذاك إلا لكنز الأخلاق الذي تمتع به ( السُكري ) رحمه الله تعالى ورضي عنه ..
( الأخلاق الخشنــــة والأخلاق اللينــــة )
جاء في ترجمة ( أحمد بن علي الحمامي ) في المنتظم لابن الجوزي أنه قال :
وكان بارعا في الفقه وأصوله شديد الذكاء والفطنة فنقم عليه أصحابنا أشياء ولم تحتملها أخلاقهم الخشنة فانتقل وتفقه على الشاشي والغزالي ووجد أصحاب الشافعي على أوفى ما يُريده من
الإكرام ثم ترقى وجعلوه مدرسا في النظامية . أ.هـ
وكثير من الأحيان تكون الأخلاق الخشنة التي في غير موضعها مسمارا يوخز به جلود العالمين وقلوبهم لأن القلوب ميّالة بطبعها
للسهل الليّن القريب ..
( بخُلقه أســـــــر الألباب )
في الذيل على طبقات الحنابلة في ترجمة ( ابراهيم بن عبدالواحد
المقدسي ) عن الضياء قال :
كان رحمه الله يتألف الناس ويلطف بالغرباء والمساكين حتى صار
من تلاميذه جماعة من الأكراد والعرب والعجم وكان يتفقدهم ويسأل عنهم وعن حالهم ولقد صحبه جماعة من أنواع المذاهب
فرجعوا عن مذاهبهم لما شاهدوا منه .أ.هـ
فبُحسن الأخلاق الباطنة والظاهرة تقوم الأمم وتُبنى الحضارات وتزكوا النفوس ..
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )
فيا أهل الإيمان على تقوى الله ربّوا نفوسكم وكونوا مع الله تعالى
صادقين ومع خلقه كذلك ولا يكون إلا بالصدق مع النفس التي
هي الخطوة الأولى لبناء الأخلاق الخالدة ..
والحمدلله رب العالمين ..
أما بعـــــد ،،
لما كانت الأعمال الجليلة عالية الرُتبة رتّب الشرع جليل الثواب وأرصد لفاعلها ذخائر المنح والقُرب .. ومن أجلّ الأعمال وأسمى
المقاصد التي بُعث لها النبي صلى الله عليه وسلم هو ( حُسن الخلق وإتمامه ) ..
فتدبر قوله صلى الله عليه وسلم كما في الموطأ بسند منقطع وله شواهد ( بُعثت لأتمم حُسن الأخلاق ) وقوله تعالى ( ولقد بعثنا في
كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) تجد أن من مقاصد البعثة الرسالية هي تحقيق العبادة مقرونة في الوقت ذاته
تحقيق الخُلق الحسن ..
فتحقيق العبودية لله تعالى هو تطهير للنفس من رقّ الذل لغير الله
تعالى وتحقيق الخُلق الحسن هو كمال التطهير للنفس البشرية ..
وإن من العجائب وأكبر المصائب أن تجد موحدا مسلما سيئ الخُلق
فهذا ممن جعل الدين عضين والدين حقيقته خُلق مع الله تعالى وخُلق مع الخلق .. وكيف يحمل المؤمن همّ هذه الرسالة العظيمة
ولا يملك من طيب الفعال وحُسن المقال ما يوصلها إلى قلوب سامعيها ..
إن ترك الأخلاق الحسنة كفيلٌ أن يُشوّه عظمة الرسالة وأن يُدمر
أمة والعكس بالعكس صحيح ..
ولهذا ربط الشرع الأخلاق بالإيمان كما أن المقصد من الرسالة هي العبودية وكذلك إتمام الأخلاق فقال صلى الله عليه وسلم في سنن
أبي داود والترمذي ( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خُلقا ) وما علة الربط إلا أن الإيمان هو الفولاذ الحقيقي لتحطيم صنم النفس
وخضوعها ومن خضوعها لِينُ جوارحها وحُسن أخلاقها ..
وجميل الخُلق لصٌ خفيٌ يسري إلى القلوب فيسرقها وبعض الأحيان يرقّها ويأسرها وربما ابتسامة سحرية تُبرد إلى خفي الشعور حبل الود ودوامه وربما الكلمة وكذلك الفعل ..
والخلق الحسن لا يقتصر على هذا بل يتعداه إلى أعمال القلوب وهو أصلها فذو الخُلق عفوّ عن الزلات طيّب القلب لا يحمل ضغينة
ولا حسدا فيّاض المشاعر لبني جلدته من المؤمنين .. ولذلك لمّا
كانت هذه الأمور صعبة على كثير من الخلق جاء الشرع بجزيل
الثواب فيها فقال صلى الله عليه وسلم في سنن أبي داود ( إن المؤمن ليُدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ) ..
فهذه الأخلاق العظيمة كانت خير المُفعّلين لها هذه الصور الجميلة
المشرقة على صفحة التاريخ :
( خير البشرية بأعظم قلب )
في الصحيحين أن اليهود كانوا يمرون على النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون : السام عليك يارسول الله .. فكانت عائشة رضي
الله عنها تلعنهم فكان صلى الله عليه وسلم يقول ( إن الله رفيق يُحب الرفق وإذا سلّم عليكم اليهود فقولوا وعليكم ) ..
قال ابن حجر ( والذي يظهر أن ترك اليهود إنما كان لمصلحة التأليف أو لكونهم لم يعلنوا به أو لهما جميعا وهو أولى )
فهذا القلب النبوي الكبير وسع من عاداه لمصلحة يُحبها الله تعالى وما ذاك إلا لنهر خُلقه العذب الذي روي منه العالم أجمع ..
وحقٌ على كل متعلم علما من قبسه صلى الله عليه وسلم أو مقتديا
بسنته في الزيّ والمظهر أن يرث من حُسن خُلقه وعبق فعله ما
يُتمم به سلوك الهدي والاقتداء ..
فلا يغضب لنفسه .. بل لحرمات الله .. ولا يحسد ولا يغش ولا
يغتاب .. بل يُحاول قدر المستطاع أن يهتدي بهديه من أعمال القلوب والجوارح ما يُؤهله لزلفى المحبة والاصطفاء ..
( مدرســـــة الأخلاق اليوسفيــــة )
إن سورة ( يوسف ) عليه السلام هي مدرسة مثالية في التربية والعفة والإحسان ومكارم الأخلاق ..
فيوسف عليه السلام من خصاله الحميدة لما فعل به إخوته ما فعلوا من مؤامرة وإقصاء بدافع الحسد كان رده لما وردوه ردا
تتجلى فيه حُسن التربية الإلهية له فقال ( لا تثريب عليكم اليوم
يغفرالله لكم وهو أرحم الراحمين ) ..
ولما حُبس عند القوم الكافرين في سبع سنين يُعاني ضيم الغربة
ومرارة الظلم ما فعله لما خرج وزيرا إلا الإحسان وحسن الرأي
والإدارة في الأزمة الاقتصادية لقوم كافرين ..
كانت المخيلة لأي إنسان يرى المشهد اليوسفي يتوقع أن ينتقم يوسف عليه السلام مما أصابه قصاصا مما فُعل به .. ولكن
ضُربت قانون المخيلة بروعة أخلاق يوسف عليه السلام فكانت
بدايته مشرقة ونهايته مشرقة ( رب توفني مسلما وألحقني بالصالحين ) ..
وهذه قمة الطهارة النفسية لدى الأنبياء عليهم السلام .. وعلى
الورثة الاقتداء ..
( ما فعلت بجارك يا أبا حمــــزة )
جاء في السير للذهبي عن محمد بن علي أنه قال :
أراد جار لأبي حمزة السكري أن يبيع داره .. فقيل له : بكم ؟
قال : بألفين ثمن الدار وبألفين جوار أبي حمزة .. فبلغ ذلك أبا
حمزة فوجّه إليه بأربعة آلاف .. وقال : لا تبع دارك . أ.هـ
أرأيت كيف ارتفع سهم البيت لارتفاع سهم جاره في قلبه ؟!
وما ذاك إلا لكنز الأخلاق الذي تمتع به ( السُكري ) رحمه الله تعالى ورضي عنه ..
( الأخلاق الخشنــــة والأخلاق اللينــــة )
جاء في ترجمة ( أحمد بن علي الحمامي ) في المنتظم لابن الجوزي أنه قال :
وكان بارعا في الفقه وأصوله شديد الذكاء والفطنة فنقم عليه أصحابنا أشياء ولم تحتملها أخلاقهم الخشنة فانتقل وتفقه على الشاشي والغزالي ووجد أصحاب الشافعي على أوفى ما يُريده من
الإكرام ثم ترقى وجعلوه مدرسا في النظامية . أ.هـ
وكثير من الأحيان تكون الأخلاق الخشنة التي في غير موضعها مسمارا يوخز به جلود العالمين وقلوبهم لأن القلوب ميّالة بطبعها
للسهل الليّن القريب ..
( بخُلقه أســـــــر الألباب )
في الذيل على طبقات الحنابلة في ترجمة ( ابراهيم بن عبدالواحد
المقدسي ) عن الضياء قال :
كان رحمه الله يتألف الناس ويلطف بالغرباء والمساكين حتى صار
من تلاميذه جماعة من الأكراد والعرب والعجم وكان يتفقدهم ويسأل عنهم وعن حالهم ولقد صحبه جماعة من أنواع المذاهب
فرجعوا عن مذاهبهم لما شاهدوا منه .أ.هـ
فبُحسن الأخلاق الباطنة والظاهرة تقوم الأمم وتُبنى الحضارات وتزكوا النفوس ..
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )
فيا أهل الإيمان على تقوى الله ربّوا نفوسكم وكونوا مع الله تعالى
صادقين ومع خلقه كذلك ولا يكون إلا بالصدق مع النفس التي
هي الخطوة الأولى لبناء الأخلاق الخالدة ..
والحمدلله رب العالمين ..
تعليق