موقفنا كسلفيين في قضية البرلمانات
قد تكلم علماء عصرنا في هذه القضية
و اذكر نفسي واياكم ببعض النقاط الهامة التي ذكرها
الدكتور محمد بن اسماعيل حفظه الله تعالى
في محاضرة القاها في الإنتخابات الماضية
مع اختصار وتصرف يسير
أولا
الإسلام دين ودولة
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال
: (تنقض عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضاً الحكم، وآخرهن الصلاة)
، والشاهد من هذا الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فأولهن نقضاً الحكم)
وفي هذا دليل على أن الإسلام دين ودولة،
وأن الاشتغال بالسياسة بالمفهوم الإسلامي هو من صميم هذا الدين،
وها هو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، قد جمع بين مهمة الدعوة والبشارة والنذارة، وبين ممارسة واجبات الحاكم والسيادة، فقد كان هادياً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً صلى الله عليه وسلم، وفي نفس الوقت كان حاكماً وقائداً وليس مجرد مرشد أو مبلغ كما يدعي البعض, بل كان حاكماً كما قال له الله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، وقال له عز وجل: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ [المائدة:49] إلى آخر الآية،
ثانيا
العلاقة بين الإسلام والديموقراطية
الديمقراطية تعني حكم الشعب نفسه بنفسه،
يعني: أن يكون الشعب هو مصدر السلطات,
والإسلام يرفض الديمقراطية تماماً باعتبارها لا تتوافق مع عقيدتنا ولا مع ثقافتنا الإسلامية لأسباب كثيرة سوف نفصلها إن شاء الله تعالى فيما بعد,
لكن أهم الفروق التي بين النظامين:
أن الدعاة إلى الإسلام يقولون: خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم,
ويقولون: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19], وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85]
ويقولون: إن الإسلام هو محور الحياة وهو منهج الحياة
, امتثالاً لقوله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]،
أما دعاة الديمقراطية الغربية فهم يقولون: خير الهدي هدي الغرب!
إذاً: يوجد افتراق عقائدي من المنبع ومن الأصل, نحن عقيدتنا أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم,
أما هم فيقولون: خير الهدي هدي الغرب, وهو النموذج الأمثل الذي ينبغي أن نتبعه، وهو المخرج،
بخلاف شعارنا أن الإسلام هو منهج الحياة, والعبارة التي تشيع الآن وهي (الإسلام هو الحل) هي عبارة صحيحة،
لكنها عبارة قاصرة, الإسلام فعلاً هو الحل وهو المخرج كما قال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [الأعراف:96]، لكن هي عبارة قاصرة؛ لأن الإسلام لا ينظر إليه على أنه مجرد حل,
بل هو بالنسبة إلينا منهج متكامل للحياة، حتى لو كلفنا الغالي والنفيس, ولو كلفنا دماءنا وأموالنا وأرواحنا فإننا نبذل ذلك طواعية في سبيل إعداده
ثالثا
نظرة التيارات الإسلامية في دخول البرلمانات
مشاركة الدعوة الإسلامية في البرلمانات أو الاندماج عموماً في العمل السياسي
فيها أقوال كثيرة,
فمن قائل: إنها وسيلة دعوية فعالة يمكن تطويعها لخدمة الإسلام، ومن خلالها يمكن التصدي للمنافقين وأعداء الإسلام؛ لإزاحتهم عن الصدارة ليتولى الأمور من هم أحق بها وأهلها,
ومن قائل في الطرف الآخر: إن هذا الاندماج في العمل السياسي أو في البرلمانات وتعليق الآمال على مثل هذه الأساليب هو نوع من السراب، ويؤيدون قولهم بأن التجربة طويلة حتى الآن, ومع ذلك ما أتت بفوائد كما يطمح إلى تحقيقها من خلال هذا النوع من النشاط.
ومعرفة الراجح من هذا الخلاف مهم جداً؛ لأن الخلاف في مسألة واحدة ويقول فيها فريق: إنها واجبة، والآخر يقول: إنها حرام،
؛ فهذا النوع من الخلاف مما تتنزه عنه الشريعة,
لكن باختصار شديد نقول: إن الأقرب -والله تعالى أعلم- أن دخول البرلمان الأصل فيه الحظر،
والدخول فيه نوع من الرخصة بشروط,
والأصل الحظر للمحاذير الشرعية الكثيرة في الدخول في مثل هذه المجالس،
لكن أقصى ما يمكن أن يقال: إن دخولها رخصة مشروطة بشروط ،
لكن نقول: إن قضية الترشيح لدخول البرلمانات لأجل التمكين للدعوة الإسلامية اختلف فيها العلماء المعاصرون،
والتيار السلفي في الأعم الأغلب من حيث المبدأ يرفض الخوض فيها بإيجابية، وهذا الموقف في حد ذاته ناشئ عن اعتبارات,
فالذي يتحصل باستقراء مواقف علماء السلفيين عموماً في هذه القضية هو رفض الدخول كدعوة،
لكن ممكن السكوت عن مشاركة أفراد وآحاد من الناس،
فنحن مع ترجيح القول بتجنب المشاركة في هذه البرلمانات
لكننا لا نضلل المخالف,
وفي مثل هذه القضية لا يضلل المخالف؛ لأن سلوكه وموقفه ناشئ عن اجتهاد فقهي ونظر مصلحي, وينبغي أن تتسع صدورنا لاستيعاب أدلته وفهم وجهة نظره,
فالمخالف لا يدخل وهو يقول: إنني أعطي حق التشريع للشعب ليحل أو يحرم,
لكنه يقول: أنا أدخل؛ لأن نص الدستور أن الدين الرسمي للدولة هو دين الإسلام، وبالتالي ينبغي أن نلزم هؤلاء الناس بالالتزام بهذه المادة وتطبيقها، ونطالبهم بأن يغيروا كل شيء إلى ما يوافق هذا النص،
حتى لا يصبح مجرد نص صوري شكلي لا أثر له في الناحية الواقعية.
وللأدلة التي يذكرها من يحرمون الدخول في البرلمان أجوبة عنها للفريق الآخر ،
لكن من أهم الاعتبارات الموجودة عند أغلب السلفيين لرفض الدخول في مثل هذه الأنشطة,
هو الجانب الاعتقادي،
فأخطر ما في الموضوع هو أن الشعب يكون مصدر السلطات, فعند المسلمين أن الله سبحانه وتعالى هو الحاكم وهو مصدر السلطات، قال الله: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ [يوسف:40],
فهذا المجلس التشريعي قائم على الديمقراطية,
وقائم على إعطاء حق التشريع لهؤلاء البشر. أمر ثان وهو: أن السياسة تعتبر لعبة، وليست لعبة بمعنى تهريج,
لكن لعبة بالدين،
لها قواعد وقوانين تحكمها, فالسياسة تقوم على المصالح ولا تعرف المبادئ,
تعرف القاعدة المكيافلية: الغاية تسوغ الوسيلة,
وما أكثر الأساليب الحزبية والسياسية المعروفة, والواقع في عامة البلاد الإسلامية أن دخول هذه الحلبة والمشاركة في هذه اللعبة يستلزم دفع ضريبة
, والسلفية بالذات إذا دفعت هذه الضريبة فسوف تفقد أهم مقوماتها وأهم أسباب وزنها وثقلها واستقامتها على الشرع الشريف, وهذه الضريبة ثمنها فادح,
وسوف نوضح هذا إن شاء الله تعالى فيما بعد, ونوضح أن السلفيين لا يستطيعون أن يدفعوا هذه الضريبة. .....
رابعا
يميز الدعوة السلفية في الفكر والمنهج
الدعوة عند السلفيين ليست نشاطاً عقيماً،
بل الرصيد الحقيقي للدعوة
هم أبناؤها المنتمون إليها،
فكل واحد منهم يشكل لبنة, ويحمل عقيدة محددة،
عندما تقول: أنا سلفي, فسلفي تساوي أنه يعتقد في الأسماء والصفات كذا, وفي القدر كذا, وموقفه في القضية الفلانية كذا, وموقفه من الفرق الضالة كذا.. إلى آخره،
فتوجد قضايا محددة لا يمكن أن يختلف فيها سلفيان أبداً، التوحيد .. المنهج .. السلوك .. الاتباع وليس الابتداع .. رفض المظاهر الشركية ونحو ذلك,
فالسلفية كلمة نوعية وراءها ما يدل على أن هذه اللبنات هي التي سوف يحترق قلبها على دعوة الإسلام,
أما الاتجاه الثاني فليجربوا أكثر وأكثر، فنحن موقفنا مبني على أن الدعوة ليست عقيمة, بل هي دعوة مثمرة، وبركاتها -ولله الحمد- محسوسة وملموسة، فبالتالي رضينا بهذا الطريق، ونحن -والحمد لله- ماضون فيه، ونسأل الله أن يوفق الجميع.
خامسا
الراجح في حكم المشاركة في البرلمانات
نحن نرجح القول بتجنب المشاركة في البرلمانات في الوضع الحالي،
إلا أننا لا نضلل المخالف؛
لأن سلوكه ناشئ عن اجتهاد وعن نظر مصلحي،
وبالتالي فموقفنا هو التجنب, والتجنب هذا ليس سلبياً؛ لأنه مبني على أدلة شرعية، ومبني على ربط المسألة بالعقيدة،
وبإمكانية النفع الذي يأتي من جراء هذه المسالك،
لكن مع ذلك لو ذهب إنسان ينتخب الإخوان المسلمين فإننا لا نزجره؛ احتراماً للخلاف الفقهي في هذه المسألة،
لاسيما إذا كان المرشح أمامه معادياً للإسلام أو من هؤلاء القوم الذين يستعينون بأمريكا التي تسن لنا السكين,
فنرجو أن الإخوان عندما يدخلون في هذه المجالس أن يتصدوا في يوم من الأيام للمطامع المتوقعة المطالب بها فيما بعد,
فقد يكون من وراء هذه المجالس خير، وهذا سوف يسرنا ولا يزعجنا, فدعهم يحاولون الإصلاح من هذه المجالس، ونحن لا نضلل المخالف لنا في هذه المسألة؛ لأنه يوجد فيها خلاف فقهي بين العلماء، فالشيخ أحمد شاكر ممن أيدوا دخول البرلمانات, وكذا الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين وكذا الشيخ الألباني على مضض.
على أي الأحوال نقول: هل سيحصل تغيير في الفترات الآتية؟ ا
لعملية ما زالت في المطبخ، والوجبة سنتناولها لمدة خمس سنوات, وهذه المدة -خمس سنوات- كافية لتقويم هذه التجربة والحكم عليها، ونرجو أن يكون تطور المسألة في صالح الإسلام وفي صالح المسلمين.
والذي نطلبه من إخواننا الإخوان المسلمين أن يطبقوا علينا القاعدة التي يحترمونها، وهي: ليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه،
فنحن مختلفون معكم في هذه المسألة, فلماذا التشنج والتهارج الذي يحصل بين الشباب أحياناً بسبب الاختلاف في هذه المسألة؟
هذه القاعدة أنتم طبقتموها مع الشيعة، وطبقتموها مع النصارى, وطبقتموها مع العلمانيين, وطبقتموها مع حزب الوفد, وطبقتموها مع كل الناس, فنحن أولى الناس بها، فليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه.
على أي الأحوال ينبغي أن تكون العلاقة بين جماعات الدعوة هي علاقة التكامل، ووظائف الدعوة الإسلامية كانت تقوم بها إمبراطورية عظيمة، لها وظائف وولايات كثيرة جداً من الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وكفالة اليتامى، وجمع الزكاة وتوزيعها، والجهاد والدفاع عن البلاد الإسلامية، فهذه الوظائف العظمى كانت تقوم بها دولة الخلافة، ثم لم يبق لهذا الكيان السياسي وجود, والجماعات الإسلامية الآن تحاول كل منها أن تقف على ثغرة, وهذه الواجبات الشرعية لا توجد أي جماعة عندها إمكانات لتقوم بكل شيء.
سادسا
فضل المنهج السلفي وآثاره على الأمة
من أعظم وظائف الدولة الإسلامية وظيفة حراسة الدين, ثم سياسة الدنيا بالدين, وحراسة الدين تكون بأساليب كثيرة جداً, والتيار الوحيد الذي يستحق بكل جدارة أن يؤتمن على حراسة الدين وحراسة الشريعة
هو التيار السلفي,
ولا أقول ذلك تعصباً،
ولكن إقراراً بالوضع القائم، وليس ذلك بطلبة العلم من أمثالنا،
ولكن بعلمائنا الجبال الكبار الذين ما زال تراثهم يهدينا ويرشدنا وينفعنا, من علمائنا الأحياء أو الأموات رحمهم الله تعالى, فالتيار السلفي هو الوحيد المؤهل لأن يقوم بوظيفة حراسة الدين، وصيانة الشريعة من التحريف, وتنقيتها من البدع والشركيات، وحماية وبعث التراث الإسلامي, والدفاع عن العقيدة السلفية, وتصحيح عقائد الناس, واتباع الدليل في القضايا الفقهية، ونبذ التقليد والتعصب المذهبي, ونشر العلم الشرعي, وإقامة الحجة على خلق الله, وصيانة المفاهيم الإسلامية من أي تحريف تحت ضغط العولمة أو تحت ضغط الأمر الواقع،
ولا يوجد أي تيار من التيارات الإسلامية على مستوى العالم مؤهل لأن يقوم بهذه المهمة سوى التيار السلفي،
فالوظيفة الأساسية للدعوة السلفية هي حراسة الدين,
وصيانة المفاهيم من أن تتزلزل في عصر زلزلة الثوابت, نحن الآن في فتن يصبح فيها الرجل مؤمناً ويمسي كافراً, زمن تضطرب فيه المفاهيم, والأمور التي كانت غير قابلة للنقاش أصبحت قابلة للنقاش بسبب كثرة الإلحاح عليها وتكرارها من الفضائيات من جهة، ومن التبشير النصراني من جهة، ومن الشيعة من جهة، ومن الصوفية من جهة، ومن العلمانيين من جهة، ومن أعداء الإسلام في الغرب من جهة، فالسهام تتكالب علينا من كل جانب، فأصبحت مهمة صيانة المفاهيم من التغيير من أعظم المهمات؛ ليبقى الإسلام محفوظاً, وهو محفوظ شئنا أم أبينا؛ لأن الله تكفل بحفظه فقال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]،
لكن حفظه له أسباب، ومنها الاجتهاد في حراسة الدين ومفاهيمه من أي تغير. ولا يليق بالدعوة السلفية في الأوضاع الحالية أن تلبس ثوب الدخول في الاتجاه البرلماني؛ لأن هذا الدخول لا بد فيه من ضريبة الدفع, فلا بد أن تقول في قضايا المرأة كذا, وفي القضايا الطائفية تقول كذا, وقضايا الولاء والبراء تلغيها تماماً من القاموس, وقضية التوحيد والشرك والبدع،
فلابد من عملية تقليم أظافر حتى يسمح لك بالدخول في حلبة اللعبة السياسية، فاللعبة السياسية لها ثمن,
والدعوة السلفية بالذات لا يصلح أن تدفع هذا الثمن,
ويوم أن يكون هناك ضمانات أنها لن تدفع هذا الثمن فهذه قضية أخرى, لكن الواقع الأليم يشهد بالتنازلات التي تتم من رموز كبيرة جداً على مستوى العالم, وللأسف الشديد نسمع تصريحات تدع الحليم حيراناً من شدة شذوذها عن كلام أهل العلم، بل عن مسائل الإجماع,
فلا يستطيع أن يتأهل لهذه الوظيفة -وهي حراسة الدين وصيانته من البدع ومن الشركيات ومن الانحرافات ليصل للأجيال المقبلة نقياً من هذه الانحرافات- سوى التيار السلفي على مستوى العالم كله.
وقد ترجم البخاري في صحيحه باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة؟
فقد تغيب الجماعة بمعناها السياسي،
لكن لا يمكن أن تغيب بمعناها العلمي؛ وذلك لأن الرسول عليه السلام ضمن لنا بقاءها فقال:
(لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خالفهم أو من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك) أو كما قال صلى الله عليه وسلم،
فالجماعة بمعنى إقامة الحجة على الناس وحفظ الدين والكيان العلمي الذي يوضح منهج الحق منهج أهل السنة والجماعة؛ لا تغيب أبداً, ولا يمكن أن تزول عن الأرض بالكلية, وقد تتخلف الجماعة بالمفهوم السياسي كما هو وضعنا الآن, لكن لا تتخلف بالمعنى العلمي بسبب
التراث السلفي,
وبسبب جهود علماء السلفيين في خلال القرون كلها من بداية الصدر الأول إلى يومنا هذا,
فهم الذين يحفظون ويحرسون هذا الدين من التحريف، ويحفظون حجة الله قائمة على خلقه,
فلا يعني أننا نعجز عن إقامة الحكم أن نترك العمل، فالوظائف الأساسية موجودة، والهدف ليس هو إقامة الحكم فقط, فهذه جزئية من الجزئيات,
لكن الهدف هو تعبيد الناس لربهم,
فالله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد, ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فالهدف هو تعبيد الناس لربهم ما أمكن, فأنت تبذل كل ما تستطيع في الدعوة فعلي أن أسعى وليس علي إدراك النجاح.......
سابعا
اللعبة السياسية تتصادم مع المنهج السلفي
اللعبة السياسية فيها تحريف للمفاهيم المجمع عليها،
حتى التي هي حد فاصل بين الإيمان والكفر، وبين السنة والبدعة، فهذه الأمور غير قابلة للمساومة أبداً حتى تبقى حجة الله قائمة على الخلق نقية ناصعة،
ولا يحصل فيها هذا الامتزاج الذي يكون ثمناً وضريبة تدفع من أجل الدخول في اللعبة السياسية؛
ولهذا فإن السلفيين أشد الناس نفوراً من اللعبة السياسية؛
لأن وظيفتهم الأساسية حراسة الدين،
وهم أحق الناس بالقيام بهذه الوظيفة، بل هم الوحيدون المؤهلون لأدائها على خير وجه.
والخطاب السياسي في اللعبة السياسية يحتاج دائماً إلى التقية؛ لأنه يريد أن يصل إلى هدف، والغاية تسوغ الوسيلة, لكن لابد أن تكون الوسيلة مشروعة والغاية مشروعة، أما هذه القاعدة المكيافلية فلا تليق بنا, فكيف أجعل الهدف هو المقعد في المجلس، والوسيلة أن أتنازل عن عقيدتي؟ كيف نرضى بالشر ونقول: يمكن أن يكون الحاكم زنديقاً أو ملحداً أو نصرانياً؟ كيف نبيح حرية الإلحاد وحرية الرأي وحرية الفكر المخالف للشرع؟ كيف لا ننكر الكتب الإلحادية؟ لماذا نضحي بعقيدتنا ومنهجنا ومحور حياتنا في سبيل مقعد؟! إذاً: لا داعي للدخول في البرلمان في هذه الحالة؛ لأن شروط الرخصة لم تتوافر، والتنازل يتجاوز الخطوط الحمراء، وبالتالي فهذا خلط وتمييع للدين
يقول الله سبحانه وتعالى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ [المائدة:49]، ثم انظر ماذا بعدها: وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ [المائدة:49]. فالتنازل عن أي قضية من حقائق الدين أو تلبيسها بما يخالف مفاهيم الدين جريمة كبرى وانحراف خطير يمس بأصل الدين .
و أخيرا
سراب الديمقراطية
خلاصة ما نستطيع أن نقوله فيما يتعلق بهذه القضية:
نحن لا نعقد كثيراً من الأمل -في ضوء الأدلة الشرعية وفي ضوء تجارب الواقع في مصر أو في خارجها- على أن الديمقراطية تنفع الدعوة،
بل هي سراب,
والرصيد الحقيقي للدعوة هو أبناؤها الذين يعيشون لها ويعيشون بها ويحيون من أجلها,
هذا هو الرصيد الحقيقي للدعوة الذي تنعقد عليهم الآمال,
أما أن المخالفين بمنتهى البساطة سوف يفسحون لنا الطريق ويقولون: تعالوا اقعدوا مكاننا، واحكموا بالشرع الشريف, فهذا نوع من السراب،
وبعض الباحثين ألف كتاباً أسماه: سراب الديمقراطية، فهي سراب في الحقيقة، لكن مع ذلك نحن نقر بأن هناك اختلافاًً بين العلماء المعاصرين مناطه مدى ما يتحقق من مصالح أو يدفع من مفاسد بهذه المشاركة، لكن معظم علماء السلفيين يرفضون الدخول في هذه الأشياء، ويتجنبونها بناء على الاعتبارات التي ذكرنا، وأهمها الخطر الاعتقادي، ثم الدخول في حلبة السياسة التي لها ضريبة قد تدفعها بعض الاتجاهات،
لكن الاتجاه السلفي بالذات لا يستطيع أن يترخص في دفع هذه الضريبة, وإذا زالت هذه الضريبة فقد يختلف الكلام, لكن مع وجود هذه الضريبة فلا تقبل ذلك الدعوة السلفية، وليس من حقها؛ لأنها مؤتمنة على الحفاظ على جوهر الدين نقياً،
وهذا في حد ذاته من المكاسب التي لا تقدر بثمن، ولا توازيها على الإطلاق المكاسب المتوهمة من جراء هذا الأمر،
فنحن نؤكد أننا على هذا الموقف, إلا أننا لا نضلل المخالف؛ مراعاة للخلاف الفقهي فيها، واعتباراً بأن سلوكه ناشئ عن اجتهاد وعن نظر مصلحي, وفي نفس الوقت نقول: لعل وعسى، ولن نقول كما قال الشاعر: يقلقني الوجد فآتيكم والقلب مملوء من اليأس لكن قد يكون هناك بصيص أمل،
ونرجو لهم إذا نجحوا أن يحدثوا تغييراً،
وإن كانوا مخطئين في ذلك فنسأل الله أن يعفو عن خطئهم،
والعملية الآن تتم داخل المطبخ، والمطبخ مقفول بقوة، فننتظر خروج الوجبة التي سنأكلها لمدة خمس سنوات.
سوف تدري إذا انجلى الغبار أفرس تحت رجلك أم حمار فإذا انجلى غبار هذه المباراة, فعندنا خمس سنوات تكفينا لنقوم التجربة،
ونرى العاقبة، فنرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفق المسلمين إلى ما يحب ويرضاه، وأن يعز هذا الدين، وأن يمكن له في الأرض، وأن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا. سبحانك اللهم ربنا وبحمدك, أشهد أن لا إله إلا أنت, أستغفرك وأتوب إليك. ......
وها قد مرت الخمس سنوات
و انجلى الغبار فماذا ترون الآن
و اذكر نفسي واياكم ببعض النقاط الهامة التي ذكرها
الدكتور محمد بن اسماعيل حفظه الله تعالى
في محاضرة القاها في الإنتخابات الماضية
مع اختصار وتصرف يسير
أولا
الإسلام دين ودولة
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال
: (تنقض عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضاً الحكم، وآخرهن الصلاة)
، والشاهد من هذا الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فأولهن نقضاً الحكم)
وفي هذا دليل على أن الإسلام دين ودولة،
وأن الاشتغال بالسياسة بالمفهوم الإسلامي هو من صميم هذا الدين،
وها هو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، قد جمع بين مهمة الدعوة والبشارة والنذارة، وبين ممارسة واجبات الحاكم والسيادة، فقد كان هادياً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً صلى الله عليه وسلم، وفي نفس الوقت كان حاكماً وقائداً وليس مجرد مرشد أو مبلغ كما يدعي البعض, بل كان حاكماً كما قال له الله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]، وقال له عز وجل: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ [المائدة:49] إلى آخر الآية،
ثانيا
العلاقة بين الإسلام والديموقراطية
الديمقراطية تعني حكم الشعب نفسه بنفسه،
يعني: أن يكون الشعب هو مصدر السلطات,
والإسلام يرفض الديمقراطية تماماً باعتبارها لا تتوافق مع عقيدتنا ولا مع ثقافتنا الإسلامية لأسباب كثيرة سوف نفصلها إن شاء الله تعالى فيما بعد,
لكن أهم الفروق التي بين النظامين:
أن الدعاة إلى الإسلام يقولون: خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم,
ويقولون: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19], وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85]
ويقولون: إن الإسلام هو محور الحياة وهو منهج الحياة
, امتثالاً لقوله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]،
أما دعاة الديمقراطية الغربية فهم يقولون: خير الهدي هدي الغرب!
إذاً: يوجد افتراق عقائدي من المنبع ومن الأصل, نحن عقيدتنا أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم,
أما هم فيقولون: خير الهدي هدي الغرب, وهو النموذج الأمثل الذي ينبغي أن نتبعه، وهو المخرج،
بخلاف شعارنا أن الإسلام هو منهج الحياة, والعبارة التي تشيع الآن وهي (الإسلام هو الحل) هي عبارة صحيحة،
لكنها عبارة قاصرة, الإسلام فعلاً هو الحل وهو المخرج كما قال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [الأعراف:96]، لكن هي عبارة قاصرة؛ لأن الإسلام لا ينظر إليه على أنه مجرد حل,
بل هو بالنسبة إلينا منهج متكامل للحياة، حتى لو كلفنا الغالي والنفيس, ولو كلفنا دماءنا وأموالنا وأرواحنا فإننا نبذل ذلك طواعية في سبيل إعداده
ثالثا
نظرة التيارات الإسلامية في دخول البرلمانات
مشاركة الدعوة الإسلامية في البرلمانات أو الاندماج عموماً في العمل السياسي
فيها أقوال كثيرة,
فمن قائل: إنها وسيلة دعوية فعالة يمكن تطويعها لخدمة الإسلام، ومن خلالها يمكن التصدي للمنافقين وأعداء الإسلام؛ لإزاحتهم عن الصدارة ليتولى الأمور من هم أحق بها وأهلها,
ومن قائل في الطرف الآخر: إن هذا الاندماج في العمل السياسي أو في البرلمانات وتعليق الآمال على مثل هذه الأساليب هو نوع من السراب، ويؤيدون قولهم بأن التجربة طويلة حتى الآن, ومع ذلك ما أتت بفوائد كما يطمح إلى تحقيقها من خلال هذا النوع من النشاط.
ومعرفة الراجح من هذا الخلاف مهم جداً؛ لأن الخلاف في مسألة واحدة ويقول فيها فريق: إنها واجبة، والآخر يقول: إنها حرام،
؛ فهذا النوع من الخلاف مما تتنزه عنه الشريعة,
لكن باختصار شديد نقول: إن الأقرب -والله تعالى أعلم- أن دخول البرلمان الأصل فيه الحظر،
والدخول فيه نوع من الرخصة بشروط,
والأصل الحظر للمحاذير الشرعية الكثيرة في الدخول في مثل هذه المجالس،
لكن أقصى ما يمكن أن يقال: إن دخولها رخصة مشروطة بشروط ،
لكن نقول: إن قضية الترشيح لدخول البرلمانات لأجل التمكين للدعوة الإسلامية اختلف فيها العلماء المعاصرون،
والتيار السلفي في الأعم الأغلب من حيث المبدأ يرفض الخوض فيها بإيجابية، وهذا الموقف في حد ذاته ناشئ عن اعتبارات,
فالذي يتحصل باستقراء مواقف علماء السلفيين عموماً في هذه القضية هو رفض الدخول كدعوة،
لكن ممكن السكوت عن مشاركة أفراد وآحاد من الناس،
فنحن مع ترجيح القول بتجنب المشاركة في هذه البرلمانات
لكننا لا نضلل المخالف,
وفي مثل هذه القضية لا يضلل المخالف؛ لأن سلوكه وموقفه ناشئ عن اجتهاد فقهي ونظر مصلحي, وينبغي أن تتسع صدورنا لاستيعاب أدلته وفهم وجهة نظره,
فالمخالف لا يدخل وهو يقول: إنني أعطي حق التشريع للشعب ليحل أو يحرم,
لكنه يقول: أنا أدخل؛ لأن نص الدستور أن الدين الرسمي للدولة هو دين الإسلام، وبالتالي ينبغي أن نلزم هؤلاء الناس بالالتزام بهذه المادة وتطبيقها، ونطالبهم بأن يغيروا كل شيء إلى ما يوافق هذا النص،
حتى لا يصبح مجرد نص صوري شكلي لا أثر له في الناحية الواقعية.
وللأدلة التي يذكرها من يحرمون الدخول في البرلمان أجوبة عنها للفريق الآخر ،
لكن من أهم الاعتبارات الموجودة عند أغلب السلفيين لرفض الدخول في مثل هذه الأنشطة,
هو الجانب الاعتقادي،
فأخطر ما في الموضوع هو أن الشعب يكون مصدر السلطات, فعند المسلمين أن الله سبحانه وتعالى هو الحاكم وهو مصدر السلطات، قال الله: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ [يوسف:40],
فهذا المجلس التشريعي قائم على الديمقراطية,
وقائم على إعطاء حق التشريع لهؤلاء البشر. أمر ثان وهو: أن السياسة تعتبر لعبة، وليست لعبة بمعنى تهريج,
لكن لعبة بالدين،
لها قواعد وقوانين تحكمها, فالسياسة تقوم على المصالح ولا تعرف المبادئ,
تعرف القاعدة المكيافلية: الغاية تسوغ الوسيلة,
وما أكثر الأساليب الحزبية والسياسية المعروفة, والواقع في عامة البلاد الإسلامية أن دخول هذه الحلبة والمشاركة في هذه اللعبة يستلزم دفع ضريبة
, والسلفية بالذات إذا دفعت هذه الضريبة فسوف تفقد أهم مقوماتها وأهم أسباب وزنها وثقلها واستقامتها على الشرع الشريف, وهذه الضريبة ثمنها فادح,
وسوف نوضح هذا إن شاء الله تعالى فيما بعد, ونوضح أن السلفيين لا يستطيعون أن يدفعوا هذه الضريبة. .....
رابعا
يميز الدعوة السلفية في الفكر والمنهج
الدعوة عند السلفيين ليست نشاطاً عقيماً،
بل الرصيد الحقيقي للدعوة
هم أبناؤها المنتمون إليها،
فكل واحد منهم يشكل لبنة, ويحمل عقيدة محددة،
عندما تقول: أنا سلفي, فسلفي تساوي أنه يعتقد في الأسماء والصفات كذا, وفي القدر كذا, وموقفه في القضية الفلانية كذا, وموقفه من الفرق الضالة كذا.. إلى آخره،
فتوجد قضايا محددة لا يمكن أن يختلف فيها سلفيان أبداً، التوحيد .. المنهج .. السلوك .. الاتباع وليس الابتداع .. رفض المظاهر الشركية ونحو ذلك,
فالسلفية كلمة نوعية وراءها ما يدل على أن هذه اللبنات هي التي سوف يحترق قلبها على دعوة الإسلام,
أما الاتجاه الثاني فليجربوا أكثر وأكثر، فنحن موقفنا مبني على أن الدعوة ليست عقيمة, بل هي دعوة مثمرة، وبركاتها -ولله الحمد- محسوسة وملموسة، فبالتالي رضينا بهذا الطريق، ونحن -والحمد لله- ماضون فيه، ونسأل الله أن يوفق الجميع.
خامسا
الراجح في حكم المشاركة في البرلمانات
نحن نرجح القول بتجنب المشاركة في البرلمانات في الوضع الحالي،
إلا أننا لا نضلل المخالف؛
لأن سلوكه ناشئ عن اجتهاد وعن نظر مصلحي،
وبالتالي فموقفنا هو التجنب, والتجنب هذا ليس سلبياً؛ لأنه مبني على أدلة شرعية، ومبني على ربط المسألة بالعقيدة،
وبإمكانية النفع الذي يأتي من جراء هذه المسالك،
لكن مع ذلك لو ذهب إنسان ينتخب الإخوان المسلمين فإننا لا نزجره؛ احتراماً للخلاف الفقهي في هذه المسألة،
لاسيما إذا كان المرشح أمامه معادياً للإسلام أو من هؤلاء القوم الذين يستعينون بأمريكا التي تسن لنا السكين,
فنرجو أن الإخوان عندما يدخلون في هذه المجالس أن يتصدوا في يوم من الأيام للمطامع المتوقعة المطالب بها فيما بعد,
فقد يكون من وراء هذه المجالس خير، وهذا سوف يسرنا ولا يزعجنا, فدعهم يحاولون الإصلاح من هذه المجالس، ونحن لا نضلل المخالف لنا في هذه المسألة؛ لأنه يوجد فيها خلاف فقهي بين العلماء، فالشيخ أحمد شاكر ممن أيدوا دخول البرلمانات, وكذا الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين وكذا الشيخ الألباني على مضض.
على أي الأحوال نقول: هل سيحصل تغيير في الفترات الآتية؟ ا
لعملية ما زالت في المطبخ، والوجبة سنتناولها لمدة خمس سنوات, وهذه المدة -خمس سنوات- كافية لتقويم هذه التجربة والحكم عليها، ونرجو أن يكون تطور المسألة في صالح الإسلام وفي صالح المسلمين.
والذي نطلبه من إخواننا الإخوان المسلمين أن يطبقوا علينا القاعدة التي يحترمونها، وهي: ليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه،
فنحن مختلفون معكم في هذه المسألة, فلماذا التشنج والتهارج الذي يحصل بين الشباب أحياناً بسبب الاختلاف في هذه المسألة؟
هذه القاعدة أنتم طبقتموها مع الشيعة، وطبقتموها مع النصارى, وطبقتموها مع العلمانيين, وطبقتموها مع حزب الوفد, وطبقتموها مع كل الناس, فنحن أولى الناس بها، فليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه.
على أي الأحوال ينبغي أن تكون العلاقة بين جماعات الدعوة هي علاقة التكامل، ووظائف الدعوة الإسلامية كانت تقوم بها إمبراطورية عظيمة، لها وظائف وولايات كثيرة جداً من الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وكفالة اليتامى، وجمع الزكاة وتوزيعها، والجهاد والدفاع عن البلاد الإسلامية، فهذه الوظائف العظمى كانت تقوم بها دولة الخلافة، ثم لم يبق لهذا الكيان السياسي وجود, والجماعات الإسلامية الآن تحاول كل منها أن تقف على ثغرة, وهذه الواجبات الشرعية لا توجد أي جماعة عندها إمكانات لتقوم بكل شيء.
سادسا
فضل المنهج السلفي وآثاره على الأمة
من أعظم وظائف الدولة الإسلامية وظيفة حراسة الدين, ثم سياسة الدنيا بالدين, وحراسة الدين تكون بأساليب كثيرة جداً, والتيار الوحيد الذي يستحق بكل جدارة أن يؤتمن على حراسة الدين وحراسة الشريعة
هو التيار السلفي,
ولا أقول ذلك تعصباً،
ولكن إقراراً بالوضع القائم، وليس ذلك بطلبة العلم من أمثالنا،
ولكن بعلمائنا الجبال الكبار الذين ما زال تراثهم يهدينا ويرشدنا وينفعنا, من علمائنا الأحياء أو الأموات رحمهم الله تعالى, فالتيار السلفي هو الوحيد المؤهل لأن يقوم بوظيفة حراسة الدين، وصيانة الشريعة من التحريف, وتنقيتها من البدع والشركيات، وحماية وبعث التراث الإسلامي, والدفاع عن العقيدة السلفية, وتصحيح عقائد الناس, واتباع الدليل في القضايا الفقهية، ونبذ التقليد والتعصب المذهبي, ونشر العلم الشرعي, وإقامة الحجة على خلق الله, وصيانة المفاهيم الإسلامية من أي تحريف تحت ضغط العولمة أو تحت ضغط الأمر الواقع،
ولا يوجد أي تيار من التيارات الإسلامية على مستوى العالم مؤهل لأن يقوم بهذه المهمة سوى التيار السلفي،
فالوظيفة الأساسية للدعوة السلفية هي حراسة الدين,
وصيانة المفاهيم من أن تتزلزل في عصر زلزلة الثوابت, نحن الآن في فتن يصبح فيها الرجل مؤمناً ويمسي كافراً, زمن تضطرب فيه المفاهيم, والأمور التي كانت غير قابلة للنقاش أصبحت قابلة للنقاش بسبب كثرة الإلحاح عليها وتكرارها من الفضائيات من جهة، ومن التبشير النصراني من جهة، ومن الشيعة من جهة، ومن الصوفية من جهة، ومن العلمانيين من جهة، ومن أعداء الإسلام في الغرب من جهة، فالسهام تتكالب علينا من كل جانب، فأصبحت مهمة صيانة المفاهيم من التغيير من أعظم المهمات؛ ليبقى الإسلام محفوظاً, وهو محفوظ شئنا أم أبينا؛ لأن الله تكفل بحفظه فقال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]،
لكن حفظه له أسباب، ومنها الاجتهاد في حراسة الدين ومفاهيمه من أي تغير. ولا يليق بالدعوة السلفية في الأوضاع الحالية أن تلبس ثوب الدخول في الاتجاه البرلماني؛ لأن هذا الدخول لا بد فيه من ضريبة الدفع, فلا بد أن تقول في قضايا المرأة كذا, وفي القضايا الطائفية تقول كذا, وقضايا الولاء والبراء تلغيها تماماً من القاموس, وقضية التوحيد والشرك والبدع،
فلابد من عملية تقليم أظافر حتى يسمح لك بالدخول في حلبة اللعبة السياسية، فاللعبة السياسية لها ثمن,
والدعوة السلفية بالذات لا يصلح أن تدفع هذا الثمن,
ويوم أن يكون هناك ضمانات أنها لن تدفع هذا الثمن فهذه قضية أخرى, لكن الواقع الأليم يشهد بالتنازلات التي تتم من رموز كبيرة جداً على مستوى العالم, وللأسف الشديد نسمع تصريحات تدع الحليم حيراناً من شدة شذوذها عن كلام أهل العلم، بل عن مسائل الإجماع,
فلا يستطيع أن يتأهل لهذه الوظيفة -وهي حراسة الدين وصيانته من البدع ومن الشركيات ومن الانحرافات ليصل للأجيال المقبلة نقياً من هذه الانحرافات- سوى التيار السلفي على مستوى العالم كله.
وقد ترجم البخاري في صحيحه باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة؟
فقد تغيب الجماعة بمعناها السياسي،
لكن لا يمكن أن تغيب بمعناها العلمي؛ وذلك لأن الرسول عليه السلام ضمن لنا بقاءها فقال:
(لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خالفهم أو من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك) أو كما قال صلى الله عليه وسلم،
فالجماعة بمعنى إقامة الحجة على الناس وحفظ الدين والكيان العلمي الذي يوضح منهج الحق منهج أهل السنة والجماعة؛ لا تغيب أبداً, ولا يمكن أن تزول عن الأرض بالكلية, وقد تتخلف الجماعة بالمفهوم السياسي كما هو وضعنا الآن, لكن لا تتخلف بالمعنى العلمي بسبب
التراث السلفي,
وبسبب جهود علماء السلفيين في خلال القرون كلها من بداية الصدر الأول إلى يومنا هذا,
فهم الذين يحفظون ويحرسون هذا الدين من التحريف، ويحفظون حجة الله قائمة على خلقه,
فلا يعني أننا نعجز عن إقامة الحكم أن نترك العمل، فالوظائف الأساسية موجودة، والهدف ليس هو إقامة الحكم فقط, فهذه جزئية من الجزئيات,
لكن الهدف هو تعبيد الناس لربهم,
فالله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد, ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فالهدف هو تعبيد الناس لربهم ما أمكن, فأنت تبذل كل ما تستطيع في الدعوة فعلي أن أسعى وليس علي إدراك النجاح.......
سابعا
اللعبة السياسية تتصادم مع المنهج السلفي
اللعبة السياسية فيها تحريف للمفاهيم المجمع عليها،
حتى التي هي حد فاصل بين الإيمان والكفر، وبين السنة والبدعة، فهذه الأمور غير قابلة للمساومة أبداً حتى تبقى حجة الله قائمة على الخلق نقية ناصعة،
ولا يحصل فيها هذا الامتزاج الذي يكون ثمناً وضريبة تدفع من أجل الدخول في اللعبة السياسية؛
ولهذا فإن السلفيين أشد الناس نفوراً من اللعبة السياسية؛
لأن وظيفتهم الأساسية حراسة الدين،
وهم أحق الناس بالقيام بهذه الوظيفة، بل هم الوحيدون المؤهلون لأدائها على خير وجه.
والخطاب السياسي في اللعبة السياسية يحتاج دائماً إلى التقية؛ لأنه يريد أن يصل إلى هدف، والغاية تسوغ الوسيلة, لكن لابد أن تكون الوسيلة مشروعة والغاية مشروعة، أما هذه القاعدة المكيافلية فلا تليق بنا, فكيف أجعل الهدف هو المقعد في المجلس، والوسيلة أن أتنازل عن عقيدتي؟ كيف نرضى بالشر ونقول: يمكن أن يكون الحاكم زنديقاً أو ملحداً أو نصرانياً؟ كيف نبيح حرية الإلحاد وحرية الرأي وحرية الفكر المخالف للشرع؟ كيف لا ننكر الكتب الإلحادية؟ لماذا نضحي بعقيدتنا ومنهجنا ومحور حياتنا في سبيل مقعد؟! إذاً: لا داعي للدخول في البرلمان في هذه الحالة؛ لأن شروط الرخصة لم تتوافر، والتنازل يتجاوز الخطوط الحمراء، وبالتالي فهذا خلط وتمييع للدين
يقول الله سبحانه وتعالى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ [المائدة:49]، ثم انظر ماذا بعدها: وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ [المائدة:49]. فالتنازل عن أي قضية من حقائق الدين أو تلبيسها بما يخالف مفاهيم الدين جريمة كبرى وانحراف خطير يمس بأصل الدين .
و أخيرا
سراب الديمقراطية
خلاصة ما نستطيع أن نقوله فيما يتعلق بهذه القضية:
نحن لا نعقد كثيراً من الأمل -في ضوء الأدلة الشرعية وفي ضوء تجارب الواقع في مصر أو في خارجها- على أن الديمقراطية تنفع الدعوة،
بل هي سراب,
والرصيد الحقيقي للدعوة هو أبناؤها الذين يعيشون لها ويعيشون بها ويحيون من أجلها,
هذا هو الرصيد الحقيقي للدعوة الذي تنعقد عليهم الآمال,
أما أن المخالفين بمنتهى البساطة سوف يفسحون لنا الطريق ويقولون: تعالوا اقعدوا مكاننا، واحكموا بالشرع الشريف, فهذا نوع من السراب،
وبعض الباحثين ألف كتاباً أسماه: سراب الديمقراطية، فهي سراب في الحقيقة، لكن مع ذلك نحن نقر بأن هناك اختلافاًً بين العلماء المعاصرين مناطه مدى ما يتحقق من مصالح أو يدفع من مفاسد بهذه المشاركة، لكن معظم علماء السلفيين يرفضون الدخول في هذه الأشياء، ويتجنبونها بناء على الاعتبارات التي ذكرنا، وأهمها الخطر الاعتقادي، ثم الدخول في حلبة السياسة التي لها ضريبة قد تدفعها بعض الاتجاهات،
لكن الاتجاه السلفي بالذات لا يستطيع أن يترخص في دفع هذه الضريبة, وإذا زالت هذه الضريبة فقد يختلف الكلام, لكن مع وجود هذه الضريبة فلا تقبل ذلك الدعوة السلفية، وليس من حقها؛ لأنها مؤتمنة على الحفاظ على جوهر الدين نقياً،
وهذا في حد ذاته من المكاسب التي لا تقدر بثمن، ولا توازيها على الإطلاق المكاسب المتوهمة من جراء هذا الأمر،
فنحن نؤكد أننا على هذا الموقف, إلا أننا لا نضلل المخالف؛ مراعاة للخلاف الفقهي فيها، واعتباراً بأن سلوكه ناشئ عن اجتهاد وعن نظر مصلحي, وفي نفس الوقت نقول: لعل وعسى، ولن نقول كما قال الشاعر: يقلقني الوجد فآتيكم والقلب مملوء من اليأس لكن قد يكون هناك بصيص أمل،
ونرجو لهم إذا نجحوا أن يحدثوا تغييراً،
وإن كانوا مخطئين في ذلك فنسأل الله أن يعفو عن خطئهم،
والعملية الآن تتم داخل المطبخ، والمطبخ مقفول بقوة، فننتظر خروج الوجبة التي سنأكلها لمدة خمس سنوات.
سوف تدري إذا انجلى الغبار أفرس تحت رجلك أم حمار فإذا انجلى غبار هذه المباراة, فعندنا خمس سنوات تكفينا لنقوم التجربة،
ونرى العاقبة، فنرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفق المسلمين إلى ما يحب ويرضاه، وأن يعز هذا الدين، وأن يمكن له في الأرض، وأن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا. سبحانك اللهم ربنا وبحمدك, أشهد أن لا إله إلا أنت, أستغفرك وأتوب إليك. ......
وها قد مرت الخمس سنوات
و انجلى الغبار فماذا ترون الآن
تعليق