الدعوة إلى الله تعالى من أجل الأعمال الصالحة، والقربات النافعة، والطاعات المتعدّية لنفع الآخرين، ولهذا كان القائم عليها والمنشغل بها سائرا على سبيل الأنبياء والمرسلين، كما قال تعالى : {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108]، وقال سبحانه : {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33].
وقد جاء في الترغيب في القيام بأمر الدعوة نصوص كثيرة من الكتاب والسنة، منها قوله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا» [رواه مسلم (2674)].
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ» [رواه الترمذي (2685) وصححه الألباني في صحيح الترمذي].
والدعوة إلى الله لها وسائلها المتنوعة، وطرقها الكثيرة، كالكلام المباشر، في الخطب والمواعظ والمحاضرات، وعبر الأشرطة، والكتابة عبر الرسائل، والنشرات، وفي المنتديات.
ومن ذلك : إنشاء المنتديات النافعة، والإشراف عليها، وتوجيه أهلها، والتعليق على ما مقالاتهم ومشاركاتهم، فكل ذلك من وسائل الدعوة إلى الله تعالى، وتعليم النّاس الخير.
بل هذه المنتديات أصبحت وسيلة رائدة في التوجيه، والإصلاح، والدعوة والاحتساب، وللقائمين عليها أجر عظيم على قدر نياتهم وأعمالهم، وبذلهم وعطائهم.
وعليه؛ فينبغي أن تحتسب الوقت الذي تقضيه في متابعة هذه المشاركات والتعليق عليها وتوجيه أصحابها، لكن مع الحذر من أن يشغلك هذا عما هو أهم وأنفع، كالقيام بمسؤولياتك (الزوج والأولاد) وتحصيل العلم الشرعي، والمحافظة على قراءة القرآن والأوراد، فإنّ بعض النّاس ينشغل بمتابعة المنتديات عن أعمال أهم، وقربات أعظم، والفقه هو معرفة الأولويات، وتقديم الأهم على المهم.
وما أجمل أن يضرب الإنسان في كل غنيمة بسهم، فيكون له حظ من هذا ومن هذا، يهتم بما ينفع نفسه وما ينفع غيره، يسعى في الارتقاء بنفسه علما وعملا، ويبذل من وقته في نفع الآخرين ودعوتهم وإصلاحهم، فلا يشغله حق عن حق، ولا يصرفه خير عن خير، وبهذا يجعل الله لكلامه تأثيرا، ولنصحه فائدة، لأنّه قرن القول بالعمل، وكان شعاره : {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88].
والنفس تحتاج إلى فقه في التعامل معها، فيغتنم الإنسان فترة إقبالها وحضورها ، فتارة يكون ذلك بقراءة القرآن، والإكثار من النوافل، وتارة بحضور مجالس العلم ومطالعة كتبه، وتارة بدخول المنتدى والإشراف عليه، فأفضل العبادة ما صادف حضور النفس وإقبالها وانشراحها، ووافق وقت الحاجة إليها .
ولابن القيم رحمه الله كلام نافع جدا في المفاضلة بين العبادات، نورد شيئا منه، فمن ذلك قوله رحمه الله : " وكذلك حال القلب، فكل حال كان أقرب إلى المقصود الذي خلق له فهو أشرف مما دونه، وكذلك الأعمال، فكل عمل كان أقرب إلى تحصيل هذا المقصود كان أفضل من غيره، ولهذا كانت الصلاة والجهاد من أفضل الأعمال وأفضلها لقرب إفضائها إلى المقصود، وهكذا يجب أن يكون ، فإنّه كلما كان الشيء أقرب إلى الغاية كان أفضل من البعيد عنها، فالعمل المعد للقلب المهيئ له لمعرفة الله وأسمائه وصفاته ومحبته وخوفه ورجائه أفضل مما ليس كذلك. وإذا اشتركت عدة أعمال في هذا الإفضاء فأفضلها أقربها إلى هذا المفضى، ولهذا اشتركت الطاعات في هذا الإفضاء فكانت مطلوبة لله، واشتركت المعاصي في حجب القلب وقطعه عن هذه الغاية فكانت منهيا عنها، وتأثير الطاعات والمعاصي بحسب درجاتها . وها هنا أمر ينبغي التفطن له وهو أنه قد يكون العمل المعين أفضل منه في حق غيره.
فالغنى الذي بلغ له مال كثير ونفسه لا تسمح ببذل شيء منه فصدقته وإيثاره أفضل له من قيام الليل وصيام النهار نافلة.
والشجاع الشديد الذى يهاب العدو سطوته، وقوفه في الصف ساعة وجهاده أعداء الله أفضل من الحج والصوم والصدقة والتطوع. والعالم الذى قد عرف السنة والحلال والحرام وطرق الخير والشر، مخالطته للنّاس وتعليمهم ونصحهم في دينهم أفضل من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة وقراءة القرآن والتسبيح " انتهى من (عدة الصابرين،ص 93).
وقال أيضا :
" إنّ أفضل العبادة العمل على مرضاة الرب في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته، فأفضل العبادات في وقت الجهاد: الجهاد، وإن آل إلى ترك الأوراد من صلاة الليل وصيام النهار، بل ومن ترك إتمام صلاة الفرض كما في حالة الأمن.
والأفضل في وقت حضور الضيف مثلا: القيام بحقه والاشتغال به عن الورد المستحب، وكذلك في أداء حق الزوجة والأهل.
والأفضل في أوقات السحر: الاشتغال بالصلاة والقرآن والدعاء والذكر والاستغفار.
والأفضل في وقت استرشاد الطالب وتعليم الجاهل: الإقبال على تعليمه والاشتغال به.
والأفضل في أوقات الأذان: ترك ما هو فيه من ورده والاشتغال بإجابة المؤذن.
والأفضل في أوقات الصلوات الخمس: الجد والنصح في إيقاعها على أكمل الوجوه والمبادرة إليها في أول الوقت، والخروج إلى الجامع وإن بعُد كان أفضل.
والأفضل في أوقات ضرورة المحتاج إلى المساعدة بالجاه أو البدن أو المال: الاشتغال بمساعدته وإغاثة لهفته وإيثار ذلك على أورادك وخلوتك.
والأفضل في وقت قراءة القرآن: جمعية القلب والهمة على تدبره وتفهمه حتى كأن الله تعالى يخاطبك به، فتجمع قلبك على فهمه وتدبره والعزم على تنفيذ أوامره أعظم من جمعية قلب من جاءه كتاب من السلطان على ذلك.
والأفضل في وقت الوقوف بعرفة: الاجتهاد في التضرع والدعاء والذكر دون الصوم المضعف عن ذلك.
والأفضل في أيام عشر ذي الحجة: الإكثار من التعبد، لا سيما التكبير والتهليل والتحميد فهو أفضل من الجهاد غير المتعين.
والأفضل في العشر الأخير من رمضان: لزوم المسجد فيه والخلوة والاعتكاف دون التصدي لمخالطة الناس والاشتغال بهم حتى إنه أفضل من الإقبال على تعليمهم العلم وإقرائهم القرآن عند كثير من العلماء …
وهؤلاء هم أهل التعبد المطلق، والأصناف قبلهم أهل التعبد المقيد ( وهم الذين غلب عليهم عبادة معينة، كقيام الليل أو قراءة القرآن أو الصيام ) فمتى خرج أحدهم عن النوع الذي تعلق به من العبادة وفارقه يرى نفسه كأنّه قد نقص وترك عبادته فهو يعبد الله على وجه واحد، وصاحب التعبد المطلق ليس له غرض في تعبد بعينه يؤثره على غيره، بل غرضه تتبع مرضاة الله تعالى أين كانت.
فمدار تعبده عليها، فهو لا يزال متنقلا في منازل العبودية كلما رفعت له منزلة عمل على سيره إليها واشتغل بها حتى تلوح له منزلة أخرى، فهذا دأبه في السير حتى ينتهي سيره، فإن رأيت العلماء رأيته معهم، وإن رأيت العباد رأيته معهم، وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم، وإن رأيت الذاكرين رأيته معهم، وإن رأيت المتصدقين المحسنين رأيته معهم، وإن رأيت أرباب الجمعية وعكوف القلب على الله رأيته معهم، فهذا هو العبد المطلق الذي لم تملكه الرسوم، ولم تقيده القيود ، ولم يكن عمله على مراد نفسه وما فيه لذتها وراحتها من العبادات، بل هو على مراد ربّه ولو كانت راحة نفسه ولذتها في سواه، فهذا هو المتحقق ب { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفاتحة:5] حقا، القائم بهما صدقا " انتهى من (مدارج السالكين، 1/88).
وخلاصة الجواب : أنّ الإشراف على المنتديات هو من الدعوة إلى الله تعالى، فلا ينبغي تركه، ولكن ينبغي أن ينظّم المسلم وقته، فللدعوة إلى الله وقت، ولقراءة القرآن وقت، وللصلاة وقت، وللأهل والأسرة وقت، وهكذا، فيعطي كل ذي حق حقه.
نسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد .
والله أعلم .
وقد جاء في الترغيب في القيام بأمر الدعوة نصوص كثيرة من الكتاب والسنة، منها قوله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا» [رواه مسلم (2674)].
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ» [رواه الترمذي (2685) وصححه الألباني في صحيح الترمذي].
والدعوة إلى الله لها وسائلها المتنوعة، وطرقها الكثيرة، كالكلام المباشر، في الخطب والمواعظ والمحاضرات، وعبر الأشرطة، والكتابة عبر الرسائل، والنشرات، وفي المنتديات.
ومن ذلك : إنشاء المنتديات النافعة، والإشراف عليها، وتوجيه أهلها، والتعليق على ما مقالاتهم ومشاركاتهم، فكل ذلك من وسائل الدعوة إلى الله تعالى، وتعليم النّاس الخير.
بل هذه المنتديات أصبحت وسيلة رائدة في التوجيه، والإصلاح، والدعوة والاحتساب، وللقائمين عليها أجر عظيم على قدر نياتهم وأعمالهم، وبذلهم وعطائهم.
وعليه؛ فينبغي أن تحتسب الوقت الذي تقضيه في متابعة هذه المشاركات والتعليق عليها وتوجيه أصحابها، لكن مع الحذر من أن يشغلك هذا عما هو أهم وأنفع، كالقيام بمسؤولياتك (الزوج والأولاد) وتحصيل العلم الشرعي، والمحافظة على قراءة القرآن والأوراد، فإنّ بعض النّاس ينشغل بمتابعة المنتديات عن أعمال أهم، وقربات أعظم، والفقه هو معرفة الأولويات، وتقديم الأهم على المهم.
وما أجمل أن يضرب الإنسان في كل غنيمة بسهم، فيكون له حظ من هذا ومن هذا، يهتم بما ينفع نفسه وما ينفع غيره، يسعى في الارتقاء بنفسه علما وعملا، ويبذل من وقته في نفع الآخرين ودعوتهم وإصلاحهم، فلا يشغله حق عن حق، ولا يصرفه خير عن خير، وبهذا يجعل الله لكلامه تأثيرا، ولنصحه فائدة، لأنّه قرن القول بالعمل، وكان شعاره : {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88].
والنفس تحتاج إلى فقه في التعامل معها، فيغتنم الإنسان فترة إقبالها وحضورها ، فتارة يكون ذلك بقراءة القرآن، والإكثار من النوافل، وتارة بحضور مجالس العلم ومطالعة كتبه، وتارة بدخول المنتدى والإشراف عليه، فأفضل العبادة ما صادف حضور النفس وإقبالها وانشراحها، ووافق وقت الحاجة إليها .
ولابن القيم رحمه الله كلام نافع جدا في المفاضلة بين العبادات، نورد شيئا منه، فمن ذلك قوله رحمه الله : " وكذلك حال القلب، فكل حال كان أقرب إلى المقصود الذي خلق له فهو أشرف مما دونه، وكذلك الأعمال، فكل عمل كان أقرب إلى تحصيل هذا المقصود كان أفضل من غيره، ولهذا كانت الصلاة والجهاد من أفضل الأعمال وأفضلها لقرب إفضائها إلى المقصود، وهكذا يجب أن يكون ، فإنّه كلما كان الشيء أقرب إلى الغاية كان أفضل من البعيد عنها، فالعمل المعد للقلب المهيئ له لمعرفة الله وأسمائه وصفاته ومحبته وخوفه ورجائه أفضل مما ليس كذلك. وإذا اشتركت عدة أعمال في هذا الإفضاء فأفضلها أقربها إلى هذا المفضى، ولهذا اشتركت الطاعات في هذا الإفضاء فكانت مطلوبة لله، واشتركت المعاصي في حجب القلب وقطعه عن هذه الغاية فكانت منهيا عنها، وتأثير الطاعات والمعاصي بحسب درجاتها . وها هنا أمر ينبغي التفطن له وهو أنه قد يكون العمل المعين أفضل منه في حق غيره.
فالغنى الذي بلغ له مال كثير ونفسه لا تسمح ببذل شيء منه فصدقته وإيثاره أفضل له من قيام الليل وصيام النهار نافلة.
والشجاع الشديد الذى يهاب العدو سطوته، وقوفه في الصف ساعة وجهاده أعداء الله أفضل من الحج والصوم والصدقة والتطوع. والعالم الذى قد عرف السنة والحلال والحرام وطرق الخير والشر، مخالطته للنّاس وتعليمهم ونصحهم في دينهم أفضل من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة وقراءة القرآن والتسبيح " انتهى من (عدة الصابرين،ص 93).
وقال أيضا :
" إنّ أفضل العبادة العمل على مرضاة الرب في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته، فأفضل العبادات في وقت الجهاد: الجهاد، وإن آل إلى ترك الأوراد من صلاة الليل وصيام النهار، بل ومن ترك إتمام صلاة الفرض كما في حالة الأمن.
والأفضل في وقت حضور الضيف مثلا: القيام بحقه والاشتغال به عن الورد المستحب، وكذلك في أداء حق الزوجة والأهل.
والأفضل في أوقات السحر: الاشتغال بالصلاة والقرآن والدعاء والذكر والاستغفار.
والأفضل في وقت استرشاد الطالب وتعليم الجاهل: الإقبال على تعليمه والاشتغال به.
والأفضل في أوقات الأذان: ترك ما هو فيه من ورده والاشتغال بإجابة المؤذن.
والأفضل في أوقات الصلوات الخمس: الجد والنصح في إيقاعها على أكمل الوجوه والمبادرة إليها في أول الوقت، والخروج إلى الجامع وإن بعُد كان أفضل.
والأفضل في أوقات ضرورة المحتاج إلى المساعدة بالجاه أو البدن أو المال: الاشتغال بمساعدته وإغاثة لهفته وإيثار ذلك على أورادك وخلوتك.
والأفضل في وقت قراءة القرآن: جمعية القلب والهمة على تدبره وتفهمه حتى كأن الله تعالى يخاطبك به، فتجمع قلبك على فهمه وتدبره والعزم على تنفيذ أوامره أعظم من جمعية قلب من جاءه كتاب من السلطان على ذلك.
والأفضل في وقت الوقوف بعرفة: الاجتهاد في التضرع والدعاء والذكر دون الصوم المضعف عن ذلك.
والأفضل في أيام عشر ذي الحجة: الإكثار من التعبد، لا سيما التكبير والتهليل والتحميد فهو أفضل من الجهاد غير المتعين.
والأفضل في العشر الأخير من رمضان: لزوم المسجد فيه والخلوة والاعتكاف دون التصدي لمخالطة الناس والاشتغال بهم حتى إنه أفضل من الإقبال على تعليمهم العلم وإقرائهم القرآن عند كثير من العلماء …
وهؤلاء هم أهل التعبد المطلق، والأصناف قبلهم أهل التعبد المقيد ( وهم الذين غلب عليهم عبادة معينة، كقيام الليل أو قراءة القرآن أو الصيام ) فمتى خرج أحدهم عن النوع الذي تعلق به من العبادة وفارقه يرى نفسه كأنّه قد نقص وترك عبادته فهو يعبد الله على وجه واحد، وصاحب التعبد المطلق ليس له غرض في تعبد بعينه يؤثره على غيره، بل غرضه تتبع مرضاة الله تعالى أين كانت.
فمدار تعبده عليها، فهو لا يزال متنقلا في منازل العبودية كلما رفعت له منزلة عمل على سيره إليها واشتغل بها حتى تلوح له منزلة أخرى، فهذا دأبه في السير حتى ينتهي سيره، فإن رأيت العلماء رأيته معهم، وإن رأيت العباد رأيته معهم، وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم، وإن رأيت الذاكرين رأيته معهم، وإن رأيت المتصدقين المحسنين رأيته معهم، وإن رأيت أرباب الجمعية وعكوف القلب على الله رأيته معهم، فهذا هو العبد المطلق الذي لم تملكه الرسوم، ولم تقيده القيود ، ولم يكن عمله على مراد نفسه وما فيه لذتها وراحتها من العبادات، بل هو على مراد ربّه ولو كانت راحة نفسه ولذتها في سواه، فهذا هو المتحقق ب { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفاتحة:5] حقا، القائم بهما صدقا " انتهى من (مدارج السالكين، 1/88).
وخلاصة الجواب : أنّ الإشراف على المنتديات هو من الدعوة إلى الله تعالى، فلا ينبغي تركه، ولكن ينبغي أن ينظّم المسلم وقته، فللدعوة إلى الله وقت، ولقراءة القرآن وقت، وللصلاة وقت، وللأهل والأسرة وقت، وهكذا، فيعطي كل ذي حق حقه.
نسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد .
والله أعلم .
تعليق