ساكسونيا .. وحيد حامد
" الحكومات تصنع آلام الناس بينما الإخوان و الأحزاب تتاجر فيها لكن لا يوجد أحد مع الناس و هذا هو رأيي " ...
هكذا ببساطة فلسفية تكاد تقترب من السذاجة يريد وحيد حامد أن يلخص مشاكل مصر بحصرها في هذه الكلمات التي يرددها أحد أبطال مسلسله؛ فهو يرفعها كشعار لمسلسل الجماعة الذين يدور برمته ـ على حسب رأي الكاتب ـ حول المتاجرين بالدين !! .
المضحك المبكي – كعادة مصر - أن وحيد حامد يريد أن يستغفل الناس و ( يستعميهم ) و كأن شعبنا مغفل وفاقد للأهلية أو أن الشعب بجميع فئاته يحمل شهادة ( معاملة الأطفال ) فالرجل ترك الأصل و صب نقده اللاذع على الفرع هذا لو سلمنا بفلسفته أصلا يعني بالبلدي ( ما قدرش على الحمار ... ) .لاشك أن المتاجرة في آلام الناس و العبث بها جريمة أخلاقية و خيانة عظمى و لا أحد ينكر أن بعض من ينتسب للعمل الإسلامي قد يكون من أصحاب المصالح و المنافع بل و المخادعين, لكن الدراما المصرية الحكومية تريد أن تحصر آلام الشعوب في كل ما هو إسلامي و كأن الحل الوحيد للخروج من الأزمة هو ما يطلقون عليه الدولة المدنية - الموجودة أصلاً - و التي يعاني فيها الشعب من القهر و الغلاء و الاستغلال ، و لا أدري لماذا هذا التكرار الممل لقضية الدولة المدنية و المواطنة و الديموقراطية و كأن الحكومة هي المعارضة و المعارضة هي الحكومة ، إن الناظر لهذا الهرج الإعلامي يظن أن مصر خاضعة لحكم إسلامي أصولي متشدد وأن الإعلام يعبر عن الأقلية المقهورة الداعية للحرية ، لذا كان من الواجب أن أقرر فعلياً ـ ومنذ أمد بعيد ـ أن أعرض عن مشاهدة ما يسمى بالأعمال الدرامية؛ ليس هذا لما قد يشوبها من محرمات فحسب وإنما لسخافة و سذاجة الطرح أيضاً.
وحيد حامد يهاجم الخلافة طوال المسلسل؛ مبرراً هذا بأنه لم توجد خلافة صالحة راشدة بعد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بل هو الملك العضود المنطلق من المصلحة الاتية للحاكم ، و هو يكذب في هذا و يدلس على الجمهور فلقد أشرقت الحضارة الإسلامية على الغرب - الذي يمجده وحيد وغيره - و نقلته نقلة نوعية شهد بها المنصفون و ما طعن فيها إلا الموتورون والجاهلون في الغرب ومن تبعهم من الطابور الخامس والحاقد في بلادنا.و لو كان "وحيد" محقاً لعقد مناظرة تاريخية بين المتشددين – في وجهة نظره – و التنويريين العلمانيين من صناع النكبات ـ من وجهة نظرنا؛ لكنه يكتفي بإظهار التيار الإسلامي في صورة الجاهل أو المتشدد المنغلق, بدا هذا واضحاً منذ الحلقات الأولى أثناء التحقيق مع أفراد الجماعة في مقرات أمن الدولة, و لا أنسى في هذا المقام أن أسأل وحيد حامد هل يكتفي جهاز أمن الدولة بتقديم الشاي فقط لزواره أم أنهم يقدمون المثلجات و الفاكهة الطازجة أيضاً بمناسبة الصيف ؟! وصدق الحبيب صلى الله عليه و سلم حين قال ( إذا لم تستحي فاصنع ما شئت ) !! .
عندما كنت صغيرا كنت أظن أن ( العوالم ) الراقصات هن الوطنيات اللاتي قمن بمقاومة الإنجليز و الاشتراك في عملية خطفهم و قتلهم و كنت أرتعد إذا ما رأيت صاحب لحية في الشارع و لم أكن أتصور الإسلاميين إلا كجماعة من البشر ـ بل الوحوش ـ لا هم لها إلا ملأ البطون و إشباع الفروج .. و هكذا كان يتلاعب بنا الإعلام و يقوم بعملية غسل مخ شامل لجميع أفراد الأسرة ، كنا نرى في المسرحيات ممثل شهير إذا ما أراد أن يضحك الجمهور رفع البنطال فوق الكعبين بطريقة مقززة و كانت صورة الشيخ الأزهري في الأفلام و المسلسلات أشبه بالشخصيات الكرتونية و لغته العربية الفصحى – لغة القرآن – مدعاة للضحك و السخرية!! لكني دائما أؤكد أنه شتان بين حقبة الثمانينات و التسعينات و بين ما نعيشه حالياً في ظل هذا الانفتاح الإعلامي و في ظل التطور الذي يمر به العمل الإسلامي لأنها فرصة مواتية لهتك أستار المخادعين والمتاجرين بآلام شعوبنا حقاً, فالتيار الإسلامي لم يعد ضعيفا و مكمماً بل أصبحت له منابره الإعلامية و جمهوره العريض الذي أصبح يفوق مشاهدي دراما وحيد حامد وغيره بكثير جداً؛ جمهور واعي لا يقبل الإستغفال و لا الخداع ، جمهور صاحب ثقافة إسلامية قوية لا تمر عليها ألاعيب شيحة التي كان يتقنها صناع الدراما في حقبة ماضية ، جمهور يعرف جيدا من أكل حقوقه و نهب ثرواته ثم تاجر فيها .وأظن القائمين الآن على العمل الإعلامي سيكونون سذجاً للغاية إذا ما تصوروا أنهم قادرين على الاستمرار في هذه العبثية التي تذكرني بمسرح صاموئيل بيكيت و توفيق الحكيم فالأعمال الدرامية الآن أشبه بـ " يا طالع الشجرة هاتلي معاك بقرة " لا حبكة و لا أداء إنما هي المتاجرة بآلام الناس تلك التي يدعي وحيد حامد أنه انتصب للدفاع عنها !!.
فما معنى أن يتم تجهيز 108 مسلسل للعرض في رمضان ؟ و ما هي القيمة العائدة على شعبنا المصري من هذه المسلسلات التي بلغ إجمالي تكلفة إنتاجها 750 مليون جنيه ؟ أليس هذا عبثاً محضاً ؟ أليس هذا أشبه برقص محموم على أنقاض شعب يعاني من الفقر و الفساد ؟ "جماعة" وحيد حامد وحدها تكلفت 50 مليون جنيهاً و تم شرائه للعرض بأضعاف هذا المبلغ بينما يعيش كثير من شعبنا تحت خط الفقر ، ثم يأتي وحيد حامد في تجلياته الفلسفية المبهرة ليقول على لسان أحد أبطال "جماعته": "الطبقة الوسطى اختفت يا رجاله" ..
فيا ترى من الذي أخفاها؟
أهم الإسلاميون أيضاً؟ وهل استخدموا بودرة العفريت؟!
أم هي الحكومات صانعة الآلام التي تدفع لوحيد حامد مقابل سخافاته؟
أم طبقة الفنانيين التي ينتسب لها وحيد عصره وأوانه ؟
تلك الطبقة التي صارت و منذ أمد بعيد - في ظل فلسلفتة الوحيدة - طبقة أقوى من الأطباء والعلماء و المهندسين تلك الطبقة الثرية التي تقتات على آلام الناس حقاً؛ تلك الطبقة صاحبة النفوذ و القوة؛ فمن صنعها و من رفعها ؟ و لماذا لا يضمهم وحيد حامد لطبقة التجار التي يبغضها أكثر من بغضه لصانعي الآلام ؟ .
ثم إن وحيد الفيلسوف لم يبين لنا إلى أي الأطراف ينتمي ؟
هل هو من صانعي آلام الشعوب أم من المتاجرين بها ؟
و لا أظنه من صنف أخر خاصة أنه يؤكد على أن الناس لا تجد أحداً في صفها, حتى دعواه بأن الإخوان و الأحزاب يتاجرون بآلام الناس لم تسلم تماماً لأن وحيد حامد عنده ( خيار و فقوس ) فالأحزاب في "جماعة" وحيد حامد أشرف و أنبل من الإخوان بل أكثر إسلاماً و أعمق فهما لقضاياه!! ثم إن وحيد حامد يرفض تماما كل ما هو إسلامي حتى الدعاة الجدد على ضعفهم و أطروحاتهم المتماشية مع الأجندة الأمريكية في المنطقة لم تنل إعجاب الفيلسوف فقام (بدكها) في "جماعته" من خلال إسقاط كبيرهم الذي علمهم الدعوة الجديدة " عمرو خالد " , وهنا لا يفوتني أن أنوه لخطأ منهجي ضخم يقع فيه عدد من الدعاة و هو تمييع الثوابت ظناً منهم أن هذا باب لتأليف القلوب فالأستاذ "عمرو خالد" مثلاً كثيرا ما تكلم عن الفن الهادف و له مواقف خاصة من التمثيل حتى قام بمنح جائزة برنامجه " مجددون " لسيناريست شاب ثم قام باصطحاب أسرته لمشاهدة أحد أفلام هذا الكاتب في السينما فجائته المكافأة أسرع مما يتصور على يد وحيد حامد " السينارست " بتلويث سمعته و الطعن فيه من خلال "الجماعة".
آه آسف ـ واعذروني ـ فقد كدت أن أنسى "ساكسونيا" و هي أهم ما يميز وحيد حامد و "جماعته"؛ فساكسونيا هذه كما يحكى كانت ولاية ألمانية في قديم الزمان لم تعرف طعم العدل و لا رائحته و لا لونه و كان ( حاميها حراميها ) وصانع آلامها وساقي مرارة شعبها متاجراً فيها متلاعباً بمصيرها, فأراد بعض الفلاسفة أن ( يلبسوا الشعب العمة ) فما كان منهم إلا أن اخترعوا "قانون ساكسونيا" الذي يقضي بقطع روؤس المجرمين و اللصوص ـ بالطبع إذا كانوا من الفقراء و المساكين ـ أما طبقة ( حاميها حراميها و شيلني و شيلك ) فكان لها قانون خاص إذ كانوا يأتون بالمجرم فيها ـ وكلها مجرمون ـ على روؤس الأشهاد و يضعوه في الشمس ليحاكم أمام الشعب أقصد يحاكم ظل المتهم أمام الشعب!! . فإذا حكم عليه ـ أعني الظل ـ أتي السياف الذي لا يعرف الشفقة ولا الرحمة ليضرب عنق ( الظل ) المسكين لتطيش رقبته الوهمية و تبقى رقبة صاحبه الأعوج رأسه !!
ساكسونيا هذه يا وحيد يا حامد هي التي أغرقت 1500 شخصاً في البحر الأحمر و ساكسونيا هي التي صدرت الغاز بملاليم و سوف تستورده بملايين وساكسونيا هي التي باعت المصانع و الأراضي " من لا يملك أعطى لمن لا يستحق " و ساكسونيا هي التي صنعت آلام الناس و تاجرت فيها ..
فاللهم اخرب بيت ساكسونيا و بيت العاملين فيها و عليها ... قل آمين
تعليق