اعتماد الإنسان المؤمن على ربه في أموره كلها، ويقينه الكامل وثقته التامَّة بوعد الله ووعيده، واطمئنانه بما عند الله، فلا يسكن لغيره ولو امتلك غيره الكثير، وعدم اعتماده على نفسه وتدبيرها وما يقوم به من أعمال، فمن أفواه من أحسن الظن نستخرج الدروس والعبر، ونستلهم الحكمة مما حقَّقوه في حياتهم، واستمتعوا بممارسته وتطبيقه.
- يقول أحد السلف: "حسن الظن بالله: ألا ترجو إلا الله، ولا تخاف إلا ذنبك"، ويقول آخر: "والذي لا إله إلا هو؛ ما أُعطي قوم قط خير الدنيا والآخرة إلا بحسن الظن له"، وكما قيل: "رأس العبادة حسن الظن بالله".
- وهذا موقف عملي: جاء رجل إلى عمر بن عبد العزيز فقال: إن فلانًا قال كذا وكذا (وشايةً به)، فقال له عمر: إن كنت صادقًا واعتذر عذرناه، وإن كنت كاذبًا عاقبناك، وإن شئت عفونا عنك، فقال: بل العفو.
- وتأمَّل هذين المشهدين: قول زيد بن حارثة للنبي صلى الله عليه وسلم في حادثة الإفك: "أهلك يا رسول الله وما علمنا عليهم إلا خيرًا"، وقول زينب بنت جحش: "أحفظ سمعي ولساني، والله لا أقول إلا خيرًا".
وأخيرًا.. قاعدة عمر بن الخطاب: "لا تظنَّ بأخيك سوءًا بكلمة قالها ما دمت تجد لها في الخير محملاً".
ثمار حسن الظن
1- خلاصة ثمار حسن الظن:
إذا أردت وقايةً من الوقوع في الإثم المصاحب لسوء الظن، وإذا أردت علاجًا لسوء الظن إذا وقع بك, وإذا أردت أن تتحقَّق من حسن الظن في نفسك، وإذا أردت أن تتعايش مع الآخرين بحسن الظن، فابدأ من الآن بقطع كل صلةٍ لك بمواطن وأماكن ومجتمع سوء الظن، وابدأ من الآن من التأكد أن سلوكك مع ربك ونفسك والناس هو "حسن الظن".
2- علامات نضج ثمار حسن الظن:
اسأل نفسك هذه الأسئلة، فإن كانت الإجابة (نعم)، فقد ظهرت علامات حسن الظن عليك، وبالتالي أصبحت مؤهَّلاً إلى الخطوة الثانية، ومن أعماق قلبك أجب:
- هل أنت مطمئن تمامًا إلى نيتك؟
- هل أنت واثق بحسن نيتك؟
- هل تغلِّب جانب الصدق في قولك؟
- هل تغلِّب جانب الخير في تصرفك؟
- هل أنت قادرٌ على التماس الأعذار للآخرين؟
- هل تحرص على إلحاق النفع بالآخرين؟
- هل إذا عجزت عن نفع الآخر لا تضره؟
- هل تحرص على إسعاد الآخرين؟
- هل إذا عجزت عن إسعاد الآخرين لا تحزنهم؟
- هل تحرص على مدح الآخرين؟
- هل إذا عجزت عن مدح الآخر لا تذمه؟
حاول الإجابة مسترشدًا بما قيل في هذه الحكم:
إذا رأيتم المؤمن صموتًا فقد سلك مسالك الحكمة، إن لم تنفعه فلا تضرَّه، وإن لم تُفرحه فلا تغمَّه، وإن لم تمدحه فلا تذمَّه، وقد جمعت هذه الآية تلك العلامات في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)﴾ (الأحزاب).
أفكار ذكية
سبع أفكار ذكية لتحقيق حسن الظن:
1- حسن العمل: يقول صلى الله عليه وسلم: "لا يموتنَّ أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه"، ويقول الحسن البصري: إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل، وإن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل.
2- التدريب على حسن الظن: ونعني بالتدريب تعلُّم حسن الظن، وهذا ما كان يلقِّنه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه؛ حتى يمتلكوا المعرفة السليمة.
3- التماس الأعذار: يقول أحد السلف: إني لألتمس لأخي في المعاذير من عذر إلى سبعين، ثم أقول: لعل له عذرًا لا أعرفه، فماذا يعني سوء الظن بالمجتمع إلا القطيعة والخلل والفوضى؟!
4- التخلُّق بحسن الظنِّ: الذي يترسَّخ حينما يسأل كل منا نفسه: لماذا نزكِّي أنفسنا ونتهم غيرنا؟! والله تعالى يقول: ﴿فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى﴾ (النجم: من الآية 32).
5- حاول أن يكتمل إيمانك: لا يكتمل إيمان الإنسان إلا بأمرين: حسن الظن بالناس وحسن الظن بالله؛ فالاثنان يكمل بعضهما الآخر، ولا يتحقَّق أحدهما إلا بالآخر، وبهما معًا يكتمل إيمان المرء.
تأنَّ ولا تعجل بلومك صاحبًا لعلَّ له عذرًا وأنت تلوم
فمن أخطر ما يأكل الإيمان اتهام النيات، والحكم على السرائر، وإنما علمها عند الله.
6- عليك بجميل الظن: يقول الشاعر:
وإني لأرجو الله حتى كأنني أرى بجميل الظن ما الله صانع
وجميل الظن هو ما يقوم على سلوكات أربعة:- يتوقع الخير لكل الناس.
- ويتفاءل بوقوع الخير لكل الناس.
- ويوسع الأمور ولا يضيقها.
- ويبقي باب الأمل دائمًا مفتوحًا.
7- لا يفُتْك وقت: حسن الظن بالله وبالناس واجب في كل الأوقات:
في حال الضرر والنفع، فالنافع والضار هو الله..
وفي حال النجاح والفوز والنصر، فالنصر من عند الله..
وفي حال السعة والضيق، فالعاطي والمانع هو الله، ففي الحديث القدسي فيما رواه مسلم في صحيحه: "أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني".
تعليق