الخبر: إقالة إبراهيم عيسى من رئاسة تحرير صحيفة "الدستور" المستقلة المصرية، وذلك بقرار من رئيس مجلس الإدارة الدكتور السيد البدوي شحاتة والرئيس التنفيذي لمجلس الإدارة رضا إدوارد.
التعليق
كتبه/ فتحي مجدي
منقول من موقع مفكرة الاسلام: اكتسب الكاتب والصحفي إبراهيم عيسى شهرة عريضة في أوساط النخبة والعامة على السواء في مصر بمشاغباته الصحفية وجرأته على توجيه الانتقادات اللاذعة ضد السلطة في مصر، مقاله اليومي بجريدة "الدستور" بمثابة وجبة يومية للهجوم ضد رأس الحكم في مصر ومعارضة مشروع "التوريث"، وخاصة خلال الفترة التي بلغ فيها الحراك السياسي في مصر ذروته، وكان ذلك متزامنًا مع انطلاق الإصدار الثاني من الجريدة بعد توقف دام أكثر من ست سنوات.
ففي عام 1995 كان صدورها الأول برخصة قبرصية، واستمرت في الصدور لنحو عامين ونصف منعت من الطبع في مصر بقرار من السلطات عام 1998، إثر نشرها بيانًا لإحدى الجماعات الإسلامية اعتبرته وزارة الإعلام مثيرًا للفتنة الطائفية، وقد حاول عيسى مرارًا الحصول على ترخيص لأكثر من إصدار في مصر، إلا أن محاولاته باءت بالفشل، وإن ظل محافظًا على تواجده الإعلامي، عبر برنامجي "الفهرس" و"على "القهوة" على شاشة فضائية "دريم".
وفي مارس 2004 جاءت الانطلاقة الثانية لـ "الدستور" ومعها عاد عيسى على رأس الإدارة التحريرية للجريدة بعد فترة قصيرة للغاية أمضاها في جريدة "الغد" التي يصدرها الدكتور أيمن نور، وكان تلك العودة بضوء أخضر ودعم مباشر من صفوت الشريف، وزير الإعلام آنذاك، والرجل القوي داخل السلطة، الذي وافق للناشر عصام إسماعيل فهمي على تأسيس شركة تتولى إصدارها بترخيص من المجلس الأعلى للصحافة، ومن ثم عادت "الدستور" بثوبها الجديد بعد توقف استمر ست سنوات، وانتظمت بالصدور أسبوعيًا حتى تحولت إلى جريدة يومية عام 2007.
وواكب ذلك انطلاق حركة معارضة نشطة لم تعهدها مصر منذ سنوات بعيدة، كانت حركة "كفاية" أبرز تجلياتها، حين أبصرت النور في أواخر عام 2004 كحركة تبنى الدعوة إلى التغيير وتضع على رأس أولوياتها رأسها رفض التمديد للرئيس حسني مبارك بالحكم ومعارضة "توريث السلطة" لنجله الأصغر جمال، لكن سرعان ما هدأت حدة الاحتجاجات بالشارع المصري بعد إجراء الانتخابات الرئاسية في 2005، وفشلت الحركة "النخبوية" في اجتذاب الشارع رغم تنامي موجة السخط في أوساط المصريين من أوضاعهم على كافة الصعد.
لكنه تمخض عنها معارضة أكثر صخبًا ونزقًا متمثلة في برامج "التوك شو" وجرائد المعارضة، وشغل عيسى بمقالاته اللاذعة التي كانت أشبه بالقاذفات الصاروخية ضد النظام، حيزًا كبيرًا من ذلك الجدل الذي أثير ولا يزال مثارًا حول مستقبل الحكم والترتيبات لنقل السلطة في مصر، وظل يكتب بشكل يومي عنها لفترات طويلة، لكنه بمضي الوقت برزت شكوك وتحذيرات من انعكاسات مثل تلك الكتابات على أهداف حركة الإصلاح والتغيير في مصر،
اتهامات بالتشيع
وأيًا ما يكن الأمر، فإن عيسى بآرائه وأطروحاته أضفى على شخصيته جدلاً جعله ملاحقًا بالاتهامات في أي مجال تحدث أو كتب، فإعجابه الشديد إلى حد الانبهار بزعيم "حزب الله" حسن نصر الله، والذي يضع صورته في مكتبه إلى جانب الثائر الكوبي "تشي جيفارا" كان سببًا في الاتهامات له بالتشيع، وخاصة بعد ظهوره برداء العزاء الشيعي في برنامج تلفزيوني بعنوان: "الطريق إلى كربلاء"، وإحيائه مرويات التراث الشيعي التي تطعن في قطاع كبير من الصحابة والتابعين.
علاوة على اهتمام جريدته اللافت للانتباه بمتابعة وتغطية كل ما يتعلق بالمتشيعين والصوفية في مصر، وإفراد المساحات الكبيرة بطريقة غير معهودة وتبني قضاياهم ووجهات نظرهم والتعاطف معهم على الدوام، وعدم سماحه بنشر أية آراء أو تتناول إيران و"حزب الله" والشيعة عمومًا بالنقد، حتى أنه أقر بذلك ذات مرة حين قال "إنهم على عينه ورأسه ولن ينتقدهم بمثقال حبة من خردل"- بحسب تعبيره- وهو ما تأكد حين رفض نشر المقال الأسبوعي لأحد الكتاب البارزين، بسبب انتقاداته لإيران، ما جعل هذا الكاتب يستغرب من قدرته على انتقاد الرئيس مبارك في ذات الصحيفة، ومنعه في الوقت ذاته من انتقاد القيادة الإيرانية على صفحاتها.
وهذا ما يطرح شكوكًا قوية حول معتقداته السياسية والدينية، حتى وإن نفى عن نفسه تهمة التشيع، لكن الحقيقة المؤكدة أن عيسى ذا الخلفية اليسارية، بدأ حياته الصحفية مبكرًا بمجلة "روزاليوسف"- المعروفة بهجومها على علماء الدين ذوي المكانة- وصنع شهرته في عالم الصحافة من خلال تخصصه في الهجوم على العلامة الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي، حتى أنه ألف كتابًا عنه بعنوان: "أفكار مهددة بالقتل من الشعراوي إلى سلمان رشدي"، ولما سئل في مقابلة تلفزيونية عن سر هجومه عليه برر ذلك بأنه كان يهاجم التفاف الناس حوله وتقديسه بدرجة مبالغ فيها!!
عيسى والإخوان
أيضًا كان لافتًا مع العودة الثانية لـ "الدستور"، ذلك "التحالف" بين عيسى وجماعة "الإخوان المسلمين" – باعتراف صحفيين بالجريدة نفسها- وهو تحالف صاحبه الكثير من التساؤلات والاستغراب، لكنه يبدو مدفوعًا بحاجة كلا الطرفين إلى الآخر، بما يمكن اعتبارها منفعة متبادلة، ففي أعقاب توقف جريدة "آفاق عربية" – لسان حال الجماعة- عن الصدور قبل خمس سنوات، بسبب مشاكل مع الإدارة، وجدت الجماعة نفسها بحاجة إلى نافذة إعلامية بديلة ووجدت ضالتها في "الدستور" التي كانت تعاني وقتذاك من نقص في التوزيع، وندرة الإعلانات.
وقد توج ذلك بإبرام "صفقة" – غير مكتوبة- بموجبها تخصص الجريدة جانبًا من تغطياتها لمتابعة الملف "الإخواني" بكافة مشتقاته من عرض لوجهات نظر الجماعة في القضايا المختلفة، ونشر مقالات لكتاب محسوبين عليها، مقابل شراء "الإخوان" حصة معينة من أعداد الجريدة يوميًا ودعمها ماديًا- بصورة غير مباشرة- عن طريق الإعلانات، ووصل الحال بالجريدة إلى نشر اللائحة التنظيمية للجماعة على صفحتين كاملتين ضمن العدد الأسبوعي، وكان ذلك قبل ثلاث سنوات، كما تم تصعيد أحد الصحفيين "الإخوان" المنتظمين بالجماعة لمنصب تحريري مهم.
ليبرالية مزعومة
ولأنه يعتبر "الدستور" هي الجريدة الليبرالية الوحيدة في مصر، كان طبيعيًا- وحتى يبرهن على ليبراليتيه المزعومة- أن يحجب أية انتقادات ضد المسيحيين، حتى لا يبدو متواطئًا ضد الأقلية، لكن في خلفية الصورة تبرز علاقته الوطيدة بأحد أبرز أقطاب عالم المال في مصر، الملياردير القبطي نجيب ساويرس، والذي عينه في قناته الفضائية براتب ضخم، قبل أن ينقلب عليه مؤخرًا، وحين أثيرت قضية كاميليا شحاتة زوجة كاهن دير مواس المحتجزة الكنيسة، لم ينتصر لحق مواطنة في اعتناق دينها وفق إرادتها، بل أنه هاجم الذين تظاهروا من أجلها وطعن في نواياهم، وقال إنهم ليسوا من أصحاب الحرية والمدافعين عنها ووصفهم بأنهم عملاء الأمن.
وإذا كان عيسى لا ينفي عن نفسه أسلوبه الديكتاتوري في إدارة الجريدة، فمن الطبيعي أن يكون القمع والتهديد أحد وسائله في الإدارة، فعندما تقدم مجموعة من الصحفيين بالجريدة قبل شهور طالبين رفع أجورهم، رفض بشكل قاطع، وقال لهم بالحرف الواحد: "إللي مش عاجبه يضرب دماغه في الحيطة"، و "حتى إذا لجأتم إلى القضاء فإن ذلك لن يثنيني عن الرجوع عن قراري، خاصة وأن القضاء سيفصل في القضية بعد ثلاث سنوات سأكون أنا خلالها قد تركت الجريدة"!!.
وكأنه حين توعدهم يعلم مصيره المرتقب، فلم تمض أربعة شهور على تهديداته حتى تمت إقالته وصدر قرار بفصله من المالكين الجدد للجريدة، الذين استحوذوا على الجريدة في صفقة تجاوزت 20 مليون جنيه مصري، وتردد أن سبب ذلك هو خلاف مع السيد البدوي رئيس مجلس الإدارة، بسبب مقال للدكتور محمد البرادعي عن حرب أكتوبر كان من المفترض نشره في العدد الأسبوعي للصحيفة، بحسب تصريحات عيسى نفسه، لكن البدوي نفى اعتراضه على النشر، مرجعًا الأمر إلى خلافات مالية بسبب احتجاج الصحفيين على خصم الضرائب من رواتبهم.
بينما قال مراقبون إن خلع عيسى يرتبط بصفقة سياسية كثر الحديث عنها تتعلق بطموح رئيس حزب "الوفد"- مالك "الدستور" في نصيب من الكعكة مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، في ضوء ما يتردد عن دخوله في "صفقة" مع الحزب "الوطني" تضمن لحزبه حصة معقولة من المقاعد وتمنحه زعامة المعارضة بالمجلس القادم، عيسى أشار ملمحًا إلى هذا السيناريو خلال حديثه إلى قناة "الجزيرة" حول أسباب الإقالة حين أشار إلى ما أسماه بـ "الساحر"، الذي ظهر فجأة على مسرح الأحداث، قائلاً: "الساحر واحد من الشخصيات موجود حاليًا في النظام القائم سيخرج علينا بترتيب جديد غير معلوم لأحد، هدفه تكميم الأفواه، والرجوع بالدولة إلى ما قبل 2005"، فمن تراه ذلك الساحر؟!!
التعليق
كتبه/ فتحي مجدي
منقول من موقع مفكرة الاسلام: اكتسب الكاتب والصحفي إبراهيم عيسى شهرة عريضة في أوساط النخبة والعامة على السواء في مصر بمشاغباته الصحفية وجرأته على توجيه الانتقادات اللاذعة ضد السلطة في مصر، مقاله اليومي بجريدة "الدستور" بمثابة وجبة يومية للهجوم ضد رأس الحكم في مصر ومعارضة مشروع "التوريث"، وخاصة خلال الفترة التي بلغ فيها الحراك السياسي في مصر ذروته، وكان ذلك متزامنًا مع انطلاق الإصدار الثاني من الجريدة بعد توقف دام أكثر من ست سنوات.
ففي عام 1995 كان صدورها الأول برخصة قبرصية، واستمرت في الصدور لنحو عامين ونصف منعت من الطبع في مصر بقرار من السلطات عام 1998، إثر نشرها بيانًا لإحدى الجماعات الإسلامية اعتبرته وزارة الإعلام مثيرًا للفتنة الطائفية، وقد حاول عيسى مرارًا الحصول على ترخيص لأكثر من إصدار في مصر، إلا أن محاولاته باءت بالفشل، وإن ظل محافظًا على تواجده الإعلامي، عبر برنامجي "الفهرس" و"على "القهوة" على شاشة فضائية "دريم".
وفي مارس 2004 جاءت الانطلاقة الثانية لـ "الدستور" ومعها عاد عيسى على رأس الإدارة التحريرية للجريدة بعد فترة قصيرة للغاية أمضاها في جريدة "الغد" التي يصدرها الدكتور أيمن نور، وكان تلك العودة بضوء أخضر ودعم مباشر من صفوت الشريف، وزير الإعلام آنذاك، والرجل القوي داخل السلطة، الذي وافق للناشر عصام إسماعيل فهمي على تأسيس شركة تتولى إصدارها بترخيص من المجلس الأعلى للصحافة، ومن ثم عادت "الدستور" بثوبها الجديد بعد توقف استمر ست سنوات، وانتظمت بالصدور أسبوعيًا حتى تحولت إلى جريدة يومية عام 2007.
وواكب ذلك انطلاق حركة معارضة نشطة لم تعهدها مصر منذ سنوات بعيدة، كانت حركة "كفاية" أبرز تجلياتها، حين أبصرت النور في أواخر عام 2004 كحركة تبنى الدعوة إلى التغيير وتضع على رأس أولوياتها رأسها رفض التمديد للرئيس حسني مبارك بالحكم ومعارضة "توريث السلطة" لنجله الأصغر جمال، لكن سرعان ما هدأت حدة الاحتجاجات بالشارع المصري بعد إجراء الانتخابات الرئاسية في 2005، وفشلت الحركة "النخبوية" في اجتذاب الشارع رغم تنامي موجة السخط في أوساط المصريين من أوضاعهم على كافة الصعد.
لكنه تمخض عنها معارضة أكثر صخبًا ونزقًا متمثلة في برامج "التوك شو" وجرائد المعارضة، وشغل عيسى بمقالاته اللاذعة التي كانت أشبه بالقاذفات الصاروخية ضد النظام، حيزًا كبيرًا من ذلك الجدل الذي أثير ولا يزال مثارًا حول مستقبل الحكم والترتيبات لنقل السلطة في مصر، وظل يكتب بشكل يومي عنها لفترات طويلة، لكنه بمضي الوقت برزت شكوك وتحذيرات من انعكاسات مثل تلك الكتابات على أهداف حركة الإصلاح والتغيير في مصر،
اتهامات بالتشيع
وأيًا ما يكن الأمر، فإن عيسى بآرائه وأطروحاته أضفى على شخصيته جدلاً جعله ملاحقًا بالاتهامات في أي مجال تحدث أو كتب، فإعجابه الشديد إلى حد الانبهار بزعيم "حزب الله" حسن نصر الله، والذي يضع صورته في مكتبه إلى جانب الثائر الكوبي "تشي جيفارا" كان سببًا في الاتهامات له بالتشيع، وخاصة بعد ظهوره برداء العزاء الشيعي في برنامج تلفزيوني بعنوان: "الطريق إلى كربلاء"، وإحيائه مرويات التراث الشيعي التي تطعن في قطاع كبير من الصحابة والتابعين.
علاوة على اهتمام جريدته اللافت للانتباه بمتابعة وتغطية كل ما يتعلق بالمتشيعين والصوفية في مصر، وإفراد المساحات الكبيرة بطريقة غير معهودة وتبني قضاياهم ووجهات نظرهم والتعاطف معهم على الدوام، وعدم سماحه بنشر أية آراء أو تتناول إيران و"حزب الله" والشيعة عمومًا بالنقد، حتى أنه أقر بذلك ذات مرة حين قال "إنهم على عينه ورأسه ولن ينتقدهم بمثقال حبة من خردل"- بحسب تعبيره- وهو ما تأكد حين رفض نشر المقال الأسبوعي لأحد الكتاب البارزين، بسبب انتقاداته لإيران، ما جعل هذا الكاتب يستغرب من قدرته على انتقاد الرئيس مبارك في ذات الصحيفة، ومنعه في الوقت ذاته من انتقاد القيادة الإيرانية على صفحاتها.
وهذا ما يطرح شكوكًا قوية حول معتقداته السياسية والدينية، حتى وإن نفى عن نفسه تهمة التشيع، لكن الحقيقة المؤكدة أن عيسى ذا الخلفية اليسارية، بدأ حياته الصحفية مبكرًا بمجلة "روزاليوسف"- المعروفة بهجومها على علماء الدين ذوي المكانة- وصنع شهرته في عالم الصحافة من خلال تخصصه في الهجوم على العلامة الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي، حتى أنه ألف كتابًا عنه بعنوان: "أفكار مهددة بالقتل من الشعراوي إلى سلمان رشدي"، ولما سئل في مقابلة تلفزيونية عن سر هجومه عليه برر ذلك بأنه كان يهاجم التفاف الناس حوله وتقديسه بدرجة مبالغ فيها!!
عيسى والإخوان
أيضًا كان لافتًا مع العودة الثانية لـ "الدستور"، ذلك "التحالف" بين عيسى وجماعة "الإخوان المسلمين" – باعتراف صحفيين بالجريدة نفسها- وهو تحالف صاحبه الكثير من التساؤلات والاستغراب، لكنه يبدو مدفوعًا بحاجة كلا الطرفين إلى الآخر، بما يمكن اعتبارها منفعة متبادلة، ففي أعقاب توقف جريدة "آفاق عربية" – لسان حال الجماعة- عن الصدور قبل خمس سنوات، بسبب مشاكل مع الإدارة، وجدت الجماعة نفسها بحاجة إلى نافذة إعلامية بديلة ووجدت ضالتها في "الدستور" التي كانت تعاني وقتذاك من نقص في التوزيع، وندرة الإعلانات.
وقد توج ذلك بإبرام "صفقة" – غير مكتوبة- بموجبها تخصص الجريدة جانبًا من تغطياتها لمتابعة الملف "الإخواني" بكافة مشتقاته من عرض لوجهات نظر الجماعة في القضايا المختلفة، ونشر مقالات لكتاب محسوبين عليها، مقابل شراء "الإخوان" حصة معينة من أعداد الجريدة يوميًا ودعمها ماديًا- بصورة غير مباشرة- عن طريق الإعلانات، ووصل الحال بالجريدة إلى نشر اللائحة التنظيمية للجماعة على صفحتين كاملتين ضمن العدد الأسبوعي، وكان ذلك قبل ثلاث سنوات، كما تم تصعيد أحد الصحفيين "الإخوان" المنتظمين بالجماعة لمنصب تحريري مهم.
ليبرالية مزعومة
ولأنه يعتبر "الدستور" هي الجريدة الليبرالية الوحيدة في مصر، كان طبيعيًا- وحتى يبرهن على ليبراليتيه المزعومة- أن يحجب أية انتقادات ضد المسيحيين، حتى لا يبدو متواطئًا ضد الأقلية، لكن في خلفية الصورة تبرز علاقته الوطيدة بأحد أبرز أقطاب عالم المال في مصر، الملياردير القبطي نجيب ساويرس، والذي عينه في قناته الفضائية براتب ضخم، قبل أن ينقلب عليه مؤخرًا، وحين أثيرت قضية كاميليا شحاتة زوجة كاهن دير مواس المحتجزة الكنيسة، لم ينتصر لحق مواطنة في اعتناق دينها وفق إرادتها، بل أنه هاجم الذين تظاهروا من أجلها وطعن في نواياهم، وقال إنهم ليسوا من أصحاب الحرية والمدافعين عنها ووصفهم بأنهم عملاء الأمن.
وإذا كان عيسى لا ينفي عن نفسه أسلوبه الديكتاتوري في إدارة الجريدة، فمن الطبيعي أن يكون القمع والتهديد أحد وسائله في الإدارة، فعندما تقدم مجموعة من الصحفيين بالجريدة قبل شهور طالبين رفع أجورهم، رفض بشكل قاطع، وقال لهم بالحرف الواحد: "إللي مش عاجبه يضرب دماغه في الحيطة"، و "حتى إذا لجأتم إلى القضاء فإن ذلك لن يثنيني عن الرجوع عن قراري، خاصة وأن القضاء سيفصل في القضية بعد ثلاث سنوات سأكون أنا خلالها قد تركت الجريدة"!!.
وكأنه حين توعدهم يعلم مصيره المرتقب، فلم تمض أربعة شهور على تهديداته حتى تمت إقالته وصدر قرار بفصله من المالكين الجدد للجريدة، الذين استحوذوا على الجريدة في صفقة تجاوزت 20 مليون جنيه مصري، وتردد أن سبب ذلك هو خلاف مع السيد البدوي رئيس مجلس الإدارة، بسبب مقال للدكتور محمد البرادعي عن حرب أكتوبر كان من المفترض نشره في العدد الأسبوعي للصحيفة، بحسب تصريحات عيسى نفسه، لكن البدوي نفى اعتراضه على النشر، مرجعًا الأمر إلى خلافات مالية بسبب احتجاج الصحفيين على خصم الضرائب من رواتبهم.
بينما قال مراقبون إن خلع عيسى يرتبط بصفقة سياسية كثر الحديث عنها تتعلق بطموح رئيس حزب "الوفد"- مالك "الدستور" في نصيب من الكعكة مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، في ضوء ما يتردد عن دخوله في "صفقة" مع الحزب "الوطني" تضمن لحزبه حصة معقولة من المقاعد وتمنحه زعامة المعارضة بالمجلس القادم، عيسى أشار ملمحًا إلى هذا السيناريو خلال حديثه إلى قناة "الجزيرة" حول أسباب الإقالة حين أشار إلى ما أسماه بـ "الساحر"، الذي ظهر فجأة على مسرح الأحداث، قائلاً: "الساحر واحد من الشخصيات موجود حاليًا في النظام القائم سيخرج علينا بترتيب جديد غير معلوم لأحد، هدفه تكميم الأفواه، والرجوع بالدولة إلى ما قبل 2005"، فمن تراه ذلك الساحر؟!!
تعليق