كيف غير الإسلام طريقة تفكير العلماء ؟
موقع قصة الإسلام
الأمة الإسلامية هي خير أمة أخرجت للناس كافة؛ فالله يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]. وقد جعل الله -تعالى- لخيرية الأمة معايير بيّنها للناس، وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله. وواقع الأمر أن أمة الاسلام في تاريخها الطويل لم تعمل لنفسها فقط، لكن خيرها عمَّ الناس جميعًا، مسلمين وغير مسلمين، وهذا متكرر في أكثر من مظهر من مظاهر الحياة العقائدية والاجتماعية والإنسانية والأخلاقية والعلمية وغيرها، فقد أضاف المسلمون إضافات مؤثرة في تاريخ الإنسانية.
وفي هذه المحاضرة لفضيلة الدكتور راغب السرجاني -والتي ألقاها في مسجد السنة النبوية في كندا- نعيش مع بعض إنجازات المسلمين في الحياة العلمية، وليست المحاضرة سردًا للإسهامات والابتكارات العلمية لعلماء المسلمين في النواحي العلمية كافة، وإنما تقتصر المحاضرة على جانب واحد من إسهامات المسلمين، وهو بعض الضوابط وطرق التفكير المختلفة التي أدخلها المسلمون بفضل هذه الشريعة الغرَّاء والقرآن الكريم والسنة النبوية.
إن من أوائل القواعد التي أسسها المنهج الإسلامي، والتي لم تكن فيمن كان قبلهم من الأمم الأخرى، قاعدة إلغاء الصراع بين العلم والدين..
فقبل الإسلام وفي المناطق التي لم يدخلها الإسلام، وخاصة أوربا في القرون الوسطى، كان هناك صراع طويل وعنيف بين العلم والدين، ولكن لما جاء الإسلام جمع بين العلم والدين، ونفى الفصل المقيت الذي كان بينهما، وكان ذلك الجمع بشكل واضح تمامًا، بل إن أول خمس آيات نزلوا على رسول الله كانت تحض على القراءة والعلم، يقول الله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1-5].
فالله -تعالى- في هذه الآيات يحدد مهمة عظيمة للإنسان، المسلم وغير المسلم، وهي مهمة العلم؛ فمن بين الأوامر الكثيرة في القرآن الكريم يختار الله -تعالى- أمر القراءة ليكون أول أمر ينزل هو {اقْرَأْ}، مع أن الرسول لا يقرأ؛ دليلاً على أهمية القراءة في بناء الأمة الإسلامية والحضارة بصفة عامة، فلا تقوم قائمة لأمة إلا بالعلم والقراءة. هذا وقد وردت لفظة (العلم) ومتعلقاتها في القرآن الكريم أكثر من سبعمائة مرة، وهي تأتي في المرتبة التالية مباشرة بعد لفظ الجلالة الله I في القرآن الكريم؛ مما يعطي الأهمية الواضحة للعلم في كيان أمة الإسلام.
ومن القواعد الأخرى التي أسسها المنهج الإسلامي: أن العلم لكل الناس، لا يقتصر على أفراد بعينهم، بل كل البشر مطالبون بالعلم، فقد قال رسول الله : "طلب العلم فريضة على كل مسلم".
ومن القواعد الأخرى أيضًا: قاعدة الانفتاح على الحضارات الأخرى؛ إذ الانفتاح سمة من سمات الحضارة الإسلامية؛ فالحضارات الأخرى تتسم بالانغلاق على نفسها، لا يتعلم علمهم إلا أبناؤها فقط مثل الحضارة اليونانية، بل إنه بعد أن اندثرت الحضارة اليونانية لم يعرف الأوربيون أحفاد اليونانيين شيئًا عن الحضارة اليونانية إلا بعد الترجمات العربية للكتب اليونانية، وهذا الكلام ينطبق على الحضارة الصينية والهندية والفارسية وغيرها.
كما أن هذا الانفتاح اقتصر على العلوم الحياتية فقط؛ فعقيدة الإسلام قد اكتملت بقول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3]. وقد عرف الإسلام قاعدة الانفتاح هذه منذ عهد الرسول ، فقد وجد سعد بن أبي وقاص t مريضًا، فقال له كما في سنن أبي داود: "ائْتِ الْحَارِثَ بْنَ كَلَدَةَ أَخَا ثَقِيفٍ فَإِنَّهُ رَجْلٌ يَتَطَبَّبُ". وكان الحارث بن كلدة في ذلك الوقت مشركًا؛ فالطب ميراث الإنسانية، وهذا أمر واضح وصريح وليس فيه حساسية منذ أوائل الدولة الإسلامية، والأمثلة على ذلك كثيرة في التاريخ الإسلامي؛ عهد خالد بن يزيد الأموي، والمأمون العباسي، والتاريخ الأندلسي.
ومن القواعد المهمة التي أصَّل لها المسلمون: قاعدة إثبات الحق لأهل الحق وإثبات الفضل لأهل الفضل؛ فما كان العالم المسلم يجد حرجًا وترددًا في نسبة القاعدة العلمية إلى قائلها أو مخترعها، وانتشرت الأسماء اليونانية في كتب العرب والمسلمين، فما عُرف عن عالم مسلم أنه نسب اختراعًا لنفسه، أو هضم فضلاً لغيره، وإن كان غير مسلم؛ ففي كتاب الحيل لأبناء موسى بن شاكر، وهم أول من أسسوا علم الهندسة الميكانيكية، والقواعد الميكانيكية في كتاب الحيل كلها من اكتشافاتهم، إلا قاعدة واحدة لأرشميدس، وقد ذكروا ذلك لأمانة نسبة الفضل إلى أهله؛ فما كان المسلمون يترددون في نسبة الفضل لأهل الفضل، أو نسبة العبارة لقائلها، وذلك في كل العلوم الحياتية.
أما القاعدة الخامسة التي وضعها المنهج الإسلامي، وهي قاعدة مهمة: أن المسلمين هم أول من أدخل المنهج التجريبي في العالم؛ فقد كان العلماء قبل الإسلام يخضعون للنظرية لا للتطبيق، فما كانوا يخضعون نظرياتهم للتجربة، وإن من أوائل العلماء الذين اعتنوا بالمنهج التجريبي العالم المسلم أبا بكر الرازي؛ ففي منهجه الذي سار عليه تراه يقول: "عندما تكون الواقعة التي تواجهنا متعارضة مع النظريَّة السائدة يجب قبول الواقعة، حتى وإن أخذ الجميع بالنظريات السائدة تأييدًا لمشاهير العلماء"!!
فهو يقرِّر أن الجميع قد ينبهر بآراء العلماء المشهورين الكبار، ويتوقَّف عند نظرياتهم، إلاَّ أن التجرِبة أحيانًا ما تتعارض مع النظرية، فهنا يجب علينا رفض النظرية -وإن كانت لمشاهير العلماء- وقبول التجرِبة والواقعة، والبدء في تحليلها والاستفادة منها، وما يقال عن الرازي يقال عن غيره من العلماء المسلمين كالزهراوي وابن ملكا وغيرهم.
ومن القواعد المهمة التي أضافها المسلمون: قاعدة ترسيخ المنهج العملي في العلوم؛ ويقصد بالمنهج العملي هو تقديم القواعد العلمية والنظريات العلمية الصحيحة لنفع البشر، وهذا على غير ما كانت عليه الأمم الأخرى، حيث كانت نظرياتهم الصحيحة حبيسة الكتب والمناظرات الجدلية، كما هو عند اليونان.
وقد اعتنى العلماء المسلمون بهذا المنهج العملي، حيث عمدوا إلى نفع الإنسانية بنظرياتهم النظرية، وقد اشتهر هذا المنهج عند الزهراوي وابن البيطار، على نحو ما سنبينه.
والحقيقة أن هناك الكثير من القواعد التي وضع أسسها العلماء المسلمون، كتشجيع الإبداع وتشجيع الفرق العلمية، وهو ما سنعيش في أجوائه مع الدكتور راغب السرجاني في هذه المحاضرة.
موقع قصة الإسلام
الأمة الإسلامية هي خير أمة أخرجت للناس كافة؛ فالله يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]. وقد جعل الله -تعالى- لخيرية الأمة معايير بيّنها للناس، وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله. وواقع الأمر أن أمة الاسلام في تاريخها الطويل لم تعمل لنفسها فقط، لكن خيرها عمَّ الناس جميعًا، مسلمين وغير مسلمين، وهذا متكرر في أكثر من مظهر من مظاهر الحياة العقائدية والاجتماعية والإنسانية والأخلاقية والعلمية وغيرها، فقد أضاف المسلمون إضافات مؤثرة في تاريخ الإنسانية.
وفي هذه المحاضرة لفضيلة الدكتور راغب السرجاني -والتي ألقاها في مسجد السنة النبوية في كندا- نعيش مع بعض إنجازات المسلمين في الحياة العلمية، وليست المحاضرة سردًا للإسهامات والابتكارات العلمية لعلماء المسلمين في النواحي العلمية كافة، وإنما تقتصر المحاضرة على جانب واحد من إسهامات المسلمين، وهو بعض الضوابط وطرق التفكير المختلفة التي أدخلها المسلمون بفضل هذه الشريعة الغرَّاء والقرآن الكريم والسنة النبوية.
إن من أوائل القواعد التي أسسها المنهج الإسلامي، والتي لم تكن فيمن كان قبلهم من الأمم الأخرى، قاعدة إلغاء الصراع بين العلم والدين..
فقبل الإسلام وفي المناطق التي لم يدخلها الإسلام، وخاصة أوربا في القرون الوسطى، كان هناك صراع طويل وعنيف بين العلم والدين، ولكن لما جاء الإسلام جمع بين العلم والدين، ونفى الفصل المقيت الذي كان بينهما، وكان ذلك الجمع بشكل واضح تمامًا، بل إن أول خمس آيات نزلوا على رسول الله كانت تحض على القراءة والعلم، يقول الله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1-5].
فالله -تعالى- في هذه الآيات يحدد مهمة عظيمة للإنسان، المسلم وغير المسلم، وهي مهمة العلم؛ فمن بين الأوامر الكثيرة في القرآن الكريم يختار الله -تعالى- أمر القراءة ليكون أول أمر ينزل هو {اقْرَأْ}، مع أن الرسول لا يقرأ؛ دليلاً على أهمية القراءة في بناء الأمة الإسلامية والحضارة بصفة عامة، فلا تقوم قائمة لأمة إلا بالعلم والقراءة. هذا وقد وردت لفظة (العلم) ومتعلقاتها في القرآن الكريم أكثر من سبعمائة مرة، وهي تأتي في المرتبة التالية مباشرة بعد لفظ الجلالة الله I في القرآن الكريم؛ مما يعطي الأهمية الواضحة للعلم في كيان أمة الإسلام.
ومن القواعد الأخرى التي أسسها المنهج الإسلامي: أن العلم لكل الناس، لا يقتصر على أفراد بعينهم، بل كل البشر مطالبون بالعلم، فقد قال رسول الله : "طلب العلم فريضة على كل مسلم".
ومن القواعد الأخرى أيضًا: قاعدة الانفتاح على الحضارات الأخرى؛ إذ الانفتاح سمة من سمات الحضارة الإسلامية؛ فالحضارات الأخرى تتسم بالانغلاق على نفسها، لا يتعلم علمهم إلا أبناؤها فقط مثل الحضارة اليونانية، بل إنه بعد أن اندثرت الحضارة اليونانية لم يعرف الأوربيون أحفاد اليونانيين شيئًا عن الحضارة اليونانية إلا بعد الترجمات العربية للكتب اليونانية، وهذا الكلام ينطبق على الحضارة الصينية والهندية والفارسية وغيرها.
كما أن هذا الانفتاح اقتصر على العلوم الحياتية فقط؛ فعقيدة الإسلام قد اكتملت بقول الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3]. وقد عرف الإسلام قاعدة الانفتاح هذه منذ عهد الرسول ، فقد وجد سعد بن أبي وقاص t مريضًا، فقال له كما في سنن أبي داود: "ائْتِ الْحَارِثَ بْنَ كَلَدَةَ أَخَا ثَقِيفٍ فَإِنَّهُ رَجْلٌ يَتَطَبَّبُ". وكان الحارث بن كلدة في ذلك الوقت مشركًا؛ فالطب ميراث الإنسانية، وهذا أمر واضح وصريح وليس فيه حساسية منذ أوائل الدولة الإسلامية، والأمثلة على ذلك كثيرة في التاريخ الإسلامي؛ عهد خالد بن يزيد الأموي، والمأمون العباسي، والتاريخ الأندلسي.
ومن القواعد المهمة التي أصَّل لها المسلمون: قاعدة إثبات الحق لأهل الحق وإثبات الفضل لأهل الفضل؛ فما كان العالم المسلم يجد حرجًا وترددًا في نسبة القاعدة العلمية إلى قائلها أو مخترعها، وانتشرت الأسماء اليونانية في كتب العرب والمسلمين، فما عُرف عن عالم مسلم أنه نسب اختراعًا لنفسه، أو هضم فضلاً لغيره، وإن كان غير مسلم؛ ففي كتاب الحيل لأبناء موسى بن شاكر، وهم أول من أسسوا علم الهندسة الميكانيكية، والقواعد الميكانيكية في كتاب الحيل كلها من اكتشافاتهم، إلا قاعدة واحدة لأرشميدس، وقد ذكروا ذلك لأمانة نسبة الفضل إلى أهله؛ فما كان المسلمون يترددون في نسبة الفضل لأهل الفضل، أو نسبة العبارة لقائلها، وذلك في كل العلوم الحياتية.
أما القاعدة الخامسة التي وضعها المنهج الإسلامي، وهي قاعدة مهمة: أن المسلمين هم أول من أدخل المنهج التجريبي في العالم؛ فقد كان العلماء قبل الإسلام يخضعون للنظرية لا للتطبيق، فما كانوا يخضعون نظرياتهم للتجربة، وإن من أوائل العلماء الذين اعتنوا بالمنهج التجريبي العالم المسلم أبا بكر الرازي؛ ففي منهجه الذي سار عليه تراه يقول: "عندما تكون الواقعة التي تواجهنا متعارضة مع النظريَّة السائدة يجب قبول الواقعة، حتى وإن أخذ الجميع بالنظريات السائدة تأييدًا لمشاهير العلماء"!!
فهو يقرِّر أن الجميع قد ينبهر بآراء العلماء المشهورين الكبار، ويتوقَّف عند نظرياتهم، إلاَّ أن التجرِبة أحيانًا ما تتعارض مع النظرية، فهنا يجب علينا رفض النظرية -وإن كانت لمشاهير العلماء- وقبول التجرِبة والواقعة، والبدء في تحليلها والاستفادة منها، وما يقال عن الرازي يقال عن غيره من العلماء المسلمين كالزهراوي وابن ملكا وغيرهم.
ومن القواعد المهمة التي أضافها المسلمون: قاعدة ترسيخ المنهج العملي في العلوم؛ ويقصد بالمنهج العملي هو تقديم القواعد العلمية والنظريات العلمية الصحيحة لنفع البشر، وهذا على غير ما كانت عليه الأمم الأخرى، حيث كانت نظرياتهم الصحيحة حبيسة الكتب والمناظرات الجدلية، كما هو عند اليونان.
وقد اعتنى العلماء المسلمون بهذا المنهج العملي، حيث عمدوا إلى نفع الإنسانية بنظرياتهم النظرية، وقد اشتهر هذا المنهج عند الزهراوي وابن البيطار، على نحو ما سنبينه.
والحقيقة أن هناك الكثير من القواعد التي وضع أسسها العلماء المسلمون، كتشجيع الإبداع وتشجيع الفرق العلمية، وهو ما سنعيش في أجوائه مع الدكتور راغب السرجاني في هذه المحاضرة.
تعليق